ذكرى عام على وفاة القائد دكتور جون قرنق دى مبيور والنبتة التى اينعت فى النفوس بص بقلم محمود أ. يوسف

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 03:29 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-29-2019, 04:02 PM

محمود الحاج يوسف
<aمحمود الحاج يوسف
تاريخ التسجيل: 04-11-2017
مجموع المشاركات: 17

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ذكرى عام على وفاة القائد دكتور جون قرنق دى مبيور والنبتة التى اينعت فى النفوس بص بقلم محمود أ. يوسف

    04:02 PM July, 29 2019

    سودانيز اون لاين
    محمود الحاج يوسف-Sudan
    مكتبتى
    رابط مختصر



    ذكرى عام على وفاة القائد دكتور جون قرنق دى مبيور
    والنبتة التى اينعت فى النفوس
    بصراحة


    صورة نادرة لرأئدى صياغة السودان، ألأخوين ألراحلان جون قرنق دى مبيور و يوسف كوة مكى بهراري ١٩٨٨.

    محمود أ. يوسف [email protected]
    مقدمة: نشرت هذا الانطباع في الذكري الثانية لرحيل دكتور جون قرنق دي مبيور في يوليو ٢٠٠٧، وقررت إعادة نشره دون أية زيادة او نقصات ليعبر عن مشاعري حين كتبتها قبل اثني عشر عاما، حدث خلالها الكثير من الحادثات، كانت طموحاتي كبيرة، وكذا ظننت ألآخرين، فإكتشفت انها السياسة السودانية، لكن الامل كبير في شباب السودان الذين صنعوا ثورة الشعب في ديسمبر ٢٠١٨، التي وحدت السودانيين، وقد تأتي بالمعجزة بإذنه تعالي، ونترحم علي دكتور جون قرنق ويوسف كوة ورفاقه ممن ذهبوا وتركوا شتلة وهي قد كبيرت وتحتاج لرعاية، فلهم المغفرة والرحمة.
    دئما ما يطمح النفس البشرى الى ايجاد معادلة ايجابية لحياته وتفاعله مع ألآخرين ، لذلك كانت المحاولات الدائبة للمفكرين والسياسين لتحسين ذلك فى أشكال شتى من قيم للعلاقات المشتركة التى تجمع المجتمعات البشرية، وكانت قيم الاشتراكية انعكاس لسمو تلك العلاقات والتى تتلخص جوهرها فى ايجاد المجتمع الانسانى الفاضل، حيث تتلاقى مع القيم الدينية التى تدعو فى جوهرها لتطبيق المدينة الفاضلة التى دعا لها افلاطون من قبل، ولكن تكمن جوهر معضلة الدولة الدينية فى حاجتها الى اجناس من الملائكة او اشباه الملائكة لإقامة قيم العدالة، لقد أقام المصطفى عليه السلام اسس دولة الاسلام وكان العمران (فاروق وعزيز) رموز للعدالة الاسلامية، وليس كل محمد بالمصطفى فما بالك بعمر وزيد.
    والمجتمع السودانى مليئ بكل متناقضات الحياة، لذلك كانت فريضة عين على كل من له ذرة من القيم الانسانية او الايمان العمل على تغيير ذلك الواقع البغيض، فما بالك بهؤلاء الذين يكتوون بانعكاسات ذلك الواقع على حياتهم، فقط لخلفيتهم العرقية أو لبشرتهم او لمواقعهم الجغرافية، لذلك ووسط كل تلك المتناقضات التى ظهرت الآن جليا الى السطوح، كان لابد ان يبعث المولى من يراه صالحا لايقاظ النفوس التى لم تعايش فى حياتها الا احد من مظاهر الذل والهوان والعبودية والتهميش والتى تاباه النفس البشرى السوى، اذكر فى ذلك الخصوص اننا كنا فى قاعة الطعام بجامعة الفاتح بطرابلس فى ليبيا وكان معى اثنين من الدكاترة السودانيين وكانا يتسألان عن قبائلها، حين رد احداهم للآخر عن قبيلته وهى ... تهكم السائل "أنت من ...؟ ولا من عبيد أل ...؟" كانت وقاحة ، لأن كلاهما من قبائل الشمال الجغرافى، حينها لم أكن مستوعبا لخلفيات أرث الشمال، فلم افهم مالاح من غضب الا بعد مشاهدتى لفيلم عرس الزين.
    تلك كانت جانب من مفاهيم بعض من النخب، التى كان من المفترض ان تنعكس سلوكياتها على تطوير المجتمع ولكنها تحجرت فى ارثها الاثنى والقبلى، هذه حالة الدكاترة فما بالك بالسواد الاعظم من المجتمعات القبلية والتى تتغنى البعض بامجاد الزبير باشا وغيره ويفرض على الآخرين ألمشاركة فى هذا الزيف بل وإمعانا فى المذلة يسمى شارع باسمه حتى يتم تدجين السواد الاعظم من الشعب السودانى على التفاخر بما قام به الزبير من تجارة الرقيق وببيع اجدادهم والمساهمة فى اقذر تجارة عرفتها الجنس البشرى، تجارة يعتذر منها من سمت انسانيتهم من احفاد ممارسيها فى العالم الذى عرف الرقى، اعتذروا عن ضخامة الآلام والوان الذل والهوان التى الحقت فى ضحاياهم واحفادهم، ويراد لنا فى السودان بان نفتخر بمن مارسها من امثال الزبير وغيره ويفرض على السواد الاعظم من احفاد اقارب ضحاياه (وجل ضحاياه لا احفاد لم) بان لا ينسوا ادواره البطولية وذلك بتسمية شارع من شوارع الخرطوم باسمه، فاذا كان هنالك حول او قول للسواد الاعظم من الشعب السودانى فهل كان يمكن حدوث امثال تلك المهاذل؟ وهنالك الكثير الذى كتبه الآخرين عن ضخامة الفروقات فى الشعوب التى تقطن ارض السودان ولم تتطور او تخلق من الاسباب التى تجعلها امة واحدة ذات طموحات وآمال مشتركة، لقد ظهرت نتائج فظاعة تلك الفروقات فى الجنوب وجبال النوبة والنيل الازرق ومازال يحدث فى دارفور وبايعاز من المركز بعدما كاد اهل دارفور ان يخلقوا نواة الامة السودانية المنشودة، ولكن تحول دارفورليعكس جانب آخر من بشاعة بعد وعمق الاثنية فى الإسلام!
    سعى الجنوبيين واهل الجبال والفونج ودارفور والشرق بالعمل وبمثالية لتحقيق حلم مجتمع سودان آخر والذى حلم الاب فيلب عباش غبوش وسعى طيلة عمره من اجل تحقيقه من خلال اتحاد عام جبال النوبة والحزب القومى السودانى، بينما سعى فى ذلك آخرون مثل اتحاد عام جنوب وشمال الانقسنا وجبهة نهضة دارفور واتحاد عام البجة وآخرون، كان همهم جميعا هو خلق مجتمع انسانى اجمل يشمل الجميع فنعتوا بالعنصرية، وهى تهمة تكال لكل من تحدث بصراحة عما يدور فى وطن يطمحون فى ان يكون وطن النجوم والجمال وأن يحلموا بالمساهمة فى صنع مستقبله.
    لقد أراد القلة وأد احلام الاغلبية بتدجينهم وتحويلهم الى ادوات أقرب مايمكن وصفهم فيها ماذكره المفكر شنويزو، الذى كتب:
    "بعد ان تم الفقد بالاحساس الواضح والمفصل لهويتنا، طبيعيا فلقد فقدنا ايضا مقدرتنا على خلق وجهة نظر عن العالم الخاص بنا. ومع الاحساس بالخلط للواقع نسينا كيفية الرؤية للاشياء من خلال شروطنا المنفصلة ومصالحنا المحدودة .... وأسوء من كل ذلك نتصرف وكأنها نوع من الخيانة فى ان نستكتشف ونلح على رؤيتنا الخاصة بالعالم".
    (Chinweizu, The West and the Rest of Us, New York: Vintage Books, 1975, Chinweizu, p. 495.(
    والنماذج العالمية لتلك الحالات ماثلة امام اعيننا فى الامريكان الافارقة والهنود الحمر فى امريكا والابورجين فى استراليا والبربر فى شمال افريقيا و ... حتى فى سوداننا فليفكر كل مجموعة فى اصولها الحقيقية ومدى مأحاقت بها من تشوهات، وهل لها المقدرات الفكرية والنفسية لوضع تصور عن طموحاتها فى قريته، ناهيك عن السودان الكبير وأفريقيا والعالم الاكبر؟ هل هنالك مبررات دينية او فكرية لكل ماحدث؟ وإن كانت تحدث فى الأزمنة الجاهلية للإنسان فما هو مسوغاته مع رقى الضمير الإنسانى؟
    لذلك ومع الاحساس المتزايد بان السودان ليس وطن للجميع، وان الكثيرين قد تم تدجينهم مما أدى إلى مزايدات حول النقاء العرقى (وهى مسائل قد تزايدت مع مطلع التسعينات) وظهرت فى مجريات حياة المواطنين مما إنعكست فى كثرة استخدام المساحيق المقربة للجنس الأبيض، وامور كثيرة ليس هذا مجاله.
    كان ذلك إيضاح للجو السائد فى السودان ، عندما ظهر الفارس الاغر والذى عرف بدكتور جون قرنق دى مبيور ورفقاه الميامين فى 16 مايو 1983 معلنين عن قيام الحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبى لتحرير السودان، وهى حكمة إلهية فى أن تاتى المنادة بتصحيح واقع السودان من جنوبه فوجدت كلماته وقع جميل فى نفوس ابناء المناطق المهمشة، وكثير ممن تسامت بهم انسانياتهم من ابناء مناطق الوسط والشمال، فبهت من سادوا فى غيهم.
    لذلك ومنذ قيام الحركة الشعبية والجيش الشعبى عام 1983 وحتى الفترات الحرجة من تاريخها عام 1993 فلقد انضم للجيش الشعبى مجموعات متبانية وباهداف متبانية وبخاصة ممن اتوا من الجنوب والشمال، بينما انضم اهل الجبال والفونج وبعض اهل دارفور وقليل من الشماليين أكثرهم بمثالية لتحقيق حلمهم القديم بمجتمع السودان الجديد المجتمع الانسانى الذى تنادى به الدكتور ورفقائه الميامين.
    كانت ألأكثرية ممن إنضم الى الحركة من اقصى الشمال من اصحاب المبادئ السامية، الداعين الى علو القيم الانسانية النبيلة، مثلهم مثل الكاتب أرنست همنجواى والمجموعة العالمية التى انضمت الى صفوف الوطنيين فى الحرب الاهلية الاسبانية أو كالمناضل تشى جيفارا الذى إعتذر رافضا المناصب فى كوبا وقضى نحبه وهو حاضنا للقضية الانسانية مسترحلا من الكونغو الى امريكا الاتينية. مع وجود فارق فى ان هؤلاء الشماليين هم سودانيين وهمهم الاول والاخير هو المساهمة فى إعادة صياغة الضمير العام لتشكيل امة سودانية ذات قيم انسانية تفتخر بها الاجيال القادمة من الشماليين قبل اصحاب المناطق المهمشة الاخرى.

    لقد كتب على ان اكون من القلائل الذين شاهدو الدكتور وعلى مقربة قبل وفاته بيومين، حيث إتصل بى الرائد جمعة مين (الذى استشهد معه فى الهلكوبتر) مساء الاربعاء 27 يوليو2005 للحضور فى اليوم التالى الى النيوسايت واحضار دش لتركيبه لمشاهدة تلفزيون السودان، إشترينا الاجهزة، فى اليوم التالى حيث ألح على العقيد أمات الياور الخاص بالدكتور (وإستشهد أيضا معه) الحضور مع دكتور سيرينو أيتان، حيث غادرنا معا الى لوكيشوكى فى الثانية بعد الظهر، ومنها بطائرة صغيرة الى نيوسايت. تم أخذنا من المطار الى الرئاسة حيث خصص لى غرفة، ومن ثم تم اخذى لتحية الدكتور حيث كان جالسا ومعه مدام ربيكا نيانديق دى مبيور، صافحته مهنئا بتقلده منصب النائب الاول، فقلت له "هذا انتصار للمهشين فى السودان" رد الدكتور ببديهته المعهودة "هذا انتصار لكل السودانيين"، كنت اهم بالقول "لو كانوا يعلمون" لولا أن مد له العقيد أمات الهاتف (الثريا) فدردشت قليلا مع مدام ربيكا والتى اكن لها كثيرا من الود والاحترام لإنسانيتها وبخاصة معاملتها لى فى نهاية يناير 2005 برمبيك، كنت اريد اكمال عملى ذات الليلة حتى ارجع اليوم التالى، لذلك استاذنت وجهزت الاجهزة حتى التاسعة مساءا حيث شاهدنا تلفزيون السودان. كانت البعثة الاعلامية التى اتت مع الدكتور موجودة حيث كان البعض منهم معى اثناء تركيب الدش، واذكر منهم مضوى خيرالله من تلفزيون النيل الازرق والاذاعة السودانية و إبراهيم على سليمان من وكالة السودان للأنباء وصلاح قسم السيد محمد صحيفة أخبار اليوم وحسن محمد زين صحيفة الرأئ العام وهشام محمد عبدالسلام تلفزيون السودان وشوقى حاح رحمة تلفزيون السودان ومدثر محمد احمد صحيفة الحياة وجعفر السيكى صحيفة الايام وآخرون. لقد فرحوا عندما علموا باننى رئيس المجلس الاسلامى للسودان الجديد، فطلبوا ان يجروا معى مقابلة بعد العشاء لانهم سيغادرون صبيحة اليوم التالى الى جوبا، حيث ترتيبات إستقبال الدكتور.
    بحكم ماقمت به من عمل كان لازاما ان ادخل مخدع الدكتور مع النقيب أبوكى (إستشهد ايضا فى تلك الطائرة)، فتم ذلك على اربعة مراحل مرتين كان الدكتور فيها فى البرندة الرابعة وهو فى غرفته، وفى كل تلك المرات كان منهمكا فى العمل فى كومبيوتره الشخصى كعادته، وتناولنا ثلاثة من وجبات الطعام بذات الصالة معا، أولها كانت وجبة العشاء وكان الوفد ألإعلامى معنا، شعرت خلال تلك الفترة أنه متحكما فى ألامور وكان وديعا ولطيفا ولقد ترك جميل اثر فى نفسى، رغم مافيها.
    تعشينا مع الدكتور بعد نشرة العاشرة مساءا، ومن ثم ساهرت فى لقاء صحفى مع الاخوة الاعلاميين حتى الواحدة والنصف صباحا، كنت فى غاية من الارهاق ولكنهم كانوا فى غاية من الطف، لذا لم يظر الارهاق فى النفس، كنا فى بدايات حركة التواصل الشعبى من اجل معرفة إيجاد منهاج أولى لصياغة السودان، او مابدا لى.
    فى صبيحة ذلك اليوم الخميس 28 يوليو2005 صبت أمطار غزيرة فى نيوسات وحتى لوكيشوكيو الكينية، ولقد قابلت ودردشت مع كل من القائد دانيل اويت أكوت الوالى المكلف بشرق الاستوائية و القائد صمويل ابو جون ألمستشار السياسى، وتعرفت على اللواء كلمنت وانى الوالى المكلف ببحر الجبل، ولقد غادروا جميعا مع الوفد الاعلامى الى جوبا للتحضير لإستقبال الدكتور. ودخلت الى غرفة الكوميوتر حيث دردشت مع القائد على مين ألذى إستشهد أيضا فى تلك الطائرة.
    ثم وصل فى منتصف الظهيرة مجوعة من رمبيك على رأسها القائد دكتور ثيوبلس اوشينج ودكتورة آن إيتو ولقد شاركنا دكتور جون قرنق وجبة الغداء الأخير.
    تحركنا من نيوسايت فى حوالى الرابعة مساءا وكانت مقاعد الطائرة ممتلئة حتى ان شول ابن الدكتور قد اضطر إلى الجلوس فى مقعد مساعد الطيار. وكنت جالسا على الجانب الايمن قرب النافذة، وكنت طيلة الوقت أشاهد سلسلة جبال لوتوكى، والتى غطتها سحب كثيفة لم ارى لها مثيلا، تمعنت فيها كثيرا لأننا كنا نطير على إرتفاع منخفض وأسفل السحب مباشرة إلى أن حطت بنا الطائرة فى لوكيشوكى التى إمتلأت جداولها من الامطار، ثم استقلينا خطوط شرق افريقيا لنصل نيروبى فى السابعة مساءا.
    كانت تلك هى رحلة وداعى لدكتور جون قرنق دى مبيور، الرجل الذى أحببته كثيرا دون أن يدرى والذى دافعت عنه بلسانى وقلمى، دون ان يعرف ذلك، لكن أحسست منه لطف وود فى الزيارة الأخيرة لم أستوعب كثير منها حينذاك. لم انظر للمسائل من الجانب الشخصى لأن القضية أكبر مننا جميعا، وما نحن إلا أدوات للدفع بالنهضة الانسانية، وفى سبيل ذلك فإننا إما ان نكون عناصر سالبة أو موجبة لتحقيق الرفاه الانسانى الموعود.
    فى مساء الاحد 31 يوليو2005 كنت مع صديقى وزميل دراستى مولانا يوهانس أكول حيث علمنا نباء إختفاء طائرة دكتور جون قرنق دى مبيور. وفى الواحدة من صبيحة الاثنين 1 أغسطس 2005 إتصل بى الاخ القائد مالك أقار الذى ابلغنى نباء رحيل الدكتور، لم أنم بعد ماتلقيت الخبر، للشرائط الكثيرة التى دارت بمخيلتى، والسؤال الدائم لماذا كتب على الذهاب الى نيوسايت؟ وهذه قصة لها مدلولاتها وابعادها الكثيرة، ولكن إختارنى المولى عز وجل لحكمته أن أكون من آخر ألمودعين للدكتور الذى كان لنا كالنجم الساطع، عشنا فى ربوع أحلامه لصنع مجتمع سودانى ذات قيم إنسانية خالدة وصارت جزء من أحلامنا، والمشرف أنه رغم شدة الخلافات التى عصفت بالحركة فى كل مراحلها فلم يحاول احد من داخل الحركة إيذاءه أو إلحاق الضرر به، لاننا جميعا فى الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان، قد أحببناه وأحببنا فيه الحركة، سواء أدرينا ذلك أم لم ندرى، وسواء لجأ ألبعض منا فى أفريقيا أو لندن أواشنطن حتما سنرجع جميعا الى حركتنا أو كما قال القائد عبدالعزيز آدم الحلو والذى مازال يتعالج فى أمريكا (شفاه ألله) "نمشى منها وين"، لأنها كانت الواحة التى أينعت بالقيم الإنسانية وإنعكست فينا، ولانه كان ذلك الفارس الذى حمل الراية ولم يتراجع او يساوم إنما كان مؤمنا ومتفائلا بما كان يريده، وقارئا بمشاعر الجماهير تجاهه.

    تذكرت رده لى بأن "هذا انتصار لكل السودانيين" عند إستشهاده وماصاحب ذلك من احدث مؤسفة، تذكرت الحشد المهيب الذى خرج لإستقباله فى 8 يوليو 2005 فى الساحة الخضراء. فى ذلك اليوم ألأبى مررت امام الجانب الشرقى والجنوبى للساحة حيث شاهدت أهل السودان وهم مشرئبون لصنع تاريخه، سبحان من أخرجهم لإستقبال دكتور جون قرنق دى مبيور فى دولة ادعت بأنهم يريدون شرع الله! أليس هذا بأكبر إستفاء على كل الارث المزعوم؟ لقد مرت تلك الاستفتاء ولايجب ان تمر لأنها إشراقة وضاءة فى تاريخ السودان الحديث، أتذكر بان نسيبى قد طلب من بناتى عدم الذهاب خوفا عليهن، قلت لهن أذهبن، وعندما قابلتهن اليوم التالى سألتهن وأخبرونى بسعادة بأنهن قد ذهبن وشاهدن دكتور جون رغم الزحمة.
    كان إحساسى بأن الذين حضروا لإستقبال دكتور جون قرنق حضروا من أجل الحركة الشعبية، وتجادلنا مع أحد ممن لا نعرفه من مدينة بور ومعى أثنان، كان الآخر مصر على أن هذه الجماهير قد حضرت من أجل الدكتور. وشاءت الاقدار ورحل الدكتور وحدثت تلك الاحداث المؤسفة والتى عبرت عن أذمة الثقة التى أوجدت فى الفترة الماضية وعمقتها ممن أدمنوا الفشل، ومن جانب آخر فوجئت بتعبير الحزن العام الذى عبر عن نفسه بهدوء فى اوساط مختلفة من الشماليين فى زيارتى الثانية للخرطوم فى أكتوبر من العام الفائت، كان أحاديث الحزن من كل الطبقات والأعراق، فأدركت أن تلك الجماهير قد خرجت من أجله وما كان يحمله لها، فأدركت حكمة المولى تعالى فى رحلة وداعى له، فلقد أراد تعالى أن يحملنى رده لتلك الجماهير فى صدق قوله "هذا انتصار لكل السودانيين"
    فى عام 1997 كنت فى جبال النوبة مع الاخ الاكبر الزعيم الراحل يوسف كوة مكى وقال لى "أنا لو مت بموت وانا مرتاح البال والضمير" سألته ليه، فأضاف "لأن البذرة التى شاركنا فى غرسها قامت وستنمو براها"، هنا تكمن عظمة دكتور جون قرنق دى مبيور ورفاقه الذين استنبطوا تلك البذرة من مخاض الشعب السودانى الذى صبر كثيرا على الذل والهوان.
    ولقد حباه الارادة الإلهية بمميزات خاصة فى شخصيته حتى يكون قادرا على مواجهة كل الصناعات المزيفة التى قاومتها الحركة الشعبية والجيش الشعبى طيلة عقدين من الزمان، لقد تحدى وبصلابة التركيبات التى خلقت داخليا وخارجيا لتقزيم الشعب السودانى، متحديا كل المخططات السياسية والعسكرية والاقتصادية والدينية والاجتماعية و ال .... التى حيكت ضد الحركة بكل صلابة لايمكننا ان نتوقع منه الكمال، لقد خلقه المولى عز وجل ليؤدى الدور الرئيسى فى عملية التحرير والتغيير الإنسانى. ما لان ولا أستكان ولاتراجع، كان الملهم لنا بل للسواد الاعظم من الشعب السودانى الذى اراد التغيير، التغيير الانسانى الذى يعيد له كرامته فى دولة السودان الجديد. وصدق حين خطب حفل التوقيع على الاتفاقية الشاملة للسلام بنيروبى يوم 10 يناير 2005 قائلا "هذه الاتفاقية ستعيد الكرامة للشعب السودانى".
    إن الانسانية وفى مراحل تطورها المختلفة كانت متخلفة عن فهم جوهر الحكمة الالهية فى ازمانها، ولكن يمكن فهم بعضها من قبل من أوتوا الحكمة والعلم، ورغم إكتمال شخصية دكتور جون، فهنالك جوانب فى الحركة لم يعالجها فى حينها ، منها ما يختص بالتنظيم، ظهر ذلك للعوام بعد وفاته لقد شاهدنا ربكة فى قوة المؤسسية بالحركة الشعبية، كان نتاج لعومل كثيرة، ولقد عمل قلة على إيجاده واستمراريتة، وشارك هؤلاء فى كثير من السلبيات بغرور اوجهالة، وكنا فى حيرة من امرنا، ولكن اخبرنى احد أقرباء الدكتور بانه عندما عاد من زيارته للامم المتحدة فى أبريل 2005 عبر أحدهم عن قلقه بالقول "عملت الاتفاقية ولكن وين المؤسسات؟" فرد عليه"أنتم الى حتقوموا المؤسسات"، وكان قد ذكر من قبل فى احد خطبه "عملنا الاتفاقية، ودى مش بتاعى ولا بتاعت بشير ده حقتكم انتم"، وفى آخر خطبه له والتى كانت فى رمبيك قبل توجهه ألأخير الى النيوسايت مشيرا الى النائب الاول القائد سلفا كير ميارديد "هذا هو الرجل الذى سيتبعنى"، كان يتحدث وكانه يعلم انه مفارق هذه الدنيا بعد ان ادى واجبه.
    كانت هنالك مطالب داخل الحركة وكان همنا وكثار آخرون لفترات طوال، لبناء كل التنظيمات المختلفة حتى نكون على استعداد لمواجهة متطلبات المساهمة فى إدارة السودان الجديد؛ ولكن أى سودان جديد سيكون ذلك؟ لأننا إذا أردناها سودان جديد فإن ذلك يتطلب مشاركة جميع أبناءه بعد كسر كل القيود المادية والفكرية التى كانت تكبله سواء أكانت واقعية أو وهمية ، وهذا ماتحقق بقيادته، وها نحن بعد ولوجنا لهذه المرحلة ألجديدة، ولتكن المشاركة فيها متاحة لكل السودانيين للعمل معا خلال الفترة الإنتقالية التجريبية لبناء القواعد التنظيمية للسودان الجديد.
    أتمنى أن تعيد هذه الكلمات الصواب الى البعض، وأن نعيد تقييم أحداثيات الفترة الماضية بعقلانية خالية من التشوهات العاطفية، لأننا قد حملنا راية التغيير وملأنا بها جوانح الشرفاء من أبناء الشعب السودانى وبمعسول الكلام عن سيادة القيم الانسانية التى تعيد الى الكل كرامته، وهذه من أسهل ألامور لأنها تتطلب التنظيم وتطبيق بنود ألإتفاقية والدستور، وأن ننطلق من قيمنا ومبادئنا للعمل وبجد وإخلاص لحل قضايا الشعب ألسودانى الكثيرة وأهمها مشكلة دارفور والشرق والحريات والعدالة والاقتصاد، أما إذا إرتد البعض إنتظارا للسنوات الباقية، فأخاف ان تأتى تلك السنين بعد أن يكون الكثيرين قد فقدوا إنسانيتهم وسط هذا المسخ السائد، فأتمنى ان نعمل من أجل رد البسمة الى الشعب السودانى، تلك البسمة التى أضاءت قسماته لثلاثة أسابيع، عندما تولى دكتور جون قرنق دى مبيور فيها منصب النائب الأول لرئيس جمهورية ألسودان، وكان "انتصار لكل السودانيين" فلتظل كذلك، ولتحيا ذكراه لأن شعلته ورفاقه هى إضاءة أبدية فى ضمير ألأمة السودانية المرتقبة، ولأنها غرس من أجل العدالة والحرية والمساواة والكرامة للأمة المرتقبة.

    محمود أ. يوسف
    عضو الحركة الشعبية لتحرير السودان (قبل الإستقالة)

























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de