أحاول كل يوم أن تحتوي هذه الزاوية على بعض ومضات للفرح والأمل ربما أعانتني وأعانتكم على إحتمال مرارات الأسى التي ألمت بالبلاد والعباد ، و لكن هيهات فكل يوم نستقبل أو يستقبلنا خبراٌ جديد من بؤرة الحزن الظلامية ولا نملك إلا أن نتعامل ونتفاعل معه ، قبل أيام أخبرني صديق أنه وبعض جيرانه وجدوا أسفل مكب لرمل بناء في حيِّهم طفلاً حديث الولادة ، تم إلقائه في ذلك المكان ليلاً على ما يبدو ، وقد قام أصحاب القلوب الرحيمة بعمل الإجراءات اللازمه تجاه الطفل ، و اليوم صباحاً تتناقل وسائط النشر الإلكتروني صوراً وتعليقات لطفلٍ آخر وُجد مرمياً في مكب قمامة بأحد أحياء أم درمان ، وقبلها سمعت الكثيرمن القصص والحكايات التي تدُل على تنامي هذه الظاهرة ، ولا أقصد ظاهرة العلاقات الشرعية والزنا ، ولكن أقصد ظاهرة رمي الأطفال حديثي الولادة في الشوارع والميادين النائية وأحياناً في الخيران ومكبات القمامة ، ولما كانت وزارة الشئون الإجتماعية والمؤسسة (الإسلاموية) الحاكمة في غفلة عن أمر تنامي أعداد الأطفال مجهولي الهوية وإكتظاظ دار المايقوما (بمخرجات) الإنفلات الأخلاقي العام الذي عم البلاد ، هي ما زالت تعتبره أمراً عادياً وطبيعياً ، كان لابد أن ندق ناقوس الخطر ونقول للجميع حكومةً ومجتمعاً ، هناك خطأٌ فادحٌ يحدث ، وحتى لا نكون كالنعام الذي يدفن رأسه في الرمال خوفاً من مواجهة الحقائق المُرة ، يجب أن نعلم أن الإنحدار الأخلاقي الذي يبدأ بالزنا والعلاقات غير الشرعية وينتهي بإنعدام الرحمة والإنسانية بالقدر الذي يسمح لأحدهم أُماً كانت أم أب برمي مخلوق ضعيف ولا حول له ولاقوة و لا ذنب في العراء لمُجرَّد التخلَّص من عواقب خطأ أو نزوة كان من الممكن إصلاحها وجبر أضرارها إن إلتزمنا فيها الحكمة والشرعية والإ‘نسانية ، هو إنحدار يتوازى مع ما يعانيه المجتمع السوداني في عهد حكومة المؤتمر الوطني من فقر ومرض وجهل ، فالفقر هو آفة إجتماعية ينتشر بأمرها التفكك الإجتماعي والشذوذ السلوكي والإنحلال الأخلاقي والتمرُد خصوصاً من قبل الشباب على الفضائل والقيِّم وأحياناً الشرائع والقوانين والأديان ، فالحكومة الحالية بكل المقاييس وعبر الرجوع إلى كافة قراراتها وإتجاهاتها لا تستهدف بطاقاتها وإمكانياتها البناء المادي والنفسي للإنسان السوداني بل رفعت عنه دعمها الرمزي الذي كان سُنةً إلتزمتها حكومات سابقة وتركته يواجه صراعاته مع الحياة التي باتت تتعقَّد متتطلباتها البسيطة يوماً بعد يوم ، بعضهم يقول يسِّروا أمر الزواج ، ولكن هيهات فالأمر من وجهة نظر ليس مُجرَّد نزوة جنسية يمكن مجابهتها بالزواج ، ببساطة لأن المتزوجون أيضاً يزنون ، الأمر ينبع من مؤشرات مباشرة لما يعانيه هذا المجتمع الذي بات وبالأخص شبابه في حيرة من أمرهم حين يواجهون ذلك التناقض الماثل في خطاب دولتنا عن القيِّم والخلاق والمُثل ، وما ينتجه الواقع الفعلي من فساد و محسوبية و إنعدام العدالة في توزيع الفرص والثروات و(الآمال) و(اللآلام) ، ما يحدث في أمر تنامي ظاهرة إغتصاب الأطفال دون الخامسة ، وتزايد الأطفال مجهولي الهوية ، وإتساع دائرة تعاطي وترويج المخدرات وتنامي أعناق المثليين والمثليات عبر وسائط النشر الإلكتروني و(تحرُش الدبلوماسيين بالفتيات في المهاجر) ، يحتاج منا ومن الذين أسهموا بسياساتهم الجائرة في صناعة هذا الواقع البائس لوقفة (مصيرية) وليست (تأملية).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
هيثم الفضل
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست