الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية الحلقة الثامنة والثلاثون بقلم محمد الفاتح عبدالرزاق عبدالله

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 03:03 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-09-2019, 11:19 PM

محمد الفاتح عبدالرزاق
<aمحمد الفاتح عبدالرزاق
تاريخ التسجيل: 09-14-2018
مجموع المشاركات: 59

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية الحلقة الثامنة والثلاثون بقلم محمد الفاتح عبدالرزاق عبدالله

    11:19 PM May, 09 2019

    سودانيز اون لاين
    محمد الفاتح عبدالرزاق-Sudan
    مكتبتى
    رابط مختصر



    بسم الله الرحمن الرحيم
    (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ، وَالْمَلآئِكَةُ، وَقُضِيَ الأَمْرُ، وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمور)

    الإنسان في الإسلام

    الباب العاشر
    الإنسان الكامل
    المسيح المحمدي

    أعتقد أن مفهوم الكمال الإنساني الذي نتحدث عنه، أصبح واضحاً.. وكذلك أصبح واضحاً، أننا عندما نتحدث عن الإنسان، والإسلام، والقرآن، إنما نتحدث عن شيء واحد، من زوايا مختلفة.. بصورة عامة، الانسان في الاسلام هو سيد الأكوان، وخلاصتها، والغاية منها.. وقد سخرت يد العناية الإلهية، كل ما في الوجود لتحقيقه، في الأرض، في اللحم والدم، وفق ما هو عليه في عالم الملكوت.. فجميع مراحل التطور، من أبسط صور المادة، والى اليوم، هي مراحل تحقيق الانسان.
    وعندما نتحدث عن الانسان الكامل، الفرد هنا، إنما نتحدث عن قمة هذا التحقيق.. تلك القمة التي كانت في الملكوت، بين الله تعالى في ذاته، وبين جميع خلقه.. وهي ليست بينها وبين الذات شيء.. هذه القمة، تتنزل الى الأرض، فتتحقق بنزولها الخلافة، المتمثلة في قوله تعالى: "إني جاعل في الأرض خليفة".. فالانسان الكامل، هو (الخليفة) المعرف بالألف واللام.. هو ابتداءً كان مركز دائرة الوجود الحادث، ولكن كان ذلك في الملكوت، وبظهوره في الأرض تكتمل الدائرة، التي كانت في الملكوت، ويتحقق موعود الله، بالخلافة في الأرض.
    ولقد سبق لنا أن تحدثنا عن مقام (أحسن تقويم)، وعن قول المعصوم (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر).. كما تحدثنا عن قوله تعالى: "إنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَـٰهُ بِقَدَرٍ* وَمَآ أَمْرُنَآ إِلَّا وَ‌ ٰحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ".. فالإنسان الكامل، هو النور الأول، وهو الأمر المشار اليه في الآية الكريمة.. فالأمر هو التنزل الى مقام الاسم (الله)، فهو بداية التنزل، وبداية قيد الاطلاق.. فنحن لا نستطيع أن ندرك الاطلاق، لأننا ندرك بالعقول.. فنحن ندرك ذات الله، من تنزل اطلاقه الى مرتبة القدر.. وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: "كنت كنزاً مخفياً، فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق فتعرفت اليهم، فبي عرفوني".. (فخلقت الخلق) الانسان الكامل هو أول الخلق، وبه تتم معرفة الذات الإلهية.. فالذات في اطلاقها لا تدركها العقول، ولا تحيط بها العبارة، وتقصر عنها الاشارة!! وقد قال الشيخ عبدالغني النابلسي، على لسان الذات:
    بذاتي لذاتي لا لكم أنا ظاهر وما هذه الأكوان إلا مظاهر
    وعلى ذلك فالقرآن كله، في إطار التعبير الذي يتسم بالمحدودية، أو النقص، أو القصور، في أي مستوى من المستويات، هو في حق الاسم _الإنسان الكامل_ ولا يكون في حق الذات المطلقة إلا عندما يدخل في الاشارة التي تتسامى عن القيد.. فالاسم هو تنزيه الذات عن التشبيه، وعن التصور.. فالتنزل، في أي صورة من الصور هو خلق تتنزه عنه الذات..
    الانسان الكامل، هو (الحقيقة المحمدية) المشار اليها في حديث جابر.. وهو النور الأول الذي ظهرت به الأشياء (الله نور السموات والأرض)، يعني النور الذي به ظهور السماوات والأرض.. ولذلك قال في الحديث (نور نبيك).. فكل شيء في الوجود، إنما يظهر، لخلق الله، بنور الله.. والنور تنزلات أعلاها ما يكون في حق الاسم.. والقرآن نور _هكذا وصف في المصحف: "فآمنوا بالله ورسوله، والنور الذي أنزلنا، والله بما يعملون خبير".. والعقل نور.. وقد ورد في الحديث "أول ما خلق الله العقل".. فالانسان هو عقل الوجود الحادث.. والنور الحسي نور.. نريد أن نقول أن الوجود كله إنما ظهر بنور (الذات المحمدية)، التي هي أول قابل لتجليات الذات الإلهية.. فهي مدد كل شيء في الوجود، ووسيلة اظهاره ، ووسيلة سيره الى ربه.. وقد قال المعصوم: "كنت نبياً، وآدم بين الماء والطين".. فالحديث، يشير الى أزلية نبوته.. فهو في هذا المستوى أصل جميع النبوات، ومددها.. وعبارة (وآدم بين الماء والطين)، تشير الى المراحل الأولى من تطور آدم.. وبالطبع (كنت نبياً)، تعني في الملكوت، وليس في الملك.. وبهذا المعنى، تكون الذات المحمدية، هي بداية النبوة، وختمها.. كما أنها بداية الولاية، وختمها.
    قلنا إن الله تعالى، لكي يعرف، تنزل من صرافة ذاته، الى مرتبة الاسم، والصفة، والفعل.. وقد جاء القرآن يحكي هذه التنزلات.. وقد نزل القرآن أول ما نزل، جملة، الى مقام الاسم _الحقيقة المحمدية_ فهي في هذا المستوى، هي (أم الكتاب).. وليس فوقها إلا (أم الكتاب) بمعنى الذات المطلقة.. ومن أم الكتاب، بدأ القرآن يتنزل، أولاً في صورته (الخلقية).. ثم بصورته اللفظية، التي اكتملت بالقرآن، بين دفتي المصحف، الموحى به الى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. وعن تنزلات القرآن يجيء قوله تعالى: "وَقُرْءَانًا فَرَقْنَـٰهُ لِتَقْرَأَهُۥ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَـٰهُ تَنزِيلًا" يعني تنزيلاً بعد تنزيل..
    يقول الأستاذ محمود: "(قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَـٰتِ رَبِّى لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَـٰتُ رَبِّى، وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِۦ مَدَدًا).. ومن أجل هذا فإنه باطل، زعم من زعم أن القرآن يمكن أن يستقصى تبيينه.. ذلك بأن القرآن هو ذات الله.. وهذه الذات تنزلت، بمحض الفضل، إلى مدارك العباد ليعرفوها، فكانت القرآن في تنزلاته المختلفة: الذكر، والقرآن، والفرقان. وفي منزلة الفرقان هذه انصب في قوالب التعبير العربية، واستعملت هذه القوالب أبلغ استعمال لتشير الى منزلتي القرآن، والذكر.. والقرآن انما انصب في قوالب التعبير العربية لنتمكن نحن من الفهم عن الله".
    النبي صلى الله عليه وسلم، صاحب ثلاثة مقامات: ولاية، ونبوة، ورسالة.. والى هذه المقامات يشير قوله، حين عرج به: (سألني ربي يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت أنت ربي أعلم، فوضع يده على كتفي، فوجدت بردها بين ثديي، فأورثني علم الأولين والآخرين.. وعلمني علوما شتى: فعلم أخذ علي كتمانه، إذ علم أنه لا يقدر على حمله غيري، وعلم خيرني فيه، وعلم أمرني بتبليغه إلى العام، والخاص، من أمتي، وهي الإنس والجن..).. فالعلم الذي أمره بتبليغه للخاص والعام من الأمة، هو علم الرسالة، وهي تشمل القرآن المقروء بين دفتي المصحف، وتشمل تبيين هذا القرآن، في التشريع، في مستوى حاجة الأمة.. وفي التفسير في مستوى طاقة الأمة.. وهو قد قال: (نحن، معاشر الأنبياء، أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم).. فالرسالة، إذن، لا تشمل تبيين القرآن كله.." والعلم الذي خير في تبليغه، هو علم النبوة، والعلم الذي أخذ عليه كتمانه، هو علم الولاية، لأنه ليس في طاقة الناس (إذ علم أنه لا يقدر على حمله غيري).. وهو القائل: "لي ساعة مع ربي، لا يسعني فيها ملك مقرب ولا نبي مرسل".. وعلينا أن نتذكر أن جبريل في المعراج وقف عند سدرة المنتهى.. وقال له المعصوم: "أهذا مقام يترك فيه الخليل خليله؟".. فقال جبريل: هذا مقامي ولو تقدمت خطوة لاحترقت.. وذهب النبي الى شهود ربه شهوداً ذاتياً، وليس بينه وبين ربه أحد..
    من الجهل الكبير، أن نظن أننا نعرف النبي صلى الله عليه وسلم.. والجهل بقدر النبي هو الذي يحول بين المسلمين وبين تقديره حق قدره.. ويكفي أن نذكر قول أويس القرني لسيدنا عمر عن رؤية الأصحاب للنبي، فهو قد قال: "والله ما رأيتموه إلا كالسيف في غمده".. والغمد هو مستوى الرسالة، وهو قد حجب مستوى الولاية، ومستوى النبوة.. أما عامة المسلمين اليوم، حتى رؤيتهم للغمد أصبحت مشوشة.. ونكتفي في هذا المجال بأن نذكّر بقول المعصوم "ما عرفني غير ربي"؟!
    المسيح المحمدي:
    لقد ذكرنا في المقدمة، أننا نعيش في عهد فترة، وقد نصل الدين عن حياة الناس.. وسيعقب هذه الفترة ، بعث ديني _بعث اسلامي_ تكون به (أمة المسلمين)، التي هي غرض الدين الأساسي، منذ أن كان الدين، وقبل أنبياء الحقيقة.. وأمة المسلمين هي أمة (الأخوان) مقابل أمة المؤمنين التي كانت أمة (الأصحاب).. وقد سبق أن ذكرنا، أن أمة المسلمين تجيء عن طريق الرسالة الأحمدية، التي تقوم على أصول القرآن، والخطاب فيها للناس كافة، وليس لجماعة معينة "وَمَآ أَرْسَلْنَـٰكَ إِلَّا كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".. جميع الرسالات السابقة لقوم معينين.. وجميعها عبارة عن تمهيد للأرض، لمجيء الرسالة التي هي للناس كافة.. ولم يكن، من الناحية العملية، لهذه الرسالة، أن تجيء، قبل أن تتوحد البشرية في الأرض، بالصورة التي تجعل من الممكن، أن يكون الخطاب عاماً، ولهم جميعاً.. "هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًا".. (الهدى) إشارة لأمة المؤمنين.. (ودين الحق)، إشارة الى أمة (المسلمين).. فالذي ينتصر على الدين كله هو (دين الحق)..
    ولقد أمرنا الله تعالى، باتباع أحسن ما أنزل علينا، متى أصبح ذلك ممكناً: "وَٱتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ".. وأحسن ما أنزل الينا من ربنا هو آيات الأصول.. هو الرسالة الأحمدية.. والآن، ولأول مرة في التاريخ، أصبح اتباع هذه الأصول ممكناً، وبذلك وجبت.. بل لا يمكن حل مشكلات الانسانية المعاصرة، من غيرها!! يقول الأستاذ محمود: "ولما كانت البشرية، على عهد الجاهلية الأولى ـ جاهلية القرن السابع ـ متخلفة، وساذجة، وجاهلة، فقد اقتضى حكم الوقت تنزل المحمدية عن الأحمدية تنزلا كبيرا، وذلك حتى تخاطب الناس على قدر عقولهم، وحتى تشرع لهم في مستوى حاجتهم، وهي حاجة بسيطة. وكان هذا التنزل من مستوى آيات الأصول في القرآن، إلى آيات الفروع.. وأصبحت بذلك آيات الفروع صاحبة الوقت، واعتبرت ناسخة، فيما يخص التشريع، لآيات الأصول"... ويقول: "والآن، وفي النصف الثاني من القرن العشرين، والبشرية تعيش الجاهلية الثانية ـ جاهلية القرن العشرين ـ وهي جاهلية أرفع، بما لا يقاس، عن مستوى جاهلية القرن السابع، فقد أصبحت الأرض مهيئة لتتلقى عن الأحمدية، وتعي، أكثر مما تلقى، ووعى أسلافها، وكذلك جاء وقت الرسالة الأحمدية.. والرسالة الأحمدية تطوير للرسالة المحمدية.. وذلك ببعث آيات الأصول التي كانت في عهد المحمدية منسوخة لتكون هي صاحبة الوقت في القرن العشرين، وتكون هي عمدة التشريع الجديد، ولا يقتضي كل أولئك إلا فهما للقرآن جديدا، به تحيا السنة بعد اندثارها".. ويقول: "محمد وهو رسول للأمة المسلمة صاحب رسالة أكبر منه وهو رسول للأمة المؤمنة.. فهو في رسالته للمسلمين أحمدي، وفي رسالته لأمة المؤمنين محمدي، وسبب الفرق بين الرسالتين حكم الوقت".
    من حيث المبدأ، لا يمكن لأي تغيير هام، أن يتم عن طريق الجماعة.. دائماً التغيير يفترعه فرد، ثم يتبعه الآخرون.. أما في الدين فهذا اوكد.. من المستحيل، أن يتم بعث ديني، بعمل جماعي، دون أن يفترعه فرد.. وهذا ما جرت به سنة الله في الأرض، من ارسال للرسل المختلفين، للأمم المختلفة.. لم يحدث في التاريخ أن قام بعث ديني من غير رسول، وإذا كان معه غيره يكون تابعاً له.. والسبب الأساسي في ذلك، أن الرسالة، لا تكون إلا بإذن الله.. وملاقاة الله، لا تكون إلا لفرد واحد.. ملاقاة الله فردية.. ولما كان الوحي قد اكتمل بانزال القرآن، فلا يمكن أن يأتي رسول بوحي جديد.. وقد اقتضت حكمته تعالى، أن يجعل القرآن (مثاني).. وأن يجعل رسالته ثنائية.. وأن يجعل نبيه محمد صلى الله عليه وسلم _خاتم الأنبياء_ صاحب رسالتين: الأحمدية والمحمدية..
    وعلى ذلك نقول أنه من المستحيل أن يكون هنالك تطبيق للدين في الأرض، دون رسول مأذون من الله.. وأي محاولة لإقامة الدين، دون ذلك، هي ليست دين، وإنما هي عمل بشري منبت، وغير مأذون، ولا يجيء منه إلا الشر المستطير.. وهو لابد أن يفشل.. وعمل العاملين في الدين، لا يعدو أن يقيموا الدين في أنفسهم، ويبشروا به غيرهم، ولا شيء غير ذلك، خلاف انتظار امر الله، ودون استعجال له "فإن الله لا يعجل بعجلة أحدكم"، كما يقول المعصوم.. فلأمة المسلمين وقتها، الذي لن تحدث قبله، ولا بعده.. يقول تعالى: "لكل أمة أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون".. ويقول: "ولكل أمة رسول، فإذا جاء رسولهم قضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون"..
    فمن هو رسول أمة المسلمين، الذي يتم على يديه تطبيق رسالتها؟ واضح من جميع ما تقدم أنه أحمد!! وهو المسيح المحمدي!! كيف يكون هذا‍!؟ وما معناه!؟ خصوصاً أنه من المعلوم، أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد التحق بالرفيق الأعلى!!
    وارد في القرآن، وفي الأحاديث النبوية، بل وفي الكتب السابقة، حديث واسع عن عودة المسيح!! وأصحاب الديانات الثلاث، اليهودية، والمسيحية، والاسلام ينتظرون عودة المسيح.. ولكل أصحاب ديانة من هذه الديانات، نصوصهم، وتأويلاتهم لهذه النصوص.. وهم يأولون النصوص، بالصورة التي تجعل المسيح الموعود، هو رسولهم، دون غيرهم!!
    نحن هنا نورد حديثاً واحداً، من الأحاديث النبوية العديدة، عن عودة المسيح.. يقول المعصوم: "والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم، حكماً عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويرفع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها".. يلاحظ أن الموعود في الديانات الثلاث، يسمى المسيح.. وكلمة (مسيح) تعني: الممسوح بزيت البركة.. وتعني المخلص أيضاً.. ولقد كان اليهود ينتظرون مسيحهم الذي وعدوا به.. ولما جاء المسيح عيسى بن مريم، رفضوه لأنه ساواهم بالأمم.. وهم لا يزالون ينتظرون مسيحهم الذي يعيد بناء الهيكل، ويقيم لهم مملكتهم الكبرى.. ومريم في التأويل تعني النفس الطاهرة، التي يجيء منها المخلص الأخير، الذي به يكتمل تطبيق رسالات السماء.. وقد سمى الله هذا المخلص بالمسيح، وفي حقه جاءت عديد الآيات القرآنية.. ولغياب مفهوم (المثاني) في القرآن، اعتبر كثير من المسلمين، أن هذه الآيات تتحدث عن المسيح الاسرائيلي وحده.. وكذلك الحال بالنسبة لأحاديث عودة المسيح.. وقد كان ابن عباس يقول: "عجبت لمن ينتظر عودة عيسى، ولا ينتظر عودة محمد"..
    المسيح القادم هو البشارة الواردة في قوله تعالى: "إني جاعل في الأرض خليفة".. وقد كان الخليفة في الملكوت هو الذات المحمدية، التي خلقت في أحسن تقويم.. وهذه الذات هي نفسها التي تكون بها الخلافة الموعودة في الأرض، وهي هي المعبر عنها (بنور نبيك ياجابر).. وجميع النبوات _منذ آدم عليه السلام والى محمد صلى الله عليه وسلم_ ليست سوى مراحل من مسيرة الحقيقة المحمدية نحو مقامها.. يقول تعالى: "وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ* ٱلَّذِى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ* وَتَقَلُّبَكَ فِى ٱلسَّـٰجِدِينَ".. قوله (وتقلبك في الساجدين)، تعني يرى أطوارك وأنت تتقلب في الخلائق تطلب مقامك المعد لك منذ الأزل.. وقوله (الذي يراك حين تقوم) إشارة الى تحقيق مقام الخلافة الموعود.. فكلمة (تقوم) من الآية، في التأويل، هي من القيومية _القيام بالله_ والقيام بالله هو تحقيق للعبودية، به يتم التخلي عن دعوى القيام بالنفس.. وقد جاء الوعد للنبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في قوله تعالى: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك، عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" .. وهذا المقام هو مقام الخلافة.. وقد حققه المعصوم بالنزع، ونزل به الى برزخه.. وهو سيحققه، في تجسيد في الأرض، عندما يبعث في المقام المحمود.. وكلمة (يبعثك) تعني الحياة بعد الموت.. والى هذا البعث تشير الآية الكريمة: "إِنَّ ٱلَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ"..
    فبهذه العودة، يكون المعصوم قد تجاوز الموت بتجربته، فيحقق مقام (الروح)، بمعنى الجسد الذي لا يموت.. وقد جاء عن تعريف الروح من أقوال الأستاذ محمود: "ما هي الروح؟؟ هي الجسد الحي الذي لا يموت!! وفي المرحلة، قبل ظهور الجسد الحي، الذي لا يموت، فان الروح هي الطرف اللطيف من الجسد الحاضر".. والروح هي المسيح.. يقول تعالى: "إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُۥ أَلْقَاهَآ إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ".. ويقول: "يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ صَفًّا".. والروح أيضاً القرآن، يقول تعالى: "وَكَذَ‌ ٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا".. والقرآن والمسيح شيء واحد.. فالقرآن بين دفتي المصحف هو كلام الله.. والمسيح هو كلمة (الله)، بمعنى القرآن الحي، المجسد قيماً في اللحم والدم _انظر الآية أعلاه: (وكلمته القاها الى مريم).
    هنالك وجوه عديدة للقضية.. بل أن القرآن كله، في التأويل، يتحدث عنها.. ويجب أن نتذكر هنا، ما سبق أن أوردناه من حديث عن التفسير والتأويل.. فتأويل القرآن كله يتعلق بالإنسان _بآيات النفوس_ وقد أوردنا قوله تعالى: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق".. فآيات الأفاق يقوم عليها التفسير، وهو ظاهر القرآن.. وآيات النفوس هي تأويل القرآن.. فالإنسان هو تأويل القرآن _خصوصاً الإنسان الكامل_ وسنرى ذلك في موضعه.
    هذا هو المسيح المحمدي _الإنسان الكامل_ الذي يتم على يديه تطبيق أصول القرآن، وقيام الأمة المسلمة _أخوان النبي.. وحديثنا عنه لا يزال مستمراً..
    الساعة ومقام الوسيلة:
    كل الذي نحن بصدده هنا، هو بيان مكانة الإنسان، في الإسلام.. وأظهر ما تكون هذه المكانة، في القمة، في (الانسان الكامل)، الذي ببعثه الى مقامه، يتم بعث الإنسانية على مستوى الأرض جميعها.. فمقامه هو مقام (الوسيلة) التي بها يتم هذا البعث.. ووقت البعث هو (الساعة).. والساعة (ساعتان)، حسب مثاني القرآن.. والمقصود هنا، الساعة الصغرى _ساعة التعمير.. والمسيح هو الساعة، يقول تعالى: "وَإِنَّهُۥ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا".. الساعة هي النقطة التي يلتقي فيها الماضي مع المستقبل، وهي اللحظة الحاضرة.. وهي أصل الزمن.. وهي تدق حتى لتكاد تخرج من الزمن.. هي نقطة التقاء الزمن مع الاطلاق.. فهي من وجهها الذي يلينا زمن، ومن وجهها الآخر إطلاق..
    وعلى ذلك هي بين المطلق، والمقيد.. وبهذا المعنى هي الحقيقة المحمدية.. وعلم الساعة لا يكون إلا عن طريق التوحيد.. والتوحيد كما ذكرنا مراراً، هو توحيد ذواتنا.. وقد تحقق هذا في قمة للنبي صلى الله عليه وسلم، في المعراج، وحكاه لنا القرآن، بقوله تعالى: "إذ يغشى السدرة ما يغشى، ما زاغ البصر وما طغى".. وهنا توحد النبي الكريم، وحدة، ذاتية، مطلقة، وخرج عن الزمان والمكان، أو كاد، فرأى المطلق، الذي لا يحويه الزمان، ولا المكان ـ رأى الله ـ ثم وعده ربه أن يبلغه هذا المقام في الأرض، في الجسد.. فيكون بهذا التحقيق، هو الساعة، وهو الوسيلة .. وساعة التعمير هي لحظة مجيء المسيح المحمدي، ليرد الأشياء الى ربها، حساً ومعنى.. فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.. ويومئذ يظهر الاسلام على جميع الأديان.. وهذه ساعة التجلي الكمالي.
    وعند تحقيق هذا المقام _وهو مقام ولاية النبي_ يتحقق مقام الوسيلة، في الأرض.. وبه تتحقق جنة الأرض.. وعن الوسيلة، يقول تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة".. فالله تعالى، يفعل بذاته.. ويفعل بالوسيلة، في تنزل.. وفي الآية ، مع التقوى، جاء الأمر بابتغاء الوسيلة.. يقول المعصوم: "إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، فإنه من صلى عليَّ صلاة، صلى الله عليه، بها عشراً .. ثم سلوا لي الله الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو الله أن أكون هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له شفاعتي".. لاحظ (لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله).. فالمقام لفرد، وهو مقام عبودية.. وصاحبه هو أكبر من يحقق العبودية لله.. وعلى ذلك هو أكبر من تخلق بأخلاق الله _سبق الحديث في هذا الأمر_ـ وهذه الصفة بالذات هي التي تجعله مؤهلاً لخلافة الأرض..
    والمقام في الجنة (فإنها منزلة في الجنة).. وهذا ربما يصرف الكثيرين، ليفكروا في الجنة الكبرى، في الدورة الثانية من دورات الحياة.. وهذا فهم شديد الخطأ.. فالمقصود جنة الأرض، في المكان الأول، ثم الجنة الكبرى.. فالخليفة صاحب مقام الوسيلة، هو خليفة في الأرض أولاً.. من المهم جداً، أن نعلم أن الجزاء على العمل _الأجر_، هو هنا والآن.. فإن الله أكرم من أن تعامله حاضراً ويعاملك نسيئة.. تعبده اليوم ويؤتيك أجرك غداً في الآخرة.. وهو تعالى في شريعته، أمرنا أن نعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه!! وهو أكرم من ذلك بكثير.. يقول الأستاذ محمود أن الأجر على العبادة هو (هاك بهاك).. ويضيف موضحاً: "ليس معنى هذا، بالطبع، إنكار الآخرة، وانما معناه أن الآخرة هنا، واليوم.. فما يكون تمامه هناك، يبدأ اليوم.. قال تعالى، في هذا المعنى: (يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا، عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّـَاتِكُمْ، وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَـٰرُ، يَوْمَ لَا يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِىَّ، وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُۥ، نُورُهُمْ يَسْعَىٰ، بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَبِأَيْمَـٰنِهِمْ، يَقُولُونَ: رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا، وَٱغْفِرْ لَنَآ.. إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ).. قولهم: (ربنا أتمم لنا نورنا) يشير إلى أنهم قد بدأت أنوارهم في الدنيا، وهم إنما يطلبون تمامها في الآخرة.. وحكم الوقت يجعل هذه الآية تطالب بمعناها، في سرعة تحقيق الأجر، اليوم بأكثر مما كان عليه الشأن في الماضي.. المراد من هذا الحديث أن يحاسب العابد نفسه ليكون على بينة من صحة صلاته.. فإنه إذا كان المراد من الصلاة هو الرضا بالله رباً، ومدبراً لأمورنا، فإنك، إن أنت صليت ركعتين، وانصرفت من مصلاك، ولم يكن قلبك أرضى بالله، منه قبل أن تصلي، فيجب أن تعلم أن صلاتك باطلة، وأنها لا تستحق، ولا تستوجب أجراً.. واحذر أن تظن أن أجرها مكتوب لك في مكان آخر، تعطاه في الآخرة.. ولما كانت الصلاة وسيلة الى الرضا، فإن الرضا هو أيضاً وسيلة إالى طمأنينة النفس، وتحرير العقل من الخوف.. وبتحرير العقل من الخوف يتم كمال الحياة..".. ويقول: "فإن كنت تريد أن تحيا لله فإن قانونك الذي يجب أن يكون دائماً بين عينيك إنما هو قوله، تبارك من قائل: فَمَن يَعْمَلْ، مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، خَيْرًا يَرَهُۥ * وَمَن يَعْمَلْ، مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، شَرًّا يَرَهُۥ) .. (يره)!! من يعمل خيراً يره، ومن يعمل شراً يره.. يره (اليوم)، بل يره (اللحظة)، لا غداً.. ولا يمنعه من الرؤية (الناجزة)، (الحاضرة)، للتو، وللحظة، إلا الغفلة.. ولكن الحاضرين، غير الغافلين، يرون: هم يرون نتائج ما يعملون للتو، وللحظة".. وهذا هو قانون المعاوضة الذي تحدثنا عنه كثيراً.. ويقول تعالى: "وَمَن كَانَ فِى هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِى ٱلْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا"..
    إن أمر الوسيلة هو أهم وأخطر ما في الوجود الحادث.. ولا سبيل لبعث الدين، ولا سبيل للخلاص، بصورة عامة إلا به، فهو وحده المخلص.. من أجل ذلك جاء قول الأستاذ محمود: "إن محمدا هو الوسيلة إلى الله وليس غيره وسيلة منذ اليوم - فمن كان يبتغي الوسيلة التي توسله وتوصله إليه، ولا تحجبه عنه أو تنقطع به دونه، فليترك كل عبادة هو عليها اليوم وليقلد محمدا، في أسلوب عبادته وفيما يطيق من أسلوب عادته، تقليدا واعيا، وليطمئن حين يفعل ذلك، أنه أسلم نفسه لقيادة نفس هادية ومهتدية".
    من أوضح النصوص القرآنية التي تؤكد العلاقة بين القرآن بين دفتي المصحف، والإنسان الكامل _القرآن الحي_ مقام الاسم (الله)_ قوله تعالى: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ؟ يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ! فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُوا لَنَآ؟ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ؟ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ، وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ".. فالآية تؤكد أن تأويل القرآن قادم (يوم يأتي تأويله).. والتأويل هو رد الشيء الى ما يؤول اليه.. والقرآن جميعه يؤول الى الله.. فهو عنه صدر وعنه يحكي، واليه يرسم خط السير.. فالقرآن هو المعراج الى النفس الكاملة، نفس الانسان الكامل.. وجرثومة الإنسان الكامل موجودة في كل فرد بشري.. والسير من نفسنا السفلى الى نفسنا العليا، إنما يتم عن طريق التأدب بأدب القرآن.. وهذا التأدب وسيلته تقليد المعصوم، فحياته هي مفتاح القرآن..
    والإشارة الى كون (الله) هو حقيقة القرآن، وتأويله، يجيء من قوله تعالى: "هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِى ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلَائِكَةُ وَقُضِىَ ٱلْأَمْرُ، وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلْأُمُورُ".. هناك قال: (هل ينظرون إلا تأويله، يوم يأتي تأويله).. وهنا قال: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِى ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ).. واضح من ذلك أن (الله في ظلل من الغمام)، هو تأويله.. ومهما كان تفسير أو تأويل (ظلل من الغمام)، فهي من المستحيل أن تعني (ذات الله)، عن ذلك تعالى الله علواً كبيراً.. فالذات ليست غائبة حتى تأتي.. ثم هي مطلقة، لا يحويها الزمان والمكان.. والإتيان في (ظلل من الغمام) حدث زماني مكاني.. فلم يبق غير أن المقصود هو مقام الاسم، وليس الذات المطلقة.. فالله في ظلل من الغمام يعني في تجسيد أصله الماء.. وهذا هو مقام الوسيلة، الذي يكون بين الله في اطلاقه، وبين جميع خلقه.
    وعن نفس المعنى يجيء قوله نعالى: "هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ!؟".. وإليه الاشارة بقوله تعالى أيضاً (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُۥ إِلَّا ٱللَّهُ).
    والى هذا المعنى عن تجسيد القرآن، في الحياة في الأرض، وما يتحقق به من مقامات، يجيء قوله: "وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَ‌ ٰتِ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ* وَأَشْرَقَتِ ٱلْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ وَجئيَ بِٱلنَّبِيِّينَ وَٱلشُّهَدَآءِ، وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ".. (ونفخ في الصور) يعني في الأجساد، وعلى قمتها جسد الإنسان الكامل.. والصور يعني أيضاً البوق.. فالإنسان الكامل، لأنه في قمة مقام العبودية، هو بالنسبة للذات الإلهية عبارة عن بوق، تنفخ فيه، فيعكس إرادتها، ويقيد اطلاقها.. (وأشرقت الأرض بنور ربها) يعني أرض الجسد، جسد الإنسان الكامل، يشرق بنور الحياة الكاملة والعلم الكامل _نذكّر بأننا قلنا ان الكمال في الجسد_ والأرض أيضاً تعني الكوكب الأرضي، يشرق بنور المعرفة بالله _ بنور الاسلام، فلا يصبح فيه إلا مسلماً.. وهذا هو أيضاً معنى (ووضع الكتاب)، أي وضع المصحف موضع التطبيق، وبذلك تتم النزلة الى مستوى الحياة، فيصبح القرآن معاشاً، في قمة، في الإنسان الكامل، ثم بين سائر الأفراد والجماعات، وبذلك تتحقق المقامات العرفانية وتتحدد، والى ذلك الإشارة بقوله (وجيء بالنبيين والشهداء).
    هذه النزلة الأخيرة للقرآن الى مقام التطبيق، كآيات نفوس، هي التي تتحقق بها الخلافة في الأرض، وتتحقق إنسانية الإنسان، وتجيء أمة المسلمين.. وهذه هي قمة الكمال على الأرض.. وتتحقق جنة الأرض المشار اليها في قوله تعالى: "وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ".. وبذلك تتم النعمة، وتقام مملكة الحمد (الحمد لله الذي صدقنا وعده).. واليها الإشارة أيضاً بقوله تعالى: "دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".. وبذلك تجتمع جنة المعاني، وجنة المباني..
    وما هذا التحقيق إلا بسبب الطاعة لله.. فهو تعالى، يطاع في الأرض، كما يطاع في السماء.. وما تم الإبعاد من الجنة إلا بسبب المعصية.. ولا تتم العودة إليها إلا بالطاعة.. وبقدر الطاعة تكون الجنة.. فهي جنان.. والأصل فيها جميعها، هو معرفة الله وطاعته.. والصور الحسية للجنة قائمة، كما ذكرها القرآن، ولكنها تابعة لجنة المعاني.
    أردنا من كل ما تقدم ذكره، أن نعطي صورة عامة لتصور الاسلام للإنسان، وطبيعة الإنسان، والكمال الإنساني.. فبالدخول في مرحلة الإنسانية _الذي نرجو أن يكون وشيكاً_ يرتفع الناس فوق مرحلة البشر الحاليين، كما ارتفع البشر، فوق درجة الحيوان.. ووسيلة هذا الارتفاع هي الإنسان الكامل، الذي يرتفع فوق مستوى الناس، عندما يحققوا إنسانيتهم، بمستوى ارتفاعهم هم، عن درجة البشر.. لقد جاء في كتاب (أدب السالك في طريق محمد) للأخوان الجمهوريين، في هذا الصدد قوله: "قوله تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه).. (فان البيوت التى يذكر فيها اسم الله، في الحقيقة هي أجساد العارفين.. وفي طليعتهم الإنسان الكامل.. فان جسد العارف قد أذن الله له أن يرفع من الأموات.. فهو إنما يجيء الى هذه الدنيا من العالم الآخر.. والى ذلك إشارة النبي عن أبى بكر حيث قال: (من سره أن ينظر الى ميت يمشى في الناس فلينظر الى أبى بكر..).. وجسد الإنسان الكامل أذن الله له أن يرفع، من مرتبة النباتية، الى مرتبة الحيوان، الى مرتبة الإنسان، وهي أعلى المراتب.. ومرتبة الحيوان هنا لا تعنى مجرد الحيوان الأعجم، وإنما تعنى أيضاً مرتبة البشر الحاضر، القاصر، عن تحصيل المعارف الإلهية.. ذلك بأن الإنسان الكامل يأذن الله له (لبيته) أو قل (لجسده) أن يرفع، فيفتتح، بهذه الرفعة دورة جديدة، من دورات التكوين على هذه الأرض.. فانه هو يرتفع، بهذه الدورة الجديدة، فوق البشر المعاصر، كما ارتفع البشر المعاصر فوق الحيوان الأعجم، عند افتتاح الدورة البشرية المعاصرة، هذه الدورة التى نعيش الآن في أخرياتها، ان شاء الله.. والإنسان الكامل عندما يرتفع إلى هذا المستوى من الحياة، يفيض الحياة على غيره.. فيبعث موتى القلوب، من موتهم..".
    إن الوجوه عديدة جداً، ولكن ما يعنينا هو الصورة العامة.. ونعتقد أن ما قدمناه يكفي تماماً لتوضيح التصور العام، في الاسلام للإنسان.

    9/5/2019م























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de