يعكس الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل مدى التخبط الأمريكي والعجز خصوصاً بعد قمة سوتشي الروسية المنعقدة في تشرين الثاني/2017م، حيث تحاول الإدارة الأمريكية تعويض الخسائر التي مُنيت بها جراء فقدان التأثير في الملف السوري. في المقابل فإن تواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع كل من مصر وتركيا حول القدس و تضمين ملف القدس في قمة سوتشي الثانية القادمة يأتي في سياق محاولة روسيا فرض قوتها في الشرق الأوسط بكافة ملفاته، كما أنه قد يعني تحول التوجه الفلسطيني والعربي نحو القطب الآخر الذي تقوده روسيا. يعكس لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي يوم الاثنين الموافق 11/12/2017 دلالات مهمة، خصوصاً وأنه جاء متزامناً مع لقاء الأخير بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتوقيع على اتفاقية تزويد مصر بالوقود النووي والإيذان بالبدء في تنفيذ مشروع المحطة النووية بالضبعة، إلى جانب التباحث حول ملف القدس. يأتي هذا اللقاء في إطار الجهود المبذولة لمواجهة اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل. إضافة إلى أن أهمية اللقاء تكمن في التوجه الفلسطيني والعربي الجديد نحو القطب الآخر الذي تقوده روسيا. زيارة الرئيس بوتين إلى مصر في هذا الوقت بالتحديد، قد تعني أن مصر ستترأس هيئة تسيير شؤون الحراك العربي الرسمي. ومن مصر توجه بوتين إلى تركيا وتشاركا الرؤى حول القدس، وجاءت هذه الزيارة قبيل انعقاد القمة الإسلامية الطارئة في تركيا المقررة لبحث قرار ترامب حول القدس يوم الأربعاء الموافق 13/12/2017. يبدو أن الجولة البوتينية تهدف إلى مأسسة الحراك العربي والإسلامي لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية كمصلحة روسية تقليدية، قبل أن تكون مصلحة فلسطينية أو عربية. بالنسبة لتركيا، فإن حراكها يأتي في سياق رغبتها في تزعم العالم الإسلامي، إلى جانب صعودها كإحدى القوى الدولية الفاعلة في الشرق الأوسط خصوصاً بعد اضطراب مسألة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. ويتضح ذلك من قول أردوغان في الثالث من أيار لعام 2017م : "أن روسيا وتركيا قادرتان على تغيير مصير كل المنطقة ". أكدت القيادة الفلسطينية على لسان عضو اللجنة التنفيذية الدكتور أحمد المجدلاني في حديث له مع إذاعة صوت فلسطين: "أن القيادة ترحب بأي مبادرة تقدمها الصين لرعاية العملية السياسية "، ويأتي هذا التصريح بعد إعلان وزير الخارجية الصيني استعداد بلاده لاستضافة مؤتمر سلام . المصلحة الفلسطينية تقضي وجوباً الترحيب بكافة المبادرات من الدول الصديقة، ولكن المصلحة العليا توجب على القيادة الفلسطينية التمسك بالخيار الروسي أكثر، خصوصاً وأن الصين تمتلك شعوراً بالضعف إزاء الولايات المتحدة و تمثل تايوان أبرز الشواهد على ذلك، فعلى الرغم من امتلاك الصين القدرة العسكرية لفرض السيطرة على تايوان وامتلاكها قواعد وقوات قريبة من الجزيرة، إلا أنها لا تزال تنادي بالحل السلمي. والتفسير السائد هو أن الصين ما زالت تخشى من الردع الأمريكي . على الرغم من أن الصين تتفوق على روسيا في مجال النمو الاقتصادي وفي مجالات مختلفة عدة، وعلى الرغم من الحساسية التاريخية التي تعاني منها روسيا إزاء الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن احتلالها جزر القرم وسيطرتها على الملف السوري ينفي شعورها بالضعف تجاه الولايات المتحدة الأمر الذي تفقده الصين نوعاً ما. إن افترضنا أن مصر هي التي ستترأس الحراك العربي الرسمي لمواجهة الاعتراف الأمريكي، فإن هناك عدة قضايا ستلجم تأثير هذا الحراك خصوصاً إن كان بقيادة مصرية. لم يتطرق الرئيس المصري في اليوم التالي لقرار ترامب وتحديداً أثناء إلقائه كلمة في مؤتمر أفريقيا 2017 إلى مسألة القدس لا تصريحاً ولا حتى تلميحاً، في الوقت الذي كانت فيه الأمور ساخنة وفي أوجها. وهو أمر غير مقبول ولا يمكن الخطأ فيه أو تبريره خصوصاً وأن مسألة القدس تحتاج جهود شرق أوسطية وأفريقية على حدٍ سواء . من جانب آخر فإن مواصلة مصر الاقتراض الدولي وارتفاع الدين الخارجي إلى 41.6% ، يلجمها ويجعلها فريسة سهلة الانقضاض عليها من قبل أمريكا وإسرائيل والمنظمات الدولية التي تقرضها. الصورة المُثلى التي من الممكن أن تفرضها الأنظمة العربية الحالية هي فرض تحسين الملف الحقوقي الفلسطيني في هيئة الأمم المتحدة؛ الذي وصل مراحل متقدمة بالفعل بفعل الدبلوماسية الفلسطينية. وعليه فإن القضية الفلسطينية برأيي ستصل مرحلة تفتقد فيها لأبسط كلمات الشجب والاستنكار العربية الرنانة. الحراك التركي والروسي قد يكون له أثر أكبر من العربي، وبالتأكيد لن يتغير شيء بالنسبة للقدس والقضية الفلسطينية إلا بتغير موازين القوى. وإن كان قرار ترامب يمثل فرصة ذهبية لصعود قوى مثل روسيا، وإن سارت الأمور على نفس الوتيرة التصاعدية فإن ترامب اقترب من حجز كرسي لأمريكا في دائرة الشقاء والمعاناة، وفلسطين حتماً ستجد مخرجاً عادلاً لأزمتها المتلازمة منذ أكثر من قرن.
المراجع: • "أردوغان: روسيا وتركيا قادرتان على تغيير مصير كل المنطقة." إيلاف. http://elaph.com/Web/News/2017/5/1146373.htmlhttp://elaph.com/Web/News/2017/5/1146373.html (الدخول بتاريخ كانون الأول.13،2017). • " بعد واشنطن.. هل وجد الفلسطينيون راع آخر للسلام؟،" النجاح الإخباري، https://nn.ps/news/qt-gz/2017/12/10/77059/https://nn.ps/news/qt-gz/2017/12/10/77059/ ( الدخول بتاريخ كانون الأول.13،2017. • منصور، عماد. "السياسة الخارجية الصينية من منظار الثقافة الإستراتيجية." مجلة سياسات عربية، ع.21 (2016): 26-41. • كلمة الرئيس السيسي خلال بدء فعاليات مؤتمر إفريقيا 2017 "الكوميسا" بشرم الشيخ – 7/12/2017م ، https://www.youtube.com/watch؟v=pf2K2JoRU6khttps://www.youtube.com/watch؟v=pf2K2JoRU6k. • عبد الغني، جيهان. "مصر تطرق أبواب المؤسسات الدولية من جديد للاستدانة." العربي الجديد، كانون الأول.6،2017.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
فادي أبوبكر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست