ارتبطت هيبة الدولة وفاعليتها والتشدق بفرضها بحجم وكمية الدماء المسفوكة، والأموال المهدرة، والمنهوبة، والأعمال المعطلة، ومصالح الكبار المهددة، فكلما كان حجم الدمار أكبر، كثر الكلام عن فرض هيبة الدولة، ثم لا هيبة، ولا قانون منفذ في من يسفكون الدماء الآدمية التي حرمها الله الّا بالحق، خاصة في ولايات دارفور التي تعيش أوضاع مأساوية منذ العام 2003م... لكنها أمضى هيبة، واسرع في تنفيذاً للقانون على من هم دون، من السكارى، الزي الفاضح، وستات الشاي اللائي يتسوقن في شوارع المدن، وعلى سارقي المصاحف والأحذية من المساجد... والهيبة معدومة تماماً كإجراء استباقي للحيلولة دون وقوع الأحداث المنقصة لهيبة الدولة، كأن وقوع الأحداث من شأنه تعظيم فوائد المشتغلين في الحكومة، أو هي سياسة الأمر الواقع، وسيادة الأقوى. تفويت فرصة (31) يوماً بلياليها تمضي من مقتل خمسة من خيرة شباب منطقة داوس (15) كليو متراً شمال شرق مدينة كاس بولاية جنوب دارفور، تتراوح أعمارهم بين (17-35) سنة، رمياً بالرصاص غيلة، وبدم بارد في مزرعتهم، من قبل مجموعة متفلته من جيرانهم ابناء الحوطية معروفة لذوي القتلى، ولدى السلطات المحلية، لم تقبض الحكومة منهم سوى جريحين أثنين، من جملة تسعة متهمين تعرفهم بالاسماء، واداراتهم الأهلية صباح مساء في مكتب معتمد محلية كاس، فيم ذوي القتلى يكابدون الصبر، ويجترونه اجتراراً على هذه الحالة القاسية، من يوم وقوع الحادث في الثلاثين من يوليو الماضي، على أمل أن ينالوا حقهم بالقانون لا باليد، وتفويت فرصة الانفلات الأمني الشامل في المنطقة، وهي في قلب الخريف، الذي فيه معاش الناس، كل الناس بمحلية كاس، التي لا نشاط اقتصادي لها غير الزراعة والرعي. التساهل ما يؤسف له أن هناك بطءً في سير الإجراءات، إلى درجة التماهي، والتساهل مع الجناة والقبض عليهم، فحتى التحقيق نفسه لم يكتمل بعد لترفع القضية إلى المحكمة. قال عمدة منطقة داوس آدمو إدريس بخيت أن معتمد المحلية أبكر محمد شمّنا إبراهيم وعدهم، بمعالجة المشكلة جذرياً، ومعاقبة الجناه، إلا أنه اتاح فرصة للادارات الأهلية حول منطقة النزاع لتطبيق الأعراف الأهلية (جودية)، لمعالجة مشكلة قتل فيها خمسة اشخاص في ارضهم الزراعية، وبلا سبب، ولا حجة منطقية. وفي تقديري إنها بمثابة فرصة سماح للمجرمين لتلقيط الحجج. لم يتم القبض وكان عمدة داوس ربط قبول وساطة الادارات الأهلية بخمسة اشتراطات، منها إعادة ما تم نهبه، وقبض الجناة، وحسم موضوع الأرض الزراعية وفق الوقائع الماثلة وحقائق التاريخ، وتمكنت اللجنة تنفيذ بعض الشروط، باستثناء، شرطي القبض على كل المشاركين في الجريمة، والأرض الزراعة التي منعت المحلية مزاولة أي نشاط فيها، حتي معالجة المشكلة. بالتالي إن عمل لجنة الوساطة منقوص، ولا ندري ما فائدة حكومة الولاية، وحكومة المحلية إن لم تستطع معالجة مشكلة تقع بعلم وامام نظر المعتمد ولجنته الأمنية، ويتركها تتطاول؟!، فهل يريد ازهاق مزيد من الأرواح، واضرار مصالح الناس وتأتيه الأوامر من المركز؟! وأي تفسير نفسر الذي يحدث؟ ولكن هيهات...! ذهبت إلى داوس معزياً، في هؤلاء القتلى بدم بارد، ووقفت على جزء من الحقائق التي تبين وتشرح المشكلة، ومما علمت وعرفت توقعت أن تفرض الحكومة هيبتها، بياناً بالعمل، خاصة أن الجريمة ترتكتب في ظل اتجاه عام للحكومة الاتحادية جمع السلاح خارج الأجهزة النظامية، والاستعداد العسكري والأمني على أشده، ومنعت الفزع الأهلي، ولكن هيهات...!، ترك الأمر لمجموعات وأجاويد لا حول لهم ولا قوة، وحكومة المحلية تعرف تفاصيل تفاصيل الجريمة، كأنها تريد أن تدخل الجريمة النكراء في مساومات سياسية، أو تسويات وترضيات في صالح المعتدين، ونسأل الله أن ينصف الحق، ويرد كيد الكائدين. صناعةالموت نعيد هنا ما كتبته من قبل أن الحدث مدفوع بأيدي خفية وتحريض مبطن، ولم يكن مصادفة، كما يبدو، لأن هؤلاء المتفلتين ومناصريهم سبق لهم قتل شاب بمنزله بمنطقة داوس، وتم اطفاء المشكلة عن طريق الجوديات، ولم تنتهي آثار الجريمة ليعيدوها بأبشع منها قتل بالجملة، قتل خمسة اشخاص، وجرح اثنين. عملاً بشعار "إن أردت أن تحكم، فعليك أن تقتل" إنها صناعة الموت برعاية تجار الحرب الذين يزكونها ويجلبون لها الحطب، بالليل، ويصبحون من المصلحين... فأولئك وراء الشباب الطائش لارتكاب اعظم الجرائم لصالح آخرين ينتظرون ان يتكسبوا منها. فعليهم الآن التكفير عن اخطائهم، ومعالجة المشكلة القائمة، فالله يمهل، ولا يهمل. اطفاء النيران وذكر لي عبد الله اسحق جمعة أحد رموز الادارة الأهلية بمنطقة داوس، أن كل الخيارات باتت مفتوحة أمامهم، وأنهم فتحوا التعامل مع الجهات الرسمية والقانونية أو الأعراف الأهلية لمعالجة المشكلة. ولم تزل التحريات جارية، كما الجوديات تسير في مسارها، وموعودين بحلول ربما تطفي الفتن بالمنطقة بأثرها، أو المضي في الجانب القضائي. وأبدى أمله أن تتدخل رئاسة الجمهورية، ووزارة الداخلية، والجهاز القضائي، واستعجال الحسم بالحزم، واطفاء النيران في مهدها. ما الأحداث الكبيرة التي فقدت بموجبها الدولة الانفس والأموال إلا بسبب التساهل، والآهمال في الاطفاء الكامل للنيران، والذي يحدث في داوس نموذج آخر يجب التحسب له، وما النار الّا من مستصغر الشرر...!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أنور شمبال
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست