عرض كتاب الحياة بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاﺫ الحلقة الثانية عشرة بقلم خالد الحاج عبدالمحمود

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 04:07 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-30-2019, 02:22 PM

خالد الحاج عبدالمحمود
<aخالد الحاج عبدالمحمود
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 158

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عرض كتاب الحياة بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاﺫ الحلقة الثانية عشرة بقلم خالد الحاج عبدالمحمود

    02:22 PM October, 30 2019

    سودانيز اون لاين
    خالد الحاج عبدالمحمود-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    ﺫ / خالد الحاج عبدالمحمود
    بسم الله الرحمن الرحيم
    "أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ"

    الجزء الثاني
    الحياة في الإسلام
    الفصل الخامس
    تعلموا كيف تحيون!!
    هذا الفصل هو عن الممارسة العملية للحياة، وعن المنهاج الذي تقوم عليه الممارسة، حسب الإسلام، كما يدعو له الأستاذ محمود محمد طه.. العيش، مجرد العيش، لا يحتاج إلى منهاج، لأن العقل الذي يستخدم لتحقيقه ثابت، وليس له وظيفة أكثر من الحفاظ على الحياة الدنيا.. أما الحياة العليا، حياة الإنسان، التي تحدثنا عنها، ويدعو لها الإسلام، تقوم على التسامي، والانتقال من النفس الدنيا – النفس الحيوانية – إلى النفس العليا – النفس الكاملة – نفس الإنسان، والحياة وفق هذه النفس.. فهي حركة تطورية في سلم سباعي، تستهدف تحقيق غاية محددة، هي الحياة العُليا.. وكما سبق أن ذكرنا، تحقيق الحياة العُليا، لا يكون إلا بالعمل وفق قوانينها.. وهذا هو معنى العنوان الذي إتخذناه لهذا الفصل (تعلموا كيف تحيون).
    كتاب الحياة هو (القرآن)!! وللأستاذ محمود محمد طه، كتاب اسمه (تعلموا كيف تصلون).. نفس هذا الكتاب يمكن تسميته (تعلموا كيف تحيون).. فتعلم الصلاة وفق الكتاب المذكور، هو تعلم العيش وفق قوانين القرآن – قوانين الحياة العليا.. وهذا هو المحتوى الفعلي للكتاب.. فهو يتحدث عن الصلاة كمنهاج حياة، بها يتم التسامي من الحياة الدنيا، إلى الحياة العليا.. وعلى ذلك هو يتحدث عن كيفية الحياة، التي ينبغي أن يعيشها المسلم، العامل على اتباع منهاج السنة.. فمنهاج السنة هو منهاج الحياة العليا.. وهذا المنهاج يقوم على تقليد النبي صلى الله عليه وسلم، في عبادته وفي ما يُطاق من عادته.. فمنهاج الحياة العليا هو (طريق محمد) صلى الله عليه وسلم، الذي تقوم عليه دعوة الأستاذ محمود لبعث الإسلام، كمدنية جديدة، تحل محل الحضارة الغربية السائدة، بعد أن أدت هذه الحضارة، وظيفتها التاريخية حتى استنفدتها، وأصبح لا بد من إيجاد البديل لها، من أجل مواصلة الحياة مسيرتها، والدخول بها مداخل التمدين الحقيقية.. ولقد أصبح الأمر هكذا، لأن حياة محمد هي مفتاح القرآن، والقرآن هو كتاب الحياة.. فمحمد صلى الله عليه وسلم، جَسَّد القرآن في حياته، حتى أصبحت أخلاقه القرآن!! يقول الأستاذ محمود محمد طه: "أمران مقترنان، ليس وراءهما مبتغى لمبتغِ، و ليس دونهما بلاغ لطالب: القرآن، و حياة محمد.. أما القرآن فهو مفتاح الخلود.. وأما حياة محمد فهي مفتاح القرآن.. فمن قلد محمداً، تقليداً واعياً، فهم مغاليق القرآن.. ومن فهم مغاليق القرآن حررعقله، وقلبه، من أسر الأوهام.. ومن كان حر العقل، و القلب، دخل الخلود من أبوابه السبعة..".. "أمران مقترنان: القرآن، وحياة محمد، هما السر في أمرين مقترنين: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" لا يستقيم الأخيران إلا بالأولين"
    ويقول الأستاذ محمود: "إن حياة الفكر، وحياة الشعور، لا تحقق إلا بالحياة، وفق قانون الحياة.. فالوسيلة التي تفضي إليها يجب أن تقدم من أول وهلة، أسلوباً للحياة، وأسلوبا للفكر، وفق قوانين الحياة العليا، حتى يستطيع الحي باتباع تلك الأساليب، أن يترقى من الحياة الدنيا إلى الحياة العليا – حياة الفكر وحياة الشعور.. وأنت لا تجد وسيلة من وسائل المعارف البشرية غير الدين – الدين بوجه عام – والدين الإسلامي بوجه خاص، تقوم هذا المقام.. ذلك بأن أكبر عائق في سبيل تحقيق الحياة العليا – حياة الفكر والشعور – إنما هو الخوف.. ولا تتجه وسيلة إلى تحرير الفرد من الخوف إتجاها مليئا بالنجاح غير وسيلة الدين..".. منذ البداية، قلنا أن حاجة الحياة الأساسية هي للأمن، وهذه حاجة للتخلص من الخوف، ومن عقابيل الخوف.. وهي حاجة عند الإنسان، أوكد منها عند بقية الأحياء، وذلك لاعتبار العقل، واعتبار حتمية الموت.. ومن المستحيل الأمن من خوف الموت، إلا بمعرفته والتصالح معه.. وهذا أمر من المستحيل توفره في غير الدين.
    ما هو أسلوب الحياة، وأسلوب الفكر، وفق قوانين الحياة العليا الذي يقدمه الإسلام، وأين نجده؟؟ بإيجاز إنه الأسلوب الذي يقوم على التوحيد.. ونجده في القرآن، كتاب الإنسان.. فالقرآن هو قصة النفس البشرية.. يقول الأستاذ محمود في خطابه إلى الدكتور توريز بوديت مدير عام منظمة اليونسكو ما نصه: "ولكن أين نجد الصورة الصحيحة، عن أصل الحياة، وأصل الوجود؟؟ ذلك ما من أجله أكتب إليك.. إنك، لا بد، قد سمعت بالقرآن، وما يقال عنه من أنه كتاب المسلمين، وهذا غير الحق، فإن القرآن كتاب الإنسانية جمعاء، لأنه سيرة الحياة جمعاء.. هذا الكتاب هو قصة النفس البشرية الخالدة في الجوهر، المتقلبة في الصور المختلفة، في الأزمنة المختلفة، والأمكنة المختلفة.. فلم يمر عليها زمان قط، لم تكن فيه في مكان ما، تبحث عن الخلود.. تريد أن تكون خالدة في الصور، كما هي خالدة في الجوهر.. هذه القصة الطويلة هي قصتي، وقصتك، وقصة كل فرد بشري، ولكنا جميعا نسيناها.. ومعنى أننا نسيناها أنها رسبت في العقل الباطن، ثم غطت عليها طبقة كثيفة من الأوهام، والمخاوف، التي ورثناها من عهود الجهل، والخرافات.. وليس لنا إلى السعادة من سبيل إلا بكسر هذه القشرة الكثيفة التي أحكمت سبكها، وافتنت في حياكتها، يد الخرافات، والأوهام، والمخاوف، التي حجبت صور العقل الباطن، من أن تنعكس على صفحة العقل الواعي، فتستجلي، بانعكاساتها، الحقيقة الكبرى – حقيقة الحقائق المحجبة بستائر الأنوار..".. القرآن هو قصة النفس البشرية، وهو خريطة طريقها في سيرها الي كمالها.. والقرآن هو كلام الله اللفظي.. والأكوان، وما يحدث فيها، هي كلام الله الخلقي.. وبهذا، تكون عندنا صورة لكلام الله، في القرآن، و في الأكوان.. فالقرآن و الأكوان شيء واحد، معبر عنه بصورتين مختلفتين.. وحياة محمد، صلي الله عليه و سلم، هي القرآن كحياة؟؟ فأخلاقه القرآن، وكل تفاصيل حياته تقوم علي القرآن.. وعلي ذلك يمكن أن يقال عنه انه القرآن الحي.. وبذلك يصبح عندنا ثلاث صور لكلام الله: الأكوان وأحداثها _الكلام الخلقي.. القرآن بين دفتي المصحف _الكلام اللفظي.. وحياة محمد _الكلام كحياة.. وهذه الأخيرة _حياة القرآن_ هي الغاية، وما كلام الله في المستويين الاولين، إلا وسيلة لها _وسيلة لأن يكون القرآن حياة_ يعاش في اللحم والدم، وبه يكون الناس، مصاحف حية متحركة!! وسبيلنا إلي هذا التخلق بأخلاق القرآن، بأتباع و تقليد، مَن أخلاقه القرآن.
    الحياة الكاملة هي أصل الإنسان الذي منه صدر!! هي ما كان عليه الإنسان وهو (في أحسن تقويم)، في الملكوت "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ* ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ".. فهو رُد إلى أسفل سافلين، وطُلب إليه أن يسترد مقامه في أحسن تقويم، هنا في الأرض – في الجسد.. عبر التجربة في الخطأ والصواب – حق الخطأ الذي تحدثنا عنه.. فحياة الإنسان فينا لكنها محجبة، ومغطاة.. فنحن لا نبحث عنها خارجنا، وإنما داخلنا!! نحن نصل إليها عن طريق رفع حجب الأوهام والأباطيل، والمخاوف.. وإنما يكون رفع هذه الأوهام بالفكر.. وهكذا، لا سبيل إلى حياة الإنسان، إلا سبيل الفكر – سبيل العلم والمعرفة.. المعرفة التي تتخلص من الأوهام والأباطيل والمخاوف، وليس أي معرفة أخرى.. وهذه هي معرفة الحقيقة، معرفة الأمر على ما عليه في الحقيقة.. والحقيقة هي الله، ولذلك المعرفة التي يكون بها الوصول إلى حياة الإنسان، هي معرفة الله.. ولقد سبق أن ذكرنا أن أصل الحياة هو حياة الله، فهي وحدها الحياة وكل حياة غيرها، مستمدة منها وتقوم عليها.. فالحياة هي معرفة الله والقرب منه.. راجع ما كتبناه عن الحاجة لله.. فكيف نعرف الله وكيف نعمل على القرب منه؟ هذا ما سنتناوله بعد قليل، وهو عمل المنهاج –منهاج الطريق – الذي وردت مقوماته الأساسية في كتاب (تعلموا كيف تصلون).. المهم أن نقرر هنا، أن العيش يكون لسد حاجات الإنسان البيولوجية، والفكرية معاً.. الحاجات الفكرية هي عمل في إشباع حاجات الإنسان الوجودية، يقوم على الإجابة على أسئلة العقل الوجودية.. وإشباع هذه الحاجات إنما يكون بمعرفة الله –معرفة التوحيد.. فهذه هي المعرفة الوحيدة التي تتوفر على معرفة أصل الوجود، وأصل الحياة، ومعرفة أصل الوجود الإنساني ومصيره، بالصورة التي تمكن من تجاوز الأوهام والأباطيل، وتحرر من الخوف، وترد بصاحبها مورد الحياة الكاملة، الحياة الخالدة.. يقول الأستاذ محمود: "العلم الذي به الحياة إنما هو إدراك الأشياء كما هي في الحقيقة.. والحقيقة هي الله أيضا.. فالحقيقة، والغيب هما العلم المطلق وهو فينا، في حالة كمون، ولا يفتر منا إلا في المكان، والزمان.. والذي نحققه من المطلق، في الزمان والمكان، هو العلم النسبي - هو الحق- والحق هو وجه الأشياء الذي يلي الحقيقة.. ونحن لا نستطيع أن نحقق من المطلق شيئا إلا إذا تحلينا بما يسمى (أدب الوقت) ..".. العلم المطلق فينا يعني في قلوبنا.. يقول تعالى في الحديث القدسي: "ما وسعني أرضي ولا سمائي، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن".. والسعة هنا بالطبع ليست سعة مكان، وإنما هي سعة علم.. والقلب في المصطلحات الدينية، هو العقل الباطن.. هو ذات الحي.. ففي القلب العلم المطلق، ولكي يصبح هذا العلم، علماً مُحققاً عند صاحبه، لا بد أن ينعكس من القلب، على مرآة العقل.. وما يحول دون هذا الانعكاس، هو الحجب التي تحدثنا عنها، وقد سماها الله تعالى (الرين).. فهو تعالى قد قال: "كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ* كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ".. الحُجب تقع في مستويين هما: حجب الظلمات – حجب شهوة البطن والفرج.. وحُجب الأنوار – حجب العقول.
    الفطرة:
    قلنا إن الكمال هو أصلنا الذي عنه صدرنا، وهو موجود داخلنا.. ونقول هنا إن الكمال لم يتغير، وإن حُجب مؤقتاً.. وصيرورتنا إليه أمر حتمي.. كل ما هنالك هو أنه علينا أن نعمل شريعتنا بإتقان وبتجويد، من أجل الوصول إلى هذا الكمال.. فالحياة الكاملة حياة الإنسان، هي (فطرة الله) التي فطر عليها الإنسان، ابتداءً.. يقول تعالى: "فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".. (فطرة الله) (الاسم).. فهو هنا يتحدث عن التنزل إلى مقام الاسم (الله) وليس عن الذات.. فعن الذات، ليس للحديث نصيب أكثر من الإشارة.. والذات فوق الإشارة، وفوق العبارة.. والتنزل إلى مقام الاسم، به ظهر المحدود من المطلق، وبه بدأ الخلق.. وهو بين ذات الله، في إطلاقها وبين جميع الخلق.. هو أقرب مخلوق للذات.. ومقامه مقام الحياة الكاملة، بسبب قربه هذا!! فالقرب حياة والبعد موت.. وهذا المقام هو مقام (الحقيقة المحمدية) وهي أصل الإنسان، والحياة التي فطر عليها، هي أصل الحياة، لكل إنسان.. ها هنا مقام النفس الكاملة لكل إنسان – النفس العليا.. وقد هبط الإنسان من هذه النفس إلى (أسفل سافلين)، حيث النفس السفلى، ومن هنا انتدب ليسترد مقامه في النفس العليا، حيث سلامة الفطرة، يسترده هنا في الأرض، في الجسد.. فكمال الحياة إنما هو سير من النفس السفلى إلى النفس العليا.. وسبيل هذا السير هو التخلق بأخلاق الله، الواردة في المصحف.. وهنا (أخلاق الله) تتعلق بالاسم في المقام الأول.. ولقد أصبح هذا التخلق ممكناً، لوجود الشبه بيننا وبين الله.. فقد خلقنا الله تعالى على صورته.. وليس لله تعالى صورة حسية – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.. وإنما هي صفاته، وهي ما عُرف بالصفات النفسية السبع، فالله تعالى: حي، وعالم، ومريد، وقادر، وسميع، وبصير، ومتكلم.. وهذه أيضاً صفات الإنسان التي خلقه الله تعالى عليها.. إلا أن صفات الله في مطلق الكمال، وصفات الإنسان في طرف النقص.. فالإنسان من الله صدر وإلى الله يعود.. قال تعالى: "يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا".. (هذه النفس) الواحدة هي (نفسه) تبارك وتعالى، في المكان الأول، ثم هي نفس (آدم) في المكان الثاني.. يقول تعالى: "كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى* إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى".. فالرجعى إنما هي إلى (الصدور الأول)، حيث (الفطرة).. وهي السير إلى الله "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ"، والرجعى إليه، ليست بقطع المسافات، فليس بيننا وبين الله مسافات نقطعها.. فالرجعى إنما هي بالعلم بالله، والتخلق بأخلاقه، التي ذكرناها، في الصفات النفسية السبع.. فالرجعى هي محاولة لتكميل صفاتنا، حتى تنطبق على صفاته.. وهذا أمر لا يمكن الوصول فيه إلى نهاية، لأنه سير إلى مطلق.. وهذا التخلق هو تكليفنا الأساسي، بل هو جماع التكاليف، وإليه الإشارة بالآيات التي ذكرناها أعلاه.. وهو المقصود بقول المعصوم: "تخلقوا بأخلاق الله.. إن ربي على صراط مستقيم".. وقوله تعالى: "كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ".. والسبيل إلى كل هذا هو التخلق بأخلاق القرآن.. والمنهاج إلى هذا التخلق هو (طريق محمد) صلى الله عليه وسلم، عن طريق تجويد تقليد المعصوم في عبادته، وفيما يُطاق من عادته.. فمحمد صلى الله عليه وسلم كانت حياته تجسيداً للقرآن.. هو القرآن الحي!! ومعلوم أن السيدة عائشة قالت عنه: "كانت أخلاقه القرآن".. فالدعوة إلى طريق محمد هي دعوة للحياة الكاملة، وبيان المنهاج العلمي، والعملي الذي يُفضي إليها.
    يقول الأستاذ محمود عن الفطرة: "فطرة الله التي فطر الناس عليها هي (الحياة) هي حياة الإنسان، وما حياة الحيوان إلا الخطوة الأولى في السير إلى حياة الإنسان‏.‏‏. حياة الإنسان عالمة وحياة الحيوان جاهلة‏.‏‏. حياة الإنسان هي الحياة الأخرى، وحياة الحيوان هي الحياة الدنيا‏.‏‏. للحياة الأخرى عقل المعاد، وللحياة الدنيا عقل المعاش، وإنما جاء الدين ليهذب عقل المعاش، حتى يرتفع بنا إلى عقل المعاد‏.‏‏. ولما كانت حياة الإنسان عالمة، كانت أيضا طائعة لله، مؤمنة به"..
    منهاج العبودية:
    إن تكليفنا الأساسي، هو العبودية لله.. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ".. (ليعبدون) ظاهرها عبادة وباطنها عبودية.. يعني ما أمرتهم إلا ليعبدوني، كما أمرتهم على لسان رسلي، ليكونوا لي عبيداً، كما أمرتهم على لسان عزتي، حين قلت: "إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا* لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا* وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا".. فمنهاج (طريق محمد)، في عباداته، وعاداته، هو عمل في الرياضة الدائمة على أدب العبودية.. والعبودية تعني فيما تعني، تأخير النفس ورغائبها، وتقديم الرب وأمره.. تعني طاعة الله ظاهراً وباطناً، والتسليم له.. وهذا هو الإسلام، وهذا هو منهاجه.. يقول تعالى لنبيه: "قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ".. حياة كلها لله، قائمة به، حاضرة معه في كل لحظاتها، لا تستغني عنه ولو للحظة.. وهكذا ينبغي أن تكون حياتنا، فهذا هو كمالنا.. موضوع العبودية لله، ليس أمراً طارئاً علينا، وإنما هو الأمر الذي كنا عليه في عالم الملكوت، حيث شهدنا لأنفسنا بالعبودية لله، ولربنا بالربوبية.. وقد جاء ذلك في قوله تعالى: "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ!؟ قَالُواْ: بَلَى شَهِدْنَا!! أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ".. فالمطلوب منا تذكر هذه الشهادة، وتحقيقها في الأرض.. وهذا هو تكليفنا.. وهو، هو كمالنا.. وللعبودية بداية، ولكن ليست لها نهاية.. وبالعبودية لله تتحقق الخلافة، التي تؤهلنا، لأن نعمل وفق مرضاته تعالى في أنفسنا، وفي الأرض، نيابةً عنه.. وبالعبودية نتخلص من وهم الإرادة المستقلة عن الله، لننال الإرادة الحقيقية، بدل المتوهمة، فتكون إرادتنا نافذة، ما تريده يكون.. وهذا هو الإسلام الأخير – إسلام المسلمين.. العبودية هي الحرية الفردية المطلقة، فبها وحدها نتحرر من استعباد الأشياء لنا، وننعتق من كل قيود العبودية للسوى، وفي آخر المطاف ننعتق من كلا الزمان والمكان، ويصبح قيدنا الوحيد هو المطلق.. وقيد المطلق ليس قيد عبودية، وإنما هو قيد حرية، بل حرية مطلقة.. فالله تعالى ليس في حاجة لعبادتنا، ولا لعبوديتنا، وإنما نحن وأخواننا في المجتمع، من هم في حاجة لها.. يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ".. يقول تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي!! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على قلب أتقى رجل منكم، ما زاد في ملكي شيئا.. ويا عبادي!! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على قلب أفجر رجل منكم، ما نقص من ملكي شيئا".. وبدخول أول منازل العبودية يتم التحرر من الخوف، وبذلك يتم ورود مورد الحياة الكاملة.
    نحن هنا لسنا في حاجة لأن نفصل في المنهاج، فذلك ليس من غرض الكتاب.. بل هَمُّنا أن نقرر أن العمل بالمنهاج، هو عمل دائم يستوعب كل مجالات الحياة، في العبادة والمعاملة، وهما وجهان لشيء واحد.. وأهم العبادات الصلاة.. وأهم المعاملة الصلة - صلة الرحم.. وللصلاة حضرتان: حضرة الإحرام، وتبدأ بتكبيرة الإحرام، التي تُفتتح بها كل صلاة.. والصلوات في السنة، هي الصلوات الخمس، وقيام الليل، الذي هو ملزم لكل من يلتزم بطريق محمد.. هذا بالإضافة للنوافل.. حضرة السلام هي ما بين الصلاة، والصلاة التي تليها.. وهذه حضرة معاملة.. الصلاة الشرعية هي معاملة للحق في الحق، وحضرة السلام هي معاملة للحق في الخلق.. والمعاملة هي ثمرة العبادة، ولذلك قال المعصوم: "الدين المعاملة".. وقال: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق".. فمن لم يجد ثمرة عبادته، في حسن معاملة خلق الله، فعبادته عقيمة، وغير مثمرة، وعليه أن لا ينتظر منها أي شيء.. أجر العبادة فوري هنا، والآن.. يقول الأستاذ محمود: "اليوم لم تعد الدنيا والأخرى ضرتين كما كانتا في الماضي، وإنما هما اليوم شقيقتان، تختلفان اختلاف مقدار. وتؤدي إحداهما للأخرى فوراً، وعلى التو.. ولذلك، يجب على العابد أن يترقب الجزاء على عبادته في التو.. أجر الله على العبادة اليوم (هاك بهاك).. هذا يوم تحقيق: (أدعوني أستجب لكم) فليس بين العبادة والاستجابة مسافة.. ومعرفة العارفين، اليوم تقول:إن الله أكرم من أن تعامله حاضراً ويعاملك نسيئة.. تعبده اليوم ويؤتيك أجرك غداً في الآخرة.. ألم يأمر هو في شريعته بأن نعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه؟؟ فكذلك أجر الله على العمل، فإنما هو على الفور، والتو.. هو (هاك بهاك).. فإن أنت لم تجد ثواب صلاتك، حين تصليها ، طمأنينة، وبرد رضا يغمر قلبك، ويسعده، في توه فأعلم أن صلاتك باطلة. ولا تظنن أن أجرك عليها مكتوب في مكان آخر.. ألم يقل المعصوم، في حديثه المشهور: (حبب إليّ من دنياكم ثلاث، النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة)؟؟ بلى، قد قال!! و(قرة عيني) يعني طمأنينة نفسي ، ورضا بالي.. وهذا هو ما عنيناه بأن أجر الله على العبادة المجودة إنما هو (هاك بهاك).. ليس معنى هذا بالطبع، إنكار الآخرة، وإنما معناه أن الآخرة هنا، واليوم ـ فما يكون تمامه هناك، يبدأ اليوم.. قال تعالى، في هذا المعنى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً، عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، يوم لا يخزي الله النبي، والذين آمنوا معه، نورهم يسعى، بين أيديهم، وبأيمانهم، يقولون: ربنا أتمم لنا نورنا، وأغفر لنا.. إنك على كل شيء قدير).. قوله: (ربنا أتمم لنا نورنا).. يشير إلى أنهم قد بدأت أنوارهم في الدنيا، وهم إنما يطلبون تمامها في الآخرة.. وحكم الوقت يجعل هذه الآية تطالب بمعناها، في سرعة تحقيق الأجر، اليوم بأكثر مما كان عليه الشأن في الماضي.. المراد من هذا الحديث أن يحاسب العابد نفسه ليكون على بينة من صحة صلاته.. فإنه إذا كان المراد من الصلاة هو الرضا بالله رباً، ومدبراً لأمورنا، فإنك، إن أنت صليت ركعتين، وانصرفت من مصلاك، ولم يكن قلبك أرضى بالله، منه قبل أن تصلي، فيجب أن تعلم أن صلاتك باطلة، وأنها لا تستحق، ولا تستوجب أجراً.. وأحذر أن تظن أن أجرها مكتوب لك في مكان آخر، تعطاه في الآخرة.. ولما كانت الصلاة وسيلة إلى الرضا فإن الرضا هو أيضاً وسيلة إلى طمأنينة النفس، وتحرير العقل من الخوف.. وبتحرير العقل من الخوف يتم كمال الحياة.. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً، مثاني، تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم.. ثم تلين جلودهم، وقلوبهم، إلى ذكر الله.. ذلك هدى الله يهدي به من يشاء.. ومن يضلل الله فما له من هاد) ".
    فالحياة الأخرى هنا، وتبدأ الآن!! ومن لم يحقق منها طرفاً صالحاً هنا في هذه الدنيا، في اللحم والدم، فلا ينتظر أن ينال منها شئياً، بعد الدنيا – في البرزخ وما بعد البرزخ – إلا بعد تجربة العذاب، معاوضةً لتقصيره في العمل على تحصيل الحياة عن طريق الفكر والعمل، في عالم الدنيا.. فهنا الوسيلة للحياة (التقوى) العلم والعمل، فمن يفرط في هذه الوسيلة، فليست له وسيلة في عوالم ما بعد الدنيا سوى العذاب.. الخطاب هنا للفكر، ومن يضيع فرصة خطاب الفكر ليس له إلا خطاب النفس – العذاب والألم.. وهذا خطاب ليس فيه مجال للمغالطة.. فإما الحياة الآن عن طريق الفكر، وإما الحياة غداً عن طريق العذاب، والذي قد يطول أمده.. فما من الحياة بد، لكن الاختلاف فقط في الوسائل المفضية إليها.. وهو اختلافٌ هائلٌ جداً.

    30/ اكتوبر/۱9م























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de