لمحاربة الفساد تحتاج مؤسسات الخدمة المدنية لنظام اداري صارم بحيث لا احد يتجرأ علي التستر او السرقة او الخيانة وكل الدول الناجحة في محاربة الفساد قد يجد الموظف فرصة واحدة فقط في حياته لاي ضرب من ضروب الفساد بحيث ليس في إمكانه التكرار والسبب لانه لن يكون في موقعه ليستمر في فساده ،وفي الوقت نفسه يكون عظة وعبرة للباقين بان إساءة الواجب في الدولة لا يكون هناك عاصم منه وبل يكون مخاطرة كبيرة لاستمرار الموظف في موقعه. كما يقولونه في دول الغربية اسرق طالما لم تقبض متلبث، انها ليست سرقة . وهم يعلمون تماما انك لم تفلت ووقته تدفع الثمن غاليا ليس مجرد استرداد المسروق او إلزام لمعالجة الضرر ايا كان نوعه والسجن او كلها معا بل يكتب في ملفه انه سئ او غير امين وهذه الصفة تلازمه طوال حياته من المحال ان يجد فرصة اخري للعمل العام او الخاص في كل البلاد قبل ازالة السابقة رأفة به بأمر قضائ قد تستمر سنينا حتي يفقد السارق منزله وسيارته وكل ممتلكاته التي حصل عليها بضمان وظيفته ولذلك سرقة دولار واحد او خطأ واحد يعتقد انه تعمدا يعادل تدمير حياة الانسان كل حياته وصولا الي طلاق زوجته وابتعاد ابنائه عنه قد ينتهي به بحالة الجنون. هكذا ان العقاب احدي اهم الاسباب لتنجب الفساد في كل اشكاله ان الاعتماد علي أخلاق زيد ودين عبيد هو الفساد نفسه . ولكن تبقي المشكلة كيف يتم تقديم الموظف الفاسد للحساب . نعم ان اللوائح المعمولة في النظم الإدارية تلزم الجميع ان يكونوا تحت الوضع الترتيبي للوظيفة فأصغر موظف لا يستطيع ان يفسد بدون موافقة او إهمال المسؤل الاعلي منه .ولربما يمكنه تمرير بعض الأخطاء عفوا ومع ذلك ان الأخطاء يمكن ان تكتشف في اية مرحلة من مراحل القرار وخاصة القضايا الكبيرةاو المسائل المالية لان الخطأ يتحمل كل من ساهم في تمرير القرار وهم سيان في الجرم . ولكن الذي يحدث اذا كانت كل المحطات التي تشارك في صناعة القرار عناصر منسجمة سواء علاقات الدم او القبيلة او حتي الجهه او ايدولوجيا لا احد يحاسب الاخر وبل الفساد في هذه الحالة حتي من الصعب ان يكتشف بواسطة المراقبين او المراجعين لان من الممكن يتم التحايل علي بعض اللوائح لتبدو القرار سليما او العمل علي اخفاء كل الجوانب غير الموضوعية في صناعة القرار بالتعاون مع البعض لحماية شخصا ما او كل المستفيدين من تمرير القرار . ويحدث ذلك دائما اذا كان يعملون خارج منطقة القبيلة لحساب الحكومة المركزية . والمشكلة الكبري اذا كان المراجع والمراقب والقاضي ومدعي العام والوزير ورئيس الدولة وكل المفسدين من ذات المجموعة.وما بال اذا كان مصير قرض كامل للدولة بيد ابناء قرية واحدة لا يعرف وجهته وقته تكون الدولة مستباحة ولم يحدث هذا النوع من الفساد في هذه المعمورة منذ ان تم تكوين الدول . فان الفساد الذي حدث في عهد الانقاذ ليس بسبب عدم وجود القوانين الرادعة للمفسدين ولكن تعطل هذه القوانين وكل يجتهد علي حسب علاقاته وقدرته علي تمرير القرار. وهذا بدوره يفتح الباب واسعا لإشراك المعترضين ليجد القرار طريقا سالكا في القضايا الخطيرة والكبيرة مثل تمرير حاويات المخدرات او دفن النفايات السامة في البلاد او شراء الأسلحة السيئة او تمرير الاسمدة التالفة او السامة او الأدوية منتهية الصلاحية .بعضها تصل درجة الخيانة العظمي ولكن تمر من دون التوقف. ومن جانب اخر ان كثير من المفسدين يتمكنون من تمرير القرارت الخطيرة عبر الدرجات الوظيفية المختلفة منهم الوكلاء والمدراء بإشراكهم في الفائدة ويكون ذلك سببا في عدم القدرة في اعتراض اي مظهر من مظاهر الفساد بعد ذلك طالما يوما كان جزء من الفساد ، وبالتالي تصبح كل المؤسسات التي تعمل فيها المجموعة المتجانسة لا احد يراقب الاخر بل العكس كل يغطي للآخر وفي النهاية يتم استباحة كل الدولة وتصبح مظاهر الفساد ظاهرة عادية وبل يظل المفسد في نظر المجتمع كإنسان ناجح طالما يملك مالا ،ومنها تصبح ثقافة عامة وقته من الصعب اعلان الحرب علي الثقافة. وهكذا ان ظاهرة الفساد التي تعيشها السودان لا يمكن وضع نهاية لها بالطرق الإدارية المعتادة لانها مرتبطة بسياسة احتكار الوظائف .ولذلك ان تجارب الأمم الاخري او النظم الإدارية الصارمة التي حققت النجاح في اكثر من الدولة لا تصلح في السودان لان الظاهرة السودانية مرتبطة بالنظام الأهلي العنصري وتأثير علاقات القربي والانسجام بين الموظفين مثلما تفعله القحت الان ابعاد شخص وتعين احد أقربائه بدلا منه بدعوي الاول كان من النظام السابق مع ان الجديد يسكن معه في البناية الضخمة التي بناها له اخوه لكل الاسرة من النظام السابق ويركب السيارة التي اشتراه له او في المنزل الذي بناها له .ولما كان يتكفل بكل العائلة العريضة بمن فيها اسرة اخوه الذي يشغل محله الان وبالتالي هو نفسه ملزم ان يفعل كل ما كان يفعله اخوه الذي تحول الي المستشار ليعلمه التجارب الناجحة في السرقة او كل أنواع الفساد والأطراف التي كانت تتعاون معه . وفي الغالب اخوه كان يعمل في وظيفة غير مباشرة او التجارة مرتبطة بالفساد . ولذلك ان من يتم تعينهم لم يكونوا يوما بعيدا عن هذه الوظائف ان لم يكونوا هم انفسهم كانوا يفسدون موظفي الحكومة .هو معني لا احد يريد ان يتحدث عن فساد أعضاء الحكومة السابقة لان الشيكات التي تصل الي الصادق المهدي من النظام يصعب تبريره ( الحديث منسوب لمصطفى اسماعيل عندما قال يستلموا مننا الأموال ليلا ويعارضوننا نهارا ). ولا يستطيع ابراهيم الشيخ إقناع احدا كيف حصل علي العقود لتوريد ايا كانت المواد لجهاز الامن وبل كلهم مالئين بطونهم من الفساد مع الانقاذ. وهذا الوضع استمر منذ تاريخ السودنة وبل كل الحكومات منذ الاستقلال لا تري ضرورة اشراك الاخرين في مؤسسات الدولة الحساسة حتي باتت كل الوظائف الكبيرة بما في ذلك في الولايات من نصيب مجموعات عرقية محددة يتعاونون مع البعض لتحويل كل أموال الدولة مغنمة لأنفسهم ويتوارثونها ابا عن الجد .وقد كان ذلك هو السبب الوحيد والأول والأخير في انهيار الخدمة المدنية، وبل انهيار الدولة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
محمد ادم فاشر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست