النيل يجري شلالات فوق أشجار الأبنوس والنخيل. . والمدينة المسكونة بالأسرار تخفي أساها، خلف الزغاريد والهتافات وغابات الدخان. . ! الصبية الصغار يحثون خطاهم نحو الشمس. وحينما يتعبون في المساء ينامون تحت مطر الرصاص المنسكب من بنادق الحقد في الطرقات، فاتحاً مزيداً من الجراحات في جسد الوطن الذي هده تعب السنين. الظلام يمد يده في الفراغ ويفتح نافذة الحيرة . . ! الحيرة التي أصبح معها أبي عاجزاً عن فهم أسرار المدينة وسيل المسرحيات. . ! أبي منذ أن عرفته رغم بساطته إلا إنه كان رجلاً لماحاً في الفهم، وبارعاً في الكد والكدح . . ! كان أبي في كل صباح يوصيني بوصايا كثيرة، أذكر منها إنه كان يقول لي: يا أبني مهما واجهتك من تحديات ، وأشتد في وجهك الظلام، لا تنظر إلى الوراء، ولا ترحل بعيداً . . ! أبقى هنا . . فالحياة هنا أجمل . في تلك الأيام لم أفهم معنى ما كان يقول . . ! لكن الحياة علمتني، أن الحياة في المدينة المحاصرة بالأسئلة والحيرة مهما قست، تبقى هي الأجمل. لذا دعوني أقول لكم يا صناع الحياة ، إني خالفت أبي ورحلت بعيداً، أو بالأحرى أجبرتني ظروف الحياة على الرحيل . . ! يا صحابي . . ! دعوني أقول لكم صباح الخير . . ومساء الخير، في آن معاً . . ! فالأوقات كلها واعدة بالخير . أعلم أنكم تثقون فيّ، وفي الشوارع، التي راهنتم عليها، كما كنت أراهن عليكم وعلى النيل وغابات البرتقال والمانجو. ها أنا من البعد أخط سطوراً من الشكر والشوق علها تفك شيئاً من اللغز . . ! وتضيف إليكم قدراً من الصبر، وأنتم تتوسدون الأرض، وتلتحفون السماء . . ومحاطون بمكر الثعالب، ووضاعة الذئاب . . ! الثعالب والذئاب التي جاءت في الظلام. . ! وها هي اليوم تعود إليه . . ! بعد أن نست أن عجلة الزمن لم ولن تتوقف . . وإرادة الشعب مثل أمواج البحر . الطيب الزين
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة