عرض كتاب (الإنسان بين الاسلام والحضارة الغربية)-الحلقة الأولى بقلم محمد الفاتح عبدالرزاق عبدالله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 03:05 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-18-2018, 07:47 AM

محمد الفاتح عبدالرزاق
<aمحمد الفاتح عبدالرزاق
تاريخ التسجيل: 09-14-2018
مجموع المشاركات: 59

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عرض كتاب (الإنسان بين الاسلام والحضارة الغربية)-الحلقة الأولى بقلم محمد الفاتح عبدالرزاق عبدالله

    06:47 AM November, 18 2018

    سودانيز اون لاين
    محمد الفاتح عبدالرزاق-Sudan
    مكتبتى
    رابط مختصر

    بسم الله الرحمن الرحيم

    بعد أن عرضنا كتاب الوجود بين الاسلام والحضارة الغربية، نحب ان نعرض الكتاب الثاني.. كتاب الانسان.. وكتاب الوجود هو الاصل الذي ينبني عليه كل ما بعده من كتب.. ولكن من الناحية العملية، كتاب الإنسان هو أكثر اهمية، وهو في اصوله يقوم على ما ورد في كتاب الوجود، ولكنه يتنزل الى القضايا العملية، ويجيب على أهم القضايا المتعلقة بالوجود الانساني.. ويتضمن مقارنة أساسية بين الاسلام والحضارة الغربية، في القضايا الأساسية المتعلقة بالإنسان.. في هذا الكتاب يظهر الفرق الشاسع جداً بين الاسلام والحضارة الغربية، وتقدير هذا نتركه للقارئ.
    والآن لنبدأ عرض الكتاب.. فهو بعد المقدمة يتناول قضية الانسان في الحضارة الغربية بصورة وافرة.. وقد بدأ الكاتب بالحضارة الغربية لأنها هي الواقع الذي يخاطبه.. ثم ختم بالاسلام لأنه البديل الحضاري الذي يقدمه.. وفيه بين كيف ان الاسلام يحل المشكلات التي عجزت عنها الحضارة الغربية، وكيف انه يستجيب لأشواق البشرية المعاصرة، بأكثر مما تستجيب الحضارة الغربية، بكثير جدا .. وعلى كل نحن نترك _ كما قلنا _ التقدير للقارئ بعد أن يطلع على متن الكتاب.. والآن نبدأ استعراض الكتاب بالمقدمة






    الحلقة الأولى
    (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ، وَالْمَلآئِكَةُ، وَقُضِيَ الأَمْرُ، وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمور)
    المقدمة
    هذا كتاب عن الإنسان، يشفع كتاب (الوجود بين الإسلام والحضارة الغربية)، ويكمّله.. وهو، كما هو الحال بالنسبة لكتاب الوجود، يعمل إلى رد الأمور إلى أصولها.. وآصل الأصول هو الوجود، فعلى تصوره ينبني كل شيء، بالنسبة لأي قضية تتعلق بأي موجود.. "فلا يمكن مناقشة أي قضية من القضايا الأساسية، نقاشاً مجدياً، دون ردها إلى أصلها في الوجود، بما يحدد طبيعتها الأصلية، وموقعها من الوجود، والحقيقة التي يقوم عليها هذا الوجود.. ودون هذا المستوى، يكون تحديد المفاهيم، بالنسبة لهذه القضايا، أمراً مبهماً، ولا يقوم على أرض ثابتة، وإنما يخضع للمتغيرات الزمانية المكانية.. فمثلاً، لا يمكن الحديث عن الطبيعة الإنسانية، دون ردها إلى أصل وجودي ثابت، وإذا تحدثنا عنها دون ذلك، نكون قد تحدثنا عن الانسان في حقبة تاريخية معينة، وهذا لا يعطينا المعرفة بما هو ثابت وأصيل في الطبيعة الانسانية، وما هو طاريء ومتغير".. هذا ما ذكرناه في كتاب الوجود.. وقد ذكرنا أيضاً، أن أهم ما ينبني على تصور الوجود، تصور الحقيقة، وتصور المعنى والغاية من الوجود الإنساني.. والمعنى والغاية ضروريان لتحديد الوسائل والغايات.. وقلنا أن هنالك اختلافاً جذرياً، بين أن يكون الوجود في جوهره، وجوداً واحداً، والحقيقة فيه واحدة، وبين أن يكون الوجود متعدداً، وليس فيه أي ثابت وجودي، وبالتالي ليس فيه حقيقة واحدة ثابتة.
    وقد بينا أن الحضارة الغربية، بما أنها حضارة علمانية، فهي تعتمد اعتماداً كلياً على العقل المجرد.. هذا في حين أن الإسلام، إلى جانب العقل، يعتمد على الوحي.. وهذا هو الاختلاف الجوهري بين المجالين.. ويترتب على هذا الاختلاف، أن تصور الإسلام كله، يقوم على التوحيد.. والتوحيد يعطي أن الأساس في الوجود هو (المطلق) _الذات الإلهية المطلقة_ فهي وحدها صاحبة الوجود الحقيقي.. وكل ما عداها، ومن عداها، وجوده ليس بذاته، وإنما وجوده بالله.. وكذلك، كل ما يتعلق بوجوده هو ليس صفة ذاتية، يستمدها من وجوده، وإنما هو يستمدها من موجد الوجود _ المطلق..
    وليس في الحضارة الغربية، أي ثابت وجودي، ولذلك بالضرورة الحقيقة فيها ليست واحدة، وثابتة.. ولا خلاف بين جميع البشر بأن الكون كله، وفي كل أجزائه، في حركة وتغير دائبين.. وعليه لا يمكننا تحديد المفاهيم بصورة أساسية لا تخضع للتغير، وإنما تجعل التغير نفسه في إطارها، إلا إذا استطعنا أن نرد المتغيرات في الكون، إلى ثابت وجودي تأخذ منه دلالاتها، بالصورة التي يمكن معها تحديد ما هو ثابت، وأصيل فيها، وما هو متغير.
    وجود الثابت الوجودي، وعدم وجوده، هو الاختلاف الجوهري بين الإسلام والحضارة الغربية، وإليه تعود جميع الاختلافات الأخرى.. وهذا الاختلاف، يجعل الاختلاف بين الإسلام والحضارة الغربية، في كل شيء، اختلافاً كبيراً جداً.. وهذا ينطبق بصورة خاصة على تصور الإنسان.. فالإسلام والحضارة الغربية لا يكادان يلتقيان إلا في القشرة: قشرة الوجود، وقشرة الإنسان!! وهذا ما سيتضح من متن الكتاب.
    بالطبع الحضارة الغربية هي الحضارة السائدة.. واليوم نحن نعيش في عهد فترة، وقد نصل الدين عن حياة الناس.. والحضارة الغربية حضارة كوكبية، يخضع لها جميع البشر في الأرض.. وأهم سمات هذه الحضارة أنها حضارة مادية.. يقول الأستاذ محمود: "اليوم العالم مادي.. وحتى المتدينون من يهود، ومن نصارى، ومن مسلمين، ومن غيرهم من الملل، والنحل، إنما يظهرون التدين، ويبطنون المادية.. أسوأ من ذلك!! فإن أغلبية المتدينين إنما يتوسلون بالدين، ويستغلونه للمادة".. كما أن، الناس، كل الناس تقريباً، يتحدثون لغة هذه الحضارة، ويستخدمون مفاهيمها، في جميع جوانب الحياة تقريباً.. وهم لا يكادون يمحّصُون هذه المفاهيم، وإنما يأخذونها كما هي.. وهيمنة الحضارة ووسائلها، يجعل تلقي مفاهيمها بصورة تلقائية، ودون تمحيص، يكاد يكون تاماً.. وبالطبع كل حضارة لها إيجابياتها وسلبياتها، ولكن هيمنة الحضارة الغربية هي من القوة، بالصورة التي تكاد تخفي سلبياتها، أو على الأقل تجعل هذه السلبيات، مجرد سلبيات في إطار الحضارة نفسها، ويمكن معالجتها في إطارها، دون الحاجة إلى التحول إلى مرجعية أخرى!! هذا ما عليه أصحاب الحضارة أنفسهم، ويلحق بهم المبهورون بإنجازاتها، وهم كثر!! فهؤلاء، عندما يتفطنون إلى المشاكل الضخمة جداً، التي تسببت فيها الحضارة، لا يرون فيها أنها أكثر من مشكلات، يمكن معالجتها في إطار الحضارة، ومرجعيتها.. وبالطبع هنالك قلة من كبار المفكرين، الذين يرون أنه لا حل لمشكلات الحضارة، إلا بتغيير جذري، يتجاوز إطارها المرجعي.. ومن هؤلاء من يرشّح الدين، ليكون البديل للحضارة الغربية.
    أما نحن فنجزم أن معالجة المشكلات الأساسية للحضارة الغربية، في إطارها، وإطار مرجعيتها، أمر مستحيل!! فالمشكلات التي أحدثتها الحضارة الغربية، هي من طبيعتها الأصلية، ولا يمكن حلها إلا إذا تم تجاوز هذه الطبيعة، لما هو أكفأ في حل المشكلات.. ونحن نقدم الإسلام، كبديل، يملك حل جميع مشكلات الحضارة، مع استيعاب طاقاتها، وإشباع تطلعات أهلها.. وحتى يكون قولنا هذا موضوعياً، ويخاطب العقول، نحرص على رد الأمور إلى أصولها، ونبين كيف يحل الإسلام مشكلات الإنسانية المعاصرة، بعد تحديد هذه المشكلات تحديداً موضوعياً، يمكن الاتفاق حوله.. وفي كل هذا، نحن نبين التصورات والحلول، التي يقدمها الإسلام، بحكم طبيعته، وطبيعة منهجه، والتصورات والحلول التي تقدمها الحضارة الغربية، بحكم طبيعتها، وطبيعة منهجها، ونقارن بينهما.. ونعتقد أن هذا ما ينبغي أن يكون عليه أي حوار حضاري جاد.
    ونحن نعتقد أن الحوار يمكن أن يكون محسوماً، من مجرد المقارنة، بين التصور المبدئي، لطبيعة الوجود والطبيعة الإنسانية.. والحوار دون هذا المستوى، قد يكون هاماً، لكنه لا يخرج من الأساس الذي انبنى في المجالين: مجال الوجود وطبيعته، والإنسان وطبيعته.
    ومن أجل هذه المقارنة، نحن نحرص أشد الحرص، على الإلمام بثقافة العصر.. فالإسلام لا يُقدم في فراغ، وإنما هو يقدم في إطار واقع حضاري محدد، وهو يخاطب هذا الواقع.. فمن المستحيل أن تخاطب واقعاً، أنت لا تعرفه، أو لا تعرف أساسيات ما يقوم عليه.. وهنالك اعتبار آخر هام جداً، يتعلق بضرورة الإلمام بثقافة العصر، يتعلق بمنهج التوحيد.. فما يجري في العصر، في جميع صوره، هو خطاب من الله إلينا، هو من إرادة الله، ولم يدخل بخلاف هذه الإرادة، أو مغالباً لها.. الإرادة تقوم على الحق والباطل معاً، وعمل العقول الموحدة، التفريق بين الحق والباطل، أو بتعبير آخر تصفية الرضا من الإرادة، وتحديد ما ينفع الناس، ويقوم على مرضاة الله، وإبعاد الزبد، الذي لا ينفع الناس.. فالبديل للحضارة، لا يبعد الحضارة، وإنما فقط يبعد ما هو باطل، وغير صالح، ويأخذ ما هو صالح، فتتم مزاوجة مادية الحضارة، بالروح، التي تقوّم اعوجاجها، وتنفي خبثها.
    ونظرا لأهمية الإلمام بثقافة العصر، على النحو الذي ذكرنا، جعل الأستاذ محمود الإلمام بثقافة العصر شرطاً، من شروط تأويل القرآن.. وهذا أمر طبيعي، فالقرآن آيات آفاق، وآيات نفوس، يقول تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ، وَفِي أَنفُسِهِمْ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ! أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).. وللحضارة أقوالها في آيات الآفاق وآيات النفوس، خصوصاً آيات الآفاق.. وهذه الأقوال، هي من خطاب الله الخَلْقي لنا، والقرآن مهيمن عليها، بحكم هيمنته على جميع الكتب، ومصدّق لها، مع تفريقه بين حقها وباطلها.. وحول الإلمام بثقافة العصر، وقد سبق أن أوردناه في كتاب (الوجود)، قولُ الأستاذ محمود الذي جاء فيه: (والتبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشّر، من سعة العلم بدقائق الإسلام، وبدقائق الأديان، والأفكار، والفلسفات المعاصرة، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز امتياز الإسلام على كل فلسفة إجتماعية معاصرة، وعلى كل دين، بصورة تقنع العقول الذكية)..
    في هذا النص، يقول الأستاذ: (يجري مقارنة تبرز امتياز الإسلام)! وهذا هو المحك!! إذا لم يكن للإسلام (امتياز) واضح، بصورة تقنع العقول، فإن الإنسانية ليست في حاجة إليه.. خصوصاً في وقتنا الحاضر.. وإذا لم يكن هذا (الامتياز) واضحاً، فمن المستحيل أن تقبل الإنسانية عليه.. ومن هنا لا بد من الحوار الجاد، ولا بد أن ينطلق هذا الحوار من أصول القضايا، وينبني عليها.. كما لا بد ان يرتبط الحوار بالواقع الفعلي، ويقدم الحلول، العلمية والعملية لمشكلات هذا الواقع الحقيقية.
    فمن أجل هذا الحوار، ومن أجل رد الأمور إلى أصلها، نحن نتحدث هنا عن الإنسان، بعد أن تحدثنا عن الوجود، في كتابنا السابق.. وسيكون حديثنا في جوهره مرتبطا، أيضاً، بالوجود، كما هو في الإسلام، وكما هو في الحضارة الغربية.. الوجود العام، والوجود الإنساني.. وستدور القضايا التي نتناولها في متن الكتاب، حول: ما هو الأصل بالنسبة للإنسان، وكيف ظهر من هذا الأصل، وما هي علاقته به، الآن وفي كل آن؟ وهل هنالك أصل واحد لجميع البشر؟ ما هو؟ وما هي طبيعته؟ من هو الإنسان وما هي طبيعته الأصيلة؟ وما علاقته بالأكوان، وقبل ذلك بأصل الوجود؟ وهل للإنسان طبيعة أصيلة يشترك فيها جميع البشر، وهي ثابتة عندهم؟ أم الأمر خلاف ذلك!؟
    هل هنالك هدف نهائي وكلي للكون وللإنسان؟ وفي حالة وجوده، ما هو؟ وفي حالة غيابه، ما هو وضع الإنسان مع هذا الغياب؟ هل هنالك غاية كونية من وجود الإنسان أم لا توجد غاية؟ ثم، الإنسان نفسه: هل له غاية من وجوده؟ هل له رسالة في الوجود؟ المرحلة الحالية _مرحلة البشرية_ هل هي نهاية التطور الإنساني أم أن هنالك مرحلة بعدها أكبر منها؟ إلى أين نحن سائرون، وما هو مصير الإنسان؟ هل الموت هو نهاية بالنسبة للإنسان، أم هنالك وجود إنساني بعد الموت؟ ولماذا الموت؟ ثم، ما هي علاقة الإنسان ببقية الأكوان، وأين يقع وجوده فيها؟ هل هو في مركز الكون؟ أم هو، والكوكب الذي يسكنه _الأرض_، مجرد ذرة صغيرة في هذا الكون الواسع، ومجرد ومضة في تاريخ الكون الطويل؟
    هذه نماذج من الأسئلة التي يتوفر على إجابتها الكتاب، وهو في الإجابة عليها يتناولها من زاوية الإسلام، ومن زاوية الحضارة الغربية، بالصورة التي تعطي الفرصة للمقارنة الموضوعية.
    وكل هذا في سبيل أن نعرف أنفسنا!! يكاد الكل يقولون: أعرف نفسك!! ولكن كيف أعرفها؟! يقرر الأستاذ محمود إن الإنسان، في جميع بحثه في الوجود، إنما هو يبحث عن نفسه.. فالأستاذ يقول: (إن هذا الإنسان المعاصر، الذي ذهب إلى القمر، يجوس خلاله، ويستكشف مجاهيله، وأرسل مركباته بآلاتها إلى كوكب المريخ، ترسل صوره، واضحة جلية، هذا الإنسان المتطلع إلى المجهول، الكلِف بالغيب، الموكل بالفضاء الخارجي، يجوب بآلاته آفاقه، انما هو، في خفية أمره، يبحث عن نفسه، وهو لا يشعر.. هو يبحث عن نفسه التي أضلها تحت ركام الخرافات، والمخاوف، والأوهام، والأباطيل، عبر قرون لا حصر لها، من تاريخه الطويل.. وسيظل يبحث عنها، وسيجدها، وسيتعرف عليها، وسيكون في سلام معها.. وبهذا، وبهذا وحده، سيحقق السلام مع الأحياء الآخرين.. فإنه، ما دام هو منقسما على نفسه، وعلى جهل بها، وفي حرب معها، فإنه لن يعطي الآخرين سلاماً، بل حرباً، ذلك بأن فاقد الشيء لا يعطيه).. قوله: (فإنه، ما دام هو منقسما على نفسه، وعلى جهل بها، وفي حرب معها، فإنه لن يعطي الآخرين سلاماً، بل حرباً، ذلك بأن فاقد الشئ لا يعطيه)، هذا هو واقع الحضارة الغربية، وواقع إنسانها، فهو (منقسم على نفسه، وعلى جهل بها، وفي حرب معها).. لذلك لا يعطي الآخرين سلاماً.. والسلام هو التحدي الأساسي الذي يواجه البشرية المعاصرة، وهو حاجتها الأساسية، وهي حاجة عاجلة، كما أنها حاجة حياة أو موت.. وإنسان الحضارة، بوصفه المذكور، عاجز تماماً، عن إعطاء السلام، بل هو لا يمكن إلا أن يعطي حرباً.. فهو نفسه في حرب داخلية، وفاقدُ الشيء لا يعطيه..
    أما الوجه الآخر، وجه الإسلام، فيعبر عنه من النص قوله: (هو يبحث عن نفسه التي أضلها تحت ركام الخرافات، والمخاوف، والأوهام، والأباطيل، عبر قرون لا حصر لها، من تاريخه الطويل.. وسيظل يبحث عنها، وسيجدها، وسيتعرف عليها، وسيكون في سلام معها.. وبهذا، وبهذا وحده، سيحقق السلام مع الأحياء الآخرين).. العبارة (وسيجدها، وسيتعرف عليها، وسيكون في سلام معها) تمثل التصور الإسلامي، الذي فيه معرفة الإنسان لنفسه أمر حتمي، وهو وحده الشرط الضروري لتحقيق السلام، وتحقيق إنسانية الإنسان: الإنسان الذي (سيحقق السلام مع الأحياء والأشياء).. وتحقيق هذا السلام، عند الإنسان، هو الشرط الضروري لتحقيق إنسانية الإنسان، والمعيار الحقيقي لهذا التحقيق.. فمن لا يكون في سلام مع نفسه، ومع الآخرين _أحياء وأشياء_، لمّا يحقّق إنسانيته.. علما بأن هذا الشرط مستحيل التحقيق، في ظل الحضارة الغربية، وهو لا بد منه، الأمر الذي يجعل تغيير الحضارة وقيمها، ومناهجها، ومعاييرها، أمراً حتمياً.
    واضح جداً، أن الأمر ليس مجرد بيان لتصور الإسلام للإنسان، وإنما فوق ذلك هو بشارة بالإنسان، وبعهده.. وهي بشارة بأمر أصبحت الحاجة إليه حاجة حياة أو موت، ولذلك الجميع يسألونه بلسان حالهم.. والسؤال بلسان الحال مستجاب، ولذلك جاء القول بالجزم (سيجدها، وسيتعرف إليها، وسيكون في سلام معها).. ومبدأ أن (فاقد الشيء لا يعطيه) مبدأ تعطيه البداهة.. فالحضارة الغربية لا تعرف الإنسان، ولا تملك إمكانية معرفته.. ولذلك هي لا تستطيع أن تعطي أي شيء يتعلق بإنسانية الإنسان، وحقوقه، أكثر مما أعطته في الجانب المادي.. فهذا هو دورها الحضاري، وقد أدته بكفاءة، حتى استنفدته.. بل أكثر من ذلك، هي قد أصبحت الآن أكبر عقبة أمام تحقيق إنسانية الإنسان.. ولا يمكن دخول مرحلة الإنسانية إلا بتجاوز مادية هذه الحضارة.
    دخول مرحلة الإنسانية!؟ ألسنا الآن في مرحلة الإنسانية!؟
    الإجابة على هذا السؤال، تعكس أكبر صور الاختلاف بين الحضارة الغربية والإسلام، في مجال تصورهما للإنسان..
    ففي الإسلام، نحن في مرحلة البشرية، ولمّا ندخل كمجتمع، مرحلة الإنسانية بعد، وسندخلها قريباً، بفضل الله.. هذه هي البشارة!!
    أما في الحضارة الغربية، فمرحلة البشرية الحاضرة، هي نهاية المطاف في تطور الإنسان.. بل هنالك من المفكرين من يرى، أن عصرنا الحاضر هو عصر خاتم البشر!! وماذلك إلا لغياب هذا التمييز عندهم بين (البشر) و (الإنسان)!!
    على كلٍّ، تفاصيل كل هذا ستّتضح في متن الكتاب.. ونظرا لأننا نهتم برد الإنسان إلى أصله، لنربط واقعه ومستقبله بهذا الأصل، ولأنه يستحيل عندنا فصل الإنسان عن بقية الوجود، فمن أجل ذلك سنبدأ حديثنا بمفهوم أصل الكون وبدايته، في المنظور الغربي، وفي المنظور الإسلامي، ثم نسير بالمسيرة إلى مرحلة الإنسان.. ونحن لا تعنينا التفاصيل، وإنما تعنينا المباديء الأساسية، التي تعين على فهم الإنسان وطبيعته، وعلى هذه سنركز.
    الكتاب بحكم طبيعة موضوعه، يقع في جزئين: الجزء الأول عن تصور الحضارة الغربية للإنسان، وطبيعته.. والجزء الثاني، عن تصور الإسلام للإنسان، وطبيعته.. وكل جزء مكون من عدة أبواب وكل باب مكون من فصول.
    وقبل الدخول على متن الكتاب، نحب أن ننبه إلى أن الكتاب، يقوم على الإسلام كما يقدمه الأستاذ محمود محمد طه.. وللإسلام مصطلحاته الخاصة به، فلا بد من فهم هذه المصطلحات، في إطارها المستخدمة فيه، وعدم خلطها مع مصطلحات الحضارة الغربية، حتى في الحالات التي تستخدم فيها كلمة واحدة، فإن دلالة هذه الكلمة تختلف اختلافاً كبيراً وجذرياً.. فإذا ذكرنا كلمة إنسان، أو مرحلة الإنسانية، بالمعنى الإصطلاحي المحدد، فيجب عدم خلطها بالمفهوم الغربي، فهذا يخرجها من معناها تماماً.. وهكذا بالنسبة لأي مصطلح.. ونحن سنحرص على استخدام المصطلحات الإسلامية، بصورتها التي وردت عن الأستاذ محمود، في دعوته، وذلك، لأن هذه المصطلحات ذات دلالة خاصة، نحب لها أن تترسخ، وتتميز عن المصطلحات الأخرى.. وبالطبع نحن نستخدم المصطلحات العلمية، كما هي عند أصحابها.
    ما نحب أن نقرره في آخر هذه المقدمة، هو أنه بعد أن أبعدت الحضارة الغربية، بغير حق، الإنسان من المركز، وهمّشته، فإن الاسلام، كما يدعو له الأستاذ محمود محمد طه، متكفّلٌ، بإعادة الإنسان الى المركز، بحق.. فوفق الاسلام، الإنسان هو مركز دائرة الوجود الحادث، وثمرة هذا الوجود، والغاية منه.. وكل شيء في هذا الوجود مسخّر له، ويعمل في خدمته، كان، ولا يزال، ولن ينفك.. فالإنسان هو (خليفة الله)!! وكل هذا سيتضح من متن الكتاب، بصورة جلية..
    والآن نترك القاريء الكريم مع أجزاء وفصول الكتاب...
    18/11/18م























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de