(1) قد يكون العنوان أعلاه صادما للبعض و مستفزا لغيرهم و محبطا للبعض الآخر، لكنه قد يصادف هو ًى في نفس بعض السودانيين. و هو موجه للجميع، حتى نتفاكر بصوت مسموع حول هذه المسألة المهمة، التي تتعلق بمبدأ المحاسبة و عدم الإفلات من العقاب، بعيد ًا عن الرغبة في الإنتقام أو التشفي. و هي مرتبطة بهذا المبدأ ليس محلي ًا بل و دوليًا أيضًا. و في تقديري أن تسليم المخلوع الًبشير لمحكمة الجنايات الدولية ليواجه الإتهامات المعلنة في مواجهته بعد أن كان هاربا من العدالة الدولية لعقد كامل من الزمان، يساعد في تثبيت مبدأ عدم الإفلات من العقاب على مستوى الدولة، و يرسخ أقدام العدالة الجنائية الدولية، و ينقل البشرية برمتها إلى مرحلة جديدة من سيادة حكم القانون على مستوى دولي، و يسمح لشعب السودان بأن يدخل التاريخ كأول شعب يؤسس لمحاسبة الرؤساء الديكتاتوريين المخلوعين أمام المحاكم الجنائية بإرادته و يسلم رئيسه المخلوع بنفسه لهذه العدالة. و الأسباب التي تدفع لتأييد تسليم المخلوع البشير كثيرة، و لكنها جميع ًا تندرج تحت تكريس عدم الإفلات من العقاب من ناحية ، و المحاكمة العادلة من ناحية أخرى، و كذلك تثبيت مركز العدالة الجنائية الدولية التي تجرأت على إتهام رئيس دولة و هو على رأس عمله. (2) أولى أسباب تأييد تسليم المخلوع البشير للمحكمة الجنائية الدولية هو طبيعة الجرائم التي إرتكبها، و التي لم تكن موجهة ضد أهلنا في دارفور و لا شعب السودان فقط، بل هي جرائم موجهة ضد الإنسانية جمعاء. صحيح أنها وقعت على أهلنا المظلومين و المكلومين، و لكنها إستهدفت البشرية كلها حين شملت جرائم ًا ضد الإنسانية و جرائم حرب و جرائم إبادة جماعية. هذه الجرائم مجرمة بشكل واضح و دقيق في القوانين الدولية قبل وقوعها في إقليم دارفور، و لم تكن مجرمة وقت وقوعها تحت القانون السوداني. و لذلك محاكمة المخلوع أمام محكمة الجنايات الدولية يحرمه من إثارة الدفع بمبدأ شرعية القوانين الجنائية الذي يستطيع إثارته أمام المحاكم السودانية، ًًً 1 بإعتبار أن هذه الجرائم لم تكن منصوص ًا عليها في القانون العقابي السوداني وقت وقوعها . (3) ثاني أسباب تأييد تسليم المخلوع لمحكمة الجنايات الدولية هو أن الجرائم التي إرتكبها في دارفور هي الأبشع طوال فترة حكمه لجماعيتها و وحشيتها و إتساع دائرتها، و يصح إعطائها أولوية عند المحاسبة . توفر هذه الأولوية محكمة الجنايات الدولية التي تقتصر إجراءاتها جميع ًا عليها دون جرائم المخلوع التي لا تحص ى و لا تعد. و تسليمه يسمح لمحكمة الجنايات الدولية مباشرة إختصاصها ، و يسقط تطاوله عليها و يكسر ما ترتب على ذلك من إضعاف لهيبتها و تقليل من شأن القضاء الجنائي الدولي، الذي تحتاجه البشرية جمعاء في مقبل أيامها، لترسيخ نظام عدالة جنائية دولية، يستطيع أن يتهم الرؤساء الجزارين و هم على رأس عملهم، لحماية الشعوب من بطشهم، و تقليل كم الخسائر الواسع الذي سيستمر في حين أمنوا المحاسبة و العقاب و احتموا بمزاعم السيادة و تمثيلهم لشعوب لم تنتخبهم و هم أكبر خطر يواجهها. فمساعدة محكمة الجنايات الدولية في القبض على مجرمها الهارب و المتحدي لها، يرسل رسالة قوية تحتاجها كل شعوب الأرض المضهدة التي ترزح تحت نير حكام مستبدين. (4) ثالث أسباب تأييد تسليم المخلوع لمحكمة الجنايات الدولية هو أن تسليمه يوفر له محاكمة عادلة قد لا تتوفر له في السودان في ظل الظروف الإنتقالية الحالية. فتقديمه للقضاء المنحاز له الحالي غير المستقل و الذي حشد فيه أصحاب الولاء على حساب الكفاءة، قد يقود لنتيجة مخيبة للآمال ربما تصل إلى إفلاته من العقاب كحسني مبارك ، أو لإصدار عقوبات شكلية لا ترقى إلى مستوى ما إرتكبه من جرائم، لعيوب في القانون العقابي السوداني نفسه. فعلى سبيل المثال، ليس في القانون الجنائي الحالي نص يحاكمه عن تخريب الاقتصاد الوطني كجريمة قائمة بذاتها، و لا عن إستغلال الدين في السياسة، لأن هاتين الجريمتين اللتين تواجدتا في قوانين سبتمبر سيئة الذكر، تم التخلص منهما تمام ًا عند سن القانون الجنائي الحالي. 2 كذلك من الممكن أن يمنع الرأي العام الثوري الحالي من محاكمة المحكوم محاكمة عادلة ، لأنه سيؤثر حتم ًا على القضاة مهما كانت نزاهتهم و حيدتهم لأنهم بشر. (5) رابع أسباب تأييد تسليم المخلوع لمحكمة الجنايات الدولية هو أن تسليمه يمنع من محاكمته بالإعدام، و يؤسس لسير مجتمعنا بقبوله للسير في هذا التوجه الإنساني الذي يسعى إلى ترسيخ إسقاط هذه العقوبة غير الإنسانية، في حين أن محاكمته بموجب القوانين السودانية التي سنها بيديه أو تلك التي أيدتها القوى التي ينتمي إليها في سبتمبر من العام 1983م، سيقود على الراجح لإعدامه.وقديقولقائلأنإعدامهأمرًمحبذًللشعبالسودانيلعظمالجرائمالتيإرتكبها، و لكن إعدامه بالحتم لا يعتبر قصاصا عادلا لأن عنقه سيكون مقابل أعناق مئات آلاف السودانيين الذين قتلهم و مساواة لكل هذا العدد من الضحايا بشخص واحد. فوق ذلك فإن إعدامه يخالف حتى النظم التقليدية لتنفيذ هذه العقوبة التي لا تطبق على من تجاوز السبعين عام ًا مثله، و هو لن يحقق ردع ًا و لا إصلاح ًا بل يكرس روح الإنتقام و يشفي الغليل فقط، ويعيدالنظامالعقابيوفلسفةالعقابإلىمحطاتتجاوزتهاالإنسانية.ومنالمهمملاحظةًأن العقاب الراجح أن يكون بالسجن لمدة طويلة، تنفيذه مضمون بإعتبار أنه لن يحدث إنقلابا في لاهاي من الدولة العميقة ليعفيه من تنفيذ العقوبة مثلما هو وارد في السودان. لمجمل ما تقدم من أسباب و غيرها من الأسباب التي لم نذكرها، نؤيد بلا تردد تسليم المخلوع لمحكمة الجنايات الدولية لتتم محاكمته في محاكمة عالمية تخاطب الإنسانية جمعاء و تعكس مدى نبل شعبنا و حرصه على العدالة الجنائية الدولية، دون إخلال بحقوق الشعب السوداني في تحريك إجراءات جنائية محلية في مواجهته و التحقيق معه للحصول على المعلومات اللازمة حول جميع الجرائم التي إرتكبها قبل القيام بتسليمه. نعلم بأن هذا الرأي قد لا يعجب الكثيرين، و لكننا نرى أنه الحل الأمثل لشعبنا و للإنسانية برمتها. 2019/4/19م
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة