الخطاط (قصة قد تبدو قصيرة جدا) بقلم أمل الكردفاني

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 01:07 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-08-2018, 05:46 AM

أمل الكردفاني
<aأمل الكردفاني
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 2496

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الخطاط (قصة قد تبدو قصيرة جدا) بقلم أمل الكردفاني

    04:46 AM February, 07 2018

    سودانيز اون لاين
    أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
    مكتبتى
    رابط مختصر




    نهضت من "البنبر" بتثاقل ، فالجلوس تحت ظل النيمة في هذا الصهد كاكتشاف الحب ، الا ان البقاء عند بائعة الشاي صار مكلفا جدا أكثر مما يتحمله جيبي ، فعندما سألتها عن سبب رفع قيمة كوب الشاي ، اجابتني بخطاب متزن وثابت وبدون ادنى تردد: بسبب ارتفاع الدولار يا حبيبي. نطقت كلمة حبيبي بدون حتى ان تبتسم ، فلم اعرف ان كانت ثيمة متكررة عندها تجود بها على جميع زبائنها أم انها تخصني بها ، نظرت الى وجهها الدائري ، خمسينية سوداء ذات شفتين غليظتين وفلجة تقسم ثنايا مقدمة اسنانها وتظهر لسانا دامي الحمرة ، ترتدي ثوبا ملونا ، وحين تنهض يمتشق قوامها كحربة ، لها إلية كوكبية ونهدان راسخان على صدرها ، قلت في نفسي وانا انقدها المال: كيف ركبت الطبيعة هذا الجسد الثوري على هذا الرأس الذي يبدو كالرغيفة ، لفحني سموم وانا اتخطى ظل النيمة ، وبدأت اتعرق قليلا ، ان اسوأ ما أمر به هو ان يتدفق العرق على جبيني ، امسحه بكم قميصي لكنه ينزف باستمرار ، كان السوق مزعجا وحارا ، فبالاضافة الى الزحام كنت اشعر بالرعب حين ينظر لي رجل وهو يهمس: بدل دولار ، عملة عملة . يقولها بشيء من الحذر الكاذب وبخطورة مفتعلة ، فما اعرفه ان تجار العملة هؤلاء هم صبايا النافذين ، والواجهة المحمية للفاسدين في النظام ، كما انه ليس من المنطقي ان يمارس احدهم عملا بهذه الخطورة ويخاطب كل من يمر به كاشفا عن عمله ، بجملة لا تختلف كثيرا عن جملة حبيبي لبائعة الشاي ، فهي تمنح ذلك الشعور المرتبك والمختلط بين كونك شخصا مهما وبين كونك أحمقا يمكن خداعه ، مع ذلك فإنني وبشكل ما كنت أخاف تجار العملة العشوائيين هؤلاء ولا أدري السبب وراء هذا الخوف ، امسكت على جيب قميصي ضاغطا على هاتفي المحمول وانا اتوقع ان يتم خطفه بسرعة من متخصصي الخطف وليس النشل ، فالنشال لا تشعر به ولكن هؤلاء يخطفون بسرعة جهنمية ثم يذوبون في الزحام بكل ثقة . اتجهت جنوبا نحو صينية القندول ، وحملتني قدماي الى زقاق جانبي التمست في ضيقه بعض الظل ، ومن زقاق الى آخر ، تثاقلت خطاي وعصر جمجمتي صداع مفاجئ ، لكنني واصلت المسير ، وتحت بناية قصيرة انتشر ظلها على مساحة واسعة لجأت محتميا بالظل ، ولاحظت رجلا ستينيا يرتدي نظارة ذات اطار سميك وملابس ملطخة بالالوان ، ونعلا قديما وهو يقف قبالة الجدار وهو يكتب على قماشة بيضاء عرضها نصف متر وطولها متر ونصف تقريبا كان يكتب بهدوء مريب وبتركيز عال من خلال عدسات نظارته ، ولاحظت دقة خطه وخلو الكتابة من أي اخطاء املائية كما كان تشكيله للحروف صحيحا وليس اعتباطيا كما يفعل الخطاطون المبتدؤن . اقتربت منه واخذت اراقب الجملة التي يكتبها محاولا اكمالها بحدسي:
    (امانة شباب المؤتمر الوطني - دعما لترشيح الرئيس ي....) كانت هذه المقدمة كافية فهي اعلان سياسي ، والرئيس عموما يترشح لدورة سابعة او ثامنة لا أذكر ، وتساءلت عن الدافع وراء اعلان نصرة الرئيس وهو اساسا لا يحتاجها ، فهو لم يأت بانتخابات ليذهب بانتخابات ، ولا يحتاج اساسا لهذه العملية الانتخابية التي ينفق فيها الملايين من اجل نتيجة محسومة سلفا. انهى الخطاط كتابة الاعلان ثم وقف وتراجع خطوتين الى الخلف وأخذ يتأمله وهو يعدل من وضع نظارته ، كان سلام اصابعه كبيرا ، في حين ان عظمة ساعده رقيقة ، لديه شعر رمادي قليلا وتبدو في منتصف النافوخ منطقة شعر باهتة وكأنها قاومت الصلع كثيرا . باغته قائلا:خط جميل.
    التفت الي بسرعة وعاد ينظر الى الاعلان ثم قال بعد برهة من الزمن: شكرا ... كان صوته نصف رقيق بسلم ري كبير ، ولا اعرف لماذا اردت سماعه مرة أخرى ؛ فسألته: منذ متى وانت تخط؟ تقدم قليلا نحو اللوحة القماشية وأخذ يغطيها بقماشة أخرى وهو يقول: منذ زمن بعيد يا بني .. بدا لي صوته الآن رخيما ، وربما لا يتناسب مع ضعف بنيته ، كان يعمل بذات هدوئه ، يتحرك بالعرض البطيء ، غمس فرش الخط في زجاجة بها سائل ما ، ووقف تحت ظل الجدار ، وأخرج سجارة من النوع الرخيص ، ثم أخذ يدخنها بتأمل . بدا واضحا أنه لا يميل الى تجاذب أطراف الحديث ، وأنه يفضل العزلة ، وكنت عكسه تماما ، أرغب في اقتحام روح فنان ، فانجذابي لروح الفنانين الغامضة لم يفارقني أبدا ، سألته: كيف تحدد ثمن عملك .. ثم استطردت بسرعة: مثلا انا لدي اعلان اريد كتابته لا يتجاوز المترين طولا والمتر عرضا ، فكيف تحدد سعره؟
    باغتني بسؤال مقابل: هل تريد ان تعرف لأن لديك اعلان فعلا أم مجرد فضول. كان سؤاله مخجلا ، فلو أجبته بأنه مجرد فضول سوف يكون سؤالا سخيفا ، ولو اجبته بأن لدي عمل فسأقع في عبء التزام كاذب . غمغمت بصوت خفيض: ربما هذا وربما ذاك... نفث دخان سجارته وهو يحني رأسه الى الخلف وقال بنبرة هادئة: لا تكذب... صدمني كلامه ، واحسست بأنني فأر في مصيدة ، وصمت . مضت ثلاثون ثانية تقريبا ، واخرجت كيس التمباك ، كان عرقي قد جف وان كنت اشعر بالتصاق الملح المقزز على رقبتي من الخلف ، قلت له: انت لا تحب تبادل الحديث مع الغرباء أليس كذلك؟ داس سجارته بنعله ثم قال : ماذا تعمل؟ ما هي وظيفتك؟ قلت حاجبا في محكمة. لوى شفتيه ورفع حاجبيه من فوق نظارته وقال: اذن انت تعرف القضاة جيدا؟ سألته: من اي وجه تقصد؟ اخرج علبة سجائره مرة أخرى وبدأ في اشعال لفافة منها ، ثم قال من بين الدخان: انني يا بني كالقاضي تماما ، بجب ان اعيش منعزلا عن البشر.
    سألته: لماذا؟
    قال: أريد ان اجلس على الارض اذا سمحت لي فلقد تعبت. قلت: وأنا كذلك.... جلسنا ، فقال: إنني أمارس مهنة مزعجة جدا ، فكفنان لا يجب ان اكون محايدا ولكن كخطاط فإن الحياد هو سبب أكل عيشي ... كفنان يجب ان اتخذ موقفا من كل شيء من السياسة والرياضة والمدارس الفنية والفلسفات ، ولكنني حين اعمل كخطاط اتحول الى قاض محظور عليه ان يتخذ موقفا ايدولوجيا.
    أخذ يجذب انفاسا من سجارته .. وبذات هدوئه قال: يأتيني عمل مختلف ، يأتيني من الحكومة ومن المعارضين للحكومة ، من الماركسيين والليبراليين ، من المتشددين الدينيين ومن الملحدين ، ان أكل عيشي يتطلب مني ان اقف منهم جميعا مسافة واحدة ، والانسان بلا موقف هو انسان بلا ظل ... فيم سأتجاذب معك أطراف الحديث؟ هل في السياسة؟؟؟ ربما أخسر عملا يمكنك ان تمنحني اياه بسبب تعارض مواقفنا السياسية ان كان لي موقف ، اما ان لم يكن لي موقف فسأجاملك واداهنك وهذا شيء لا أحبه .. ليس لأنه غير اخلاقي فأنا لا اعرف معنى الأخلاق ولكن لأنني انزعج من التكلف والادعاء. هل عرفت الآن لماذا لا احب النقاش مع الناس.
    قلت: انت اذن تتخذ موقف اللا موقف... انت انسان لا يفكر الا في أكل عيشه وهذا شيء يتعارض مع روح الفنان.
    قال: بالتأكيد وقد قلت لك ذلك ... لكن دعني اسألك سؤالا: هناك من الشعراء من دبج قصائد في مدح الرئيس ، وهناك رسامون رسموا الرئيس ، وهناك مطربون غنوا للرئيس ، فهل كل هؤلاء يحبون الرئيس فعلا؟ لا ... اننا في واقع يتحتم عليك ان تسير مع الموجة وان تتخلص من ظلك ، فالظل يكشف الاتجاه ويكشف ساعتك الزمنية... إنني حين اخط ، اخلع ملابسي من عقلي ؛ واتهيأ بروحي للفن ، لا انظر لمعنى الكلمة بل لانحناءات الحرف ، وللشبكة التي تجمع الحروف بالحروف والكلمات بالكلمات دون ان اتخذ اي موقف نفسي من المعنى ، انني كعاهرة محترفة لا تكترث بقدرات الرجال الجنسية ...
    خلع نظارته بسرعة وقال: انني لست كعاهرة ..بل في الحقيقة انا عاهرة حقا ...
    نهض فجأة ..واخذ يضحك مرددا: أنا عاهرة فعلا....
    ثم اخذ يترنم بذلك وهو يرقص بخفة ، انا عاهرة ..ترم ترم ...انا عاهرة ..ترم ترم ...
    حدقت فيه بعينين متسعتين ، وانخلع قلبي وانا ارى الرجل وقد فقد عقله ... نهضت من جلستي وبتماسك مزيف رحلت تاركا الرجل مستمرا في رقصه ... اقتربت من صينية القندول ، كنت متعرقا جدا ومتوترا بشدة ، مسحت العرق الغزير من جبيني فلمحت قدمي ، لم يكن لدي ظل ... انتفض قلبي ، ثم حدقت الى الجماهير المزدحمة والتي تتقاطع وتتصادم تبيع وتشتري وتتسول ، جميعهم لم يكن لديهم ظلال ... صرخت بأعلى صوتي:
    رشحوا الرئيس لدورة سابعة....
    وفجأة توقف الجميع وساد صمت ثقيل ، وبصوت بطيء رددوا كجوقة موسيقية:
    "فليحيا الرئيس...فليحيا الرئيس...فليحيا الرئيس"...


    (تمت)

    أمل الكردفاني

    الخميس 8 فبراير 2018م
    الساعة: 3:37























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de