قبل أسابيع قليلة رشّح البرلمان الدكتور سيف الدين السماني ليشغل وظيفة نائب المراجع العام.. وكانت الوظيفة الرفيعة قد خلت بعد أن قدم الدكتور محمد الحافظ استقالته.. السماني كادر سوداني متميز في مجال المحاسبة حيث جمع بين الزمالة البريطانية وأختها الأمريكية كما جمع بين بلدين في الانتماء هما السودان وبريطانيا.. وشغل الرجل وظائف مهمة في إمبراطورية الأمير الحبيس الوليد بن طلال في مدينة الضباب لندن.. لكن المراجع المرشح لم يصل الخرطوم ..وحسب مصادر مطلعة صرف الرجل النظر عن الوظيفة المرموقة بعد أن قارن بين البدائل المتاحة.. هنا يبدو السؤال منطقياً لماذا غادر الحافظ ولم يقبل السماني.. لا أعتقد أن الوظيفة غير جاذبة أو أن المخصصات ضعيفة.. يكمن الأمر في العجز عن أداء المهمة على أكمل وجه بسبب القوانين المقيدة.. في أحيان كثيرة تنتهي صلاحيات المراجع ببيان ضافٍ أمام البرلمان . بالأمس قدم الطاهر عبد القيوم المراجع العام تقريره أمام البرلمان.. لن أركز حديثي على الاعتداءات على المال العام حيث لم تعد الأرقام تشكل صدمة للمراقبين.. لكن حديثي سينصب على مؤسسات حساسة وذات خصوصية للسودانيين.. سأبدأ بالبنوك وهو غير متاحة لرقابة المراجع العام.. كل المصارف تنتدب مراجعاً خاصاً تدفع تكاليفه الباهظة من أموال المودعين.. حيث أقر ذات التقرير بضعف مراقبة البنك المركزي للبنوك السودانية.. أي مراقب يستطيع أن يكتشف أن معظم أرباح البنوك تمضي إلى العاملين عليها.. بل إن ذات التقرير كشف عن تسهيلات في التمويل يجدها بعض رجال الأعمال.. لهذا يصبح من الضروري تصنيف أموال البنوك باعتبارها مالاً عاماً يجب أن يكون تحت بصر المراجع العام .. يمكن أن يكون الأمر بصورة لا تضيف بيروقراطية، ولكن تحقق شفافية.. من بين ذلك أن يكون ديوان المراجعة هو من يحدد المراجع الخاص. هذا الاختصاص يمنع وجود تضارب مصالح بين المؤسسة التي تتولى المراجعة والبنك موضع التدقيق. لكن الصدمة كانت كبيرة في هيئة الحج والعمرة.. هذه الهيئة ترسل الناس ليغتسلوا من الذنوب ولكنها تملأ جيوبها من فلوس زوار بيت الله الحرام من غير وجه حق.. حسب ذات التقرير أن الهيئة قد تحصلت على نحو مليوني ريال سعودي من الحجاج تحت بند احتياط.. انتهت مسيرة الحج دون الحاجة لذاك المال. كان من المتوقع رد المبالغ لأهلها، ولكن ذلك لم يحدث.. لكن الأكثر استغراباً أن إدارة الحج والعمرة استأجرت فيلا في جدة بمبلغ ٦٠ ألف ريال رغم وجود مقر رسمي تمت صيانته مؤخراً.. ما لم يعلمه المراجع أن معظم المسؤولين في سفرياتهم الخارجية يحاولون التوفير وعدم مَس نثريات السفر.. بعضهم يقيم مع السفير والآخر يتصيّد مثل هذه الشقق الفاخرة لتصبح المهمة (حجة وتجرة).. حتى البرلمان فشل في معالجة تجاوزات هذه الهيئة فحوّلها للنائب العام. ذات الملاحظات السالبة وصلت لديوان الزكاة بالخرطوم، حيث أورد تقرير المراجع العام أن الديوان الموقر يمنح مشروعات لغير الفقراء.. وفي ذات التقرير نصف الأسر الفقيرة لا يصلها الدعم الاجتماعي.. فيما ثلثي الشركات لا تدفع الزكاة.. من المؤسسات التي طالها تقرير المراجع العام الجمارك السودانية.. حسب التقرير أن شرطة الجمارك تفرض رسوماً غير قانونية.. كما أن شرطة الجمارك قامت ببيع عربات في المزاد العلني وتم توزيع العائدات دون سند قانوني حسب ذات التقرير. في تقديري أن علينا إمعان النظر في طبيعة هذه المخالفات أو التجاوزات.. من الممكن أن أفهم أتن رجل أعمال تهرب من دفع الصرائب، أو أن نشالاً اتخذ من المساجد مقراً لعمله غير الشرعي.. لكن كيف لجهة مثل شرطة الجمارك المنوط بها تطبيق القانون أن تخالفه في وضح النهار.. وكيف لإدارة اختصاصها خدمة زوار بيت الله فتتخصص في ممارسة الحلب غير الشرعي.. ينال الموظفون كل مستحقاتهم على داير الريال.. بعد ذلك يشمل كشف الحوافز الجميع من الوزير إلى الخفير.. وزكاة الخرطوم تمول غير الفقراء في حين أن نصف الفقراء في انتظار الدعم الاجتماعي. بصراحة.. كنت أستغرب حينما يقال إن فلاناً يأكل مال النبي.. لكن الآن لدينا مؤسسات تفعل ذلك وربما تُبرّر الفعل المشين في باب محبة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالباقي الظافر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست