إستراتيجية الفقر والإفقار التي طالما لازمت هذه البلاد منذ إستقلالها ، ثم ختمتها حكومة الإنقاذ (بتجويد وتقنين) تأثيراتها على الطبقات الإجتماعية التي كانت يوماً ما وفي غفلةٍ من الزمان خارج دائرة الفقر والعوز والحاجة ، والتي كان يسميها علماء التصنيف الإجتماعي بالطبقة الوسطى ، والتي كانت أهم مواصفاتها أن من ينتمون إليها على الأقل قادرون على مواجهة متطلبات الحياة العادية دون إنهاك ولا حوجة للتزلف والفساد و(اللف والدوران) ، الطبقة الوسطى على ما يبدو إختفت وتلاشت وإنتمت إنتماءاً حتمياً لا يقبل الجدال ولا النقاش إلى الطبقة الفقيرة ، وبذلك وصلنا إلى ما نحن عليه الآن في أمر التصنيف الإجتماعي العام والذي يشير إلى أن هذه البلاد المنكوبة بحكامها إنقسمت إلى طبقتين لا ثالثة لهما وهما طبقة الأقلية من الأثرياء إلى درجة الفُحش فيما يقتنون وهم الأقلية وأغلبهم من فئة كبار الموظفين وأصحاب المناصب ، والأخرى هي طبقة العامة من الفقراء الذين وبعد أن رفعت الدولة يدها عن دعم وتيسير إحتياجاتهم الضرورية أصبحوا في مهب الريح إذا ما تعلَّق الأمر بتوفير لقمة العيش البسيطة أو تعليم الأبناء أو الإستطباب والحصول على الدواء ، وللتذكير فإن عدم القدرة على الحصول على الغذاء بمعناه العلمي يعني ضعفاً لدى الأجيال القادمة من أطفال اليوم من ناحية الصحة الجسدية والنفسية والعقلية ، وكذلك فإن إستشراء الفقر والعجز في مجال القدرة على الإيفاء بمتطلبات التعليم الذي أصبح أكبر سوق إستثماري ينهش فيه المحظيين من منسوبي النظام من قدرات الغلابة المحدودة ، يعني أيضاً ببساطة إتساع مساحات الجهل والتخلف وإرتفاع نسب الفاقد التربوي ، وما يعكسهُ ذلك من مشكلات إجتماعية أهمها البطالة وإنخراط الشباب والقوى الإجتماعية الفاعلة في نشاطات إما هامشية لا تنفعهم ولا تنفع حركة التنمية القومية أو إنخراطهم في نشاطات غير قانونية تهدَّد الأمن الإجتماعي والقومي ، أما أن يقود حال الفقر لدى الأغلبية إلى عدم القدرة على معاودة الطبيب والحصول على الدواء فهو مؤشر لا يقبل الجدال في كون البلاد والعباد ساحة مفتوحة لتفشي الأوبئة والأمراض ، وهو من منظور آخر بابٌ مفتوح وليس موارى للولوج إلى الموت والفناء ، فإذا كان هذا مُجمل الحال الواقعي الذي يعيشه أغلب الشعب السودان أليس من المنطقي أن نسأل ولو على إستحياء (وماذا تفعل ولماذا تعمل حكومتنا المتشبثة بكرسي السلطة ؟) ، لا بد أن يكون للحكومات أياً كان نوعها وشكلها إلتزامات واضحة المعالم تجاه شعبها ، حكومة المؤتمر الوطني توجِه جُل إلتزاماتها تجاه ذاتها فقط ، فهي توسِّع عبر ميزانياتها الخِربة من مواعين إيراداتها المنهوبة من جيوب الغلابة ، لتضمن مرتبات ومخصصات موظفيها في هياكلها السيادية والإدارية المترهلة ، في حين أن تلك الهياكل هي بؤرة كبرى لتبديد المال العام وإستشراء آفة الفساد ، لا نجاح لإستراتيجية تنموية تصب مباشرة في مصلحة المواطن إلا عبر تيسير سبل الحصول على ضرورياته ، والواقع يُشير إلى التكالب الحكومي المحموم والمتزايد يوماً يوم على تقليص فرص المسحوقين في الحصول على أبسط ما يمكن أن توصف به الحياة الكريمة ، لماذا يتردَّد من يدعون الإخلاص في إنجاح شعار محاربة الفساد في تفعيل قانون (من أين لك هذا) ، أم أن فتح هذا الباب يُخشى منه القضاء على الأخضر واليابس.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة