هل تعلم حكومة المؤتمر الوطني على العموم ، والنافذين فيها على شتى مراتبهم ومناصبهم ، المغزى الحقيقي وراء ما يُعرف في سجل التاريخ السياسي بـ (إستقالة الحكومات) وتنحيها ، لا أظنهم يعلمون عن ذلك علماً يصل حد اليقين ، لسبب بسيط فحواه أن تلك الحكومات التي تتنحى عندما يتأكَّد فشلها في تحقيق طموحات الوطن والمواطن أو عدم القدرة على الوفاء بإلتزاماتها وواجباتها الأساسية ، تنطلق في فهمها للمسئولية السلطوية من مبدأ أن الغاية الأساسية من الوجود في المنصب هو تسيير الأمور عبر التخطيط والإدارة والعمل الميداني بما يصُب في (المصلحة الوطنية العامة) والتي لا تتعارض مع مبدأ أن يكون لتلك الحكومات أو المراكز إنتماءات سياسية وفكرية وتنظيمية ، أما حكومتنا الحالية فهي لا تعترف ولا تعمل بمبدأ الأولوية للمصلحة العامة ، لأنها تعتقد أن المصلحة العامة منفذ خطر لحدوث (شراكات) تنافسية مع جهات أخرى مُغايره في توجهاتها السياسية وربما إستطاعت ولو بعد حين زحزحتها من كرسي الحكم وموقع القرار ، فالمصلحة العامة من وجهة نظر الأنظمة الشمولية مبدأ يدعو للتوجس الدائم من فكرة الإستفادة الجماعية من كل دفعة إيجابية يمكن أن تحدث في هذ المنحى الذي نُسميه (المصلحة العامة) ، وحسب إعتقادهم الذي يُسيطِّر على عقلهم الباطن دون وعي أن كل دفعة إيجابية يجب أن تصُب فقط في صالح الإتجاهات التي تدعم بنيتهم السلطوية وفي ذات الوقت تُضعف وتهدم القوى الأخرى التي يمكن أن تشكِّل مقاومة سياسية أو حتى إقتصادية أو إعلامية مُغايرة ، كل ذلك يُبرِّر النُدرة الحالية لتعليقات النافذين في الآونة الأخيرة عن كل ما يدور من أحداث وأخبار مهمة قاسمها المشترك الأعظم هو الفشل المتنامي والتدهور المضطرد في كل المناحي التي تقف فيها الحكومة كملتزم بواجبات مُحدَّدة تجاه المواطن والوطن ، وأصبح صمت النافذين والمسئولين هو االسائد أمام ما يترى من شكاوى وإخفاقات وصوُّر عديدة لا تحتاج للتوثيق لتُعبِّر عن دوائر الفشل المستمر الذي لا ينقطع ، نحن لا نحلم أن تتنحى هذه الحكومة أو حتى يستقيل وزير من وزرائها للإحساس بالفشل أو التقصير ، لأن هذا الشعور لا يمكن أن يتواجد في ثقافتنا الإدارية والسياسية ، دون توفر لمبدأ فاعلية المحاسبة والجزاء ، ففي هذا البلد لم نسمع بمسئول تمت محاسبته على خطة سنوية لم يقم بتنفيذها للتقصير والإهمال ، ولا بوزير تأكَّد فساده وإستغلاله للمال العام والنفوذ تمت محاكمته ، لأن المناصب في إستراتيجية المؤتمر الوطني ليست إلا تمكين وترضيات وتكتيكات تأمينية للنظام السياسي ، لذلك هم لا يشعرون أصلاً ومن حيث المبدأ بالفشل ، لأنهم لا يعرفون المحاسبة والجزاء فيما جرت عليه عندهم أصول الولاية والتكليف ، ثم إن حالة الفشل المتتالي أسست لديهم إستعداداً (فطرياً) لتقبُّل الفشل ، مثلما أصبح لدى الشعب السوداني إستعداداً نفسياً لتقبُّل الأسوأ يوماً يوم ، فشل إقتصادي ، وفشل إداري ورقابي ، وفشل تعليمي ، وفشل في الصحة ، وفشل في محاصرة الفساد ، وفشل في إفشاء روح الشفافية وإعلاء روح المؤسسية في هياكل الدولة وفصلها عن دوائر النفوذ التنظيمي والشخصي ، وفشل في إيجاد حلول للنزاعات الإقليمية وفشل في تركيز المخططات الإستراتيجية لصالح القطاع الزراعي ولا حتى الصناعي ومثلهما قطاعي الطاقة والتعدين ، بلد أفقدها الفشل هويتها الإقتصادية والسياسية فصرنا لا نعلم مع مَنْ هم وضد مَنْ نحن ، تارة نتجه غرباً وتارة ننكفيء شرقاً ، ولا هوية لنا أبداً دون أن يكون (للفشل) وقعاً مؤثِّراً ومؤلماً في ممارساتنا العامة والشخصية .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
هيثم الفضل
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست