هناك مدرستان حول هذه القضية مدرسة تشترط ان تكون القوانين أخلاقية ، واخرى ترفض ذلك. الحقيقة ان اشكالية اتاحة الفرصة للدولة -وهي المختصة بوضع القوانين- لرسم القوانين على أسس أخلاقية يؤدي الى اشكاليات عديدة: فمن ناحية لا يوجد تعريف واضح للاخلاق. ومن ناحية ثانية الاخلاق حكم نسبي يختلف من مجتمع لآخر كما تتأثر الأخلاق بالطبيعة الاقتصادية للدولة. ومن ناحية ثالثة فإن منح الحكومة حتى (لو كانت البرلمان المنتخب) ، سلطة وضع وصاية أخلاقية داخل نص القانون فإن ذلك قد يؤدي الى انتهاك للأقليات الأخرى ، وفوق هذا لا يمكننا ان نتجاهل أن البرلمان يمكن ان يتشكل من أغلبية تمثل اتجاها أخلاقيا معينا. فضلا عن ان الاخلاق باعتبارها مصطلحا فضفاضا يمكن ان يمنح السلطة التنفيذية والقضائية سلطات واسعة في التفسير بحيث تتحول الوصاية القانونية على الاخلاق الى سلاح لمصادرة الحقوق والحريات العامة والفردية. ومع ذلك فإن الاتجاه الحديث لم يكتف بضرورة أخلاقية القانون العادي ، بل حتى تطلبه حتى في الدستور ، فالقانون يجب ان يتمتع بالمشروعية ايا كانت درجته والمشروعية تنبثق عن اتساقه مع الاخلاق التي أرستها الحضارة الانسانية. وعلى ذلك فإذا كان القانون عنصريا وجب على القاضي عدم الاخذ به بل وتجاهله. وقد قضت المحاكم الالمانية ببطلان الاحكام التي صدرت ابان الحكم النازي على هذا الاساس. وإذا كانت هناك مسائل أخلاقية مطروحة كحقيقة مطلقة فهي في الواقع ليست كذلك. فوحدة الزواج مثلا تبدو قضية أخلاقية في الغرب ولكنها ليست كذلك في الشرق... وبعض القبائل في افريقيا لا تمارس الزواج الا بعد خطف العروس وهذا ما يتنافى وقيم مجتمعات أخرى تجعل من الاختطاف جريمة جنائية ومن الزواج على هذا النحو اغتصابا مؤثما. بعض القوانين تبيح الموت الرحيم وتعتبره أخلاقيا وأخرى لا تبيحه ، بعضها تجيز الاجهاض في كل الاحوال على اساس حرية المرأة واخرى تنظر الى مصلحة الجنين فتمنعه وثالثة ينبثق تقييمها الاخلاقي من الدين. مسألة أخلاقية القانون لا زالت محل نظر ؛ فيلاحظ مثلا أن الكثير من الدول التي أجازت زواج المثليين رفضت منحهم حق تبني الأطفال باعتبار ذلك قد يضر بالاطفال نفسيا. وهذه رؤية تستبطن شعورا كامنا بعدم تقبل المثلية كسلوك طبيعي. بعض الدول تعاقب على الاغتصاب بعقوبة الخصي الكيميائي في حين ترفض غالبية الدول هذه العقوبة وتعتبرها شديدة البشاعة ولا تتلاءم مع التحضر الانساني وتغير اهداف العقوبة من الانتقام الى التأهيل للاندماج الاجتماعي. وهكذا تظل الاخلاق مصطلحا محصورا داخل كل مجتمع بل وكل فرد على حدة ، بل أن الاخذ مثلا بالحرية الفردية بالحماية القانونية على حساب بعض القيم الاخلاقية هو نفسه يستند الى قيمة أخلاقية وهي احترام الحرية الفردية. وهكذا نصل ليس فقط الى صراح الاخلاق مع اللا أخلاق بل صراع قيم اخلاقية مع قيم اخلاقية أخرى.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة