إن كل صناعة سريعة الفساد هي صناعة ضعيفة ، ونحن كبشر صناعة بائسة على يد الطبيعة (والطبيعة هنا هي مجموع القوى التي ألقت بعبئها على كل الموجودات). إننا كائنات تنزع للفساد. وهذا الفساد المحقق دفع بنا للبحث عن صناعة خالدة. فلجأنا للفلسفة والفن والأدب ثم العلم والأسطرة. وإذ أن جمهورية أفلاطون لا زالت تدرس بعد الفين وخمسمائة سنة ، فإن محاولاتنا لتصحيح تلك الصناعة الضعيفة تتم عبر إحداث أثر ما وتركه ليركض في مسرب الزمن..أثر باسم الصنيعة الفاسدة التي تتوهم خلود رابطها بين نفسها ومنتجها. وهو زعم يغالط نفسه حتى عندما ينسب ذلك الأثر للإنسانية ؛ إذ يبدو دليلا على فساد الصنعة بدلا عن خلودها ؛ فتنخلق تلك الحالة الشعورية المتناقضة بين ماضي الإنسان وحاضره ومستقبله..الاحساس بالمفاصلات المتعاقبة والاتصالات الواهنة بين تلك المفاصلات. وهناك تحد مستمر لتجاوز عقبة ضعف الصنعة بالبحث عن تمديد قابليتنا لأن نحيا أطول و أفضل. ومع ذلك فنحن ننهزم كل ثانية في هذا التحدي.. وإزاء ذلك فقد تشكلت دعوات قديمة حديثة لنعكس الهزيمة عبر نصر فادح وهو أن نعمل على الإنقراض الذاتي. وغالبا ما تقود البرجوازية تلك الدعوات في مواجهة الاستهجان العام. وفي الواقع فحتى البرجوازيون لا يرغبون في انتصارهم بل يستمتعون فقط بإعلانات تمرد بدون حمل السلاح. التمرد السلمي الذي لا يعني شيئا في الواقع. يستطيع البرجوازيون المسيطرون على الإعلام أن يخوضوا حربا دعائية توجيهية استقطابية حقيقية كما فعلت آزاء قضايا أخرى كثيرة كحرية التعبير وسائر حقوق الإنسان. لكن الليبراليين أنفسهم كانوا يرفضون إعلان موقف حاسم تجاه مسأئل هامة كالموت الرحيم والانتحار والإجهاض. إنهم كاذبون في الواقع...هم لا يختلفون كثيرا عن المسحوقين الذين يستمتعون بالإنسحاق ويعتبرونه حياة حقيقية..كل مافي الأمر أن البرجوازية غير قادرة على الحصول على يقين البروليتاريا وترفض أن تتحول عدميتهم لتيار إنساني عالمي. ولأنهم جبناء فإن أي تحول كذلك الذي يخشونه سيجعلهم ينقلبوا ضده لتفنيده بحجج بعضها عقلاني وأخرى ميتافيزيقية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة