بعد دخول الانتفاضة الشعبية في السودان شهرها الثالث ومقتل عدد غير محدد من المتظاهرين بالإضافة الى آلاف المحتجزين في معتقلات النظام. يبدو أن النظام لم يستوعب بعد الشعارات المرفوعة ويعتقد بغباء منقطع النظير أنها مطلبية فقط وإذا ما توفرت هذه المطالب سرعان ما تعود الناس الى منازلها وتنتهي القصة. هذا الاعتقاد -أي اعتقاد النظام بأن القصة كلها تقتصر في انعدام السيولة وغلاء الأسعار، هو اعتقاد وقراءة خاطئة للأحداث الجارية، فالشعارات المرفوعة من قبل الشارع واضحة المضامين والمعاني، لكن النظام كعادته يدفن رأسه في الرمال ويمارس سياسة الهروب الى الأمام تارة من خلال إطلاق الوعود الجوفاء بتوفير السيولة وخفض أسعار السلع الأساسية، وتارة أخرى من خلال تصريحات تهديدية للشارع باتخاذ إجراءات صارمة ضده في حال استمرت التظاهرات. وفي خطوة يائسة بائسة للهروب الى الأمام، قال مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني، صلاح عبد الله قوش إن أي مبادرة سياسية تُطرح في الساحة لحل مشاكل الوضع الحالي وتخرج عن الشرعية القائمة الآن لا مكان لها. وقال قوش في تصريح مقتضب ببرلمان البشير يوم الأربعاء 20 فبراير 2019، "هنالك مبادرات كثيرة في الساحة لكن يجب أن يعلم الجميع أن أي مبادرة تخرج عن الشرعية القائمة لا مكان لها"، معتبراً أن المبادرات يجب أن تُبنى على الشرعية الموجودة وفقاً للدستور والقانون وأي خروج عن الشرعية لا مكان له. وأشار إلى أنه قدم تنويراً لقيادة البرلمان عن الاحتجاجات وتحليل لما تم وما هو متوقع في الفترة المقبلة، فضلاً عن الظروف التي تحيط بالبلاد من خلال الاحتجاجات. وصلاح عبدا لله قوش الذي اتهم في 12 ديسمبر 2012 بقيادة مؤامرة انقلابية على نظام البشير، يرى في ذات النظام نظاما شرعيا يجب أن تدور كل المبادرات السياسية المطروحة لحل الأزمة التي تواجهها البلاد تحت مظلته أو لا مكان لها. عزيزي القارئ.. نعم، نقول إن نظام الإنقاذ تمكن ولثلاثين عاما تضليل الـناس ونال شرعية مزورة مزيفة، لكنه من المستحيل الآن بمكان تضليل الذين خرجوا الى الشوارع في 19 ديسمبر 2018، فالشعب صاحب الشرعية الأبدية ومانح الثقة الأصيلة هو من يُسير حكامه ولا أدل على ذلك من إسقاطه لرؤساء مستبدين ظنوا أنهم أقوى من أن يستطيع الشعب طردهم ولكن في النهاية قال الشعب كلمته وكبح جماحهم وأسقطهم في أرذل صفحات التاريخ. صلاح قوش الذي يتحدث عن الشرعية لم يأتي نظامه بالطرق الشرعية المعروفة وأن كلمة الشرعية ليست كما يراها أهل النظام. فالشعب هو مصدر السلطات ومانح الشرعية، فالصناديق بلا شارعٍ وجمهور، ليس له أي قيمة تذكر، فمن حق الشعب إذا رأى بأن حاكمه جاء الى السلطة بالبلطجة والتزوير والغش أن يخرج للشارع في مظاهرات واحتجاجات سلمية أو أن يوقع أغلبية أفراده على عرائض مكتوبة تطالب فيها الرئيس بالتنحي وترك السلطة. جرت العادة ان يتهم النظام السوداني خصومه ومعارضيه بتهمة الاستقواء بالخارج، لكن يبدو ان النظام في ظل الانتفاضة الشعبية العارمة ضده هو من يستقوي بالخارج، فتصريحات صلاح قوش القائلة لا مجال أمام أي مبادرة سياسية خارج الشرعية الحالية، أتت بعد زيارة قام بها الى الخرطوم مساعد خاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقال إن السلطات السودانية ستجد حلا لأزمتها الراهنة دون أن تفرض عليها حلول خارجية. إذن أمريكا بموقفها المخجل الفاضح أعلاه، إنما لا تريد ذهاب النظام الحالي. كما أن هناك دولاً اقليمية -كمصر ويوغندا وجنوب السودان لا تريد ذهابه. وهناك أيضا بعض الدول العربية -كمملكة "آل سقوط" والإمارات العربية المتحدة وغيرها لا تريد ذهاب النظام لمصلحة ما يحققها لها. لكن هل يستطيع هذا الاصطفاف الدولي حماية النظام من السقوط -سيما والشارع عازم ومصر على اسقاطه مهما كلفه الثمن؟ إن رهان الدول المذكورة على كسر إرادة السودانيين رهان خاسر وفاشل، وأن التظاهرات والاحتجاجات المستمرة منذ ثلاثة أشهر تعبر عن الثبات عند المنتفضين، وأن لهم إرادة قوية لا تنكسر، والرهان على تراجع هؤلاء رهان خاسر، ونستغرب من عدم اعتراف الدول التي تتبجح بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان بهذه الانتفاضة التي تمضي الى تحقيق غاياتها. على المقامرين والمراهنين على بقاء النظام رغم مطالبات التنحي أن يستوعبوا بأن للشارع السوداني فقط كلمة الفصل في تحقيق الطموح السياسي الذي يريده. الاستقواء بالخارج من قبل نظام ذات بنى ذهنية استبدادية يقلل من مصداقية تلك الدول الدائمة، ولا ينفع النظام نفسه في الاستمرار في الحكم ولا شرعية لغير الشعب وللشعب وحده وتسقط بس أنت يا صلاح قوش ومن معك من العصابة. أ
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة