عرض كتاب الوجود بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاذ خالد الحاج عبدالمحمود الحلقة الرابعة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 01:54 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-22-2018, 03:22 PM

محمد الفاتح عبدالرزاق
<aمحمد الفاتح عبدالرزاق
تاريخ التسجيل: 09-14-2018
مجموع المشاركات: 59

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عرض كتاب الوجود بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاذ خالد الحاج عبدالمحمود الحلقة الرابعة

    03:22 PM September, 22 2018

    سودانيز اون لاين
    محمد الفاتح عبدالرزاق-Sudan
    مكتبتى
    رابط مختصر

    بسم الله الرحمن الرحيم

    (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)
    الوجود في الحضارة الغربية
    الفصل الأول
    العقيدة وإطار التوجيه
    الحضارة الغربية هي الحضارة التي نشأت في أوروبا، في القرن الخامس عشر الميلادي، وبها انتهى عهد الإقطاع، وعهد هيمنة الكنيسة.. وهذه الحضارة انتشرت في الأرض، حتى أصبحت حضارة كوكبية، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ البشرية.. هذه الحضارة ، هي قمة الحضارات في الأرض وهي تختلف عن الحضارات السابقة عليها، اختلافاً شاسعاً، بصورة خاصة لما أحرزته من تقدم في العلم المادي التجريبي، ومن تطبيقٍ لهذا العلم، على جوانب الحياة المختلفة، الأمر الذي أدى إلى تقدم مادي هائل، والى إمكانية رفاهية مادية، غير مسبوقة.. وقد أدى التقدم العلمي إلى معرفة للكون المادي، جعلت معرفة الإنسان بآيات الآفاق، تفوق خيال، أقرب الأقدمين، السابقين لهذه الحضارة.
    والحضارة الغربية، ككل حضارة، ورثت الحضارات السابقة عليها، وأضافت من عندها، ما جعلها تتبوأ هذه المكانة الرفيعة في سلم الحضارات.. وهي، من خلال التطور في وسائل الاتصالات، وسبل المواصلات، وحّدت الكوكب الأرضي، لأول مرة، جغرافياً.. فأصبح سكانه جميعاً، في مختلف أصقاعهم، جيراناً، بينهم من علائق الجوار، ما لم يتوفر للقرية الواحدة في الحضارات السابقة.. وأصبح التفاعل الحضاري يكاد يكون لحظياً.. فالحدث الواحد يستطيع جميع سكان الأرض أن يشهدوه في وقت واحد.. وقد هيمنت هذه الحضارة على جميع البشر، في الكوكب الأرضي، هيمنة تامة.. فأصبح جميع الناس، على مختلف أعراقهم، وأديانهم، وثقافاتهم، أتباع لهذه الحضارة في أسلوب حياتها، ونمط تفكيرها.. لا يشذ عن ذلك شاذ، وليس فيه اختلاف إلا في درجة الاتّباع، فمن الناس من يعيش في قلب الحضارة، ومنهم من يعيش على هامشها، وعلى قشور منها.. فأصحاب الأديان الكتابية من يهود، ومسيحيين، ومسلمين، لم يعودوا يعيشون وفق قيم أديانهم، وإنما وفق قيم الحضارة السائدة، وإن احتفظوا بالانتماء الشكلي أو الاسمي لأديانهم.. الدين، بالنسبة لأصحاب الأديان الكتابية، لم يعد يوجّه سلوك معتنقيه، وإنما توجّهه القيم المادية للحضارة السائدة.. الدين الوحيد القائم عملياً، في الأرض اليوم، هو العلمانية _دين الحضارة الغربية.
    وقد بدأ التحول نحو العلمانية، في أوروبا، في نهاية القرون الوسطى، وأدى هذا التحول إلى ظهور عصر النهضة، وما أعقبه من تحولات هائلة في الحضارة البشرية.
    ولم تبدأ العلمانية، كفلسفة منظّمة مبوّبة، وإنما كانت مجرد رد فعل ضد هيمنة الإقطاع وهيمنة الكنيسة، ثم أخذت تدريجياً، تصبح فلسفة، إلا أنها لم تصل في وقت من الأوقات، والى اليوم، أنْ تكون مذهبية، لها نظرتها المتكاملة للكون والحياة بالصورة التي يتفق عليها جميع معتنقيها.. فالعلمانية توجّه عام، يقوم على بعض المسلمات الأساسية، ويختلف المنتمون إليه اختلافات كبيرة، مع الاتفاق على المسلمات الأساسية.
    العلمانية هي الإطار المرجعي للحضارة الغربية السائدة، وحولها تقوم العقائد الأساسية لأصحاب هذه الحضارة.. فالغرب ليس مسيحياً كما يتوهم البعض.

    الغرب ليس مسيحياً:
    كون الغرب ليس مسيحياً، أمر واضح، إلا أنه يحتاج أن نؤكده.. لا نقصد بأن الغرب ليس مسيحياً، أن ننفيَ أنّ أعداداً كبيرة من الغربيين، يعتنقون الدين المسيحي، فهذا أمر واقع وواضح.. وإنما نقصد أن المسيحية في الغرب، ليست هي من يعطي الناس، بمن فيهم المسيحيون أنفسهم، تصوّرَهم الأساسي للكون والحياة، الذي يقوم عليه سلوكهم العملي.. ففي هذا الصدد، المسيحيون علمانيون، كبقية الغربيين، بل وهذا هو الحال بالنسبة للمسلمين، واليهود في العالم.. ربما يكون المسلمون، في الشكل، أكثر تمسكاً بدينهم من المسيحيين، لكن من حيث الجوهر، كلهم سواء، في الخضوع لموجّهات الحضارة الغربية العلمانية.
    لقد اعتنقت أوروبا المسيحية أثناء عهد الإمبراطورية الرومانية، تحت حكم الإمبراطور قسطنطين.. ثم دخل شمال أوروبا الوثني المسيحية في القرن الثامن الميلادي، وانتشرت بعد ذلك في بقية أوروبا.. ولكن المسيحية التي انتشرت في أوروبا، ليست هي مسيحية السيد المسيح، وإنما هي مسيحية بولس.. فمسيحية المسيح، ديانة توحيدية، لا شك في ذلك، ولكنها على يدي بولس تحولت إلى ديانة تعددية، تقوم على الأقانيم الثلاثة: الأب، الابن، والروح القدس.. والعقيدة المركزية في مسيحية بولس أتت بعد صلب المسيح، وتعلقت بهذا الصلب، ألا وهي عقيدة الخلاص، والتي تقول بأن يسوع المسيح هو المخلص الذي وهب حياته حباً لإخوانه في الخليقة.. فعلى الرغم من أن مسيحية الغرب، تؤمن بالرب الخالق، في إطار التثليث، إلا أنها تركز على الرب الفادي.. وبالطبع شعار التثليث في المسيحية، لاحق على مسيحية المسيح، ولم يتخذ إلا بعد الصلب.. والمسيحية حتى في هذا المستوى تعلمنت مؤسستها الأساسية _الكنيسة_ إلى حد بعيد جداً.
    على كل، المسيحية، اليوم، ليست هي ما تعطي معتنقيها إطار التوجيه، الذي يقيمون عليه قيمهم وسلوكهم.. ونحن إنما يعنينا، هنا، في هذا الكتاب، موضوع الوجود، وعندما نتحدث عن هذا الموضوع في الحضارة الغربية، لن نهمل الرؤية المسيحية، على الرغم من أنها عملياً أصبحت بعيدة عن أن تكون إطارا لإنسان الغرب.
    بماذا يؤمن الغرب؟:
    بصورة واضحة الغرب يؤمن بالعلمانية.. وسيظل السؤال قائماً: بماذا تؤمن العلمانية؟!
    لقد ذكرنا أن العلمانية جاءت كرد فعل ضد هيمنة الكنيسة في القرون الوسطى.. فكلمة (عَلْمَانِي) _بفتح العين وتسكين اللام_ تعني ببساطة (دنيوي)، فهي مأخوذة من العالم _الدنيا .. ولقد كانت هيمنة الكنيسة في أوربا في القرون الوسطى، تكاد تكون تامة، على جميع نواحي الحياة، الدينية والدنيوية.. فالإنجيل كان حكراً على رجال الدين، هم وحدهم من يملك حق تفسيره، وفض أسراره.. وكل تصور للكون وللحياة يخالف ما يفهمه رجال الدين، يعتبر هرطقة، وخروجاً على الكنيسة، ويلقى أعنف أنواع الردع، بما في ذلك القتل حرقاً.. وكانت الكنيسة تعادي الحياة الدنيا ومباهجها، وتنفّر عنها وتعتبرها فانية.. وتحتقر الجسد ومطالبه.. فعندما نشأت العلمانية، كانت رد فعل ضد كل ذلك.. فبدل الحجر على العقل، اتجهت إلى حرية الفكر، في تناول جميع القضايا، وجعلت من العقل المجرد وحده الحَكَم الفيصل، في كل قضايا الفكر والمعرفة.. كما اتجهت العلمانية إلى رد الاعتبار لحاجات الجسد، والمطالب الدنيوية.. وعندما كان رجال الكهنوت يحرمون على الناس المباهج الدنيوية، كانوا هم يستغلون نفوذهم الديني للأغراض الدنيوية، فأصبحوا، ينغمسون في ملاذ الحياة الدنيا التي يحرّمونها على غيرهم من رعايا الكنيسة، الأمر الذي أدى إلى شك كبير، ليس في رجال الدين، فحسب، وإنما في الدين نفسه.
    جدير بالذكر أن الأفكار العلمية التي بدأها كوبرنيكس وغاليليو، ومن جاء بعدهما، دعمت الخروج على الكنيسة، وتصوراتها، رغم العنف العنيف الذي واجهت به الكنيسة، تلك الأفكار.. وبالتدريج أخذت قبضة الكنيسة تضعف، كما أخذت دائرة العلمانية تنداح، ويزداد تأثيرها على الحياة، وعلى الفكر.. وأخذ التفكير الاستدلالي يتسع مجاله، ويتولى زمام المبادرة من التفكير الديني الكنسي.. وعندما نشأ التعليم الرسمي، في الغرب، نشأ على أسس العلمانية، وتوسع حتى شمل، كل الأطفال من سن معينة، تبدأ من الدراسة الأولية وحتى الدراسة الجامعية، يقضي فيها الأطفال على الأقل، ما يزيد عن عشرة أعوام، من حياتهم، في تعليم منتظم، ومتصل، في التعليم العام، بالإضافة إلى عدة سنوات أخرى، لمن يدخلون التعليم الجامعي أو العالي.. وكل هذا التعليم يقوم على أسس علمانية، وهي نفسها أسس التعليم الذي يستمر بعد التخرج من الدراسة، من خلال الكتاب ووسائل التثقيف الأخرى: من سينما ومسرح وإذاعة وتلفزيون، وأخيراً الكمبيوتر، والإنترنت.. ولقد رسّخ التطور العلمي، والتعليمي، العلمانية ترسيخاً تاماً، وشاملاً، ليس في الغرب وإنما في العالم أجمع، فأصبحت هي التي توجّه حياة الناس وسلوكهم، بمن فيهم أصحاب الأديان جميعاً، الذين نصلوا عن لباب أديانهم، وأصبحوا في حياتهم، يسيرون على دين العلمانية هذا الجديد، رغم أنهم احتفظوا بانتمائهم الاسمي، لأديانهم القديمة..
    فدين العلمانية يقوم على ثلاثة مرتكزات أساسية، هي:
    رفض سيطرة رجال الدين والكنيسة (الدين القديم) على الفكر وعلى الحياة.
    توكيد الحياة الدنيا.
    توكيد حرية الفكر، واعتبار العقل هو المرجع الأساسي والوحيد.
    وبعيداً عن هذه المرتكزات، العلمانية ليست فلسفة محددة ومبوبة، ولأصحابها رأي يتفقون عليه في القضايا الأساسية المختلفة.. علما بأن التركيز على العقل المجرد وحده، وعلى الحياة الدنيا، وعلى العلم المادي التجريبي، جعل العلمانية تقوم على المادية بصورة أساسية.. بل حتى في إطار هذه المرتكزات نجد اختلافات كبيرة، بين العلمانيين فيما بينهم.. فيمكن أن يكون الرجل منتمياً، إلى دين من الأديان الكتابية، مثل الإسلام أو المسيحية، ثم يكون تفكيره، ونهجه في الحياة علمانياً.. فالماركسي علماني، والليبرالي علماني، وكذلك اليهودي المؤمن، والوجودي الملحد، إلى آخر هذه الفلسفات والمذاهب..
    إذن ما هي عقيدة الغرب!؟ لنرى إجابة أحد كبار مفكري الغرب الجادين.. يقول كارل بوبر، من كتابه: (بحثاً عن عالم أفضل): (إذا ما تفكرنا بعمق في هذا السؤال، وحاولنا الإجابة عليه بأمانة، فإن معظمنا قد يعترف بأنا لا نعرف بماذا نؤمن)!!.. (لقد أدرك معظمنا، في وقت أو في آخر أننا نؤمن بنبي زائف، وبإله زائف، ومن خلال هذا الزائف لقد خضنا جميعاً جيشاناً في معتقداتنا، وحتى من بقيت معتقداته راسخة عبر كل هذا الجيشان سنجده يعترف بأن من الصعب عليه اليوم أن يصف ما الذي نؤمن به في الغرب.. ربما بدت هذه الملاحظات سلبية جداً.. أعرف الكثير من الناس الطيبين الذين يعتبرون من ضعف الغرب عدم عثوره على فكرة سائدة موحدة.. على عقيدة موحدة نعارض بها في فخر الشيوعية في الشرق.. وهذه الرؤية الشائعة مفهومة حقاً، لكني اعتقد أنها خاطئة تماماً).. (3 ص 254).. وكارل بوبر من الذين يفخرون بعدم وجود فكرة واحدة، موحدة، عند الغرب فهو يقول مثلاً: (لنا أن نفخر أن ليست لنا فكرة واحدة، بل الكثير من الأفكار، طيبة وخبيثة، وأن ليس لنا اعتقاد مفرد، ودين واحد، وإنما العديد طيب وخبيث..).. (3 ص 254).. ويقول: (إن ما قد يفخر به الغرب، ليس هو وحدة الفكرة، وإنما هو تنوع أفكارنا المختلفة، تعدد أفكارنا).. (3 ص 256).. ويقول: (لدينا هنا في الغرب أنبياء زائفون كثيرون، وآلهة زائفة عديدة.. هنالك من يؤمن بالقوة، واستعباد الآخرين، ومن يؤمن بالضرورة التاريخية، بقانون للتاريخ يمكننا بحتميته، يسمح لنا بالتنبؤ بالمستقبل، وبالقفز إلى عربة الموسيقى في الوقت المناسب.. هنالك أنبياء للتقدم وأنبياء للرجعية، ولكلٍّ أتباعه المؤمنون به.. هنالك أنبياء لآلهة النجاح والمؤمنون بها.. هنالك آلهة الكفاءة، وهنالك بخاصة مؤمنون بنمو الإنتاج، أو مؤمنون _أياً كان الثمن_ بالمعجزة الاقتصادية، وبسيطرة الإنسان على الطبيعة.. لكن أكثر ما يتأثر بهم المثقفون هم على ما يبدو، أنبياء التشاؤم والنائحون).. (3 ص 257)..
    ولكن هذا التعدد الذي يتحدث عنه كارل بوبر، ألا يوجد إطار واحد يجمعه؟!؟ واضح أن بوبر، يرى أن إطار التوجيه الذي تقوم عليه الحياة في الغرب، هو العلمانية، ومرتكزاتها، المادية والدنيوية والعقلانية.. ولكنه يرى أن إيمان الغرب بالعقل والعقلانية قد ضعف ضعفاً شديداً.. فهو يقول: (إن حضارتنا الغربية _من الناحية التاريخية_ هي أساساً قامت على الأسلوب العقلي للفكر الذي ورثته حضارتنا من الإغريق).. (3 ص 253).. ويقول: (حضارتنا الغربية هي الحضارة الوحيدة التي لعب فيها التقليد العقلاني دوراً بارزاً.. بمعنى آخر كان عليّ أن أتحدث عن العقلانية كي أوضح ما أعنيه عندما أتحدث عن الغرب).. (3 ص 253)..
    فكون بوبر يقر أن الحضارة الغربية، من الناحية التاريخية قامت على الأسلوب العقلي، لا ينفي أنها الآن كذلك تقوم على الأسلوب العقلي، وإنما هو يريد أن يؤكد أن هذا الأسلوب قد ضعف كثيرا، بل هنالك الآن ثورة ضده، ولكنه على كل حال، حتى الآن، لم يُستبدل بغيره.. لقد وصل الغرب، في وقت من الأوقات، أنْ ألّه العقل، وآمن بأنه يملك الكفاية لحل جميع المشكلات المعرفية، والحياتية، وأنه من خلال العلم المادي التجريبي، ومنهجه، يمكن أن يستغني عن كل شيء، بما في ذلك الله.. وقصة لابلاس مع نابليون معروفة.. سأل نابليون لابلاس: أين موضع الله في هذا التصور؟ فرد لابلاس: الله فرضية لا حاجة لها.. أما الآن، فبعد تأليه العقل، أصبح العقل عند الكثيرين من غربييّ ما بعد الحداثة، وعند البراغماتيين، مجرد أداة للعيش، ولا يصلح أن يعين بشيء في المعرفة!!
    وبوبر، يعتبر نفسه من القلائل، المقيمين على العقلانية القديمة، عقلانية التنوير، فهو يقول: (إنني أعرف تماماً أن العقلانية والتنوير لم يعودا من الأفكار العصرية.. ويصبح من السخرية، إذن أن أصر على أن الغرب يؤمن بهذه الأفكار واع بذلك أو غير واعٍ. ولكن على الرغم من أن معظم المثقفين اليوم يعاملون هذه الأفكار بازدراء، فإن العقلانية _على الأقل_ فكرة دونها لم يكن للغرب حتى أن يبقى، فليس ثمة ما يميز حضارتنا الغربية أكثر من حقيقة أنها مرتبطة بالعلم ارتباطاً لا سبيل إلى الخلاص منه.. إنها الحضارة الوحيدة التي أنتجت علماً للطبيعة، والتي يلعب فيها هذا العلم دوراً حاسماً.. والعلوم الطبيعية هي المنتج المباشر لعقلانية الفلاسفة الإغريق الكلاسيكيين، قبل الغربيين).. (3 ص252).. وعلم الطبيعة هذا، والذي يقوم على العقلانية، الوجود فيه، وجود مادي، بصورة كلية.. فالعلم والعقل العلمي، لا يتعاملان إلا مع المادة، أما غيرها فإما غير موجود، أو لا أهمية لوجوده _فرضية لا حاجة لها_ كما قال لابلاس عن الله.. على أنه من المؤكد أن هنالك تحولات كبيرة جداً، في هذا الصدد، خصوصاً في مجال العلم، وهذه التحولات هزت العقيدة الغربية في العقل، وفي العلم، لكنها لم تقدم أي بديل لهما.. ونحن لنا عودة لتناول هذه المتغيرات.
    ولكن من المؤكد أيضا أن العقيدة الأساسية، للغرب كانت ولا تزال، تقوم على المادية، وعلى العقل.. وهذا لا يعني أن الغرب يقوم على فلسفة مادية مبوبة ومنظمة، كما هو الحال في الماركسية مثلاً، وإنما يعني أن الفكر الغربي، والحياة الغربية يقومان بصورة عامة على المادية، حتى ولو لم تكن هنالك فلسفة منظمة.. والموجّه الأساسي في هذه المادية هو العلم المادي التجريبي، ومنهجه، فهو يمثل قوام الحضارة الغربية، وهو الذي يعطيها المباديء الأساسية لتصورها للكون وللحياة، وهو لا يملك أي فرصة للخروج من إطار النظرة المادية، حتى بعد أن يكتشف خطأها، وهو قد اكتشفه بالفعل!!.. فالعلم، ومنهجه، هو الذي يعطي العقل الغربي موجهاته، وهي موجهات محكومة بالمادية في الفكر، وفي الحياة.. ففي الفكر تتمثل هذه الموجهات في الإطار الذي يعطيه العلم، وفي الحياة تتمثل هذه الموجهات، في الدنيوية، وما تقوم عليه من قيم ومن معايير.. والعقل يتأثر، أكبر التأثر، بإطار التوجيه الذي يوجهه فيه، والزيادة التي يلقاها في إطار هذا التوجيه، فتتطور قدراته في هذا الإطار، دون أي إطار آخر.. ولما كان إطار التوجيه، في الحضارة الغربية، قاصراً على المادية، المتمثلة في العلم وفي الدنيوية، فقد نمت قدرات العقل في مجاليهما، وأبدع فيهما إبداعا رائعاً، ولكن من المؤكد، كان هذا الإبداع على حساب الجوانب الأخرى لإمكاناته، وهي في نظرنا الجوانب الأهم، والتي تمثل إنسانية الإنسان، ومرتبطة بحقائق الوجود.. لقد ضمرت هذه المجالات في العقول، لطول ما انصرفت العقول عنها، وحصرت نفسها في مجالات معينة.. وهذا ما أدى بالمحدثين إلى إعادة النظر في العقل والعقلانية، واعتبار العقل مجرد أداة للعيش _العقل الأداتي_ وليس وسيلة للمعرفة.. وهذه ليست حقيقة العقل، وإنما هي واقع العقل في الحضارة الغربية، وهو واقع نتج من آحادية التوجيه الذي يلقاه العقل، وليس من طبيعته.. والعقل، بطبيعته الأصلية لن يقبل أن يحشر في هذا الإطار الضيق، ولابد له من أن يتمرد عليه، وقد بدأ يتمرد بالفعل.. وعدم العقلانية، الذي يعنيه كارل بوبر، وغيره من المفكرين، هو بداية التمرد، وهو تمرد هذه المرة، يجيء بعد تجربة طويلة، ويقوم على أسس تأتي من تطور العلم المادي التجريبي نفسه.. ولذلك ليس هو مجرد رفض وتمرد، وإنما هو إرهاص تحول أساسي، ينتظر البديل.
    على ضوء ما تقدم ندخل على الوجود في الحضارة الغربية.. ونبدأ بالوجود الأساسي.. وجود الله.. ثم نذهب إلى وجود الأكوان والإنسان.


    22/9/18م
























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de