الإنسان في الحضارة الغربية الحلقة الخامسة والعشرون بقلم محمد الفاتح عبدالرزاق عبدالله

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 02:41 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-26-2019, 02:02 AM

محمد الفاتح عبدالرزاق
<aمحمد الفاتح عبدالرزاق
تاريخ التسجيل: 09-14-2018
مجموع المشاركات: 59

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الإنسان في الحضارة الغربية الحلقة الخامسة والعشرون بقلم محمد الفاتح عبدالرزاق عبدالله

    01:02 AM February, 25 2019

    سودانيز اون لاين
    محمد الفاتح عبدالرزاق-Sudan
    مكتبتى
    رابط مختصر



    بسم الله الرحمن الرحيم
    (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ، وَالْمَلآئِكَةُ، وَقُضِيَ الأَمْرُ، وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمور)
    الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية

    الإنسان في الإسلام
    الباب الثالث
    التطور
    الفصل الأول
    حول مبدأ التطور
    الأصل الواحد:
    في الإسلام التطور قانون أساسي من قوانين الوجود.. وهو قانون أساسي لأنه يقوم على التوحيد.. فالتطور لا يتعلق بالأحياء، أو بالإنسان فقط، وإنما هو قانون ينتظم الوجود كله، من بداياته إلى نهاياته، ويرسم له خط سيره، ويوجه مراحل سيره، في تقلب الصور المختلفة.. فهو أصل قصة الخلق.. يقول الأستاذ محمود: "إن قصة الخلق في القرآن لهي أكمل، وأتم، مما هي في أي فكر نعرفه، حتى اليوم.. وقضية التطور، في القرآن، تذهب إلى بدايات، وتسير إلى نهايات، أبعد، في الطرفين، مما يدخل في ظن أي عالم من العلماء الذين تعرضوا لنظرية التطور، من داروين إلى آخر من كتبوا في هذا العلم..".. ونحن قد رأينا في هذا الكتاب طرف البداية، وأشرنا، إشارات عديدة، إلى طرف النهاية، في حديثنا المتعدد الوجوه، عن الإطلاق.
    ما أريد أن أقرره هنا، عن المبدأ الأساسي لنظرية التطور _مبدأ الأصل الواحد_ هو أن هذا الأصل الواحد، في الإسلام ولجميع الأشياء، هو المطلق _الذات الإلهية.. ودون هذا المستوى، وفي مستوى التنزل، مستوى الخلق، الأصل الواحد هو التنزل لمقام الاسم (الله).. وهذا هو مقام الإنسان _الذات المحمدية_ كما سبق أن بينا.. فهذا الأصل الثاني، هو الذي يعنينا بصورة خاصة، وهو من الناحية العملية أصل الإنسان، وأصل جميع الخلائق.. فالجميع تنزل منه عندما حدثت الردة، أو الفتق الأول، من أحسن تقويم إلى أسفل سافلين.. هذا الأصل الواحد، في الفكر الغربي، وفي الحضارة الغربية غائب تماماً.. والذي يبدأ منه التطور في الفكر الغربي، هو نقطة أسفل سافلين في الدين.. وهي عندهم تقوم على ما ذكرناه، عن نظرية (الانفجار العظيم).. وعلى ذلك الأصل الواحد في الإسلام أصل روحي وسابق على الأصل المادي، الذي تنزل عنه، والأصل الواحد، الروحي، يقوم على الكمال.. هذا مع ملاحظة أن الأصل الواحد في الفكر الغربي يقوم على النقص.. وهذا اختلاف جذري بين نظرة الإسلام ونظرة الحضارة الغربية..
    وفي الإسلام، التطور في الأرض، يستهدف غاية واحدة، أساسية، هي العودة إلى الأصل الكامل، الذي كان في البداية.. وهذا بالنسبة لجميع الخلق!! ومن هنا يأتي التعبير (بالتقلب في الصور)، عند حديثنا عن التطور في الإسلام.. فحركة التطور هي، تقلب في الصور، من أبسط صور المادة، الهيدروجين، تطلب أن تكون كاملة في الصور، كما هي كاملة في الجوهر.. وهيهات!! ولذلك قلنا أن التطور حركة سرمدية.
    والتطور في الإسلام، في جميع مراحله، وجميع مستوياته، وجميع أشكاله، يتعلق بالإنسان!! وهو لا يتعلق بالأنواع فقط، كما هو في الفكر الغربي، وإنما هو يتعلق بالأنواع وبالأفراد.. وموضوع الأفراد هو الأهم، ولقد سبق لنا الحديث عن ذلك.. وهذا يختلف اختلافاً جذرياً عن التصور الغربي.. قلنا، ونكرر: في التصور الإسلامي ذاتية الفرد، موجودة دائماً، في صورة من الصور، منذ بداية الخلق، وستكون موجودة كذلك سرمداً.. وهذا ما يهم كل فرد.
    فالإسلام لا يرفض، من حيث المبدأ، نظرية التطور، كما هي في الفكر الغربي، عند داروين أو غيره.. وإنما يزنها بميزانه _ميزان التوحيد_ فيأخذ ما هو صحيح وإيجابي، ويترك ما هو خطأ وسلبي.. وهذا هو ديدنه مع أي فكر إنساني.. وعليه نحن لا نرفض المفهوم البيولوجي للتطور، وإنما نضعه في موضعه، الذي لا يتعداه.. وبالطبع نحن لا نبني على هذا المفهوم البيولوجي، واعتقد أن هذا أمر أصبح واضحاً، مما سبق أن كتبناه.
    عن الأصل الواحد وطبيعته يقول الأستاذ محمود: "الوجود مكون من مادة واحدة، وإن الاختلاف في أطوارها اختلاف مقدار، لا اختلاف نوع.. فالروح مثلاً هي الطرف الرفيع، الشفاف من النفس.. ويمكن القول بأن النفس هي الطرف الغليظ، الكثيف، من الروح.. والحق، (وهذا أمر يقتضيه التوحيد)، أن الوجود كله مصنوع من مادة واحدة، وهذه المادة تكون في حالة من الذبذبة العالية حتى يتكون منها أرفع الأرواح، أو تكون في حالة من الذبذبة المنحطة حتى يتكون منها أغلظ الأجسام.. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: "إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ".. و (من الجن) يعني من الملائكة.."..
    ومما قاله الأستاذ محمود عن الأصل الواحد: "إن كل ذرة من ذرات أجسادنا إنما هي مشروع إنسان كامل، ومسئول، له عقل، وله قلب، وله جسد".. يجب ملاحظة أن الحديث عن (الذرة)، وليس عن (الخلية).. وأكمل تعبير، للأستاذ محمود، عن الأصل الواحد قوله: "الكون كله موجود في كل جزء منه"!! وقوله: "ما من شيء كان أو سيكون إلا وهو كائن الآن"!! هذا مستوى من التوحيد، مع التأمل العميق، لا بد أن يستعان على فهمه بقيام الليل، وصيام الهاجرة "وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ".
    يمكن أن نقول ببساطة: التطور هو حركة جميع الكائنات، في سيرها وهي تطلب مركز دائرة الوجود _الله.. فالتطور حركة نحو غاية عليا هي الله.. وهذه الغاية، تعطي التطور طابعه الأساسي، فهو ليس مجرد حركة، وإنما هو حركة متصاعدة أو متسامية.. وهي في تصاعدها، تتقلب في الصور _الأطوار_ في درجات متصاعدة من الكمال.. وغايتها النهائية، هي الكمال المطلق، عند الكامل مطلق الكمال _الله.
    ونحب أن نؤكد دائماً قول الأستاذ محمود، الذي يقول فيه أنه ليس في الوجود الحادث كائن، وإنما كل ما فيه، ومن فيه، مستمر التكوين.. وهذا هو التطور.. وهذه هي الحركة.. فالحركة صفة طبيعية، ملازمة للمحدود.. وهي مرتبطة بالزمان والمكان.. فمنذ أن تم الهبوط، إلى أسفل سافلين، برز الثالوث: الزمان والمكان والحركة، وهي ثلاثة أوجه لشيء واحد، ولا يمكن الفصل بينها.. فمن أهم خصائص الوجود الحادث، أنه في حركة دائمة، لا تهدأ، ولن تهدأ.. وقد سبق أن ذكرنا، أنه، في الإسلام، جميع الأشياء، من أدقها إلى أعظمها، جمادها وحيها، كل منها ذو شكل هرمي، له قمة، وله قاعدة.. القمة تمثل الروح، والقاعدة تمثل الجسد.. والاختلاف بين القاعدة والقمة، اختلاف مقدار.. والقاعدة فانية _متحركة_ في تطور مستمر، تطلب القمة.. والقمة ليست باقية على صورة واحدة، ولكنها متحركة، في تطور مستمر، تطلب نقطة مركز الوجود.. في هذا المعنى يجيء قول الله تعالى: "يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ".. واليوم، هنا، هو وحدة زمنية التجلي، وهي وحدة تدق حتى تخرج من الزمن.. وشأنه تعالى، هو إبداء ذاته لخلقه ليعرفوه.. وهو ظهوره لخلقه، بخلقه.. والقاعدة التوحيدية، في حضرة الشؤون هذه هي: لا شيء يمكن أن يكون هو نفسه، في لحظتين مختلفتين!! ثم هو لا يفقد ذاتيته!!
    والحركة في جميع صورها، ومجالاتها، تطلب الله.. ولذلك، هي حركة من المحدود إلى المطلق.. ولما كان المطلق لا ينال، وإلا أصبح محدوداً، فإن الحركة سرمدية، لا انتهاء لها.. وهذه الحركة رغم أنها تصاعدية، إلا أنها ليست خطية _تسير في خط مستقيم_، ولا هي دائرية، وإنما هي حركة لولبية.. يقول الأستاذ محمود: "الحركة الحسية لولبية، والحركة المعنوية لولبية، وهذا ما يقتضيه التوحيد.. يقول تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ..)".. فالنهاية في هذه الحركة، دائماً تشبه البداية، ولكن لما كان تعالى " يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ"، فإن التكرار يمتنع.. فهو في حقه نقص وعجز تعالى الله عنه علواً كبيرا، ولذلك التكرار في الوجود، يمتنع، منعاً باتاً، ومن ثم أصبحت النهاية تشبه البداية ولا تشبهها.. فهي تشبهها من وجوه، وتختلف عنها من وجوه.. ولما كان الوجود، كله، في حركته الحسية، والمعنوية، يطلب غاية، هي دائماً، أعلى منه، وأكمل منه، هي الله، أصبحت الحركة في الوجود، ذات طابع تطوري، فيه دائماً، المتحركات، متغيرة، من الكثافة إلى اللطافة، ومن النقص إلى الكمال.. فمنتهى السير، كما قلنا، ونكرر، هو الله، وهذا هو معنى الآيات التي تتحدث عن السير إلى الله، والرجعى، إليه، والانقلاب، والقرب منه، وكل ما يعبر عن هذا المعنى، من نصوص القرآن، مثل قوله تعالى: "وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى".. وقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ"..
    التطور في الإسلام هو حركة السير إلى الله.. والسير إلى الله ليس بقطع المسافات، فالله تعالى لا يحويه الزمان ولا المكان.. فالسير، في الحقيقة، إنما هو قرب معنوي.. تقريب صفات العبد من صفات الرب.. وهذا هو التطور.. ولما كان الرب في الإطلاق، فإنه تطور لا نهاية له.
    ولتقريب الصورة للحركة اللولبية، دائماً يضرب الأستاذ المثل الذي يقول فيه: لنتصور لولباً معدنياً.. في هذا اللولب تكون هناك نقطة من أعلى تشابهها نقطة من أسفل.. فعندما تتم دورة حول اللولب، كأننا نرجع إلى نفس النقطة التي بدأنا منها، ولكن لن تكون حينئذ هي نفسها، لأنها أعلى منها، ولذلك، هي لا تمثل تكراراً.. ولولب الوجود، ليس دائرياً، حلقاته متساوية، وإنما هو لولب ينضم حول مركزه كلما ارتفع درجة.. هذا، مثال، يوضح الصورة، ولكن لا ينطبق عليها كل الانطباق.. وحركة الوجود هذه اللولبية، جعلها الله تعالى، ذات سلم سباعي، تكتمل فيها الدورة بعد كل سبع درجات، لتبدأ دورة سباعية جديدة، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية.. وإلى هذا السلم السباعي تجيء الإشارات برقم السبعة الذي نجده كثيراً في القرآن، السموات سبع، والأرضين، والأيام، وأطوار الجنين _أطوار الإنسان_، ودرجات النفوس.. ومراحل الخلق _الخلق في سبعة أيام_ وهو يعني في سبع مراحل.
    التقلب في الصور:
    ربما يكون التقلب في الصور هو أوضح جوانب التطور.. في الواقع، الأغلبية الساحقة منا، يعتقدون أن وجودهم الخاص، بدأ يوم ولدتهم أمهاتهم!! ولكن تصورنا هذا، حسب الإسلام، تصور خاطئ جداً.. فنحن، كل منا، وجوده أقدم من ميلاده، بزمن طويل جداً!! كل منا موجود مذْ "ألست"، كما تعبر العامة بحق.. وهم يشيرون إلى قوله تعالى: "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ: أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ؟؟ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا!! أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ".. وقد كانت هذه الشهادة، في عالم الروح، في الملكوت _العلم والإرادة_ ثم نسيناها، وبالتالي نسينا أصلنا، وقد جاء القرآن ليذكرنا.. يذكرنا بالشهادة لربنا بالربوبية، ولأنفسنا بالعبودية.. يذكرنا بأصلنا!! ومنذ بداية الخلق نحن نتقلب في الصور، إلى أن صرنا في هذه الصورة الأخيرة، التي نعرفها، ولا نعرف غيرها.. ولابد لنا من أن نعرف صور وجودنا السابق في طريق عودتنا إلى الله.. وهذا ما تعطيه التجربة التعبدية!!
    وكما رأينا، كان الخلق في عالم الأمر واحداً، لجميع الخلائق.. وفي المفردة الأولى، خُلق الجميع، ولكلٍ فرديته، التي بها ينماز عن الآخرين.. يقول تعالى: "وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ".. ويمكن للتصور العلمي الذي تقوم عليه نظرية الإنفجار العظيم أن يقرّب الصورة.. فحسب النظرية، كان الكون كله، بكل تعدده، وتنوعه، في المفردة، التي بالانفجار، ظهرت منها التعددية.. وفي القرآن، الخلق سابق على التصوير.. يقول تعالى: "وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ، ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ، ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ، فَسَجَدُواْ، إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ".. وعن أسماء الله تعالى، جاء قوله تعالى: "هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ".. البارئ يعني الخالق للخلق على غير صورة سابقة.. والمصور يعني المقلب للخلق في الصور.. ويقول تعالى: "وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ".. و"ثم" تفيد التراخي في الزمن.. وفي صورة الانفطار، يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ* فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ".. قوله: "في أي صورة ما شاء ركبك" تشير إلى تفرد الصور وتعددها، فهي ليست صورة واحدة للفرد الواحد، وإنما هي صور متعددة _أطوار.. يقول تعالى عن تعدد الصور: "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ، وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ".. "صوركم" هذه بالنسبة للجماعة، وبالنسبة للفرد.. فالفرد قد ظل يتقلب في الصور منذ أسفل سافلين، وإلى أن صار إلى ما صار إليه.
    بداية الصور في الأرض _في الأجساد_ هي أسفل سافلين _ذرة غاز الهيدروجين.. ومنذ ذلك التاريخ، بدأت مسيرة التطور في الأرض، يهديها ربها، سبلها، يقول تعالى: "رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى" يعنى، هدى التطور في مراقيه وأطواره المختلفة.. وعن التطور عامة، يقول تعالى: "ما لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا* وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا".. ومن خلال هذا التطور، عبر الأطوار، قضى ربك أن تكون الرجعى إليه تعالى "وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ".. ويقول تعالى: "إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا، وَعْدَ اللّهِ حَقًّا، إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ، وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ".. والإبداء هو إظهار الخلق أول مرة.. ثم هو إظهاره في الصور المختلفة (كما بدأنا أول خلق نعيده).
    الصور التي مر بها التطور، ولا يزال، عديدة جداً، هي كل أشكال كائنات الكون، في المادة غير العضوية، والمادة العضوية، وحتى الإنسان.. وقد ذكر القرآن طائفة من هذه الصور، في المادة غير العضوية، منها الماء والتراب والطين.. الخ، وجميعها ترجع إلى أصل واحد، وهذه من حكمة التنوع في عبارة القرآن.
    في الرد على مصطفى محمود يقول الأستاذ محمود: "تنويع العبارة، في الآيات: "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ "، و: "وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء"، و: "أكفرت بالذي خلقك من تراب"، و: "إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ".. فإن المقصود من تنويع العبارة إنما هو الإشارة إلى الوحدة التي تنتظم المظاهر المختلفة، فإن الماء، والتراب، والصلصال من الحمأ المسنون، كلها، أصلها بخار الماء.. وهي، وإن بدت لنا مختلفة اختلاف نوع، فهي، في الحقيقة، لا تختلف إلا اختلاف مقدار".. وقد جاء في الحديث النبوي: "كنت نبياً وآدم بين الماء والطين".. قوله "وآدم بين الماء والطين" تعني أنه كانت لآدم صورة في مستوى المادة غير العضوية، تطور منها ليصل إلى صورته البشرية، والتي بها افتتح عهد الإنسان المكلف.. كما أن الحديث يشير إلى أن المعصوم، والذي عاش في القرن السابع، مخلوق قبل آدم، بأمد بعيد!!
    لقد ركّب الإنسان، في كل صورة شاءها الله تعالى، سواء أن كانت هذه الصورة جماداً أو نباتاً، أو حيواناً.. فمثلاً يقول الله تعالى: "وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا* ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا".
    وبعد ظهور الأنثى والذكر منمازين عن بعضهما، أصبحت الأجنة، في بطون الأمهات، تحكي صور التطور، بصورة مختصرة، ووافية جداً في الدلالة على التقلب في الصور.. وقد عبر تعالى، عن ذلك بقوله: "يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ".. فكأن كل طور من أطوار الجنين، هو مستوى من الخلق، تختلف صورته عن الطور السابق.. فأطوار الجنين، تحكي قصة التطور بصورة واضحة، ومعبرة.. وبتطور العلم الحديث أمكن تصوير هذه الأطوار، بصورة تعين على رؤية، مراحل التطور من خلالها.. وهي صورة مختصرة، ومتكاملة، تبدأ من الماء، والنطفة الأمشاج، وعبر صور الحيوانات المختلفة وحتى البشر السوي.
    الردة في سلم التطور:
    كنا قد تحدثنا عن الحركة، وقلنا أنها أصل التطور، فهي سير إلى الله.. وحركة التطور، في الوجود تقوم على الفناء والبقاء، أو الموت والحياة، وكلاهما وجهان لشيء واحد.. وكلاهما موظف لأغراض التطور.. فالتطور في الإسلام تطور موجّه وهادف.. فهو يعمل عملاً واحداً، متسقاً، متكاملاً، وليس به أي شيء زائد أو ناقص أو في غير مكانه، أو موجود لغير حكمة أو غرض.. وهو متآزر بصورة تجعل كل شيء يخدم الأشياء الأخرى، وتخدمه الأشياء الأخرى في نفس الوقت.. والغرض الشامل للتطور، والذي تعمل من أجله جميع الأشياء، هو ظهور (الخليفة) _الإنسان.. فالإنسان هو غاية الوجود.. ولما كان الإنسان أصلاً موجود، في عالم الملكوت، فظهوره يعني ظهوره مجسداً في عالم الملك.. فالتطور في الإسلام موجه بهذا المعنى الذي ذكرناه.. وهو يخضع في توجيهه لقانون واحد شامل، هذا القانون هو (القانون الطبيعي)..
    حركة التطور في جملتها لا تقف، ولا ترجع، ولا تكرر نفسها.. ولكن الأفراد، قد يردّون في سلم التطور، الأمر الذي يبدو وكأنه رجوع، وما هو كذلك.. فالرجوع هو في الشكل فقط، في الظاهر، ولكن في الحقيقة هو تقدم بصورة تشبه ما ذكرناه عن اللولب.. فالردة في سلم التطور، هي تجربة، تكتسب بها طاقة جديدة للتطور بصورة آمنة، وأسرع، ولها نفس الحكمة التي للعقاب، بل هي عقاب، وسنتحدث عن حكمة العقاب لاحقاً.
    يقول تعالى، عن أمر الردة في سلم التطور: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ، آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم، مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا، أَوْ نَلْعَنَهُمْ، كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ، وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً".. قوله "من قبل أن نطمس وجوهاً فنردّها على أدبارها"، هذه هي الردة في سلم التطور.. و "نردها على أدبارها"، تعني نرجعها إلى مستويات في سلم التطور أقل من ما هي عليه الآن، عقاباً لها.. وهذا ما حدث لأصحاب السبت المشار إليهم في الآية.. والردة في سلم التطور، قد تكون لمستوى الحيوان، أو مستوى النبات، أو حتى مستوى الجماد.. فعن الردة إلى أدنى مستويات المادة، يجي قوله تعالى: "يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا".. فهو قد ردّ إلى مستوى، أدنى من التراب، ويتطلع بلسان حاله إلى مستوى التراب!! وعن أصحاب السبت، يجيء قول الله تعالى: "فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ"..
    لقد جاء في هذا الصدد، من أقوال الأستاذ محمود، ما نصه "إقرأ إن شئت قوله تبارك وتعالى: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ* وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ* وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ). "اليوم نختم على أفواههم"، إذا كانت حياتهم الأولى أعمال حيوان، مسترسلين في شهواتهم بغير وازع، تنزع منهم ميزة الإنسان في حياتهم الثانية، وهي النطق.. "وتكلمنا أيدهم وتشهد أرجلهم" يعني يمشون على أربع، كما يمشي الحيوان، لأنهم كانوا يسعون سعي الحيوان ويكسبون كسبه.. "ولو نشاء لطمسنا على أعينهم" يعني يسلبون البصر ويردون إلى حشرات عمياوات تتلمس الطريق، هذا إذا كانت أعمالهم في حياتهم الأولى، في مستوى الحشرات العمياوات.. "ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضياً ولا يرجعون"، لجعلناهم نباتاً أو جماداً، ليبدأوا السير من جديد لعلهم في كرتهم الثانية يهتدون ويتعظون.. وهنالك ما هو أسوأ من ذلك في سلم التأخر، وكذلك قال تعالى: "إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا".. ذلك لأنه قد يكون أسوأ من التراب في سلم الترقي، كأن يكون دخاناً أو بخاراً.." _ جريدة أنباء السودان الأربعاء 1.4.1959 العدد 203..
    التطور في الإسلام، هو مقتضى التوحيد، فالتوحيد لا يعطي غيره.. يقول الأستاذ محمود من المصدر السابق: "أول ما تجب الإشارة إليه هو أن هذه النظرة التي تخضع الكائنات جميعها، من جماد ونبات وحيوان وإنسان لقانون واحد، وتجعل منها جميعاً شكلاً هرمياً يتفاوت بين القمة وبين القاعدة، تفاوت مقدار فقط، هي نظرة مفهومة بالضرورة من فكرة التوحيد"..
    الردة في سلم التطور واللطف الإلهي:
    لقد رأينا صوراً من الردة في سلم التطور، وتحدثنا عن حكمة هذه الردة، ونحن هنا نضيف بعداً آخر للحكمة، يتعلق باللطف الإلهي.. يقول الأستاذ محمود: "ومن دقائق اللطف الإلهي أنه حين يكلمنا الكلام المتوجه إلى نفوسنا _(كلام الصور المحسوسة، والشكول البارزة –العذاب)_ يؤقلمنا أيضاً بصورة تلطف العذاب، وتعدنا له من جميع الوجوه".. فالله تعالى يخاطب العقول، فإن فشلت في الإستجابة، يتوجه بالخطاب إلى النفوس، وخطاب النفوس يقوم على العذاب والألم، وهو لا مجال فيه لعدم الإستجابة، إذ فيه تنتفي حيلة المُعذَّب.. ويأتي اللطف الإلهي، ليقلل ويلطف من صورة العذاب، بأن يجعل الحي في صورة يستطيع معها أن يتأقلم مع العذاب.. وتتضح الصورة أكثر، من قول الأستاذ محمود التالي: "( يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ أُوتُوا ٱلْكِتَـٰبَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا، مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم، مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا، فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا.. أَوْ نَلْعَنَهُمْ، كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَـٰبَ ٱلسَّبْتِ، وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولًا) .. قوله: (مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ) يعني: يردها راجعة في سلم التطور، إلى حيوات بدائية في صورها فتتأقلم على العذاب ..
    وعن أصحاب السبت قال تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ، فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ* فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً، لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا، وَمَا خَلْفَهَا، وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ).. قوله (كونوا قردة خاسئين) يعني "ردة في سلم التطور، ولعنة، وبعد عن الله".. مما تقدم يتضح لنا أن صور العذاب التي تبدو لنا شديدةً، هي بالنسبة للمُعذَّب، ليست كما نظن نحن، إذ يلطفها الله تعالى عليه، بأقلمته عليها، وذلك عن طريق التجلّي باسمه اللطيف.
    مما يزيد في إيضاح الصورة، أن العلم قد كشف لنا مؤخراً، أن بعض الأحياء تعيش في بيئات، كنا نظن أن الحياة فيها مستحيلة، فمثلاً اكتشف في القطب الجنوبي وجود حياة وسط طبقات الجليد، تعيش في درجات عالية جداً من البرودة، تصل إلى عشرين درجة تحت الصفر!! كما وجدت أحياء تعيش في درجات شديدة من الحرارة في فوهات البراكين!! يخبرنا د. عبدالحليم رضا عبدالعال عن ما يُسمى (بالبكتريا تحت السطحية)، فيقول: "البكتيريا تحت السطحية توجد في تكاوين تصل درجة حرارتها إلى 167 فهرنهايت وفي أعماق تمتد إلى حوالي 2.8 كيلو متر تحت سطح الأرض" (4 ص 8)..
    نحو التطور الفكري:
    بعد ظهور العقل المكلف، برزت أهمية التواؤم مع الجانب الروحي للبيئة، بصورة جلية.. فلم يعد التواؤم، مجرد تواؤم مادي _ بيولوجي، وإنما أصبح روحياً مادياً، والأولوية فيه لاعتبارات الروح _ الفكر.. فلابد من استيفاء شروط ارادة الحياة، وارادة الحرية معاً.. على أن تخضع ارادة الحياة، لمعايير، وضوابط، إرادة الحرية.. وبذلك أصبح ارتباط التطور، بالغاية التي يستهدفها، وهي _تحقيق الإنسان_، أوضح وأوكد.. فالذي يبقى ويتجدد بالتطور، هو دائماً، ما يحقق إنسانية الانسان، حسب حكم الوقت أو (ما ينفع الناس)، حسب التعبير القرآني.. وبذلك أصبحت الأولوية (للقيمة)، بصورة جلية.. وأصبح تحقيق القيمة هو معيار التطور، فمن يتواءم مع البيئة، ويملك فرصة التطور، هو من يحقق القيمة المطلوبة، حسب حكم الوقت، ومن يعجز عن تحقيق هذه القيمة، يفشل في تحقيق التواؤم، وقد يرد الى بيئة أكثر كثافة، تلائم استعداده، حتى يكتسب بالتجربة الاستعداد للتواؤم مع البيئة الأكثر لطافة.. وهذا ما حدث لآدم وحواء، عندما استجابا لإغواء ابليس، وعصيا ربهما، وأخرجا من الجنة.. يقول الأستاذ محمود: "ومهما يكن من الأمر، فإنهم جميعاً قد عصوا أمر ربهم، وصاروا بالمعصية، غلاظاً، كثافاً غير منسجمين مع تلك البيئة اللطيفة، فهبط بهم وزنهم الكثيف، من سلم الترقي الى الدرك".. وكان الهبوط الأول بعيداً جداً.. أما الهبوط الثاني، من جنة الأرض، فقد كان أقل بعداً.
    فالذين وصلوا في تطورهم الى مرحلة البشرية، ليسوا في مأمن من الردة في سلم التطور، كما سبق أن رأينا.. فقد يكون الفرد، في تطوره، قد دخل مرحلة البشرية.. ولكن إذا عجز عن استيفاء الشروط الخاصة بالتواؤم مع المرحلة، قد يطرد منها، ويرد الى مرحلة تناسب استعداده.. وبصورة عامة، مرحلة البشرية، هي أقرب المراحل للإنسانية.. ولكن هذا لا يعني أن كل فرد دخل هذه المرحلة، هو أقرب ممن هم دونه في سلم التطور!! من المؤكد أنه مرشح لأن يكون كذلك، ولكن شريطة أن يستوفي الشروط.. فإذا عجز عن استيفاء الشروط، يرد، بقدر عجزه، الى المرحلة التي تتناسب مع كثافته!! وقد يسبقه من كانوا دونه في سلم التطورٍ!! فالقيمة دائماً لاستيفاء الشروط التي يقتضيها التواءم مع البيئة، حسب حكم الوقت.. والقيمة، هي القدر من الانسانية، الذي يحدده حكم الوقت..
    فلما كان التطور، محكوماً بغاية محددة، هي تحقيق الانسان (الخليفة)، فإن كل طور من أطواره، هو عبارة عن مرحلة، في استعداد المحل لتحقيق هذه الغاية.. وعلى ذلك فإن الإنسان هو المعيار الوحيد للتطور.. فالأقرب منه هو الأكثر تطوراً، والأبعد هو الأكثر تخلفاً.. وبمعنى آخر، الأكثر علما بالله، وطاعة له هو الأقرب.. والأقل علماً بالله، والأقل طاعة له هو الأبعد.. فبعد بلوغ مرحلة البشرية الحالية، أصبح الميزان محدداً بطرفين: الحيوانية والانسانية.. فكلما بعد الفرد، من القيم الحيوانية، كلما أصبح أكثر تطوراً، ودخل مراحل الإنسانية، وكلما أقام الفرد في قيم الحيوانية، كلما هبط في سلم التطور، وبعد عن الانسانية.
    هنالك أمر هام جداً، لابد من ملاحظته، وهو أن أمر الابعاد هذا والاقصاء، قد لطف كثيراً، بفضل الله، ثم بفضل ما تحقق من تطور في مجالات اللطافة.. وقد ذكرنا، أن حركة التطور، هي دائماً حركة من الكثافة الى اللطافة.. ومن البعد عن الله والجهل به ومعصيته، الى القرب من الله ومعرفته وطاعته.. وهكذا سرمداً!! يقول الأستاذ محمود: " ثم إن صور إقصاء الخلفاء، المقصرين عن شأو الخلافة، قد لطفت، بمحض اللطف الإلهي، فلم تعد الانقراض الحسي، وإنما أصبحت في صورة (السلب بعد العطاء)، والسقوط من مقام القرب بالمعرفة بالله، إلى مقام البعد بالجهل بالله.. ولنا في ذلك نموذج، فيما قص الله علينا، من خبر أحد العارفين، من المتأخرين، وذلك حيث يقول، تبارك من قائل: (وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِىٓ ءَاتَيْنَـٰهُ ءَايَـٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنْهَا، فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ، فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَـٰهُ بِهَا، وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلْأَرْضِ، وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ، فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ، إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ، أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث.. ذَّ‌ٰلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُوا بِـَٔايَـٰتِنَا.. فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)"... "ثم إن هذه الصورة نفسها قد لطفت، بمحض اللطف الإلهي، فأصبحت إبعاداً مؤقتا، تعقبه توبة، ثم مغفرة، ثم تقريب بعد إبعاد.. وهذا هو الذي جرى لآدم، فإن إقصاءه الثاني لم يكن بعيداً وإنما كان البعيد إقصاءه الأول، وفي هذا جرى العتاب: (وَنَادَهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ؟ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ) وهما إنما قالا ذلك بإلهام الله إياهما.. وهو تعالى لم يكن ليلهمهما الاستغفار إلا وهو يريد أن يغفر لهما.. وقد فعل.. فكانت زلة آدم هنا موجبة لبعد قريب، وقد عاد منه للقرب وكأن شيئا من البعد لم يكن.. ولنا فيما جرى لموسى، وهو ليس بعيداً عن آدم أبيه، ما يدل على سرعة الرجعى بالمغفرة، حين ييسر الله الاستغفار من الذنب: (وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ، عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا، فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ، هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِۦ، وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِۦ، فَٱسْتَغَـٰثَهُ ٱلَّذِى مِن شِيعَتِهِۦ، عَلَى ٱلَّذِى مِنْ عَدُوِّهِۦ، فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ، فَقَضَىٰ عَلَيْهِ، قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ، إِنَّهُۥ عَدُوٌّ، مُّضِلٌّ، مُّبِينٌ* قَالَ رَبِّ، إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى، فَٱغْفِرْ لِى، فَغَفَرَ لَهُۥ، إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ*  قَالَ رَبِّ، بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ، فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ).. ثم لم يزل عقاب المخالفين، من المصطفين، يلطف، بمحض اللطف الإلهي، حتى انتهى، على عهد الحبيب الأعظم، إلى أن يقدم الله المغفرة قبل العتاب.. قال تعالى لحبيبه محمد: (عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ، لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ، حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُوا، وَتَعْلَمَ ٱلْكَـٰذِبِينَ ؟)"
    خلاصة الأمر بما أن التطور، دخل مداخل الفكر، فقد أصبحت كل طاعة، لله، هي درجة في التطور، وكل معصية هي ردة في سلم التطور.. وهكذا، الى أن يأتي التطور الفكري الصرف في مرحلة الانسانية..
    الخلق والزمان:
    إن تصورنا للزمن يؤثر بصورة كبيرة على تصورنا للخلق، والتطور.. وقد سبق أن ذكرنا أن التطور يقوم على الحركة.. وتحدثنا عن طبيعة الحركة.. وذكرنا أن الثالوث: الحركة والزمان والمكان، يعبر عن شيء واحد، من زوايا مختلفة.. وقد جاء من كتاب الوجود ما نصه: "ما يقوم عليه الإسلام، هو أن اللحظة الحاضرة، وحدها، هي أصل الزمان، وهي وحدها صاحبة الوجود الحقيقي.. واللحظة الحاضرة تدق حتى تكاد تخرج من الزمان، فإذا خرجت من الزمان التقت بالإطلاق، وكانت إياه.. ولذلك هي وحدها الزمان الحقيقي.. أما الماضي والمستقبل، فكلاهما وهم، ووجودهما ليس وجود حقيقة.. فالله تعالى، ليس في الماضي، ولا في المستقبل، وإنما هو حضور مطلق لا يتوزعه الزمان، كما لا يحويه المكان، ولا يغيب عن علمه شيء، مما هو _حسب تصورنا_ في الماضي أو المستقبل.. فهو تعالى "عالم الغيب والشهادة" فما هو بالنسبة لنا غيب، عنده هو شهادة.. فليس الماضي زمان، ولا المستقبل زمان، باعتبار الحقيقة، وإنما هما زمانان باعتبار الحكمة.. فهما زمانان، في مستوى الحق، وقد سبق أن ذكرنا، أن منهج القرآن، يقوم على اعتماد الأوهام، والتعامل معها، ريثما يتم التخلص منها".
    الفعل عندما ينسب للذات الإلهية، فهمه يحكمه التوحيد، فالذات لا تقوم بها الحوادث كالمخلوقات.. الله تعالى لا يفعل، وينتهي فعله في الزمن.. وكما أصبح معلوماً الزمان قيمة نسبية، ويختلف باختلاف الأمكنة.. فمن أهم صفات فعل الذات الإلهية الديمومة والإستمرارية.. يقول الأستاذ محمود: "فإن خلق الإنسان، وتصويره، وإسجاد الملائكة له، لم يتم، وإنما هو مستمر، ولن ينفك، إنه سرمدي.. "خلقناكم" يعني أحطنا بكم علماً وهذه مستمرة ولن تنفك.. "وصورناكم" تعني قلبناكم في الصور المتتالية في سلم التطور، وهذه مستمرة، ولن تنفك.. "ثم قلنا للملائكة أسجدوا لآدم"، إشارة إلى صورة التطور في الذبذبة بين الخير والشر _ بين الخطأ والصواب.. وهذه مستمرة، ولن تنفك".. سجود الملائكة، ليس سجود عبادة، وإنما هو سجود تسخير لخدمة الخير عند البشر.. نذكر بحديثنا عن عالم الأمر، الذي هو خارج الزمان، وعالم الخلق، الذي هو تنفيذ لما في عالم الأمر، في الزمان والمكان.. وقد قلنا أن هذا هو موضوع القضاء والقدر.. وتشير إلى القضاء والقدر الآية الكريمة "يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ".. قوله "يمحو الله ما يشاء ويثبت" إشارة إلى القدر، وهي في ذلك إشارة إلى التطور، بتقلب صور الكائنات.. فالحياة تتقلب في الصور، إبتغاء أن تكون ثابتة في الصور كما هي ثابتة في الجوهر.. وهيهات!! فإن هذا سير لا إنتهاء له.. وقوله "وعنده أم الكتاب" يعني القضاء، يعني سر القدر.. فمنطقة القضاء منطقة وحدة، تجل عن الزمن كما نتصوره..
    عن الخلق في ستة أيام يقول الأستاذ محمود: "أما خلقه تعالى الخلق في ستة أيام فقد وردت الإشارة إليه في قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ، يَطْلُبُهُ حَثِيثًا، وَالشَّمْسَ، وَالْقَمَرَ، وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ.. أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ، تَبَارَكَ اللّهُ، رَبُّ الْعَالَمِينَ)..
    والسؤال لم خلقهن في ستة أيام؟؟ أما من ناحية الزمن، من حيث هو، فإن خلق الله تعالى فيه يشير إلى التطور، والترقي، من بدايات إلى نهايات لا تتناهى.. ولقد قال تعالى: "(ِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ* وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ).. فما خلق بقدر فهو عالم الخلق، وهو خلق في الزمن.. وما خلق في غير زمن او يكاد "كلمحٍ بالبصر"، فهو عالم الأمر.. ولله عالم الخلق، وعالم الأمر.. (ألا له الخلق والأمر).. وعالم الأمر عالم فكر، وهو مرشد لعالم الخلق، الذي هو عالم جسد.. وإرشاد الفكر للجسد، إنما هو توجيه، وحفز، في مراقي التطور.. وأما لماذا ستة؟؟ فلأن أطوار الجسد، في سلم الترقي، ستة، وفي السابع تحصل قفزة، هي جماع مزايا الأطوار الستة السابقة.. ولقد قال تعالى في ذلك: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً، فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً، فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا، فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا، ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ"، فهذه ستة أطوار، وتوجها بالطور السابع، فقال (ثم أنشأناه خلقاً آخر.. فتبارك الله، أحسن الخالقين).. فهذا الخلق الآخر يمثل قفزة من أطوار المزايا الجسدية إلى مزية عقلية، هي الخلاصة المستخلصة من التطور في سلم سباعي.. ثم إن لهذه الأطوار الجسدية مقابلاً في أطوار النفس البشرية، فهي سبعة أطوار أيضاً، منها ستة في منطقة مجاهدة، والسابعة خلاصة للستة السابقة.. وهي معروفة بالنفس الأمارة، والنفس اللوامة، والنفس الملهمة، والنفس المطمئنة، والنفس الراضية، والنفس المرضية.. فهذه ستة.. والنفس السابعة هي النفس الكاملة.. وهي جماع فضائل النفوس الستة المتقدمة.. وآيات النفوس هي مقصود الله بالأصالة، وآيات الآفاق هي مقصوده بالنيابة، والتبعية.. فكأنه اتخذ آيات الأفاق كوسيلة لترقية آيات النفوس.. ولقد قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)..
    فلما كان العقل يتطور في سلم سباعي، درجاته الستة الأولى بطيئة ودرجته السابعة قفزة، تمثل خلاصة الفضائل الرفيعة المستجمعة من الدرجات الست، ولما كانت العوالم المحسوسة، الخارجية، قد جعلت مرشدة، ودالة لعالم الإنسان الداخلي، (العقلي) فإن الله خلق السموات والأرض في ستة أطوار، عبر عنها بالأيام الستة، ثم، في الطور السابع، جمع فضائل الأطوار الستة الماضية، وعبر عنها بالعبارة (ثم استوى على العرش).. ولقد عبرت عنها التوراة بأنه تعالى (ارتاح في اليوم السابع) وهو عندهم يوم السبت، وهذا، على مستوى معرفتهم بالله، حق، ولكنه باطل، في مستوى معرفة أهل القرآن بالله تعالى.. ولقد قال تعالى، إشارة إلى زعم اليهود.. (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَمَا بَيْنَهُمَا، فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ)..".. المرحلة السابعة التي تتوج الفضائل المتحصل عليها في المراحل الست الأولى، والتي تحدث بها قفزة في التطور، تقابل (الطفرة) في نظرية التطور العلمية، وفي الوراثة.
    قلنا أن حركة التطور، ليست دائرية، ولا هي خطية، وإنما هي لولبية.. بالإضافة إلى ذلك، هي متذبذبة بين صعود وهبوط، أو بين قرب وإقصاء.. ولقد كانت أكبر صورة للأقصاء هي الهبوط من "أحسن تقويم"، إلى "أسفل سافلين".. ولقد تم هذا بالأمر التكويني، وعلى الأمر التكويني تقوم حكمة الخلق.. وكان هذا الإقصاء، من أقرب درجات القرب من الله، إلى أبعد درجات القرب منه تعالى.. وهو من أعلى درجات اللطافة، إلى أدنى درجات الكثافة.. وحركة القرب والإقصاء هي بسبيل من إنضاج التجربة، لإستحقاق الخلافة.. يقول الأستاذ محمود: "وكان الآوادم السابقون لآدم أبي البشر الحاضرين، كلما وضعوا موضع الخلافة، فانحطوا عنها، عوقبوا بألوان الإقصاء.. وكانت ظاهرة الإقصاء المتواترة، الانقراض، مع إستخلاص أفراد يكون لهم على معاصريهم ميزة، ولكنها ميزة غير كافية لإرساء التجربة المبتغاة، في الحكمة منهم ولنا فيما جرى لقوم نوح نموذج صريح، مع أن هؤلاء قد جاءوا في وقت متأخر كثيراً"..
    كان الإقصاء الأول، من الجنة، هو الردة من "أحسن تقويم" إلى "أسفل سافلين".. والجنة هي معرفة الله والقرب منه _الكمال_ والصور الأخرى تتبع.. ثم كان الإقصاء الثاني، لآدم أبي البشر الحاليين، وبينهما مراحل عديدة، تشمل صور الإنقراض، منذ حياة الحي الأول ذو الخلية الواحدة، وحتى ظهور البشر المكلف، هذا الظهور الذي بدأ بالنبي آدم أبي البشر الحاليين، وهو خليفة في الأرض.. ويجب ملاحظة أننا لا نستخدم كلمة "انقراض" بالمعنى الداروني.. فالانقراض في الإسلام، يعني التحول من صورة إلى صورة، عبر تجربة الموت.. فلا شيء ينقرض، بمعنى يصير إلى العدم.. فالديناصورات، مثلاً، عندما انقرضت، لم تنعدم، كما هو التصور العلماني، وإنما هي تحولت إلى حياة أخرى، في صورة أحياء آخرين.. الانقراض في الإسلام، هو وسيلة من وسائل التطور..
    هذا يقودنا إلى الحديث عن الموت، فهو أساسي جداً لمفهوم التطور في الإسلام.. وهو مجال من المجالات، التي يختلف فيها الإسلام عن الحضارة الغربية، ومفهومها للحياة، والتطور، اختلافاً جذرياً.. ولذلك نحن سنفرد له فصلاً خاصاً به.
    هنالك ما يسمى بنظرية الخلق الخاص.. وهي مخالفة لأساسيات العلم، ولأساسيات الدين، ولكن مخالفتها لأساسيات الدين، أكبر، واوضح، وذلك لأنها مناقضة للأمور الأولية في التوحيد.. ولذلك هذه النظرية لا تحتاج منا الى مناقشة.. وعلى كل، كتابتنا عن مباديء التوحيد، هي ردٌّ وافٍ جداً عليها.
    وكذلك الحال بالنسبة لما اسماه ولتر استيس (التصور الميكانيكي للكون).. وفق هذا التصور، فإن الذين يؤمنون بالله من الغربيين، يرون أنه خلق الكون، وخلق له قوانينه.. ثم ترك هذه القوانين تعمل، دون تدخل منه تعالى، أو بتدخل في بعض الحالات.. وهذا تصور بدائي للإله ومناقض للمبدأ الأساسي للتوحيد.. مبدأ وحدة الفاعل وقد تحدثنا عنه.. في الواقع الكون لا يستطيع أن يستغني عن الله ولو للحظة.. وصحة الأمر هي ما جاء عن العارف بالله الشيخ قريب الله، فهو قد قال:
    حركاتنا، سكناتنا، أقوالنا والنية مخلوقة لك دائماً، ليست بنا مزوية
    26/2/2019م































                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de