ثلاثون عاماً والظلم ينهش الروح والجسد . . والنساء الحوامل يقفن خلف طوابير الإنتظار وهن حائرات يقفن خلف النوافذ بمآق حزينة لا يعرفن ما يجري في الطرقات الحيرى التي تحاول عبثاً أن تداري أحزانها كما تداري النار جمرها تحت الرماد ثلاثون عاماً . . مدن بلادي لا شيء فيها سوى ضجيج الكلام وكثرة الزحام لم يجرؤ أحداً الإقتراب من حافة السؤال الليل ظل مخيماً وصراخ الأطفال الجائعون للرغيف ملأ الفراغ الشوارع غصت بالأشلاء والليل نسج ستائره بكل دهاء الجوع الكافر نصب خيامه بين الضلوع بلا حياء غير عائباً بصراخ الأطفال الجائعين ثلاثون عاماً طفحت بالدماء والدموع والمعذبين والمشردين والوعود الكاذبة كما طفح النيل بالدماء والخيانات والدسائس وتوارى وجه القمر خلف الضباب ثلاثون عاماً وقافلة العمر تمضي في دورب الشقاء تائهة في هذ الخلاء العاري من شجر الأبنوس والمانجو الذي أصبح رماداً تحت زخات المطر مطر المدافع والقنابل الحلم كفكف دموعه ورحل تاركاً أرضه للجراد الذي مص رحيقها فأطلقت أمي صرخة إستغاثة في الخلاء عاد صداها يسأل عن الحلم الذي فارق الديار فسكنها الخراب وتبختر فيها الغراب وعشش فيها التضليل وشعاراته أصبحت علفاً للبهائم والدولار صار مفتاحاً للثراء وإمتطاء الفارهات فما عدنا نسمع سوى أصوات النفاق والرياء أصحبنا مطوقين بين البحر والنار وبين أيدينا البنادق نزرع الموت لا كما كنا أطفالاً نزرع الأحلام في جوف العتامير والسهول محاطين بالفراشات نطاردها بأفراحنا المؤجلة لموسم الحصاد وإنبثاق الأفراح مزينة بالجراري والكمبلة والمردوم لم يبق شيئاً من بريق ذلك الزمان سوى هذا الحطام ثلاثون عاماً. . لم نر فيها سوى الأصدقاء يسقطون مضرجين بالدماء الواحد تلو الآخر هكذا ظلت ناعورة الفشل والذاكرة تصدعت من طول الإغتراب الذي لا يرحم الطيب الزين
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة