راجت في الولايات في الأونة الأخيرة موضة ما يسمى بمهرجانات السياحة والتسوق والتسوق " يدل على حركة شراء كبيرة ، يحفز عليها رخص الأسعار وتوفر أصناف وعروض لا توجد في الأسواق العادية ، هذه الكلمة إنتشرت في الأونة الأخيرة بصورة مبتذلة ، مئات من محلات البقالة والسيوبر ماركت تزين إسمها التجاري بكلمة " التسوق " وهي لا تتمتع بأية ميزة من إضافية ، كما إن معظم الولايات التي نظمت هذه الفعالية لا تمتلك مقومات السياحة و لا يوجد فيها ميزة ما يغري بالتسوق من ناحية رخص الأسعار والتنوع في البضائع . مفهوم ومقبول أن يكون هناك مهرجان للسياحة في ولاية من الولايات ذات الإمكانيات السياحية وتريد أن تروج للسياحة فيها رغم محدودية نظرتنا للسياحة ، لكن غير المفهوم إضافة كلمة " التسوق " - مع الإصرار - إلي ما قبلها رغم غياب هذا النشاط في الفعالية ، ماذا يوجد في هذه الولايات للتسوق فيه ، وهل يمكن للمرء أن يتسوق في ظل غول الغلاء الذي بالكاد يستطيع معه الشخص شراء الحد الأدني من السلع الأساسية ؟ ظهرت مهرجانات السياحة والتسوق في المنطقة العربية أول ما ظهرت في دبي ، وهو حدث أبدعت فيه ، لأن كل شيء يتم على أيدي محترفين حسب الأصول بعيدا عن الغوغائية والعشوائية التي نراها أصبحت سمة لكثير من الأعمال عندنا التي تنفذها الشركات التي تتبع للمسئولين ، فهناك تسهل الدولة دخول السواح والشركات إليها بمنح تأشيرات مؤقته لمدة شهر وتقدم شركات الطيران والفنادق عروضا ترويجية بما فيها التأشيرة وتستعد الفنادق والتجار وشركات المواصلات وكل أجهزة الدولة ذات الصلة لهذا الحدث الذي يحدث مرة كل عام ، فمن يريد الترويح من السواح يجد مبتغاه ومن يريد التسوق من الأفراد خاصة من دول الخليج والسعودية والدول المجاورة من البضائع المتنوعة الرخيصة والغالية يجد ما يبحث عنه ، ومن يريد التجارة من دول الشرق الأوسط وأفريقية يجد الشركات العالمية في إنتظاره ، وتشير التقارير إن مكاسب الدولة من هذا الحدث تفوق عائدات البترول في العام إذ يأتي إليها السواح والمتسوقين والتجار من كل القارات . فأين هذا من مهرجانات السياحة والتسوق عندنا التي ملأت الساحة وأصبحت موضة في الأونة الأخيرة ؟ التقليد – أي المحاكاة - في حد ذاته لا غبار عليه إذا كان إيجابيا فهو وسيلة من وسائل إنتقال المعارف و الإبتكارات ، والتكنولوجيا ، لكن البعض من عاطلي العقل المبدع لا يجيدون حتى التقليد والنقل فيحدث التشويه فتصبح الفكرة المنقولة أو المقلدة مسخا . فالذين أرادو أن يقلدوا التجربة لم ينقلوا منها إلا الإسم ، فما يسمى مجازا بمهرجانات السياحة والتسوق في السودان مسمى بلا مضمون ، مجرد عنوان لا أكثر ، وأول من حاول تقليد التجربة في السودان كانت ولاية البحر الأحمر في عهد واليها محمد طاهر إيلا ، ثم إنتقلت العدوى إلي بقية الولايات ، بنفس الزخم الإحتفالي الخالي من المحتوى ، وبالرغم من أن ولاية مثل ولاية البحر الأحمر تمتلك مقومات سياحية طبيعية تتمثل في الشُعب المرجانية في البحر الأحمر ومصيف أركويت ، ومدينة سواكن بمبانيها الأثرية ، لكنها لم تجعل من هذه الإمكانات حجر الزاوية للتأسيس لحركة سياحية حقيقية تسهم ليس في دخل الولاية بل دخل البلاد القومي ، فلم تؤهل هذه المواقع بما يناسب المستويات العالمية ، فهل يعتقد من قلدوا هذه الفعالية أن يأتي السياح لرؤية البحر الأحمر فقط ؟ وكعادتنا نأخذ العنوان ونترك المضمون ، فما حاولت تقليده ولاية البحر الأحمر لا يمت بصلة للسياحة أو التسوق ، والأدهى أن الولايات التي قلدت البحر الأحمر في نسختها المشوهة كان التشويه أفظع . ثم نأتي للجانب الآخر من العنوان " التسوق " ما هي الإستعدادات هل تم دعوة شركات لعرض سلعها ؟ وما هي هذه السلع ؟ وهل يملك المواطن هذا الترف للتسوق ؟ وهكذا وجدنا إن الفكرة التي نقلت لم يكن لها هدف سوى الصرف في الفارغة ، فهي مجرد إحتفالات يأتي إليها كبار المسئولين من المركز لإفتتاح بعض المنشآت مصحوبة بحفلات غنائية ، المشكلة أن السادة الولاة لا يفكرون إلا في أنفسهم بما يحفظ لهم الإستمرار في مواقعهم . و كان الذهن الشعبي مبدعا أكثر من أصحاب " العلام " كما يقول المصريون ، وتجلى ذلك في فكرة أسواق " أم دورور " ( أسواق متجولة ) في كردفان ومناطق الغرب حيث يأتي التجار ببضائعهم للأسواق الأسبوعية الراتبة في البلدات والقرى التي تنعقد أسواقها في أيام معينة من كل أسبوع حيث توفر لهم بضائع لا توفرها لهم حوانيت القرى ، ومن حصيلة بيعهم يقوم بعض هؤلاء التجار بشراء المنتوجات المحلية من محاصيل ، وثروة حيوانية وغيرها يذهبوا بها لأسواق المدن . قارن بين هذا والفكرة الفطيرة لما يسمى بأماكن البيع " المخفض " ، وليس ببعيد ما حدث في كسلا حيث أقيمت أماكن للبيع المخفض أثناء زيارة لرئيس الجمهورية وأختفت البضائع بعد الزيارة مباشرة . ويبدو أن ولاة الولايات غرضهم من هذه المهرجانات دعائي ليس إلا ، فالولايات بهذا العمل ( ما يسمى بمهرجانات السياحة والتسوق ) لا تجني منه عائد يدعم ميزانياتها . وهكذا يتضح لنا الفرق بين الفكرة الأساسية والمنقولة ، فهناك عوائد إقتصادية وثقافية وإعلامية ، وهنا تبذير لأموال أولى بها إحتيجات أساسية لمواطن الولاية ، ورغم ذلك تتسابق الولايات لتنظم هذه الفعالية ، بالرغم من أن المقومات التي تتطلبها الفعالية غير موجودة في أغلبها ، فهل يذهب السياح لهذه الولايات التي تخلو من أي معلم سياحي ؟ أيها السادة الولاة أذهبوا أنتم للسياحة والتسوق وأتركوا مواطنيكم في همهم .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
د.الصادق محمد سلمان
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست