في السودان كان الزعيم الاسلامي حسن الترابي صاحب فكرة ما أسماه بـ"قانون التوالي"، واعتبر أول قانون لتنظيم العمل السياسي وإدارة شؤون الأحزاب في عام 1998م، قبل أن يتحول لاحقا إلى قانون الأحزاب. والطريف وما استدعى التشبيه هنا أن عددا من الأحزاب السودانية المعارضة التحقت بقطار السلطة عبر قانون التوالي، واصطلح على تسميتها بأحزاب التوالي. واكتسبت هذه التسمية معاني التبعية وربما الضعف والانقياد. إذ إن بعض تلك الاحزاب جاءت منشقة عن أحزاب تقليدية وذات وزن سياسي تاريخي. وبمرور الوقت استغلتها حكومة الرئيس البشير في تجميل وجه الحكم وعكس مشاركة اعتبرها البعض مزيفة أو ديكورية في مقابل أن تحظى قيادات تلك الأحزاب بمناصب وزارية ودستورية. في وارسو العاصمة البولندية انعقد مؤتمر الشرق الأوسط الأسبوع الماضي خلال يومي 13 و14 فبراير الجاري بحضور ممثلين عن حوالي 60 دولة أوروبية وعربية بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. وتشارك دول الاتحاد الأوروبي بقوة في المؤتمر. وإن تركنا المشاركة العربية وتحشيد المشاركين ضد إيران جانبا لحين نجد أن واشنطن التي تعاني علاقاتها مع أقوياء أوروبا (ألمانيا وفرنسا فضلا عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) تحاول لملمة وصف دول أوروبا الشرقية (بولندا، جمهورية التشيك، سلوفاكيا، المجر، كرواتيا، سلوفينيا، البوسنة والهرسك، الجبل الأسود) دعما لاستراتيجياتها الخارجية. لكن هل تكون دول أوروبا الشرقية مثل أحزاب التوالي السودانية؟ أي باعتبارها دولا تحاول واشنطن عبر صفها خلفها أن تظهر استقواء غير موجود على أرض الواقع وربما التفافا على أقوياء أوروبا؟. نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس الذي مثّل بلاده في المؤتمر دعا الأوروبيين للانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. وندد بنس كذلك بمبادرة فرنسا وألمانيا وبريطانيا الهادفة إلى السماح للشركات الأوروبية بمواصلة تعاملها مع إيران على الرغم من العقوبات الأمريكية. وقال متوعدا إن ذلك سيؤدي إلى إحداث شرخ أكبر بين أوروبا والولايات المتحدة. العرب من جهة أخرى جاؤوا متوالين وضمن الجوقة الأمريكية وقد كان المؤتمر أول محفل دولي يضم عرباً وإسرائيليين منذ مؤتمر مدريد للسلام في القرن الماضي 1991. وتضغط الولايات المتحدة على دول التوالي العربية لأجل تأسيس تحالف إقليمي عسكري يعرف باسم "تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي"، الذي يعرف اختصارا بـ(ميسا MESA )، كما يسميه البعض بـ "الناتو العربي". يشار إلى أن كلا من روسيا والمفوضية الأوروبية وفلسطين عبرت عن عدم مشاركتها. العرب أيضا جاؤوا على ما يبدو لتقبل العزاء في (وفاة) القضية الفلسطينية واستبدال العدو الإسرائيلي بعدو جديد هو إيران. وبمعية رئيس الوزراء الاسرائيلي يعمل فريق إدارة الرئيس ترامب المشرف على عملية سلام الشرق الأوسط على تسويق "صفقة القرن" وهي الصفقة التي بموجبها يتم إغلاق ملف القضية الفلسطينية. وتأمل واشنطن بل تسعى من خلال هذا المؤتمر في دفع ملف التطبيع الخليجي مع إسرائيل، على خلفية هدف رئيسي يتمثل في مواجهة إيران. ولذا أعلن بنس في المؤتمر بكل وضوح عن بدء حقبة جديدة من العلاقات بين قادة إسرائيل والبحرين والسعودية والإمارات عبر اجتماعات مؤتمر وارسو. المعلوم أن إيران في نظر واشنطن دولة إرهابية وليس في ذلك مفارقة لكن المفارقة أن السعودية التي تشارك بقوة في التحالف المزمع ضد إيران (الإرهابية)، هي دولة راعية للإرهاب من خلال القانون الأمريكي المعروف بقانون جاستا - ويعني العدالة في مواجهة رعاة النشاط الإرهابي- والذي أقره الكونغرس بما يشبه الإجماع قبل نهاية عام 2016. وفُصل هذا القانون كي يتم من خلاله توجيه الاتهام للمملكة السعودية وأعضاء أسرتها الحاكمة بالضلوع بصور مباشرة وغير مباشرة في هجمات 11 سبتمبر 2001.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة