هناك سؤال يسأله المواطن العادي الذي يتم تبرير زيادة الاسعار له بزيادة الدولار... فيسأل المواطن: ولماذا لا تنخفض الاسعار عندما ينخفض الدولار؟؟؟ وهذا سؤال منطقي جدا ، فعندما انخفض الدولار قبل رفع الحظر لسبعة عشر جنيها ظلت الاسعار مرتفعة رغم انها ارتفعت قبل ذلك عندما ارتفع الدولار الى اربعة وعشرين جنيها. والاجابة في نظري قد يكون لها وجهان : الوجه الاول هو عدم ثقة المنتجين في استقرار العملة الوطنية ، ولذلك لا يأبهون كثيرا لانخفاض الدولار لأن توقعاتهم بالعودة للارتفاع منطقية جدا. اما الوجه الثاني فهو بسبب تحرير السوق ، اي ترك التجار يبيعون كيفما شاء لهم البيع ، والملاحظ ان حرية التاجر في التسعير يمكن ان تطبق في حالة واحدة وهي كثرة العرض في مقابل الطلب او في حالة التنافس الشديد بين التجار ، فيحاول كل تاجر تقديم اقل سعر ممكن لينافس التجار الآخرين مما يؤدي الى تمتع المواطن باسعار معقولة وفي متناول الجيب ، لكن واقع التجارة في السودان ليس كذلك ، فلا توجد منافسة حقيقية بين التجار ، ولذلك فلا شيء يجبر التاجر على تخفيض ثمن السلعة ، بل على العكس حيث يبحث التاجر عن اعلى سعر في السوق ليسعر بضاعته به املا في اكبر ربح ، ذهبت قبل ايام لشراء لبن فوجدت ان سعر المائتي جرام بخمس واربعين جنيها واليوم ذهبت الى تاجر اخر فوجدته يبيعه بخمس وخمسين جنيها ويكاد التجار يتفقون على هذا السعر الأخير يزيد او ينقص قليلا ، اي بزيادة تصل الى عشرة جنيهات بالتمام والكمال وهذه زيادة مبالغ فيها ، فالتجار يستغلون عدم وجود منافسة كبيرة بينهم ويتمالأون على المواطن البسيط ، بل ان صاحب المتجر قد يعطيك سعرا بحسب ملابسك او مظهرك العام او اذا جئته بسيارة او بقدميك ، وهذا كله دون ضابط ولا رابط. أنا لا اعرف لماذا تصر الحكومة على عدم فرض تسعيرة على التجار ، وهي تدرك تماما ان التجار لا يهمهم سوى الكسب والربح ، كما يدركون ظروف الدولة الاقتصادية السيئة والبنية التحتية السيئة للتجارة ، ربما يكون تطبيقا اعمى لسياسات صندوق النقد او ضغوطات من دول كبرى ، لكن لماذا لا تسأل الحكومة صندوق النقد او غيره عن اسباب عدم تدخله في سياسات دول اوروبا واوربا الشرقية التي تميل الى اشتراكية الوسط او الليبرالية الاجتماعية بل والحماية والدعم لمنتجاتها الوطنية؟؟؟ هذا سؤال يجب ان نوجهه لانفسنا فلا يمكن للحكومة ان تمارس انتحارا جماعيا شاملا الشعب نفسه خوفا من الضغوط الخارجية ، وتطبيقا لإملاءات المنظمات الدولية بهذا الشكل الخانع والذي لا يراعي خصوصية وضعنا الاقتصادي المتدهور ، من المفترض ان يأتي كل شيء متدرجا كتدرج تحريم الخمر ، وليس هكذا برفع شامل للدعم في دولة اقتصادها منهار وقطاعاتها الصناعية والزراعية والخدمية تعاني من المنافسة الخارجية الشديدة وغير العادلة ، هناك اتفاقيات دولية لمنع الاغراق وهناك اتفاقيات دولية لمكافحة الاحتكار وهناك اتفاقيات تعطي الدول النامية احقية اتخاذ سياسات استثنائية لمنع انهيارها اقتصاديا ، ولكن الحكومة تصر على تنفيذ كل ما يملى عليها بدون حتى ابداء اي تحفظات ، ارضاء للمجتمع الدولي أو رغبة في الدخول في اتفاقية التجارة العالمية ، فلماذا لم تسأل الحكومة مصادر هذه الضغوط عن الجدال الذي دار بين الدول الكبرى حول دعم الزراعة ولماذا تقوم امريكا بدعم الزراعة بشكل غير عادل ابدا للتجارة الدولية؟؟؟ ولماذا رفضت فرنسا ايقاف الدعم لبعض منتجاتها ... كل هذا بسبب ان من يقومون بتمثيل السودان خارجيا هم قليلو الكفاءة والدراية سواء لجهلهم الفني او لجهلهم بتاريخ تطور الاتفاقيات الدولية نفسها التي يبصمون عليها بالعشرة او حتى لجهلهم بالاسلحة التفاوضية التي يمكن ان يستخدموها في عملية التفاوض مع المجتمع الدولي. ان ما يحدث الان هو فوضى اسعار كبيرة جدا ، وكل تاجر يمارس استغلالا بشعا للمواطن ، ولذلك فانني انصح الحكومة بالعودة الى نظام التسعير الجبري ولو مؤقتا حتى تمر ازمة ارتفاع الدولار ... فما يحدث حرام ..جيوبنا قدت من الصرف غير المنطقي على السلع الاولية التي لا يمكن ان يعيش الانسان الا بها.... نريد تسعيرا جبريا يا قوم ولو لفترة مؤقتة ....سعروها فالمسعر ليس الله فالله لا يظلم الناس شيئا وهم يظلمون...
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة