عرض كتاب الوجود بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاذ خالد الحاج عبدالمحمود الحلقة الثالثة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 12:40 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-19-2018, 10:37 PM

محمد الفاتح عبدالرزاق
<aمحمد الفاتح عبدالرزاق
تاريخ التسجيل: 09-14-2018
مجموع المشاركات: 59

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عرض كتاب الوجود بين الإسلام والحضارة الغربية للأستاذ خالد الحاج عبدالمحمود الحلقة الثالثة

    10:37 PM September, 19 2018

    سودانيز اون لاين
    محمد الفاتح عبدالرزاق-Sudan
    مكتبتى
    رابط مختصر

    بسم االله الرحمن الرحيم
    الحلقة الثالثة
    )ونا أَو إياكم لعلى هدى أَو ِفي ضلاٍل مِبيٍن( ًََََُُِْْْٰٕ ََُ
    التوطئـة
    قضية الوجود، هي القضية الأولى، والأساسية، في الحياة البشرية، والفكر البشري، وعليها يتوقف كل ما عداها.. فوجود أي شيء، هو الذي يحدد كل شيء بالنسبة له، من حيث الإيجاب، ومن حيث السلب.. وصفة الوجود، هي الصفة الوحيدة، التي بنفيها عن الوجود، يتم نفيه هو نفسه، وليس نفي مجرد صفة من صفاته!! وليس للوجود ضد موضوعي.. فضد الوجود هو العدم.. وليس للعدم وجود عيني، وانما هو مجرد مفهوم عقلي، يفيد ضد الوجود.. ففي الحقيقة الوجود لا ضد
    ٕ
    له، ولكن لأن عقولنا تفهم الأشياء بضدها، أوجدنا له ضد عقلي.
    ومن أهم القضايا، الأساسية، التي تنبني على الوجود، قضية الحقيقة.. وقد كان الفلاسفة اليونان، ينظرون للحقيقة كم اردف للوجود أو لمعرفة الوجود.. فأرسطو، مث ًلا، يرى أن حقيقة الشيء تمثل ما هو ثابت في وجوده، ولا يمكن أن تتغير طبيعته إلى شيء آخر.. )١ ص ٧(.. فحقيقة الوجود، هي ما تقوم عليه الأديان، وما تبحث عنه الفلسفة، في جميع عصورها.. وهي أيضاً ما
    يبحث عنه العلم المادي التجريبي.
    وقد أصبح، موضوع الفلسفة الأساسي، في القرون الوسطى، في أوربا، هو البحث عن الحقيقة
    الواحدة، المتمثلة في الحقيقة الإلهية.. والى جانب البحث عن حقيقة الوجود، ظهر البحث عن
    )واجب الوجود(، وخالق الطبيعة والكون.. وكذلك لم يعد بحث الفلسفة قاص ار على أصل الأشياء، ً
    وانما تناول أيضًا خلق الأشياء.. )١ ص ٩(. ٕ
    وفي العصر الحديث بعد ظهور العلم المادي التجريبي وتطوره، أصبح عند أهله المصدر اليقيني للحقيقة، وهو مصدر، على الأقل في وقت من الأوقات، كان يعتبر ما يقرره عن الحقيقة، أم ار نهائيا.. وأصبح على الفلسفة، أن تستقي معلوماتها عن الحقيقة، من مصدرها العلمي، الذي
    ًً يعتبر هو وحده مالكا للحقائق الموثوق بها.. وقد ارتبطت قضية الوجود، وقضية الحقيقة، في الفكر
    الغربي، وفي الحياة الغربية، بالعلم المادي التجريبي، ولا ازلت ترتبط به، رغم حدوث تحولات جذرية في العلم نفسه، وفي منهجه.. وعلى كل أصبح المنهج العلمي _والمقصود به منهج البحث في العلوم التجريبية_ هو المنهج الوحيد، عند الغربيين، الموثوق به، والمعارف التي يتوصل إليها هي المعارف الوحيدة، الموثوق بصحتها، وكان لهذا أكبر الأثر في نظرة الحضارة الغربية للوجود، وللحقيقة المرتبطة بالوجود.. وقد أصبح، أصحاب العقيدة في المنهج العلمي، يستبعدون أي معرفة، يتم التوصل إليها عن طريق مخالف لمنهجهم هذا، ويعتبرونها معرفة غير علمية، ولا تستحق أن تعتبر.. ولقد حدث تحول كبير، في وقتنا الحاضر، أدى إلى تغيير هذه النظرة للمنهج العلمي، ولنتائجه، ولكن هذا التحول، مع أنه جذري، إلا أن نتائجه ظلت محصورة في حفنة من العلماء، وظل معظم الناس، في الغرب، على ما هم عليه، من حيث عقيدتهم في العلم، والمنهج العلمي، وفي طبيعة الوجود التي يؤدي إليها هذا العلم ومنهجه.. فالحضارة الغربية كلها، إلى اليوم، قائمة على أن طبيعة الوجود الأساسية، هي طبيعة مادية.. هذا مع أن العلم المادي التجريبي نفسه، دحض المادية، بصورة نهائية!! وبالطبع إذا كانت طبيعة الوجود طبيعة مادية، تكون حقيقة الوجود، بالضرورة حقيقة
    مادية.. وهذا ما عليه الحضارة الغربية، من حيث الحياة، ومن حيث الفكر.
    وقضية الوجود، هي قضية الوجود الكلي، في المكان الأول، ثم هي قضية الوجود الجزئي، لكل موجود، في المكان الثاني.. وعلى طبيعة الوجود الكلي، تتوقف طبيعة الموجودات الجزئية.. وهنا، تظهر الأهمية العظمى لقضية الوجود.. وهي أهمية، تجعل كل شيء في الوجود، ينبني عليها،
    ويدور حولها، ولا يمكن لأي شيء أن يخرج عنها.
    القضية هي: هل و ارء هذا الوجود، الذي تدركه حواسنا، وعقولنا، بصورتها الحالية، وجود؟! أم أن هذا الوجود الذي تدركه حواسنا، وعقولنا، بصورتها الحالية، هو الوجود الوحيد؟!
    لقد انقسم الفكر البشري، عبر تاريخه، والى اليوم، حول هذه القضية.. فهنالك من يرى أن
    خلف هذا الوجود، وجود أهم، ويقوم عليه هذا الوجود.. وهنالك من يرى أن هذا الوجود الذي تدركه حواسنا وعقولنا، هو وحده الوجود الموجود..
    جدير بالذكر أن البشرية ظلت عبر تاريخها الطويل، والى القرون الوسطى في أوربا، ترى،
    في مجملها، أن وارء هذا الوجود، يكمن الوجود الحقيقي، وجود الإله، الخالق لهذا الوجود.. ولكن، منذ عصر النهضة في أوربا، والى اليوم، صار الوجود الذي يقوم على الألوهية، يغيب تدريجيًا، وتكون الغلبة لصورة الوجود الحادث، الذي يقوم على منظور العلم.. وعلى الرغم من أن وجود االله،
    لم يغب تمامًا في الحضارة الغربية، وانما ظل محتفظا به عند الكثيرين، إلا أن فعالية االله، غيبت ٕ ُّ
    تمامًا، وبذلك أصبح وجوده تعالى، عند من يؤمنون بوجوده في الحضارة الغربية، وجودًا بلا فاعلية، ولذلك هو وجود كالعدم.
    لا يخفى على أحد من مفكري الغرب، ولا حتى عامتهم، أن الوجود الحادث، وجود متحرك، متغير، فلا شيء فيه يظل على صورته.. وهم _الكثيرون منهم_ يفسرون الفناء على أنه العدم.. وعلى ذلك يكون الوجود عندهم، مرتبطًا ارتباطًا لا فكاك له، بالعدم.. فعلى ضوء هذا العدم، ماذا تكون حقيقة الوجود؟ وما هو مصير الموجود؟! وهل هنالك موجود كلي، حتى إذا تم استبعاد االله؟! أم كل وجود، هو وجود جزئي، محدود؟! وفي إطار هذه الأسئلة، ظهرت فكرة المطلق!! وأصبحت قضية أساسية، من قضايا مبحث الوجود.. وأصبحت من قضايا الفكر الغربي الأساسية: قضية المحدود والمطلق.. والوحدة والتعدد.. وكانت قضية القدم والحدوث أص ًلا مطروحة في الفكر
    الإسلامي، ودخلت الفكر الغربي، من خلال الفلاسفة الإسلاميين.
    ولقد ظهرت، في الفكر الغربي، اتجاهات، تحاول التوفيق بين الفناء والتعدد، المشهودين في
    كل شيء، وبين فكرة الوحدة.. ومن هذه المحاولات، جاءت وحدة الوجود عند اسبينواز، وعند الطبيعيين، كما جاءت فكرة المطلق.. وعندهم )كانط(، هو أول من أثار مقولة المطلق في حين أن )هيجل(، هو أول من وضعها كمقولة محورية في الفلسفة.. وقد ساعد العلم المادي التجريبي الحديث، على إمكانية النظر للكون ككل، وعلى هذا قام علم الكونيات.. وقد ظهر لهم أن للكون الحادث بداية، يمكن أن تعرف، واستدلوا عليها بنظرية )الانفجار العظيم(.. وكما سعى العلم إلى رد الكون كله إلى بداية واحدة، سعى أيضا إلى رده كله إلى أصل واحد، وقامت على ذلك الد ارسات، دون الذرية.. وكل هذا، أعاد في الأذهان، بعث فكرة الوجود الواحد.. وقد ذهب الماديون، ببساطة، إلى رد وحدة الوجود، إلى وحدة أصله المادي، كما ذهب هيجل إلى أن وحدة الوجود تكمن في صيرورته عبر ديالكتيك التناقض والوحدة.. حيث أدخل هيجل مفهوم )الروح المطلقة(.. وأصبح عنده، العالم المتناهي ما هو إلا ظل للكلي الروحي.. وعنده الروح المطلقة هي الجوهر، وجوهرية
    الروح المطلقة معناها أنها تحتفظ بطبيعتها، وهويتها خلال كل م ارحلها المتغيرة، وتغي ارتها..
    المارد بالمطلق، عندما نتحدث، عن الوجود، إطلاق كمال.. فالوجود المطلق هو الوجود الكامل، المستغني لكماله، عن كل ما عداه.. والمحدودية في أي مستوى من المستويات هي نقص، ينبغي ألا يعلق بالمطلق، وكذلك العجز، في أي صورة من صوره.. المطلق بهذا المعنى، هو الثابت
    الوجودي، والثبات هنا ليس ضد الحركة، والتغيير فقط، وانما هو ضد أي افتقار إلى غيره، من ٕ
    حيث وجوده.. وبالرغم من محدودية المادة، وافتقارها الكلي، للغير، إلا أن الفكر المادي في مغالطة فجة، جعلها الوجود الثابت، وأصل كل وجود.. وهذا ما يظهر في الفلسفات المادية، مثل فلسفة لودفيح فيورباخ، وكارل ماركس.. وكل الماديين، بمن فيهم من يصنفون كعقلانيين، أو مثاليين.. فجميعهم يعتمدون، اعتمادًا كليًا على العقل المجرد، والعقل المجرد، مهما تطور تصوره، لا يستطيع أن يخرج عن المادية.. فهو يقوم على الثنائية، بصورة مبدئية ونهائية.. فهو حتى عندما يدرك وجود المطلق، وهذا ممكن _بل حاصل بالفعل_، إلا أنه لا يمكن أن يتصور المطلق في إطلاقه.. فكل صور العقل، بحكم طبيعته، تقوم على المحدودية، التي ينفيها المطلق عن ذاته، بحكم طبيعته.. وها هنا تكمن الإشكالية الكبرى، في معرفة الوجود.. فكل وجود، يدركه العقل، وتعبر عنه اللغة، هو محدود بالضرورة.. وهذا يعني أنه من المستحيل أن نعرف المطلق، بالعقل المجرد،
    طالما أنه في إطلاقه.. وهذا، حكم مبدئي ونهائي، لمعرفة الفكر الغربي، للوجود الحقيقي.. فالفكر الغربي في جميع مستوياته، وفي مختلف الأزمنة، والى اليوم، يقوم على العقل المجرد.. تستوي، في ذلك، النظرة الفلسفية، والنظرة )العلمية(، التي تقوم على العلم المادي.. وتستوي في ذلك النظرة التي
    تقوم على العقلانية، والتي تقوم على التجريب.
    إذن، حقيقة الوجود الكلي، لا يمكن أن تخضع لمجال الفكر المجرد وحده.. فالفكر وحده لا
    يمكن أن يدرك الوجود العام بوصفه ك ًلا.. يقول علي محمد أسبر: )أعتقد أن حقيقة الوجود، لا يمكن أن تكون معطاة على هيئة الفكر وحده، فالفكر في نهاية المطاف هو اتجاه نحو التشخيص، وما يتعين أقرب إلى أن يكون حا ًلا للمتعين، لا أن يكون الحقيقة نفسها..(.. )٣ ص ١٥٧(.. ولم يفعل هيجل، واسبينو از، وغيرهما، ممن تحدثوا عن المطلق، حديثًا فلسفيًا، هؤلاء جميعًا لم يفعلوا شيئًا، أكثر من أنهم جعلوا المطلق محدودًا، أو جعلوا صفة المطلق، صفة للمحدود.. فأكثرهم أهمية، وهو
    هيجل، جعل الإطلاق إطلاق صيرورة!!
    فعند هيجل: )المطلق يحيا كما تحيا عمليات الوجود المتناهي، وتبدأ حركته الحيوية من
    المقولات المنطقية، إلى الأشياء في الطبيعة، ثم تجتاز التاريخ الإنساني، والتأمل الواعي، حتى يصل إلى التحقق الكامل للفكر الخالص(.. ومطلق هيجل، لنقصه، يؤثر ويتأثر، وهو خاضع للديالكتيك!!
    إن القضية الأساسية التي تعنينا، ونحن نتحدث عن الوجود، هي قضية )الثابت الوجودي( .. أو الوجود الكلي، الذي يتبع له، كل وجود غيره.. وهذا ما يشكل الاختلاف الجوهري بين الإسلام،
    والحضارة الغربية، في ما يخص الموقف من الوجود.. وبالتالي في كل شيء، لأن كل شيء يتوقف، على نظرتنا للوجود الكلي، وموقفنا منه.. وكل هذا، يجعل قضية االله، القضية الأولى والأساسية بالنسبة للوجود.. فعندما نتحدث عن االله إنما نتحدث، في المكان الأول، عن المطلق أو الثابت الوجودي، الوحيد، الذي يستمد منه كل موجود وجوده، ومقومات وجوده، ويعتمد عليه في كل شيء، ولا يستطيع أن يستغني عنه في شيء واحد، ولا لحظة واحدة.. هذا في حين أن المطلق، غني عن كل شيء، ولا يحتاج لغيره، في أي شيء.. ولأهمية هذا الموضوع، نحن نتحدث عنه في الحضارة
    الغربية، من خلال، موقف هذه الحضارة من االله.
    قلنا أن قضية الوجود، ينبني عليها كل ما عداها، بصورة أساسية.. وأهم ما ينبني عليها موضوع السببية، وموضوع العلية.. هل هناك علية، كونية، تنتظم كل الوجود، وتشمل كل موجود، بصورة واحدة؟! أو بمعنى آخر، هل هنالك قانون طبيعي، يقوم على الوجود الثابت، أو الحقيقة، وينتظم كل الوجود؟! إذا كان هذا القانون موجودًا، فما هو؟! واذا كان غير موجود، كيف تكون صورة
    ٕ
    الوجود من دونه.. ثم هل هنالك سببية غائية، تنتظم الوجود؟! هل هنالك غاية كونية لوجودنا،
    ولوجود الأشياء في الكون؟ هل الإسلام يقوم على مثل هذه الغاية؟! وهل الحضارة الغربية تقوم
    عليها؟! والا فما هو الوضع، بالنسبة للمجالين، مجال الإسلام، ومجال الحضارة الغربية؟! ٕ
    الوجود الإنساني:
    بالطبع ما يعنينا، كبشر، هو وجودنا الخاص.. ولكن وجودنا هذا، الخاص، لا يمكن فصله عن الوجود العام.. فإد ارك وجودنا الخاص، ينبني بصورة كلية، على معرفة الوجود العام، وعلاقتنا به.. ذلك أن كل فرد بشري، بمجرد دخوله مرحلة الوعي، يدرك وجوده، بصورة تلقائية، ويبدأ في إد ارك وجود الآخرين، والأشياء، حوله.. ولكن الإنسان، بحكم ملكة العقل، يستطيع أن يتصور، زيف إد اركه لوجوده، ووجود الأشياء.. فهو، بالتجربة، يعلم أن الصورة التي يدرك بها الأشياء قد تكون ازئفة، ولا تقوم على حقيقة وجود هذه الأشياء.. فمث ًلا، إد اركي للطاولة التي أكتب عليها الآن _ولكل جسم مادي آخر_ هو أنها من مادة متماسكة صماء، لا توجد فجوات في تكوينها.. وعندما يصل العقل عن طريق العلم إلى حقيقة أن كل مادة صماء، هي عبارة عن ذ ارت متحركة، ومتباعدة عن بعضها البعض، يستطيع الإنسان أن يدرك ذلك، ويعتقد فيه، ولو لم يره.. كما يدرك الإنسان وجوده بصورة متدرجة.. فهو يدرك أن تصوره لوجوده، ليس هو التصور النهائي لهذا الوجود.. كما يستطيع أن يدرك، أن هنالك الكثير من الزيف، في تصوره لوجوده، ووجود الآخرين، والأشياء من حوله..
    ولكي يدرك حقيقة الأمر، عليه أن يتخلص من زيف التصو ارت.. فحواسنا هي أبوابنا، لإد ارك وجود الموجودات في الخارج، وهي تعطينا صور لوجود هذه الموجودات، فيها الكثير من الزيف، ولا تنطبق على الحقيقة.. ونحن ندرك ذلك.. ندرك خداع الحواس، ومحدوديتها.. وكذلك ندرك خداع العقول، فهي الأخرى محدودة، وتعطينا صور لوجودنا، ووجود الأشياء، لا تطابق الحقيقة.. فلكي ندرك، حقيقة وجودنا، وحقيقة وجود غيرنا، علينا أن نتخلص من خداع الحواس، وخداع العقول، والضلالات والأباطيل، التي تقوم على هذا الخداع.. جميعنا، نستطيع أن نتصور أن هنالك وجود حقيقي، لذواتنا، والآخرين، من الأحياء والأشياء، يختلف بصورة كبيرة جدًا، عن ما ندركه.. وعلى ذلك، نستطيع أن نقرر، بصورة مبدئية، وحاسمة، أن إد اركنا للوجود إد ارك ازئف، ويحتاج إلى الكثير من التصحيح.. واد ارك الخطأ في تصورنا للوجود، ليس كافيًا وحده، فلابد مع إد ارك ما هو خطأ،
    ٕ
    إد ارك ما هو صحيح.. بل، في الغالب، إد ارك الصحيح، هو الذي يبين لنا خطأ الإد ارك السابق..
    فمعرفة أن المادة، مكونة من ذ ارت، بينها فجوات، هو الذي صحح لنا إد اركنا الأولي، الذي يقوم على أن المادة صماء، لا توجد فيها فجوات.
    المشكلة الأساسية، والكبرى، هي أننا جميعًا، نعتمد على العقل، في إد اركنا لوجودنا، والوجود
    العام.. ولا يوجد أدنى شك، في أن العقل ناقص، وقاصر.. وهو متطور، وحتى الآن لا نستطيع أن نجزم أنه وصل إلى نهاية تطوره، والاختلاف حول هذا الموضوع اختلاف كبير جدًا، وأساسي.. من المؤكد أن العقل بحكم محدوديته، لا يستطيع أن يعرف المطلق، وان عرف وجوده.. والمطلق هو
    ٕ
    الوجود الحقيقي، الخالي من أي نقص، أو زيف وجودي.. إذن ما العمل؟
    من المؤكد أن العقل هو الأساس، في التطور في معرفة الوجود.. وهذا ينطبق على الإسلام،
    كما ينطبق على الحضارة الغربية، وعلى كل فكر بشري خلافهما.. واذا كان المطلق لا يمكن إد اركه، ٕ
    بحكم طبيعته، وطبيعة العقل، إد اركا يحيط به، فكيف يمكن أن نخلق معه علاقة؟! واذا كنا لا ٕ
    نستطيع أن نخلق معه علاقة، فما قيمة وجوده بالنسبة لنا.. فقضيتنا ليست هي معرفة وجود المطلق،
    وانما معرفته بالصورة التي تؤثر على فكرنا، وعلى حياتنا، وتعيننا على التخلص من الزيف في إد ارك ٕ
    وجودنا، والوجود العام، حتى نعيش وفق رؤية، تقوم على معرفة وجونا الحقيقي، بها تقتنع عقولنا، وتطمئن نفوسنا.. ونحن بحكم وجود العقل فينا، لابد لنا من ذلك، ولا نستطيع أن نعيش، كما تعيش الأحياء دوننا، من غير إشباع لهذه الحاجة الأساسية للمعرفة.. وهي حاجة كما سبق أن ذكرنا، يتبع لها، وينبني عليها، كل ما سواها.. يقول اريك فروم: )الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يعد وجوده مشكلة بالنسبة إليه، مشكلة عليه أن يحلها، ولا يستطيع منها فكاكًا. وهو لا يستطيع أن يرجع إلى
    الحالة السابقة على الإنسانية، حالة الانسجام مع الطبيعة، بل ينبغي عليه أن يتقدم مطوار عقله، ً
    حتى يصبح سيد الطبيعة و "سيد نفسه"..(.
    ونحن، كبشر، بحكم التجربة الطويلة، ندرك بصورة لا لبس فيها، أننا صائرون إلى الموت،
    وحسب الظاهر، الذي يقوم عليه إد ارك العقول وحدها، الموت هو نهاية وجودنا.. فهل هذه هي حقيقة الأمر؟! أم أن هنالك قصور في إد ارك عقولنا لحقيقة الموت، وأن التصور لحقيقة الموت خلاف ما يعطيه الظاهر؟ وأين نجد هذا الإد ارك الآخر لحقيقة الموت؟! من المؤكد أن الوجود الحادث كله، مرتبط بالفناء، كما أن الحياة مرتبطة بالموت.. فإما أن تكون حقيقة الوجود، هي كما يعطيه الظاهر، مرتبطة بالفناء وبالموت، أو هنالك تصور آخر علينا أن ندركه بصورة نطمئن إليها.. ومما يزيد الأمر تعقيدًا، أننا نملك رغبة عارمة في الخلود.. فقضية الموت والخلود، من أكبر، وأهم القضايا
    المرتبطة بالوجود.
    كّل فرد مّنا، يظل طوال حياته، يكتشف أشياء جديدة كانت غائبة عنه، وهذه الاكتشافات،
    تلقي مزيدًا من الضوء على وجوده، وعلى تصوره للوجود العام.. وما ينطبق على الفرد ينطبق على البشرية جمعاء.. فما تدركه البشرية المعاصرة عن الوجود، يختلف بصورة هائلة عن ما أدركته البشرية في العصور السابقة.. فوجودنا كله يقوم على ثنائية: الشهادة والغيب.. نحن ندرك بصورة، لا لبس فيها، أن ما ندركه من الوجود، ليس هو كل الوجود، وانما هنالك جوانب من الوجود، غائبة
    ٕ
    عنا.. وهذا ينطبق على وجودنا الذاتي، كما ينطبق على الوجود العام.. فعنصر الغيب عنصر
    أساسي في الوجود، ولا مجال للاختلاف حوله.. ونحن ندرك، بالتجربة الطويلة، أن الغيب لا يعني العدم، بل هو وجود، إلا أننا لم نشهده، حتى ندركه، ومتى ما شهدناه، أصبح في إمكاننا معرفته، في مستوى من المستويات.. فالمعرفة الإنسانية جميعها، هي تحويل لما هو في عالم الغيب إلى عالم الشهادة.. ونستطيع أن ندرك، بصورة لا لبس فيها، أن ما هو غائب عنا، أكثر بكثير جدًا، مما نشهده .. فالوجود كله، إذن، بالنسبة لنا، مقسوم بين الغيب والشهادة.. فما هو موقفنا من الغيب؟! هل ننكره، ونبني فقط على الشهادة؟! أم نؤمن به ريثما ندركه؟! من المؤكد أن الاختلاف بين الموقفين اختلاف جذري.. وهو اختلاف قائم، فع ًلا، بين البشر.. بل يمكن أن نقول، أنه الاختلاف الأساسي، بين البشر في موقفهم من الوجود، وعلاقتهم به.. وأساس الغيب، وقمته، هو )المطلق(.. فالمطلق، بحكم تعريفه، مهما عرفناه، سيظل دائمًا، طر ٌف منه، غائباً عنا، علينا أن ندركه أو نشهده.. فطبيعة العقل، ووجود الغيب، يجعلان الإيمان أساس المعرفة.. فالعقل، بطبيعته الأصيلة، لا يدرك إلا بناء على مسلمات إيمانية توجه إد اركه.. هو بحكم طبيعته يؤمن أوًلا، ثم بناء على هذا
    الإيمان يعلم.. وهذا ينطبق على جميع مجالات المعرفة العقلية، بما فيها العلم المادي التجريبي.. فالعلم المادي التجريبي كله، وفي كل مستوياته، ومختلف مجالاته، يقوم أساسًا على مسلمات عقيدية بصورة كلية، حتى أنه إذا انهارت هذه المسلمات ينهار العلم بصورة كلية.. وقد ناقشنا هذه القضية، بشيء من التفصيل في كتابنا )المعرفة وطبيعة الوجود(، ويمكن لمن يشاء أن يرجع إليه.. ونذكر هنا
    نقاط مختصرة عن الموضوع، وهي كافية جدًا.
    يقول، مثلاً، د. صلاح قنصوة، عن مصاد ارت العلم والمنهج العلمي: )من المستحيل أن
    يعرض رجل العلم لكل الوقائع القائمة في كل زمان ومكان، وحسبه ما يحتاج له منها، أو يختاره أو يصفه، لكي يصل إلى التعميم الذي يهيىء له أداء وظائف المنهج العلمي من وصف وتفسير وتنبؤ وتحكم. ولن يتحقق له ذلك إلا إذا افترض قبل الشروع في العمل، أن العالم من حوله خاضع لحتمية
    تجعل ما يصدق عليه هنا يصدق عليه هناك، وما يصدق الآن يصدق في كل زمان.. ويعني هذا أن الظواهر تحدد وقوعها شروط لا تسمح باستثناء.. بيد أن مبدأ الحتمية نفسه يتضمن افت ارضات أخرى تسبقه وتبرره وتحدد محتواه.. أول هذه الافت ارضات أن ثمة نظامًا Order في الطبيعة، والثاني هو أن هذا النظام متكرر الوقوع في اط ارد Uniformity، والثالث هو أن هذا الاط ارد محكوم بالعلاقة العلية Causality بين السبب والنتيجة(.. )فالعلم يبدأ، إذن باعتقاد بأن
    العالم منظم مرتب(..
    ويقول د. السيد نفادي: )العلم لا ينبني على مباديء وحقائق، أي وقائع فحسب، ولكن أيضا
    على مسلمات أساسية. أول هذه المسلمات تبلغ حدًا من البساطة يشيع معه إغفالها. وأعني به القول أن "الطبيعة قابلة للفهم"، وما هذا إلا تأكيد لإيماننا بأن الظواهر التي يتألف منها عالمنا لا تبلغ من التعقيد أو الغموض حدًا يستحيل معه فهمها. والواقع أن هذا الاعتقاد طموح جدًا، ولكننا بدون هذه المسلمة لن نستطيع على الأرجح أن نشرع في القيام بأي أبحاث من أي نوع.. ومعنى هذا أن الإنسان لا يشرع في بحث أي مشكلة في الطبيعة أو الكون أو الفكر، إلا إذا كان يرى أنه قادر
    على إيجاد حل لها، فهو لا يضع أمام ناظريه من المشكلات إلا ما هو قابل للفهم والحل.
    وهنالك مسلمة أخرى يتميز بها العلم، وأعني بها التسليم بأن الطبيعة موحدة، فلولا هذا الإيمان البسيط بوجود مجموعة واحدة فقط من القوانين الطبيعية، لما أمكن وجود العلم كما نعرفه الآن.. والواقع أن الاعتارف الأساسي بوحدة الطبيعة هو مسلمة لها فائدتها، الكبرى.. وتؤدي بنا هذه المسلمة إلى نتيجة على جانب عظيم من الأهمية وهي، أن تكون لنا الحرية في تطبيق المعرفة
    المتعلقة بفرع من فروع العلم، على المشكلات التي تصادفها في فرع آخر. فنحن نفترض أن ما نعرفه عن الفيزياء والكيمياء له تطبيقات في ميدان البيولوجيا. وتؤدي بنا هذه المسلمة إلى نتيجة على جانب عظيم من الأهمية وهي أن تكون لنا الحرية في تطبيق المعرفة المتعلقة بفرع من فروع العلم، على المشكلات التي نصادفها في فرع آخر. فنحن نفترض أن ما نعرفه عن الفيزياء والكيمياء
    له تطبيقات في ميدان البيولوجيا.
    والمسلمة الكامنة من وارء هذه هي أننا لو عرفنا كل ما يمكن أن يعرف عن ذرة أو خلية
    واحدة، لأمكننا أن نعرف كل ما يمكن أن يعرف عن الكون.. وهذا ما أدى إلى التقدم الهائل في كل فروع العلم في عصرنا الحاضر، ذلك لأن العلماء كانوا دائمًا حريصين على تطبيق نتائج فروع العلم
    الأخرى على أبحاثهم الخاصة.
    تبقى مسلمة غاية في الأهمية، وهي المتعلقة بموضوع بحثنا، ألا وهي الاعتقاد بالسبب، ولو
    شئنا أن نعبر عنها تعبي ًار دقيقًا، لقلنا إن كل ظاهرة ملاحظة تعد نتيجة لأسباب يمكن قياسها، وما هذا إلا إيمان بانتظام الطبيعة واط اردها(.. ارجع كتابنا )المعرفة وطبيعة الوجود(..
    وأي تجربة، في العلم المادي التجريبي، لا يمكن أن تقوم إلا على فرضية، تثبتها التجربة أو
    تنفيها.. والفرضية ما هي إلا عقيدة.. وما النظرية العلمية في النهاية، إلا فرضية تم إثباتها، وهي دائماً قابلة للنفي.
    فلا التجربة، ولا الاستق ارء، أو الملاحظة أو أي خصيصة من خصائص المنهج العلمي يمكن أن تقوم دون مسلمات عقلية.
    المسلمات الأساسية، في العلم المادي التجريبي، هي أساس العلم، حتى أنها إذا انهارت، ينهار بناء العلم كله.. فإذا انهارت مسلمة انتظام الطبيعة، مث ًلا، تنتفي إمكانية أي معرفة علمية، انتفاء تامًا.
    وما ينطبق على العلم، ينطبق بصورة أوكد على الفلسفة.. فبالنسبة للفلسفة العقلية، نجد أن الفلسفة عمومًا تنقسم إلى طائفتين من المعارف )إحداهما معارف ضرورية، أو بديهية، ويقصد بالضرورة هنا، أن النفس تضطر إلى الإذعان بقضية معينة، من دون أن تطالب بدليل أو برهان على بحثها، بل تجده من طبيعتها ضرورة الإيمان بها، إيمانا غنيًا عن كل بينة، واثبات، كإيمانها ومعرفتها بالقضايا الآتية: )النفي والإثبات لا يصدقان معًا في شيء واحد ، وفي نفس الوقت..
    الحادث لا يوجد من دون سبب.. الصفات المتضادة لا تستقيم في موضع واحد، وفي نفس الوقت.. الكل أكبر من الجزء(.. ارجع أيضا كتابنا )المعرفة وطبيعة الوجود(..
    أما الطائفة الأخرى من المعارف البشرية، فهي معارف ومعلومات نظرية، مثل الشمس أكبر
    من الأرض.. المادة تتحول إلى الطاقة.. مجموع زوايا المثلث يساوي مجموع ازويتين قائمتين.. الخ، فإن مثل هذه القضايا لا يحكم في شأنها، إلا على ضوء المعلومات الأولية الضرورية، فالمعارف النظرية، مستندة إلى المعارف الأولية الضرورية، فهي تمثل حجر الأساس للعلم، وعلى ذلك الأساس يقوم بناء المعرفة.. بل إن عملية التفكير نفسها، عند أصحاب الفلسفة العقلية، هي عملية استنباط معرفة نظرية من معارف سابقة.. وما نخلص إليه هو أن العقيدة والإيمان، هما لازمة أساسية، لأي فكر بشري، في أي مجال من المجالات، وفي أي مستوى من المستويات.. ولا توجد أي معرفة بشرية، لا تقوم على الإيمان، ولا يمكن أن توجد _المعرفة الدينية، والمعرفة في مجال العلوم الطبيعية، في ذلك سواء.. فالإيمان يظل ملازمًا للمعرفة، لا ينفك عنها، سرمدًا.. وأي معرفة بشرية تتوقف صحتها، بصورة أساسية، على صحة العقيدة التي انبنت عليها، وهذه المعرفة ليست شيء سوى توكيد لهذه العقيدة.. فالنظرية في العلم المادي التجريبي، ليست سوى فرضية تم إثباتها، بصورة
    متكررة، فتم تعميمها.
    الفرق الأساسي بين الفلسفات، والأفكار الكبرى، والأديان، هو الفرق في مبدأ الإيمان
    الأساسي الذي تقوم عليه.. فهي صحيحة، بقدر صحة هذا الإيمان، وخاطئة بقدر خطأ هذا الإيمان.. والعقل والتجربة يثبتان الصحة أو الخطأ.. والفرق الأساسي بين الإسلام، والحضارة الغربية، يتمثل في عدم صحة العقيدة الأساسية في الحضارة الغربية، وهي العقيدة العلمانية.. والاختلاف بين العقيدتين، يتضح بصورة أساسية، في نظرتهما إلى الوجود، وكل الاختلافات الأخرى ترجع إلى الاختلاف في هذه النظرة.. وما ذلك إلا لأن موضوع )الوجود( هو الموضوع
    الأساسي الذي ينبني عليه كل شيء غيره.
    فالإسلام والحضارة الغربية، كل منهما يقوم على إطار مرجعي، أو إطار توجيه تنبني عليه الأمور جميعها.. والإطار المرجعي في الإسلام هو عقيدة التوحيد.. وفي الحضارة الغربية، الإطار المرجعي هو العقيدة العلمانية، وهذا ما ذكرناه قبل قليل.. وموضوع الإطار المرجعي، هو الموضوع الذي يقوم عليه الفكر البشري، عند كل فرد بشري، وعند كل جماعة بشرية.. و )إطار التوجيه( هذا هو )الدين(.. فلكل فرد بشري، إطار توجيه، هو دينه الذي يدين به.. وقد يكون هذا الدين، دين
    توحيد، أو دين تعدد، أو دين دنيوي، أو دين أخروي.. وما من دين إلا ويقوم على عقيدة في الإله.. ولكن هذا الإله يختلف من دين إلى دين، فهو قد يكون صنم يعبد، أو أسلاف، أو العقل، أو الهوى _وهذا هو الغالب على البشر.. أو االله.. والإله هو من يأمر فيطاع، وهذا هو جوهر العبادة، وهي الطاعة، في الأساس.. فعبادة الشيطان هي طاعته.. والهوى، هو أكبر اله عبد في تاريخ البشر، ولا ي ازل.. وانما جاءت أديان التوحيد لتخلص الناس من عبادة الهوى، يقول تعالى: )أفمن
    بحكم وجود العقل عند الإنسان، أصبح الدين حاجة أساسية عنده، فهو لا يستطيع أن يعيش من غير إطار توجيه.. ولقد أوردنا في كتابنا )العصر الذهبي للإسلام أمامنا( تعريف الكاتب والمحلل النفسي الأمريكي اريك فروم، للدين، وأقواله عن الحاجة للدين، فهو يعرف الدين بقوله: )إنني أفهم الدين بأنه أي مذهب للفكر والعمل تشترك فيه جماعة ما، ويعطي الفرد إطا ار للتوجيه وموضوعًا للعبادة(.. ويقول: )لا توجد بكل تأكيد حضارة في الماضي، ويبدو أنه لا يمكن أن توجد حضارة في المستقبل، دون أن يكون لها دين بهذا المعنى(.. والدين عنده يشكل حاجة أساسية، عند الإنسان، فهو يقول مث ًلا: )ما قلته عن نزعة الإنسان المثالية يصدق أيضا على حاجته الدينية. فلا وجود لإنسان بغير حاجة دينية، حاجة لأن يكون له إطار للتوجيه وموضوع للعبادة(.. وفي القرآن، وجه االله تعالى نبيه الكريم، بأن يقول للكفار: )لكم دينكم ولي دين(.. فدين الإسلام دين، ودين الكفر
    _باالله_ في كل صوره، دين.
    وقد يكون إطار التوجيه، قائما على رؤية واضحة، أو على رؤية غامضة مبهمة، وحتى
    غير مشعور بها عند صاحبها، ولكنه على كل حال، دائماً موجود، وفعال، ويشكل المرجعية لكل فكر الإنسان، وحياته، عن وعي منه، أو عن غير وعي.
    واطار التوجيه ككل عمل بشري أساسي، لا يمكن إلا أن يقوم على عقيدة أساسية، يسلم بها ٕ
    أصحابها، ويأخذون منها توجيههم الأساسي في حياتهم.. واطار التوجيه، لا يمكن أن يقوم إلا على ٕ
    عقيدة سابقة على الفكر، وموجهة له.. وهو لا يتعلق بما تمت معرفته فقط، وانما بما يمكن أن تتم ٕ
    معرفته في المستقبل، وهو غائب عن المعرفة الآن.. فأساس العقيدة، كل عقيدة، هو أنها متعلقة
    بالغيب.. والغيب هو الوجود الأكبر والأهم.. فما تحتاج أن تطمئن إليه النفس، ليس هو ما أدركته
    وانما هو ما تحتاج أن تدركه، عن الوجود، مما هو غائب عنها الآن.. والإنسان، كل إنسان، هو ٕ
    كلف بالغيب، يود أن يكشف حجبه، ويعرف أس ارره، حتى يأمن على نفسه، مما يمكن أن يفاجئه
    ٕ
    اتخذ إلهه هواه، أفأنت تكون عليه وكي ًلا(..
    فيه.. وكما سبق أن ذكرنا، ونكرر هنا، كل علم هو تحويل لما في الغيب إلى عالم الشهادة.. ولأنه مهما تحول من الغيب إلى عالم الشهادة، سيظل هنالك غيب، فالإنسان يحتاج إلى عقيدة مبدئية عامة في الغيب، تطمئنه على ما يمكن أن يكون فيه.. وهذه العقيدة، تختلف من إطار توجيه إلى
    آخر.. وهذا من أهم ما يقدمه إطار التوجيه السليم.
    على ضوء كل ما تقدم، ندخل إلى حديثنا عن الوجود في الإسلام، وفي الحضارة الغربية،
    وهو حديث، يقوم بصورة كلية، على إطار التوجيه، في المجالين.. وسنبدأ بالحديث عن الوجود في الحضارة الغربية..
    ٢٠١٨/٩/١٩م























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de