لعل المسرح السياسي الدولي اليوم أمام عروض مدهشة في السَّمْسَرَة السياسية؛ والسَّمْسَرَة في المجال التجاري حرفة ومهنة محترمة ولها أصولها. فالسَّمْسَارَ هو الوسيط بين البائع والمشتري لإمضاء البيع وهو كذلك الدّال على مكان السلعة وصاحبها فلا فرق بين السَّمْسَار والدّلال. بيد أنه في حال اختلاط حابل السَّمْسَرَة بنابل السياسة فيغدو الأمر مستنكرا ومدمّرا. وهنا نتساءل عن حجم عمولات السَّمْسَرَة التي يقبضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من السعودية نظير حثّه الدول التي حظر عليها استيراد النفط الإيراني الذي حدد له مهلة تنتهي الأسبوع القادم بعد قيامه بفرض عقوبات مجحفة على طهران. ترامب قال في تغريدة له في حسابه في موقع تويتر ان في الإنتاج النفطي السعودي متسعا لتغطية حاجة الدول التي سوف تذعن للتحذيرات الأمريكية وتتوقف خوفا وطمعا عن شراء النفط من إيران. وهناك أيضا يقفز سؤال حول كيف يمكن تبرير الحد من حرية التجارة العالمية بمبررات سياسية؟.
وكان وزير الخارجية الأمريكي قد قال أيضا إن السعودية والإمارات، سيتدخلان ويدعمان الإنتاج لسد الفجوة. الرئيس الإيراني حسن روحاني قال موجها كلامه للإمارات والسعودية مؤكدا أن الدولتين تدينان لإيران بوجودهما، لأن طهران رفضت مساعدة الرئيس العراقي السابق صدام حسين في اجتياح البلدين. وتعود القصة إلى شهر نوفمبر الماضي حين فرضت الولايات المتحدة عقوبات على إيران عقب انسحاب الرئيس ترامب من اتفاقية وقعت في عام 2015 بهدف وقف البرنامج النووي الإيراني. في ذات الوقت أعلنت الولايات المتحدة عن استثناءات تسمح لثماني دول أو مناطق بمواصلة استيراد النفط من إيران، وأعطتهم مهلة للعثور على بائع جديد. وتنتهي هذه المهلة بدءاً من مايو المقبل، وإلا فقد تواجه عقوبات في حالة استمرارها في شراء النفط الإيراني بعد هذا التاريخ.
السعودية التي ظلت تستجيب باستمرار لابتزاز ترامب وتدفع له بسخاء لا شك أنها ستكون شريكة هذه المرة في مغامرة ترامب الإقليمية وأكثر استعدادا لتغدق عليه بالاموال نظير سمّسرته وحثه زبائن سوق النفط الايراني للتحول إلى السوق السعودي في ظل ارتفاع كبير في السعر العالمي للنفط بسبب النقص المتوقع في العرض جراء غياب النفط الايراني فضلا عن الاضطرابات الماثلة في بلدين رئيسيين آخرين من الدول المنتجة للنفط، هما فنزويلا التي تخضع لعقوبات أمريكية، وليبيا الغارقة في الاقتتال المسلح.
وتسعى واشنطن إلى وقف صادرات النفط الإيرانية تماما اعتبارا من الثاني من مايو، لكن هناك 5 دول لن تستجيب للتهديدات الأمريكية وهي الصين والهند، واليابان، وكوريا الجنوبية، وتركيا. وفي حين تقوم طهران بتصدير 1.3 مليون برميل نفط يوميا (بطريقة رسمية)، يجري شحن المزيد من نفطها بطريقة غير معلنة. إذ أن السفن الإيرانية تحجب أجهزة تتبع ابحارها بنسبة 80% من الوقت، ويعني ذلك أنه من الصعب تتبع ماهية حمولة السفينة ومن أين جاءت وإلى أين تذهب.
ويقول المحللون الاقتصاديون انه ما دامت تركيا والصين تأخذان نحو نصف إجمالي صادرات النفط الإيراني، لم يكن من المنطقي توقع وقف تصدير النفط الايراني كما تأمل الولايات المتحدة.
كما تستطيع إيران أن تحدث خللا في تدفق وانسياب صادرات النفط عبر مضيق هرمز في الخليج العربي إذا ما زاد الضغط عليها، حيث لابد من نقل كميات هائلة من نفط العالم عبر مضيق هرمز الضيق، عند مدخل الخليج بالقرب من إيران. وسبق أن هددت طهران مرارا بإغلاق مضيق هرمز، الذي يبلغ عرضه 33 كيلومترا عند أضيق نقطة له، وله قناة شحن بعرض ميلين فقط، وقد أكد جنرال في البحرية الإيرانية هذا التهديد الخطير بعد تهديدات ترامب. وكان المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي قد وصف قرار ترامب بأنه "قرار عدائي لن يمر دون رد".
إن سياسة ترامب بدعم من بعض حلفائه الإقليميين قد تدفع إيران إلى مربع اليأس ومن ثم الاقدام على إغلاق مضيق هرمز ولو بذريعة اجراء مناورات وتدريبات بالذخيرة الحية. وفي المقابل قد يدفع ذلك الولايات المتحدة إلى تسديد ضربة عسكرية لطهران لتغرق المنطقة كلها في حرب مدمرة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة