كثيراً ما سمعنا أن الوقت كالسيف إن لم نقطعه قطعنا. و لطالما تجاهلنا هذه العبارة و جعلناه يمزقنا إرباً إربا.
قبل سنوات عندما ما إشتد بي تمزيق الزمن و رأيتني عاجزا عن الإنتاج و التقدم، هرعرت لشراء نسخة من كتاب ستيفن كوفي الشهير " العادات السبع للأشخاص الأكثر فعالية". و ياله من كتاب! تبحر الكتاب في مهارات تحفيز الفعالية و أبدع في توصيف مهارات إدارة الوقت. قدم كوفي مصفوفته المشهورة التي قسمت الأعمال إلى مهم و غير مهم و عاجل و غير عاجل وأكد أن درب الإثمار في المستقبل يكون بالتركيز على النشاطات المهمة غير العاجلة. -- بين يدي اليوم كتاب آخر يتعرض لذات الموضوع (أي إدارة الوقت) و لكن من منظور إسلامي. و ما أحوجنا للتعرف على هذا الموضوع بعدسات الإسلام!
تحدث الكاتب عن خصوصية بعض الأوقات عند الله عز و جل وعن فائقيتها مكانة على غيرها من الأوقات " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون، و بالأسحار هم يستغفرون". هذا يشابه قصة البرايم تايم Prime time في الدعاية التلفزيونية. وقت خاص يدر على المستفيد منه بفوائد لا تتأتى خارج إطاره... أعتقد في تواضع تام بأن سلوك إقتناص البرايم تايم (الديني) إذا تحوّل إلى ممارسة دائمة، أمكن إسقاطه بسهولة على حياة المرء خارج صندوق التعبد. بمعنى آخر، من يفهم إستثنائية النهوض ليلاً لأداء ركعتين لوجه الكريم، لا يتعامى عن تحيُّن فرص النجاح في دنياه. إلا أن يكون عابداً عاداتياً لا مقاصدياً.
الفكرة المضادة للبرايم التايم الديني أعلاه، هي رفض الدين منح صفة إستثنائية لأوقات يريد لها الديمومة لا المحدودية في قالب زمني معين. المثال لذلك هو عدم تخصيص يوم بعينه للإحتفال بالأم (عيد الأم). فالإسلام يرى الأم عيداً على الدوام ويترك للفرد الخيار في إختيار الزمان و المكان و الطريقة للتعبير عن مشاعر الإمتنان لها.
أجمل فصول الكتاب هي تلك التي يقف فيها الدكتور على الغلو في تقديس الماضي و الحاضر و المستقبل : فالماضويون التراثيون " الرادكاليون" يعيشون حالة من الغرور بقيم و أساليب القدماء. و هذا ما قادهم إلى تكذيب الرسل و لا يزال يقود إلى مهالك الجمود و رفض التحديث. المسقبليون المتعصبون يقفون على حواف التطرف: إما بالتفاؤل المفرط أو التشاؤم المفرط. و كلاهما شر. أما الحاضريون المتشددون فأولئك عُباد اللحظة و الحين. يعيشون الملذات بدون كوابح.
و كبديل لكل هذه الأنماط التي يعتقدها الكاتب خاطئة، يعرض لنا خطاً إسلامياً معتدلاً في التعامل مع الوقت. هذا الخط هو الوسطية في إدارة الوقت. عن المستقبل :لا تشاؤم مطلق و لا تفاؤل مطلق بالمستقبل. بل تقاؤل رشيد. عن الماضي: لا نفي للقديم و لا تشبت به. بل أخذ و رد. عن الحاضر: عمل وجد و كد لبناء الغد.
وسطية القرضاوي في التعامل مع الوقت تجعل منظومة الماضي/المستقبل/الحاضر تبدو أكثرا تماسكاً من عرض الرادكليين أعلاه. فأولئك يفككون خط التاريخ المتصل و يتعاملون معه بمبدأ " الخيار و الفقوس".
و هكذا يلتقي كوفي و القرضاوي مع إختلاف في مصطلحات الطرح والمنطلقات المبدئية. كوفي ينادي بتكثيف النشاطات الهامة غير العاجلة؛ أي بتحصيلها بشكل تراكمي بطئء ويعدنا أن تتفجر بركاناً من النجاح مستقبلاً. و القرضاوي يجمع خيوط الماضي و المستقبل في نشاطات اليوم المتفائلة و المدعومة بمباركة الله عز وجل. --- تأملات ما بعد القراءة:
الدين الحق ليس بعيداً عن الفطرة السليمة... قد يلتقي اللاهوتي و اللا لاهوتي إن صدق الباحثان...
*إن كانت إدارتنا لوقتنا بشكل سليم هي السبيل إلى بناء سودان بنكهة سنغافورية، فهل يهم إن كان المدير ستيفن كوفي أم يوسف القرضاوي؟
آه كم أحلم بسودان نتفق فيه على أن تختلف المنطلقات ! كم أحلم بسودان عريض يسع الجميع !
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة