الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وضعت عناصر ارتكاب جريمة الرشوة ، ودعت الدول الموقعة الى تجريم هذه الظاهرة ؛ مع ملاحظة ان الدول العربية وان اتجهت الى تجريم الرشوة في القطاع العام الا انها سكتت عن تجريم الرشوة في القطاع الخاص بالمخالفة للاتفاقيات الدولية. وتجريم الرشوة له عدة أهداف منها : - حماية هيبة الوظيفة العامة. - المساواة بين المواطنين أمام القانون. - حماية النظام الاداري للدولة. - منع المتاجرة بالمال العام.
لكن دعونا نكون أكثر واقعية عندما نتحدث عن الرشوة في الدول الفاشلة ؛ فالرشوة هنا تحقق مزايا كثيرة جدا ؛ فعلى سبيل المثال:
- تعتبر الرشوة في القطاع العام حافز لمنع التسيب الوظيفي. فلنلاحظ ان الموظف العام غالبا ما لا يهتم بأداء العمل خلافا للعامل في القطاع الخاص فهذا الاخير يخضع لرقابة صاحب العمل كما أن قوانين العمل تمنح صاحب العمل سلطات اوسع في الغاء التعاقد مع العامل المتسيب خلافا للعمل في القطاع الحكومي حيث ان قانون الخدمة المدنية غالبا ما يقيد الادارة عند الحاجة الى توقيع عقوبات تأديبية على الموظف بقيود كثيرة جدا. فوق هذا فإن الادارة نفسها لا تمتلك الدافع لمحاسبة الموظفين الذين هم تحت مسؤوليتها عن التسيب الوظيفي ، لانعدام المصلحة الشخصية . وتمثل هذه المشكلة - مشكلة انعدام الدافع للعمل- اشكالية واجهت النظم الادارية للدولة مما انتج نظريات ترى ضرورة رفع الدولة يدها عن كل نشاط يمكن تركه للقطاع الخاص. فالمستشفيات الحكومية على سبيل المثال لا يمكن ان تنافس المستشفيات الخاصة ، والتعليم الحكومي وخلافه. فلنلاحظ ان الموظف الذي يقضي وقتا طويلا جالسا خلف مكتبه منذ الثامنة صباحا وحتى الرابعة مساء يواجه بمئات او بآلاف من المستفيدين من الخدمة ، ولولا الرشوة لشعر الموظف بالملل ، فمن خلال مائة عملية خدمية يحصل من خلالها على رشوة يكون قد ادى مئات من العمليات الأخرى. وهكذا تمثل الرشوة حافزا كبيرا لأداء عمله بدون ملل.
- من ناحية أخرى تمثل الرشوة هنا تطبيقا لمبدأ مطبق في كل النظم ؛ وهي ان من يملك الدفع اكثر يحصل على خدمة اسرع ، وأجود ، مثلا في الصندوق القومي للاسكان والتعمير يتم منح من يدفع اكثر مزايا سرعة اجراءات الحصول على المنزل. وكذلك تقوم الدولة في احيان كثيرة بزيادة تعرفة الخدمة لمن يريد التعجيل بالحصول عليها. - في ظل الفساد حيث يتم تبديد المال الذي يدخل الخزينة العامة تكون الرشوة وسيلة لاعادة توجيه المال المستقطع من المواطن الى جيب الموظف مباشرة ؛ وهذا يقلل من الفاقد المالي حينما يتم تحويل المال الى الخزينة العامة حيث يتم انفاقه على المسؤولين النافذين في الدولة من نثريات سفر وعلاج وسيارات وقصور. فبدلا من ذلك يتوجه مال المواطن مباشرة الى الاكثر استحقاقا وهو الموظف الغلبان. - تؤدي الرشوة الى الأخذ من الاغنياء ومنح الفقراء من الموظفين ؛ وهذا يساعد الموظف على رعاية اسرته صحيا وتعليميا وغذاء وشرابا خاصة مع ضعف المرتبات ، وفي ظل الفساد وحيث لا يتم توجيه المال العام لمصلحة المواطنين فإن الرشوة تعتبر افضل توجيه للمال من الاغنياء للفقراء من الموظفين ، ويؤدي ذلك الى انعاش السوق بزيادة الطلب ، وتعزيز العدالة الاجتماعية. - تعالج الرشوة مشاكل كثيرة لا يمكن للنظام المنضبط معالجتها بسهولة ؛ وهي الحالات الحرجة ، والتي تتطلب تدخلا سريعا من المرفق الحكومي ، ولننظر الى اشكالية القطاع الصحي في الغرب وهو قطاع منظم ومنضبط لكنه يعاني من اشكالية البطء في تقديم الخدمة لوجود طوابير طويلة من المنتظرين. اعرف اصدقاءا في السويد وبريطانيا اضطروا للسفر الى دول عربية للعلاج لأن مواعيد انتظارهم للحصول على الخدمة الصحية في اوروبا طويلة جدا. وفي حالة وجود رشوة يمكن لأصحاب الحالات الحرجة الاستفادة من تقديم بعض المال لتجاوز الانتظار الطويل. - الموظف الحكومي غالبا ما لا يهتم بتطوير امكانياته لمعالجة المشكلات الادارية المستحدثة التي تواجهه ويتم ترحيل المشاكل الى الادارة الاعلى والتي هي بدورها ترفعها الى لجان مما يؤدي الى اضاعة الوقت والجهد وربما المصلحة المتغياة لدى المستفيد. ولكن عندما يحصل الموظف على رشوة فإنه يعمل بجهد وجد على ايجاد حلول غير مطروقة لحلحلة المشاكل الطارئة التي تواجهه.
بالتأكيد الرشوة لها اضرار كبيرة جدا ايضا على الدولة والشعب خاصة عندما ننتقل من الرشوة التي تتم في الدرجات الدنيا للوظيفة العامة الى القيادات من المسؤولين والنافذين وقد تؤدي الرشوة الى كوارث كبيرة جدا ومؤلمة.. كسقوط الجسور والكباري نتيجة عدم اتباع الشروط الفنية في تشييدها ، وكدمار الطرق المعبدة نتيجة امطار بسيطة تهطل على الدولة ، وكتعطل السدود والخزانات نتيجة الفساد في العقود الادارية. لكن كما لكل شيء مزايا فلكل شيء مساوئ...خاصة ونحن نتحدث هنا على وجه الخصوص عن الدول الفاشلة كالسودان وغيره من الدول الافريقية والعربية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست