الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية الحلقة الخامسة والثلاثون بقلم محمد الفاتح عبدالرزاق عبدالله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 06:59 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-22-2019, 02:32 PM

محمد الفاتح عبدالرزاق
<aمحمد الفاتح عبدالرزاق
تاريخ التسجيل: 09-14-2018
مجموع المشاركات: 59

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية الحلقة الخامسة والثلاثون بقلم محمد الفاتح عبدالرزاق عبدالله

    02:32 PM April, 22 2019

    سودانيز اون لاين
    محمد الفاتح عبدالرزاق-Sudan
    مكتبتى
    رابط مختصر



    بسم الله الرحمن الرحيم
    (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ، وَالْمَلآئِكَةُ، وَقُضِيَ الأَمْرُ، وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمور)
    الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية
    الإنسان في الإسلام

    الباب الثامن
    الوراثة والبيئة

    ما يعنينا بخصوص موضوع الوراثة والبيئة، هو ما يتعلق بموضوعنا الأساسي، عن معرفة الإنسان، وطبيعته، وأي جوانب أخرى، هي خارج اهتمامنا هنا.. ولقد سبق أن تناولنا الموضوع، في إطار حديثنا عن الحضارة الغربية، ونحن هنا نتناولها في إطار حديثنا عن الإسلام.. وسنرى أن هنالك اختلافاً جوهرياً، في الرؤية، في المجالين: مجال الإسلام، ومجال الحضارة الغربية.
    من المؤكد، أن اكتشاف الخريطة الجينية للإنسان (الجينوم)، في مجاله، فتحٌ علمي هام جداً، ومن المنتظر أن يكون مفيداً جداً للبشرية، في المجالات المرتبطة به.. هذا أمر لا يمكن الخلاف حوله.. ولكن تأتي المشكلة، عندما ننقله إلى غير مجاله.. فالمشكلة ليست في الموضوع العلمي، وإنما هي في الموضوع الفلسفي، الذي يحاول البعض أن يضيفه لموضوع الجينوم، مثل جعل الجينوم هو الذي يحدد الطبيعة البشرية، أو أنه كتاب الإنسان، أو تصور وجود حتمية بيولوجية، بناءً على هذا التصور، أو الزعم أن الجينوم هو الذي يحدد السلوك البشري، والقول بأننا إنما تصنعنا جيناتنا، إلى آخر هذه المزاعم.. وهي مزاعم، تُخرج العلم، بصورة مبدئية، من مجاله، وتنسب إليه إختصاصات هي أدخل في مجال الفلسفة والدين.
    الوراثة في الدين، تقوم على بعدين: البُعد البيولوجي، وبُعد القيم.. والبعد الثاني هو الذي يركز عليه الدين، دون إنكار للبعد الأول.. إلا أن البعد الأول، في تفاصيله، هو أدخل في الجانب العلمي.. والوراثة، في بُعد القيم، في الإسلام، تنقسم إلى شقين: شق إيجابي، يدعو له الدين، وشق سلبي، يُنفر عنه.. وأوضح ما يكون هذا الأمر، في موضوع الزواج.. فالدين، من أجل الزواج الناجح، والذرية الصالحة، يدعو إلى الزواج من المرأة ذات الدين، ويُنفر من الزواج من المرأة، منقوصة الحظ من الاستعداد لقيم الدين.. يقول المعصوم صلى الله عليه وسلم: "تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها، ودينها.. فأظفر بذات الدين تربت يداك".. وفي الوجه الآخر، يقول محذراً: "إياكم وخضراء الدمن!! قالوا: ومن خضراء الدمن يا رسول الله!؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء".. وقد اعتبرت الشريعة الحسب والدين من الكفاءة، وكلاهما يتعلق بالقيمة.. فالمقصود بالدين القيم، وليس العقيدة، والعقيدة في شروط الكفاءة متوفرة في شرط الإسلام.
    وفي حديث آخر عن الوراثة: "عن أبي هريرة رضى الله عنه، أن أعرابياً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أن أمرأتي ولدت غلاماً أسود، وأني أنكرته.. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لك من أبل؟ قال: نعم.. قال: فما ألوانها؟ قال: حُمر.. قال: هل فيها من أورق.. قال: إن فيها لورقاً.. قال: فأنا ترى ذلك جاءها؟ قال: يا رسول الله عرق نزعها.. قال: ولعل أبنك هذا نزعة عرق".. نزعة عرق: أي جذبه لون كان في أحد أصوله.
    ومما يؤكد قيمة الوراثة، إن الله تعالى، قد جعل الصالحين من الأنبياء، من أسر بعينها، اصطفاها، وجعلها (ذرية بعضهم من بعض).. يقول تعالى في هذا الصدد: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ".. كما أصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، واصطفى آل بيته.. قال المعصوم عن السيدة فاطمة الزهراء: "فاطمة بضعٌ مني".. ومن آل البيت، خصوصاً من أبناء فاطمة، يكاد يكون كل كبار الأولياء، في تاريخ الإسلام.. فهم ذرية بعضهم من بعض.. وهذا لا يعني، أن كل من له أصولٌ صالحة، سيكون بالضرورة صالحاً.. ولكن يعني أن كل من له أصول صالحة، هو يرث منها الاستعداد للصلاح.. فإذا وجد هذا الاستعداد، العمل من صاحبه، والبيئة الصالحة، فإنه ينتج عنه الصلاح، وإلا فلا!! ويكون صاحبه قد ضيع ميراثه..
    فعلى الرغم من أن سيدنا أبراهيم، من المصطفين الصالحين، إلا أن الله تعالى، أبعد الظالمين من ذريته، من أن ينالوا عهده!! قال تعالى: "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ.. قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا! قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي؟! قَالَ: لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ".. أما نوح، فقد وبخه ربه، وأنبأه أن أبنه "عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ"!! ولم ينج من الطوفان.. وزوجة نوح من جانب، والسيدة فاطمة من الجانب الآخر، يؤكدان توكيداً شديداً، أن (الصلاح إمرأة).. فزوجة نوح، رغم أن ولدها، قد نشأ في كنف أحد كبار الأنبياء، لم يصلح!! هذا في حين أن السيدة فاطمة، بحكم أنها (بضع) من المعصوم، أصبحت سلالتها يمثلون كبار الأولياء والصالحين، في كل التاريخ الإسلامي.. وحتى الموعود، هو من أبنائها!! ونحن لنا عودة، لأهمية المرأة _الأم_ في الوراثة والبيئة.
    يقول المعصوم: "الناس معادن، كمعادن الفضة والذهب.. خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا ثقفوا".. وهو قول يؤكد أهمية الاستعداد والوراثة، كما يبين اختلاف الناس فيه.. فمن الناس، من معدنهم كمعدن الذهب، ومنهم من معدنهم كمعدن الحديد.. ولكن أصحاب المعدن الممتاز، لا يصلحون لمجرد إمتياز معدنهم، وإنما هنالك شرط ضروري، تشير إليه عبارة (إذا ثقفوا) من الحديث.. ولكن إذا لم يثقفوا، فسيظل معدنهم مطموراً، ولا ينتج منه صلاح!!
    الميراث الصالح، قد يضيعه صاحبه، بعدم صقله وتنميته، يقول تعالى: "فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ، يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا..".. فهؤلاء، أضاعوا ميراثهم الطيب، بعدم تهيئة البيئة الصالحة، بالسير على سير آبائهم من الصالحين.. ويقول المعصوم في هذا الصدد: "من أبطأ به عمله، لن يسرع به نسبه".
    يقول تعالى: "وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ".. ووراثة الأنبياء، لا تكون وراثة دنيا، يقول المعصوم: "نحن معاشر الأنبياء، لا نورث، ما تركناه صدقة".. وعندما دعا سيدنا زكريا ربه بقوله: " فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ، وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا".. استجاب له ربه، وبشّره بيحيى!!
    قال صلى الله عليه وسلم: "إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وأورثوا العلم، فمن أخذه؛ أخذ بحظ وافر".. وبالطبع هذه ليست وراثة مال، أو دنيا، كما هو واضح من الحديث.. وإنما هي وراثة دين _وراثة معرفة بالله.. وهؤلاء العلماء الورثة، قد يكونون من سلالة الأنبياء، وقد لا يكونون.. وفي الحالة الأولى، يكون استعدادهم الوراثي، قد أعان على وراثتهم المعرفية، ويسّرها.. وفي الحالتين، إنما تمخض الوراثة عن طريق العمل في التقوى.. إذ لا مجال للعلم بالله، سوى مجال العمل بالتقوى.. يقول تعالى: "وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ".. ويقول المعصوم: "من عَمِلَ بما علم، أورثه الله علم ما لا يعلم"..
    هذه الوراثة، بالمفهوم الديني، هي التي تعنينا هنا، ونحن نتحدث عن الوراثة في الإسلام.. هذه الوراثة، كما سنبين لاحقاً، خاصة بكل إنسان.. وهي مجال تحقيق إنسانية الإنسان، والطريق الوحيد لتحقيق الكمالات الإنسانية، ولذلك نحن سنركز عليها هنا.. ولكن قبل تناول هذه القضية، نحب أن نتناول دور المرأة _الأم_ في جانبي الوراثة والبيئة.. فعلى الرغم من أن الوراثة، بالمعنى البيولوجي، وبالمعنى الديني، هي من الأب والأم معاً.. إلا أن للأم، وضعها الخاص المتميز، الذي ينبغي أن نبرزه.
    الأم:
    يقول الصوفية (الصلاح إمرأة).. كما أوردنا قول المعصوم: (فاطمة بضع مني)، وذكرنا وصيته بالظفر بذات الدين، في الزواج، والابتعاد عن (خضراء الدمن).. وذكرنا أن معظم كبار الأولياء، في الإسلام، من العترة النبوية، من أبناء السيدة فاطمة.. فهؤلاء هم ورثة الأنبياء.
    حول عبارة الصوفية (الصلاح إمرأة)، يقول الأستاذ محمود: "والكمال إنما هو حظ الرجل، وحظ المرأة في آن معاً.. فإن الفرد الكامل، إنما هو الابن الشرعي للمجتمع الكامل.. وهو، أكثر من هذا، الابن الشرعي للمرأة الكاملة .. يقول العارفون: إن الصلاح (امرأة).. ويريدون بذلك أن يقولوا: أن المرأة الصالحة إذا تزوجها الرجل الصالح، أو تزوجها الرجل الطيب، كريم الأخلاق، سخي اليد، حسن الدين، فإنها تنجب ابنا صالحا.. ولكن الرجل الصالح إذا تزوج امرأة مرذولة، دنيئة النشأة، رقيقة الدين، كزة النفس، فإنه لا ينجب إلا أبناء فاسدين، رقيقي الدين، سيئي الخلق.. وذلك أمر مفهوم، ومقدر، وأسبابه واضحة.. فإن الولد، إنما هو، من الناحية العضوية، يكاد يكون كله من المرأة.. هو من عظمها، ودمها، ولحمها.. فهي تعطيه في أحشائها، كل تكوينه الجسماني.. ثم هي، إذا برز من أحشائها، تعطيه، من كيانها، كل غذائه، تقريباً، إلى أن يفطم.. هذا من الناحية العضوية وأما من الناحية الروحية فإن حالتها النفسية، ومزاجها، يؤثران عليه، وهو جنين، ثم يؤثران عليه، وهو رضيع، ثم يؤثران عليه، وهو طفل يشب في مدارج اليفاعة، تأثيراً يكاد يكون كاملا.. ويكفي أنه، عندما تفتح عيناه لأول مرة، إنما تفتحان عليها هي.. فيلفح وجهه دفء أنفاسها، وتمس جلده نعومة أناملها، وتستقر في أعماق عقله نظراتها الحنينة، ويطرق أذنيه عذب مناجاتها، ومناغاتها.. وبالاختصار، فهو يأخذ منها كل مزاجه، وكل تكوينه، الجسماني، والروحي، والخلقي، والفكري، ثم هو لا يكون سعيه، فيما بعد، بين الناس، إلا متأثرا، تأثرا كاملا، بكل هذا التكوين المبكر.. ثم إن أحدنا، في جميع أطوار حياته، محاط بالمرأة، من جميع أقطاره.. فهي الزوجة، وهي، قبل ذلك، الأم، وهي، بعد ذلك، الأخت، والبنت.. ثم إنها هي تحت جلدنا وفي إهابنا.. أليست نفس أحدنا امرأة؟؟ بلى!! فإن أحدنا، من رجل أو امرأة، إنما هو نتاج مشترك للقاء الذكر بالأنثى.. ففي كل رجل حظ من الأنوثة.. وفي كل امرأة حظ من الذكورة.. والسعي في مراتب الكمال، للرجل أن يتخلص من هذا الخلط المشوش، حتى يكون كامل الرجولة.. وللمرأة أن تتخلص من هذا الخلط المشوش، أيضاً، حتى تكون كاملة الأنوثة.. فإن الرجل، كامل الرجولة لم يجئ بعد.. والمرأة كاملة الأنوثة لم تجئ بعد.. وإنما هما مقبلان، على التحقيق، وذلك بفضل الله، و(الله ذو الفضل العظيم)"..
    لقد أصبح معلوماً، الدور الكبير جداً، الذي تلعبه فترة الرحم، والطفولة المبكرة، في تكوين شخصية الفرد.. يقول د. عبدالمحسن صالح: "لكن الماعون الأساسي للحياة يتركز في الأنثى.. فهي تستقبل الخلايا الجنسية الذكرية، وهي المسؤولة عن تنشئة الأجنة وحملها وولادتها ورضاعتها ورعايتها ولذلك كانت أهم بيولوجياً من الذكر"..(18 ص 33).
    ولتوكيد أفضلية الأنثى، يتحدث د. عبدالمحسن عن (التوالد العذري) فيقول مثلاً: "نعم!! إن الأنثى تستطيع أن تحمل، وترزق بذرية، دون ان يلمسها ذكر.. أي أنها تتوالد عذرياً.. بمعنى أنها تنجب وهي عذراء!! ومن هنا أطلق العلماء على مثل هذه الحالات اسم (التوالد العذري). والتوالد العذري، واسع الانتشار في رتب كثيرة في مملكة الحيوان الدنيا مثل براغيث الماء.. والحشرات مثل: المن والتربس والنحل والدبابير...الخ" (18 ص 33).
    وهو يذكر أن أول حالة للتوالد عذري عرفت، كانت في حشرة المن.. وكان ذلك في عام 1740م.
    ويقول عن حشرة العصا أنها، لا تكاد تعرف عن إنتاج الذكور شيئاً!! وذكر أن هنالك تجربة أجراها العالم (بنكاس) على عدد من بويضات أرانب، حصل عليها عن طريق الجراحة، ثم وضعها في محلول ملحي، وعرضها لدرجة حرارة 45 درجة مئوية، وأعادها إلى رحم أرنب مهيأ لإستقبال هذه البويضات، وحضانتها وتغذيتها.. ولقد استخدم (بنكاس) في هذه التجارب 615 بويضة غير مُلقحة.. واستطاعت ثلاثة بويضات، أن تُنتج ثلاثة أجنة كاملة النمو" (18 ص 4)، وتحدث عن التلقيح الجزئي، أو الناقص، أو الكاذب.
    ويقول عن أحد العلماء يُدعى ديليج، أنه كتب مُعلقاً، فقال: "ولما كان احتمال التوالد العذري في أنثى الإنسان ليس مستحيلاً، فإن بعض الناس الذين قد يمرون أمامنا في الشارع، دون أن نرتاب لحظة في أنهم قد جاءوا من ذكر وأنثى، قد يكون احتمال مجيئهم عن طريق التوالد العذري قائماً، دون أن تظهر عليهم أي سمات شاذة"..(18 ص 45).. على كلٍ، لقد أصبح موضوع (الكلونة) الإستنساخ، معروفاً الآن، ووكدته التجارب العديدة.
    ويقول د. عبدالمحسن: "إن الأنثى قد تتحول إلى ذكر، ثم تعود سيرتها الأولى، وتتحول إلى أنثى تارة أخرى"..(18 ص 46).. ويضرب المثل لذلك، ببعض النماذج، التي يجري فيها هذا الصنيع.
    على كلٍ، التوالد العذري، في الحيوانات العليا، ليس هو القاعدة، وإنما هو إمكان!! والفضيلة في الإنسان، لا تتعلق بالجانب البيولوجي، وإنما هي تتعلق بالجانب الإنساني _جانب تحقيق الإنسان لإنسانيته_ وهذا أمرٌ متاح للمرأة، كما هو متاح للرجل.. فهما متساويان في القيمة.. يقول الأستاذ محمود: "المساواة، بين الرجال والنساء، ليست مساواة الميزان، والمسطرة .. وإنما هي مساواة القيمة.. ومعنى ذلك أن المرأة، في نفسها، كإنسان، وفي المجتمع، كمواطنة، ذات قيمة مساوية لقيمة الرجل، في نفسه، كإنسان، وفي المجتمع، كمواطن.. وهذه المساواة تقوم وإن وقع الاختلاف في الخصائص، النفسية، والعضوية، في بنية الرجال والنساء.. وهي تقوم، وإن اختلفت الوظيفة الاجتماعية، وميدان الخدمة للمجتمع، الذي يتحرك فيه الرجال والنساء.."..
    يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".. (أتقاكم) تشير إلى القيمة التي بها الكرامة، عند الله، وبها التمايز، وهي لا تتعلق بالرجال دون النساء، ولا بالنساء دون الرجال، وإنما تتعلق بالفضل والعمل.
    أصل الوراثة:
    هل هنالك أصل واحد للوراثة مشترك بين جميع البشر!؟ من المؤكد أنه في الحضارة الغربية، لا يوجد أصل واحد.. وعلى العكس من ذلك، الأمر بالنسبة للإسلام.. في الإسلام، هنالك موروث واحد، لجميع البشر.. هذا الموروث هو حالة الكمال التي كانوا عليها في الملكوت.. وهي الفطرة "فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا".. ولقد سبق لنا الحديث في هذا الأمر.. وذكرنا أن هذه الفطرة ثابتة ولا تتغير.. وقلنا أن الإنسان من الله صدر، وإليه يعود.. فهو قد خلق في أحسن تقويم، ثم رُدَّ إلى أسفل سافلين.. وقد نزل إلى أسفل سافلين، وفي ذاكرته الكمال الذي كان عليه، فهو يحلم به، ويتطلع إليه، ويسعى إلى تحقيقه.. ولقد تطور إنسان الأرض، إلى أن بلغ مستوى البشرية الحالية.. وكل تطوره هذا هو، في سبيل الرجوع إلى حالة الكمال التي كان عليها.. وهو مكتوب له أن يحققها، فهي لا بد كائنة في حينها.. هذا الكمال، هو كنزه الدفين فيه.. هو ميراثه، الذي غطاه (الرين)، وأذهله عنه الخوف، وهو ميراث، لم يتغير، ولن يتغير، وإنما حُجِب!! هو قائم في سويداء القلوب.. والقلوب _كل القلوب_ حرم آمن من الخوف.. وإنما الخوف على حواشيها.. ففي كل قلب الحقيقة، وفيه الحياة الكاملة.. ولكن بين القلوب والعقول، حُجُب كثيفة، هي (الرين).. أدى إلى هذه الحُجب صراع الحياة العنيف، وما صحبه من خوف ومن كبت.. وهذا الكبت، وما قام عليه من عقد نفسية، هو الميراث في المستوى الثاني، مستوى الحياة الأرضية.. ولتحقيق الكمال، القائم في سويداء القلوب، لا بد من إزالة الحجب القائمة بين العقل الواعي، والعقل الباطن (القلب).. وبمعنى آخر لا بد من التخلص من موروثنا السلبي الذي أورثنا أياه صراع الحياة.
    وبعدُ، هذا بإختصار مفهوم الوراثة في الإسلام.. فالوراثة الأساسية، ولجميع الناس، هي لحالة الكمال التي كانوا عليها في الملكوت.. فهي ميراثهم الذي لا بد أن يحققوه، في عالم الملك، في الأجساد.. وما يحول دون تحصيل هذا الميراث هو (الرين) الموروث والمكتسب.. وها هنا يأتي الميراث الناتج من صراع تجربة الحياة، عبر التطور الشاق والطويل الذي تحدثنا عنه.. فلتحقيق الميراث الأصلي الأول، لا بد من التخلص من الميراث الثاني السلبي، وذلك عن طريق العمل في التقوى.. ومن كل ذلك يتضح أن الميراث يقع في مستويين: الميراث الأصلي وهو لحالة الكمال التي كانت في البدء، وهذا يشترك فيه جميع البشر.. والميراث الثاني هو الميراث الذي تسبب فيه صراع الحياة، وهو الحائل دون الوصول إلى الميراث الأول.. وهذه الحيلولة، إلى حين، ففي النهاية لا بد من رفع حجب (الرين)، والوصول إلى ميراث الأصل، وهذا لكل إنسان.. أما الوراثة بالمفهوم البيولوجي، كما يتحدث عنها العلم، فأمرها واضح، وهي حق في الدين كما في العلم، بشرط أن لا تخرج من إطارها.
    وموضوع الوراثة كما رأينا، مرتبط بصورةٍ أساسية، بموضوع البيئة، فلا مجال على الإطلاق، لإستخراج كمالنا، المكتوب لنا، إلا عبر الحراك في البيئة.. وهذا يقتضي أن نتحدث حديثاً موجزاً عن موضوع البيئة.
    حقيقة البيئة:
    ظاهر البيئة _البعد المادي لها_ سار العلم خطوات كبيرة في معرفته.. ولكن رغم ذلك لم يتم التصالح معها، ولن يتم عن طريق العلم وحده.. فللتصالح مع البيئة أو التواؤم معها، لا بد من معرفة مظهرها وجوهرها، والتواؤم معهما معاً، مع إعطاء الأولوية للجوهر.. فما هي البيئة حسب الدين؟؟ يقول الأستاذ محمد: "البيئة بيئتان: بيئة طبيعية، من العناصر الصماء، في الأرض، وفي السموات، وبيئة اجتماعية، من جميع الأحياء، من لدن حيوان الخلية الواحدة _سواء أن كانت خلية حيوان، أو خلية نبات‏.‏‏. والبيئة مع ذلك، وحدة متحدة، الاختلاف بين أعلاها، وهو الإنسان، وأسفلها وهو ذرة بخار الماء، إنما هو اختلاف مقدار‏.‏‏. هذا يعنى أن أصغر جزيئات المادة، إنما هي على صورة الإنسان، وهي الإنسان، في طور من أطوار نموه، نحن لا نعرفه، كما أنا لا نعرف الإنسان، وهو في طور الحيوان المنوي‏.‏‏. نحن لا نعرفه إلا بعد أن يولد، بشرا، بعد مكثٍ تسعة أشهر، وبضعة أيام، في الرحم‏.‏‏.
    إن البيئة _سواء أكانت طبيعية، أو اجتماعية_ إنما هي مظهر الله العلى‏.‏‏. لقد تنزلت الذات العلية من صرافتها إلى مراتب الأسماء والصفات‏.‏‏. تنزلت إلى مرتبة الاسم (الله) وبهذا الاسم قامت الأسماء والصفات والأفعال‏.‏‏. وأعلى هذه الأسماء: الله، الرحمن، الرحيم‏.‏‏. ثم يجئ ثالوث الأسماء: العالم، المريد، القادر‏.‏‏. وبهذا الثالوث، بصورة ندركها أكثر مما ندرك ثالوث الأسماء الأول، ظهر الخلق _ظهرت البيئة.. ونحن، إنما ندرك هذا الثالوث أكثر مما ندرك الثالوث الأول _الله، الرحمن، الرحيم_ لأن عندنا فيه مشاركة، أكثر مما عندنا في الثالوث الأول‏.‏‏. فنحن، كل منا، قد خلقه الله عالما، ومريدا، وقادرا، في المستوى الذي يليق بنا‏.‏‏. وإنما برزت البيئة الطبيعية، والاجتماعية، إلى الوجود بهذه الأسماء الثلاثة".. فالبيئة هي علم الله، متنزل إلى إرادته، متنزل إلى قدرته.. علينا أن نتذكر العبارة التي سبق أن أوردناها وهي: "من مادة الفكر صُنع العالم".. فأهم حقيقتين بالنسبة للبيئة، هما: أنها وحدة ليس فيها تفاوت نوع، وإنما كل تفاوت فيها إنما هو تفاوت مقدار.. ثم إنها بيئة روحية ذات مظهر مادي.. والتواؤم مع البيئة يقتضي التواؤم مع مظهرها المادي، وجوهرها الروحي، معاً.. هذا التواؤم هو التعليم.. فتعريف التعليم هو: اكتساب الحي القدرة التي بها يستطيع أن يوائم بين حياته، وبين بيئته.. وهذه المقدرة على التواؤم هي مقياس ذكاء الأحياء، على مختلف درجاتهم في سلم التطور.. يقول الأستاذ محمود، عن البيئة والتعليم: "المعلم الواحد _اللّه_‏.‏‏. الله هو المعلـم الأصلي!! فمـن هو المعلـم المباشر؟؟ هو العناصر المتعددة في البيئة‏.‏‏. في الحقيقة كل عناصر البيئة حية ولكنها حياة فوق إدراك العقول ولا تصبح حيـاة في إدراك العقول حتى تخرج، من المادة غـير العضوية، المادة العضوية، وهـي ما تسمي، اصطلاحـا، بالحياة‏.‏‏. وما هي المادة التي يعلمهـا المعلم الواحد _الله_ بواسطة العناصر المتعددة للحي في مستوى الخلية الواحدة؟ هـي المقدرة على التواؤم بين الحى وبيئته!!"..
    والبيئة في جميع مستوياتها، في حالة حركة وتغير، دائمين.. وللتواؤم معها لا بد أن يراعى هذا الاعتبار الأساسي.. وهذا يشكل، مشكلة أساسية لعملية التواؤم مع البيئة.. وهي مشكلة لا حل لها إلا في الدين.. والدين إنما يتوفر على حل هذه المشكلة، برد البيئة إلى أصل واحد، مهما اختلفت صور تعددها، هذا الأصل هو الإرادة الإلهية.. كما سبق أن ذكرنا، لا شيء يدخل الوجود، إلا بإرادة الله.. وما يريده الله، يدخل فيه: الحق والباطل، الخير والشر.. وحتى الباطل، والشر، في الإرادة لا يكونان إلا لحكمة.. وقد أنزل الله شريعته، ليعلمنا عن طريق الممارسة فيها، الفرقان الذي نميز به، بين الحق والباطل، والخير والشر، فنلتزم الحق والخير، وبذلك نعيش وفق مرضاة الله.. وهذا متجدد في كل وقت.. وهذا ما يُعرف بحكم الوقت.. بمعرفة حكم الوقت، والتزام ما يرضاه الله، حسب حكم الوقت هذا، تتم المواؤمة مع البيئة، في أرفع المستويات.. وتتم المعرفة الحقيقية، التي بها الحياة الحقيقة ـ الحياة الباقية.. هذا هو العلم، الذي يستطيع به الإنسان، اكتساب القدرة التي بها يستطيع أن يوائم بين حياته وبين بيئته.
    أما البيئة في مظهرها المادي، المعروف عند الناس اليوم، فأمرها معروف، ولا تحتاج منا إلى حديث هنا.. وكل ما نقوله هنا، أن هذه البيئة، يستحيل التواؤم معها، دون التواؤم مع البيئة الروحية، بالمعنى الذي ذكرناه، لأن بهذا التواؤم، يتم اكتساب القيم، التي تمكن من التواؤم مع البيئة المادية.. والتواؤم مع البيئة هو التحدي الأساسي، الذي يواجه الحضارة اليوم.. وهنالك الكثير الذي يمكن أن يقال، ولكن لما كان تناولنا للقضية، في إطار معرفة الإنسان، ومعرفة طبيعته، والعوامل المؤثرة عليه، فإننا نكتفي بهذا القدر.. فقط نحب أن نورد قولين للأستاذ محمود، حول الموضوع، كختام، لأهميتهما.
    يقول الأستاذ محمود: "إنما من أجل التواؤم بين حياة الحي البشري، وبين البيئة، نشأ الدين، ونشأ العلم المادي، ونشآ كتوأمين، في وقت واحد" .. والعلم موكل بالمظهر المادي للبيئة.. وحتى هذا، لا يمكن أن يتم، بعد اليوم، إلا بالتوافق مع الدين.. فالدين هو الشرط الضروري، للتواؤم مع البيئة، في مظهرها المادي، وجوهرها الروحي، وذلك لأن التواؤم مع الجانب المادي، لا يمكن أن يتم، إلا إذا توفرت القيم التي تحرك البشر لتحقيقه، وهذه القيم، لا تتوفر إلا في الدين.. ثم أن البشرية وصلت إلى نهاية تطورها المادي الصرف، ولا مجال لأي تطور جديد فيها، إلا بمزاوجة المادة والروح.. وقد ظهر عملياً، بما لا يدع مجالاً للشك، أن المادة ليست أصل الكون، وإنما هي مظهر لشيء وراءها، هو الطاقة.. وبذلك يعود التوافق بين العلم والدين، بالصورة التي توكد، فيهما معاً، أن البيئة التي نعيش فيها، بيئة روحية ذات مظهر مادي.. يقول الأستاذ محمود أن هذه الحقيقة: "ستحدث ثورة في مناهج التعليم الحاضرة، التي ظهر قصورها، وإليها يرجع فساد الحكم، وقصور الحكام، والمحكومين".
    بفضل الله، ثم بفضل التعليم، بمعنى مقدرة الحي على المواءمة بين حياته، وبيئته، تطورت الحياة على الأرض، حتى وصلت مرحلة البشرية الحالية.. وستفتح المعرفة الجديدة للبيئة الباب، قريباً، إن شاء الله، لدخول البشرية مرحلة الإنسانية.. يقول الأستاذ محمود: "لقد خلق الله تبارك، وتعالى، الإنسان ليكون عالما، وحرا، وحيا، حياة لا موت فيها، وهكذا والاه بالتعليم، وفرض عليه العلم فرضا: "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ"..‏ أردت أو لم ترد! فإنه ما من ملاقاة الله بد! ولا تكون ملاقاة الله إلا بالعلم‏.‏‏. ولقد خلق لنا الله العالم لنتعلم منه، وفيه‏.‏‏. وقد سيرنا إليه بالعالم - بالبيئة تسييراً..".
    وبهذا الحديث ندخل إلى مرحلة الإنسانية، وهي مرحلة لم تصل إليها البشرية، حتى اليوم.. ولكنها تهيأت لدخولها، قريباً إن شاء الله، وهذا ما تبشر به دعوة الأستاذ محمود.. وما كتابنا هذا، عن الإنسان، إلا بسبيل من هذه البشارة العظيمة.

    22/4/2019م























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de