المثالية التي كنا وآخرين نغوصُ في أوهامها ، فيما يختص بمنظور مستقبل حزب المؤتمر الوطني البائد وما يقود أعضاءه والمنضوين تحت رايته من الذين لم يثبت عليهم التجني على الحقوق العامة والخاصة إلى معاودة نشاطاتهم ومساهماتهم السياسية ، على ما يبدو كانت في عِداد ما يُمكن وصفهُ بـ (أحلام زلوط) ، فقد كان السيناريو النابع من مثالية الإعتداد بالواجبات والحقوق و(مسوءات الإقصاء) يُعلن عن عزل مؤقت لنشاط هذا الحزب الذي تسبَّب في دمار البلاد وقهر العباد ، وإستبعاده عن المشاركة في إدارة وتخطيط المرحلة الإنتقالية ، وذلك من باب إعطاء (شرفائه) من الذين لم تتدنَّس أو تنغمس أياديهم في مستنقعات الفساد والإفساد ، لأجل إعادة هيكلة وتنشيط داخلي تستهدف القيَّم والمباديء والأخلاقيات التي تتماشى مع مطالب الثورة التي إندلعت ضده وذلك تمهيداً للسماح له أو لهم للولوج إلى الدولة الديموقراطية عبر الإنتخابات ليختبروا من جديد وجهة نظر الشارع السوداني فيما إعتراهم من (تغيير) أو (تعديل) نسميه أن جاز التعبير (توبة وتطهُّر).
ولكن بعد المحاولة الإنقلابية الأخيرة المُعلن عنها يوم الأربعاء الماضي والتي قام بها رئيس هيئة الأركان ومن تبعه من القواد العسكريين والمدنيين التابعين للمؤتمر الوطني وهيئته الراعية المُسماة بالحركة الإسلامية ، وطبعاً كالعادة تحت وسادة الخيانة والغدر وإهدار الحقوق ليس للمجلس العسكري وحده ، بل للأمة السودانية بأكملها ومعها هذا الوطن الجريح ، أصبحنا لا نجد مناصاً غير مواجهة (الواقع) المحض لننأى بانفسنا عن المثاليات الأخلاقية التي أزهقت في ما مضى ديموقراطية أبريل المجيدة ، بذات الوقائع والأسباب والأشخاص والذين كانوا في ذلك الوقت تحت مُسمى (الجبهة الإسلامية).
علينا أن نُقر ونعترف ونُعلن أن البِنية الفكرية ولوائحها وأدبياتها المُعتمدة لدى التنظيم السياسي الإسلاموي في السودان تنبني إستراتيجياً على مبدأ (تخوين) و(إستعداء) من هم ليسوا في قوائمهم التنظيمية ، وأن مُجرَّد الحِياد والوقوف على حافة النهر لا يكفيك أن تأمن مكرهم وغدرهم ، هُم هكذ تعلَّموا وتدَّربوا وتواثقوا ، وهم حين يفعلون ذلك ينطلقون بالطبع من فرضية عُلو وقداسة ما يرفعون من شعارات هم كانوا آخر من يؤمن بها ويدافع عنها ، وفي المقابل عبر فرضيةٌ أخرى مفادها (إستصغار) الغير ، وإحتقار ما ينادون به من أفكار ومباديء وقيَّم لا لشي غير كونها لا توصلهم إلى (الإستحواذ) المُطلق على كل شيء ولو على رقاب الضعفاء ودماء الضحايا وإرتهان الوطن .
لو ثبت أن هذا الإنقلاب الأخير الذي ضُبط بيانه الأول بصوت وصورة قائده والذي تم إعداده حسب ما يُشاع قبل فض إعتصام القيادة ومجذرة شهداء 29 رمضان ، فإن أمر المجاراة (التسامُحية) للمجتمع السوداني تجاه الذين ما زالوا يُجاهرون بإنتماءهم العاطفي والفكري والأخلاقي لحزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية إستهدافاً لفضيلة التآلُف والإرتقاء بقداسة مبدأ (و لا تزِرُ وازِرةٌ وِزرُ أُخرى) ، ستنقلب رأساً على عقب لتصبح (إستهجاناً) وعداءاً وبُغضاً لكل مُنتمٍ لهذا التنظيم والحزب مهما صغُرُ مقامهُ التنظيمي أو حتى كان مُجرَّد (مؤيِّد) لا يُقرُ ويُجاهرُ ويُعلن بوضوح إستهجانه ونفض يده عن إنتمائه وتأييده لكيان أو تنظيم سياسي (إمتهن بإحترافية قذرة) إستصغار الأمة السودانية وإحتقارها والوقوف ضد مصالحها ومطالبها وتطلعاتها ، هذا إذا لم يتطرَّف البعض وطالبهم بتبرئة أنفسهم وتطهير ذواتهم بالخروج كُلياً والإنسلاخ من هكذا تنظيم وحزب أو جماعة .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة