الشعوب التي تشعر بالنقص والدونية تبحث دوما عن ارتداء ملابس جديدة لتخفي احتقارها لذاتها. وكما فعل أبو شنب معتمد الخرطوم الذي جاء من خرارات القرير هاهو حمدوك القادم من الخلا يصدر توجيهاته بالقبض على الباعة الجائلين وستات الشاي. قد يرتدي الاعرابي بدلة وكرفتة ولكنك ستعرف من مشيته أنه داخل جلباب لا يشبهه. هذا المقال كتبته قبل سنوات عن ابو شنب..وأوجهه اليوم لحمدوك بتاع الدبيبات التي يشخ أهلها في الخلاء حتى اليوم... خذ إنك أنت العزيز الكريم
أبو شنب..من قيزان القرير الى احتقار الباعة الجائلين- نموذج لثقافة الفقر...
قبل سويعات فقط كنت اتحدث مع صديقة حول التنمر في المدارس ، أخبرتها أن التنمر في المدارس ترتفع نسبته في المدارس الحكومية وتقل في مدارس الطبقة البرجوازية. وذلك لأن المدارس الحكومية هي أليف الفقراء ؛ جراء ديموقراطية التعليم. وفوق هذا سياسات الخصصة التي رسمت خطا كثيفا فاصلا بين طبقات المجتمع. المجتمعات الفقيرة تملك ثقافة تختلف تماما عن المجتمع البرجوازي. فالطفل الذي تربى وهو يلعب البلي استيشان ليس كذلك الذي يغسل السيارات ليشتري طعاما لوالدته واشقائه. فثقافة الفقر ليست شيئا ايجابيا أبدا لأنها تنتج انسانا مشوها في العمق ، خاصة بعد ان صارت التمايزات الطبقية شديدة الوضوح لدرجة الاستفزاز الشديد. صار الاسلامويون الذين انتقلوا من طبقة البروليتاريا المسحوقة فجأة من ابناء التربالات والرعاة يوقفون سيارات البرادو آخر موديل ثم يطلقون ابواقها دون ان يترجلوا منها حتى لا تتسخ جلابيبهم السكروتة النظيفة ، فيهرع اليه العامل الفقير بالسوبر ماركت لإجابة طلبياته. هذا تقليد لما يحدث في الخليج ، فترهلت اجسامهم ونعمت وصارت ارق من جلد نانسي عجرم ، وصارت نساء الاسلامويين يقدن معهن خادماتهن الفلبينيات في الخلف ليحملن حاجياتهن ، نعم يا سادة ؛ نساء الاسلامويين اللائي ولدن تحت الرواكيب وتشبعن بأدخنة صاج الكسرة ، تنكرن للماضي وتشبهن بالعالم الاول.. كل مظاهر الطبقية هذه صارت معلنة ومثيرة جدا لاستفزاز الفقراء ، ومع الضغوط الاقتصادية والسرقات والفساد تعلم الرجال من الشعب تكسير التلج ، واصبحت هناك ثلاث طبقات هندوسية ؛ طبقة البراهمة وهم الذين خلقهم الإله براهما فلهم كل شيء ولا يتزوجون الا من بعضهم البعض ، كما لاحظنا في زيجات الاسلامويين المتشابكة والمتشربكة. وطبقة الويش الذين خلقهم الاله من فخذه ليدافعوا عن البراهمة من ساقط المجتمع والفاقد التربوي. والشودر وهم الغلابة الذين تعلموا طاعة الطبقتين الاخريتين من المنبوذين ويمتهنون المهن الحقيرة والقذرة. استطاع الاسلاميون الذين دار الدهر لصالحهم الانتقال من طبقة الخاضعين للأسياد من بيوت المهدية والميرغنية وغيرهم ان يقلبوا ظهر المجن ، وجاء التربالة منهم الى الحكم من قيزان القرير ومزارع كافوري وحدائق الحيوان ، وانتقلت معهم ثقافة الفقر داخل السلطة واهم مظهر من مظاهر هذه الثقافة هو انعدام التواضع والشعور بآلام الآخرين والتنكر للماضي ، والتمسح بالأغنياء والتشبه بسلوكهم وثقافتهم وحب التقرب اليهم. وهكذا انقسم المجتمع الى هذه الطبقات الثلاث مع العلم ان الطبقة الاولى هي الأقلية التي تملك كل شيء ، وطبقة الويش التي تأكل من فتات الأقلية ، وطبقة الشودر وهي هؤلاء الذين يفترشون الارض ويلتحفون السماء من ستات الشاي والباعة المتجولين. معتمد الخرطوم الفريق ابو شنب امتعض وتقزز من مشهد هؤلاء الفقراء ، فاصدر اوامره بمطاردتهم وملاحقتهم والتنكيل بهم وتشريدهم ومصادرة النذر اليسير الذي يملكونه. ثم عبس وبسر ؛ ثم ادبر واستكبر وقال ان هؤلاء يشكلون لوحة قبيحة في الشوارع الرئيسية بالخرطوم. تجاهل السيد ابو شنب القمامات المتكدسة وعفونة المزابل والشوارع المليئة بالحفر ، وامطار الخريف التي لا تجد لها صرفا صحيا فتمتلئ بالبعوض والضفادع وسائر الحشرات والبكتريا والجراثيم والامراض ، تجاهل هذه المشاهد الجميلة ولم ير القبح الا في بائعة شاي او شاب في مقتبل العمر لم يجد ما يقيم أوده سوى حمل بضعة مساويك او خلافه من بضاعة وبيعها تحت هجير الشمس. السيد ابو شنب ، لا يهتم كثيرا بمعالجة مشكلة الفقر والبؤس وارتفاع الاسعار والمحسوبية في التعيين في الوظائف العامة لابناء الاسلامويين ومنهم طبعا اولاد ابو شنب نفسهم فقد دخلا الجيش برتب ضباط ، وهناك امثالهم الالاف لا يمكنهم الحصول على درجة صول رغم امكانياتهم ومؤهلاتهم. تجاهل ابو شنب كل ذلك وأخذ يلاحق ستات الشاي اللائي يعلن اسرهن الضعيفة ، يعلن زوجا مريضا وطفلا معاقا والصرف على الاسرة من تعليم وعلاج وسكن واكل وشرب من طبلية شاي صغيرة ، لكن ابو شنب لا يهتم بذلك ، فابنيه الملازمين عقدا قرانهما في مسجد الضرار مسجد النور بكافوري بحضور الرئيس وشلة الفساد الأخرى ، مسجد الاثرياء واصحاب الشوكة ، فوداعا لقيزان القرير التي كان ابو شنب يغطس بساقيه في طينها مزارعا يعلم قيمة الكد والكدح. متناسيا قول الله تعالى (لقد خلقنا الانسان في كبد) ، فصار يقول (ما أظن أن تبيد هذي أبدا). لو تتبع سعادة الفريق ماضينا وماضي كل المسؤولين واغنياء الصدفة لوجد الشعب كله نتاج هؤلاء الفقراء ، فنحن شعب نشأ من الكدح والفقر ، فلم يصعر ابو شنب خده للناس؟ كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم. البارحة قامت السلطة بمصادرة ابريق شاي وكبايات وكانون فحم من بائعة شاي تعول اسرتها الفقيرة ، فما كان منها الا ان ارتمت تحت جلات سيارة الحكومة رافضة التزحزح ، فاعتقلوها وفتحوا فيها بلاغا وامتنعوا عن رد ممتلكاتها التافهة هذه؟ وهو نفسه اليوم الذي جرت فيه تسويات مع كبار الفاسدين بملايين الدولارات للافلات من القانون ، فأيهم الاكثر شرفا في الصورتين: بائعة الشاي التي لم تبع ضميرها وتتحول لعاهرة ، ام مسؤولين ونافذين لا شرف لهم وهم يبيعون بلدا بأكمله ويستولون على اموال بائعة الشاي هذه واموال الفقراء والمساكين فيأكلون في بطونهم السحت من مال الحرام ألا ساء ما يفعلون. إن المشهد القبيح يا سعادة الفريق هو مشهد الللصوص من اكلة مال الحرام وليس مشهد بائعات الشاي والباعة المتجولين الشرفاء ، فما تراه جميلا فهو عند الله قبيح ، وما تراه قبيحا فهو عند الله جميلا ، فأنتم لا تعلمون من الدين الا رفع السبابة والتكبير الاجوف الذي لا يكاد يغادر حلاقيمكم. ان مشهد ستات الشاي والباعة المتجولين يثير عند اصحاب القلوب النظيفة والضمائر اليقظة مشاعر الشفقة والرحمة بهم ، وليس مشاعر العداء والكره والحنق الناتج عن استكبار يتملق النفوس الصغيرة. الا لعنة الله عليكم وعلى كل من تبعكم في استكباركم على الضعفاء...ولو نظرتم الى انفسكم وما كسبت ايديكم لما رأيتم الا قذى تجاوز حد القباحة. نسأل الله تعالى ان ينجينا من بطش مستجدي النعم من اصحاب الحظوة وأن يخرجنا من بلد غضب الله عليه حتى فقد قومه الرحمة بالفقير والمريض وان يجعل لنا مؤلا خير من هذا ، وان يجعل لنا من لدنه وليا وان يجعل لنا من لدنه نصيرا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست