بصراحة علينا الإعتراف بأن الحُكم الشمولي الذي تُمثله منظومة المؤتمر الوطني في عصرنا الحزين هذا ، لا بُد وأن يتسِم ويتميَّز بما تحمله سمات هذا النوع من الأنظمة السياسية ، التي يأتي في مقدمتها عُلو وإستقواء مؤسساتها التنفيذية والسياسية وعدم تجاوبها مع آليات التقويم ومجريات الإجراءات التي (توحي) بأن الأمر المعني ربما قاد إلى مساءلة وجزاء ، والدليل على ذلك عدد المرات التي تم فيها إستدعاء عدد من الوزراء والنافذين في الحكومة لإستجوابات برلمانية كان أغلبها موجهاً لوزير المالية حول تجاوزات كثيرة لما تم إقراره من ضمانات وموجِّهات متعلِّقة بحياة المواطن وضرورياته ، ولكنها كالعادة كانت مجرد (إجراء مؤسسي) لا يتم الإعتداد به ولا يؤخذ بموجهاته ، ثم كان آخرها مرفوع لوزيرة الشئون الإجتماعية مشاعر الدولَّب حول تلف ذرة لسوء التخزين تابعة لديوان الزكاة بالقضارف ، ولكن ما يهمنا في أمر الإستجوابات البرلمانية المُتكرِّرة هو كونها إصبحت شكلية ومجرد (إكسسوارات) يُجمِّل بها البرلمان ونوابه أداءهم الضعيف تجاه تحقيق المصلحة العامة والإنحياز لصالح القواعد الجماهيرية التي دفعت بهم إلى قُبة المجلس (مجازاً) ، ليقفوا خصوماً للسلطة التنفيذية والحكومة بإسم المواطن كلما إنحرّفت دفة توجيه الموارد أو تبيَّنت سوءة الأداء الإداري والفني والخدمي ، أو تجاوزت القرارات والتوجهات مُستهدفات المصلحة الوطنية وحقوق المواطنين المشروعة ، لكن ما من أحد في هذا المجلس الذي على يبدو أنه يعاني مثلنا نحن العوام من وجعة المغلوب على أمره ، يبحث في أمر فعالية ما يقوم به بعض النواب من إستجوابات وإجراءات رقابية وتقويمية لحركة أداء الحكومة ، والنظر فيما بعد الإستجواب ما إذا كان الأمر قد تم تعديله وتوجيهه نحو أهدافه ومآلاته الصحيحة ، فإستقواء الحكومة الحالية بإنفرادها بمقاليد الأمور ، وخلو الساحة البرلمانية من معارضة حقيقية تتميَّز بما تتميَّز به سائر المؤسسات المعارضة من دوافع لكشف المستور من الإخفاقات والتجاوزات ، ومن ثم الإصرار على إقرار مبدأ المساءلة والإستجواب وإعمال دور القضاء ثم المحاسبة والجزاء ، كان سبباً أساسياً في كل ما تعانيه حالة الأداء العام للحكومة من سوءات وتدهوَّر متواتر ، وبما أن الحُلم السرمدي المتعلِّق بنهوض نظام ديموقراطي وحقيقي وعادل في السودان على ما يبدو بعيد المنال على الأقل في المدى القريب ، لا أرى سبيلاً واقعياً وفاعلاً في معالجة أمر توجيه وتقويم أداء الحكومة ومؤسساتها التنفيذية ، غير إنشاء و تفعيل آليات تنبع من المركز القيادي لحزب المؤتمر الوطني هذا إذا إفترضنا من حيث المبدأ إيمانها بضرورة التقويم والمحاسبة ، وذلك حتى نكون (واقعيين) و(مقتنعين) بأن هذه الدولة هي دولة الحزب الأوحد والمعارضة الموالية والبرلمان الحكومي النزعة والهوى يعني ثلاثة في واحد (قوة ثلاثية للإبادة) .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة