التحليل الفاعلي والأدب نحو نظرية للنقد الأدبي بقلم الشيخ محمد الشيخ

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 04:44 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-08-2017, 03:35 PM

الشيخ محمد الشيخ
<aالشيخ محمد الشيخ
تاريخ التسجيل: 07-07-2017
مجموع المشاركات: 3

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
التحليل الفاعلي والأدب نحو نظرية للنقد الأدبي بقلم الشيخ محمد الشيخ

    02:35 PM July, 08 2017

    سودانيز اون لاين
    الشيخ محمد الشيخ-Sudan
    مكتبتى
    رابط مختصر



    - مقدمة
    - مشكلات نظرية الأدب
    - الأدب في ضوء التحليل الفاعلي
    - نحو نظرية للنقد الأدبي
    - مقاربة موسم الهجرة إلى الشمال
    - خاتمة.

    مقدمة:
    في يوليو 1989م صدرت لي كراسة "الإنسان والتحليل الفاعلى – تحليل الشخصية السودانية من خلال موسم الهجرة إلى الشمال وعرس الزين " عن دار الوعد ، الخرطوم . اشتملت الكراسة ، وكانت من الحجم الصغير ، على تعريف مختصر لنظرية التحليل الفاعلي. إذ تعني الفاعلية الإبداع والإيثار، بينما التحليل الفاعلي منهج يعنى بالكشف عن فاعلية الأفراد والمجتمعات والنصوص. لم يكن الهدف آنئذ النقد الأدبي بقدر ما كانت محاولة لتوضيح قدرات وأهمية النظرية الجديدة وما تنجم عنها من منهجية ، عكفت على تطويرها سنوات عديدة . وجد التحليل الفاعلي اهتماماَ في أروقة جامعة الخرطوم ، خاصة قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب حيث كان تدرس بعض أعمال الطيب صالح في إطار مقرر الأدب . ثم سافرت إلى ليبيا ، 1993م ، لتدريس الرياضيات في إحدى جامعاتها ، بحكم التخصص ، وفى أوقات الفراغ واصلت تطوير التحليل الفاعلي حتى صدر لي كتاب " التحليل الفاعلى – نحو نظـرية حول الإنسان " [1]عن مركز الدراسات السود انية ، القاهرة ، 2000م ، ثم صدرت نسخة أخرى لنفس الكتاب عن د ائرة الثقافة والإعلام بالشارقة ، 2001م
    وفي 2002 م فرغت من هذه الدراسة التي تعنى بوضع نظرية جديدة للنقد الأدبي استناداً لمنهج التحليل الفاعلي، ثم مقاربة روايتي موسم الهجرة إالى الشمال وعرس الزين[16, 17] للروائي المبدع الطيب صالح في ضوء النظرية الجديدة. على الرغم من أن الدراسة ظلت مخطوطة طوال هذه الفترة، اربع عشرة سنة، لم تر النور ولم تجد طريقها إلى النشر، إلًا أنه نتيجة لما كنت أقدمه من محاضرات حول التحليل الفاعلي في المنتدى الثقافي لجامعة التحدي علاوة على ما نشر لي من مقالات حول التحليل الفاعلي، بدأ ينمو الإهتمام بالتحليل الفاعلي. يرجع الفضل للأستاذ عبد الرؤوف بابكر السيد، الشاعر والأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة التحدي، سرت، ليبيا. فقد أخذ على عاتقه تدريس التحليل الفاعلي والأدب ضمن مناهج النقد الأدبي المعاصر. ثم استصدر كتاب " النص الأدبي – الاستلاب والفاعلية "، منشورات جامعة التحدي، سرت، ليبيا، 2007، طور من خلاله التحليل الفاعلي مقارباً القصيدة بينما اقتصرت تطبيقاتي السابقة على مقاربة الرواية. كما نشط طلاب الدراسات العليا في استخدام التحليل الفاعلي في رسائل الماجستير، ثم الدكتوراه. حصل أربعة طلاب على الماجستير بقسمي الفلسفة واللغة العربية، وتحصلت طالبة على الدكتوراه من جامعة الفاتح، طرابلس، ليبيا، 2009. وكان موضوع البحث " شعر الرفض والتمرد- أمل دنقل وعبد الرؤوف بابكر نموذجاً – دراسة في ضوء منهج التحليل الفاعلي".
    مشكلات نظرية الأدب:
    كان لكتابي : "المرايا المحدبة " و" المرايا المقعرة" للدكتور عبد العزيز حمود ة [3,4] و " في معرفة النص " للدكتورة يمنى العيد [5]، حوالي عام 1998م ، بعد أن فرغت من كتاب " التحليل الفاعلى – نحـو نظرية حول الإنسان " ، علاوة على بعض المصادر الأخرى ، دوراَ أساسياَ في ترقية و عيى بطبيعة المشكلة التى تعانى منها نظرية الأدب ، ومن ثم نظرية النقـد الأدبي المعاصرة .
    اتضح لي أن نظرية الأدب تعانى من مشكلات تتعلق بهوية النص الأدبي ومعـنى النص الأدبي [15] . أدت هذه المشكلات إلى تشظى نظريات الأدب منذ القدم . إذ لم يكن ممكناَ الكشف عن الهوية الخلاقة للنص الأدبي " فاعليته " في بنية الثقافة الغربية الكلاسيكـية " اليونانية" ، كما لم يكن ممكناَ الكشف عنها في بنية الثقافة العربية الكلاسيكية ، لذا سادت في الثقافتين نظرية المحاكاة التى قال بها أر سطو ببعض التحويرات هنا وهناك . يتمثل فحوى النظرية في أن الأدب لا يحاكى ما هو كائن ، بل ما قد يكون وفقاً لقانون الاحتمال [6}. وبصعود نجم الثقافة الغربية جاءت نظرية التعبير " الرومانسية " لتؤكد دور المبدع على حساب الواقع ، إلّا أنها في حقيقة الأمر واصلت عملية اختزال النص الأدبي إلى مركز إحالة خارجي ، هو ذات الفنان، مشاعره وانفعالاته الداخلية . اصبح الأدب يعبر عن العالم الداخلي للفنان ، بعد أن كان يعكس الواقع الخارجي في نظرية المحاكاة [7]. هكذا ظلت مشكلة هوية النص الخلاقة " فاعليته" معلقة حتى أن جاء القرن العشرون . وفى القرن العشرين نشب الصراع حول الكيفية التى تتحقق بها " أدبية" النص الأدبي " هويته " أو "فاعليته" ، هل يتأتى ذلك من خلال فتح النص أم من خلال إغلاقه ؟
    قال البنيويون بضرورة إغلاق النص ، ذلك أن من أهم خصائص البنية هو تنظيمها الذاتي لنفسها ، الأمر الذي يحقق لها ضرباً من الاستقلال الذاتي وضرباً من الانغلاق الذاتي . بيد أن هذا الانغلاق حصر البنيويين في دراسة المستويات النحوية والإيقاعية والأسلوبية للأثر الأدبي مهملين بذلك أو مهمشين دلالة النص [4,8]. أدى إهمال التحليل البنيوي لدلالة النص إلى الإطاحة بمقوم أساسي من مقومات الهوية الخلاقة للنص الأدبي " فاعليته أو أدبيته " ، الأمر الذي حدا بالتفكيكيين إلى تعويم الدوال بغية تحقيق الدلالة ، غير أن تعويم الدوال أدى بدوره إلى تحقيق دلالة لانهائية ، "أصبحت كل قراءة إساءة قراءة" ، من ثم تمت الإطاحة باستقلالية النص وسلطته و جعله خاضعاً لأهواء القارئ ، وفى هذا أيضا إطاحة بركن آ خر من مقومات هوية النص [9,10, 11,12]. إن محاولة فتح النص كان ذلك من خلال نظرية الانعكاس أو البنيوية التوليدية يؤدى في الحالتين إلى اختزال النص إلى مركز إحالة خارجي ومن ثم يؤدى إلى استباحة النص وضياع هويته [3].
    عمقت هذه المشكلات والتطورات في النظرية الأدبية المعاصرة التشظى في بنية الثقافة العربية ، ذلك أن العالم العربي يعيش توتراً حاداً منذ قرنين بين أنصار المعاصرة وانصار التراث أو الأصالة . يدعو أنصار المعاصرة إلى ضرورة تمثل الآخر القوى "الغرب" استمداداً لعناصر المنعة ، بغية تجاوز الهزيمة الحضارية والتخلف ، ويرى أنصار الأصالة ضرورة انطلاق النهضة من التراث حفاظاً للذات من استباحة الآخر وتجاوزاً للهزيمة الحضارية . انعكس هذا الصراع على نظرية الأدب ، تبنى الحداثيون النظريات الأدبية المعاصرة بغضها وقضيضها محاولين تدجينها دون استحداث حلول لما يعتريها من أوجه قصور . أما أنصار الأصالة فقد هرعوا إلى التراث بغية استلهامه في تطوير نظرية أدبية ونقدية معاصرة ، ولكن مع الأسف بلا جدوى [4].
    يرجع السبب ، في حقيقة الأمر، إلى ارتباط هذه المشكلات وتعلقها بطبيعة ونوعية التحولات المعرفية التى طرأت على فضاء الثقافة الغربية ، بحكم أن معظم نظريات الأدب تنتمي إلى هـذا الفضاء . " إن تحرك الفكر الفلسفي المستمر بـين محوري اليقين والشك ، بين المحاولة المستميتة من جانب الواقعيين لإيجاد مركز بنائي ثابت ترتكز عليه دعائم الوجود وهو ما يسميه الفلاسفة بالجوهر والوجود والكينونة والوعى والحقيقة والله والإنسان وبين الشك في وجود هذا المركز الثابت في المقام الأول هذا التذبذب المستمر هو الذي يخلق الثنائية المتعارضة للمحسوس وغير المحسوس ، للحقيقة والوهـم ، للخارج والداخل ، للموضوع والذات ، وهى ثنائية قلنا من قبل إنها المدخل الأساسي والتفسير الوحيد للتفاوت بين المدارس النقدية واللغوية حول وظيفة الأدب وطبيعة المعنى ووظيفة اللغة " [3].
    الأدب في ضوء التحليل الفاعلي
    لذا فقد كان واضحاَ بالنسبة لي – من خلال التحليل الفاعلي – [1,2]أن مأزق نظرية الأدب يرتبط أوثق رباط بمأزق بنية الثقافة الغربية . حيث ظلت هذه البنية منذ عهد د يكارت وحتى يومنا هذا تدور في حلقة مغلقة قرن بعد قرن ، تعيد إنتاج نفس الأسئلة ، محصورة في ثلاث رؤى أو خيارات :
    أ – فلسفات مادية
    ب – فلسفات مثالية
    ت – فلسفات شك وارتياب
    لم يكن ممكناَ الخروج من هذا المأزق أو الحلقة المغلقة في فضاء الثقافة الغربية . آلت جميع محاولات تجاوز ثنائية المادي - المثالي إلى الفشل ومن ثم تم الاستقطاب ضمن أحد طرفي الثنائية . نجم هـذا المأزق من سيادة بداهية لامفكر فيها في فضاء الثقافة الغربية مؤداها أن العقل البشرى يتكون من بنية واحدة، علاوة على سيادة مبدأ الهوية حيث القضية إما صادقة أو كاذبة . جعلت هذه البديهية من العسير تجاوز مأزق بنية الثقافة الغربية ، جعلت من العسير البرهنة على أن ا لمادي و المثالي يرتبطان بعضهما البعض ويستقلان نسبياً عن بعضهما البعض وفقاً لشروط ابتناء الفاعلية، أي يتتامان ، و جعلت من العسير بلورة نظرية عامة ، متماسكة ومنتجة حول الإنسان تشكل منطلقاَ أو قاعدة ترتكز عليها نظرية الأدب . ذلك أن هوية الأدب كنشاط خلاق يجب أن ترتبط بمفهومنا حول هوية الإنسان .
    تنبع أهمية التحليل الفاعلي من كونه يمهد السبيل لتجاوز هذه المشكلات، انطلاقاَ من ا لمسلمات الآتية :
    1 - مبدأ التتام عوضاً عن مبدأ الهوية.
    11 – مفهوم الفاعلية عوضا عن مفهوم المادة.
    بناء على مبدأ التتام تتحقق هوية الظاهرة من خلال تكامل الأضداد ولكن ليس آنياً. على سبيل المثال لشروط الحياة المادية فعاليتها السببية التي تحكم الوعي، كما للوعي فعاليته السببية التي تحكم المادة، لكن ليس آنياً، بمعنى وفقاً لنمو فاعلية الوعي. عند تدني الفاعلية يكون الوعي انعكاساً لشروط الحياة المادية، أما عندما ترتقي الفاعلية يتجلى الدور التأ سيسي للوعي. هذا يعني أن كلاً من المادية والمثالية حاكمت الوعي أو العقل على نحو مطلق مستقلاً عن الفاعلية، إذ جعلت منه المادية انعكاساً للوجود، وجعلت منه المثالية مصدراً للوجود.
    سبق أن عرفنا الفاعلية بأنها القدرة على الإنتاج والإثراء الشامل للحياة، على وجه التحديد تعني الفاعلية الإبداع والإيثار[1,2]. يتحقق الإنتاج والإثراء الشامل للحياة ( الفاعلية ) بيولوجياً من خلال تطور الشعبة ( تاريخ النوع ) . وتجسدت هذه الخاصية ( أو المبدأ ) ، من خلال تطور النوع البشرى على مستوى تاريخ الفرد، اصبح الإنسان ناتج فاعلية ومنتج فاعلية . بناء عليه تخضع الطبيعة الإنسانية لمبدأ زيادة الفاعلية كما تخضع لمبدأ زيادة الكفاءة التناسلية – Reproductive fitness. يسمح مفهوم الفاعلية – في هذا الإطار - بانبثاق بنيات العقل التى تنتج وتثرى الحياة الإنسانية وفقاَ لخصائصها التكوينية وبرامج عطائها . يقصد ببنية العقل النسق أو النواة التوليدية للوعى التى تحدد فكرة الإ نسان عن نفسه ومنحى استجابته وتفاعله مع العالم . والبنيات هي :
    - بنية عقل تناسلي : يعي الإنسان ،من خلالها ، ذ اته ككائن ( جنسي) وظيفته ودوره في الحياة التناسل .
    - بنية عقل برجوازي : يعي الإنسان ، من خلالها ، ذاته ككائن ( اقتصادي ) وظيفته ودوره في الحياة إنتاج واستحواذ الخيرات المادية.
    - بنية عقل خلاق : يعي الإنسان ، من خلالها ، ذ اته ككائن خلاق نشط وظيفته ودوره في الحياة الحب والإبداع والعطاء الشامل .
    كل فرد من أفراد المجتمع يحتاز البنيات الثلاث ، لكن أن تسود وتسيطر أحد البنيات، بمعنى أن تستدمجها غالبية أفراد المجتمع ، فذلك يعتمد على البنية الأكثر والأسرع جاهزية تصدياَ للتحديات الاجتماعية والحضارية الكائنة . كل بنية من هذه البنيات تتحلى بخصائص تتعلق بالنمو والتشكل ، وتتحلى بآليات برمجة لأفراد المجتمع وفقاً لخصائصها التكوينية ( النفسية والفكرية والأخلاقية .. ) .تتحلى كل بنية بمرجعية قيمية ومعرفية ومفهوم للذات يحفز تحقيق مشروعها، كما تتحلى بآليات ضبط وسيطرة تحقيقاً لمهامها وأغراضها . تتنازع البنيات السيطرة إذا فشلت البنية السائدة في التصدي للتحديات ، وتتآزر البنيات إذا نجحت البنية السائدة أو الرائدة في التصدي للتحديات القائمة . يتمخض عن هذا النسيج لديناميكا واستاتيكا بنيات العقل ما يمكن تعريفه بعلاقات الفاعلية .
    بناءً عليه يمكن تعريف التحليل الفاعلي بأنه منهج يعنى بعلاقات الفاعلية : يعنى بالبحث في ديناميات نمو وتفاعل بنيات العقل من خلال الاستجابة لتحديات الوجود الاجتماعي والحضاري، كما يعنى بكشف آليات الخطاب وتراكبه من خلال انبناء الفاعلية [1,2]
    يشكل حراك بنيات العقل ما يعرف بفضاء الفاعلية : فضاء بيولوجي-نفسي - اجتماعي - تأريخي تنشأ فيه ظاهرات الفاعلية : الإبداع ، تطور المعرفة ، الاغتراب ، حركة التاريخ ... الخ . وهو فضاء واقعي . من ناحية أخرى يؤدي تماهي بنية العقل مع بنية اللغة إلى إمكانية تشكل فضاء فاعلية رمزي أو تخيلي ، بحكم رمزية اللغة . يترتب على ذلك انتماء الأدب إلى فضاء الفاعلية التخيلي ، الأمر الذي يجعل من النص الأدبي بنية فاعلية لغوية ، أي بنية فاعلية تخيلية أو رمزية .
    نحو نظرية للنقد الأدبي
    هذه النظرة إلى طبيعة الأدب ، كونه بنية فاعلية لغوية تنتمي إلى فضاء تخيلي ، تسمح بتجاوز واختراق المشكلات المتعلقة بهوية النص الأدبي ومعناه . تسمح بتجاوز الاستقطاب بين وجهة النظر التى تختزل النص الأدبي إلى معنى الحضور في العالم ( التحليل النفسي للأدب ، التحليل الاجتماعي للأدب ، التحليل الأيدلوجي للأدب …... الخ ) فتجعل من الواقع ا لمعاش مرجعاً لتفسير النص ، ووجهة النظر التى تفرغ النص من معنى الحضور في العالم ( بنيوية ، سيميائية ، تفكيك …. . . الخ ) فتكون دراسة النص في نظرها مجرد بحث في طبيعة اللغة . ذلك إننا سوف نجد أن النظام اللغوي الداخلي للنص الأدبي هو في نفس الوقت نظام لعلاقات الفاعلية[13,14] . وهى علاقات فاعلية ليست بالضرورة انعكاساً للواقع . بناءَ عليه تتحقق أدبية النص الأدبي بوصفها ناتج علاقة الاستخدام الفني للغة وعلاقات الفاعلية. يقصد بعلاقات الفاعلية : -
    • تنازر بنيات العقل أو الوعي ، أى تآزرها أو تنازعها .
    • نمو الفاعلية : الاستقلال الذاتي ، الانفلات من بنية العقل السائدة ، الدفاع عن المشروع . . . الخ .
    • التنوع والاختلاف : التنوع والاختلاف نتاج للفاعلية ، وهما مصدرها . لذا فإننا حينما نقارب النص الأدبي ، الرواية على سبيل المثال ، لن نسعى إلى إرجاع النص إلى مركز إحالة خارجي : نفسي ، اجتماعي ، آيديلوجى . . . . الخ ، بل ينصب البحث في الكشف عن نسيج علاقات الفاعلية د اخل النص . وهذا يغنى عن البحث عن مركز إحالة خارجي لأن علاقات الفاعلية بطبيعة الحال ذ ات أبعاد نفسية ، اجتماعية، أيديولوجية ... الخ ، بيد أنها أبعاد تحكمها تبلوجيا فضاء تخيلي للفاعلية . هذا يعنى أن الأدب مستقل عن عالم الحياة الواقعية من ناحية ويرتبط بهذا العالم ، من ناحية أخرى ، من خلال الفاعلية - كون أن الفضائين فضاء ان للفاعلية . يترتب على ذلك أن النص الأدبي لا يصدر معنى محد د ـ وليس هو مطالب بذلك ـ بقدر ما يصدر فاعلية ، وهى فاعلية تتحقق أكثر ما تتحقق من خلال تعدد وتنوع التشكيلات الدلالية ، من خلال تعدد وتنوع الشحن العاطفية ومن خلال تعدد وتنوع القراء ات . يقصد بعلاقات الفاعلية – في حالة الرواية – البحث في :
    • فاعلية بنية الحدث : تعدد وتنوع تنازر بنيات الوعي .
    • فاعلية بنية الشخصية : آلية نمو الفاعلية .
    • فاعلية بنية السرد : تعدد وتنوع أنماط التبئير والأصوات ، وفى العموم تفعيل البيئة الداخلية للنص بما تحتوى من علاقات زمان ومكان وسببية . . . الخ .

    شكلت هذه المقدمات أرضية لنظريتنا في الأدب ، التي ارتكزت على :
    1- النص الأدبي بنية فاعلية لغوية ( تخيلية ) ، بمعنى أن النظام اللغوي الداخلى للنص الأدبي هو في نفس الوقت نظام لعلاقات الفاعلية وتنازر انظمة الوعي.
    2- نظام النص الأدبي هو ناتج علاقة الاستخدام الفنى للغة وعلاقات الفاعلية
    3- أدبية النص الأدبي هي الصياغة الفنية لعلاقات الفاعلية على النحو الذي يفجر فاعلية النص ، ويجعل منه فضاء تنوع واختلاف .
    4- النص الأدبي يصدر فاعلية ولا يصدر معنى محدد .
    5- يستقل النص الأدبي عن الواقع بحكم استقلال الفضاء التخيلي عن الفضاء الواقعي ، ويرتبط بالواقع بحكم أن الفضاء ين فضاءان للفاعلية .
    6- تتحقق إبداعية المؤلف من خلال احتيازه بنية عقل خلاق ، وفقاً لآلية نمو الفاعلية .
    7- تنشأ إبداعية القارئ من خلال تفجيره فاعلية النص .
    تسمح المرتكزات آنفة الذكر بمنهجية في قراءة النصوص . نجد في حالة الرواية نهوض البناء الدرامي للنص انطلاقاً من فاعلية بنية الحدث، حيث يمهد تناقض انظمة الوعي وما تنطوي عليه من عقد ومشكلات السبيل لنمو وتشكل بنية الشخصية وبنية السرد تحقيقاً لمشروع بنية الحدث. عندئذ تخلق الرواية عالمها الخاص الذي يتلألأ بشفرة فاعليتها، يترتب على ذلك النظر إلى الرواية باعتبارها مشروعاً لخلق عالم للفاعلية. نأخذ على سبيل المثال:
    موسم الهجرة الى الشمال .[16]
    أذا كانت الرواية تعنى بخلق عالم للفاعلية، يصبح السؤال المركزي: انطلاقاً من بنية الحدث كيف يتسنى للبناء الدرامي تشكيل مشروعاً وعالماً من نسيج علاقات الفاعلية؟ عالم ينطوي على تعدد وتنوع علاقات الفاعلية في النص، وما يترتب على ذلك من تعدد القراءات؟ هذا يعني ضرورة أن ينطوي المشروع على شفرة مولدة لنسيج علاقات الفاعلية، في غياب استكناه هذه الشفرة تؤول المقاربة إلى معالجة ثيمات منفرة معزولة السياقات، وأحياناً مجرد جمعها حسابياً، فتكون النتيجة افقار النص الروائي ونزع حيويته.
    تتمثل مرتكزات بنية الحدث في موسم الهجرة إلى الشمال:
    !- سيادة بنية العقل التناسلي .
    !!- الإحساس بمرارة الهزيمة الحضارية والقهر الاستعماري .
    !!!- مشروع بنية الحدث وهو مشروع الرواية (المهمة التي ينبغي انجازها أو المشكلة التي ينبغي حلها):
    ضرورة الثأر والحاق الهزيمة بالمستعمر(بنية العقل البرجوازي). مع ملاحظة أنه في إطار المنظومة القيمية للوعي التناسلي (بنية وعي مصطفى سعيد) تتمثل قمة الانتصار في الانتصار الجنسي وقمة الهزيمة في الهزيمة الجنسية. إذن سوف يلحق مصطفى سعيد العار والهزيمة بالمستعمر وفقاً للخصائص التكوينية لبنية عقله التناسلي. علماً أن الاقتصاد والثروة هما من يلعب دوراً محورياً في منظومة القيم البرجوازية وليس الجنس. هنا تكمن مأساة مصطفى سعيد في حين أنه ظن أنه الحق العار والهزيمة بالمستعمر في عقر داره (جئتكم غازياً) اتضح له من رد فعل بنية العقل البرجوازي أن تصرفاته كانت مجرد تصرفات رجل مغامر أخرق متخلف، وهي لا تقلل من قيمة الفتيات اللواتي استباحهن ولا قيمة مجتمعهن. كان يبحث عن قمة الانتصار إذا به يجني قمة الهزيمة. هذا يعني أن شفرة موسم الهجرة إلى الشمال تكمن في طبيعة التناقض بين الوعي التناسلي والوعي البرجوازي، وهو الخيط الناظم لمجمل الثيمات المنبثقة من الأسئلة المحورية للرواية، على سبيل المثال:
    ا- لماذا تأزم مصطفى سعيد وأضطر للإنتحار على الرغم من أنه عاش حياة رجل تقي وخير في ود حامد؟
    2- لماذا تأزم الراوي وكاد أن ينتحر؟
    3- لماذا وجد مصطفى سعيد رغم ما ارتكب من جرائم تعاطفاً من الجمهور البريطاني؟
    أضف إلى ذلك ما أورده هاشم ميرغني [18]نقلاً عن رجاء نعمة:
    4- " لماذا اختار مصطفى سعيد، وبشكل ثابت ومتكرر، شخصيات أنثوية يصب عليها حقده التاريخي، ألم يكن من الطبيعي أن يوقع هذا الحقد على شخصيات ذكورية تكون امتداداً للغازي كتشنر، وممثلة حقيقية للسلطة الاستعمارية كما هو واقع الحال؟ ألا يوحي هذا أن له مع المرأة مشكلة أخرى لا بد من البحث عن جذورها؟
    5- لماذا ظل صوت جين مورس يناديه ثلاثين سنة بعد قتلها، ولماذا فقدت الحياة طعمها "بسبب طعم هذه الليلة الذي ظل يمنعه من أي مذاق آخر؟"
    6- لماذا تعامل مصطفى سعيد مع النساء كطفل مدلل إلا في علاقته مع جين مورس التي قتلها؟"
    تمت مقاربة موسم الهجرة والتصدي لهذه الأسئلة في الرابط التالي:
    http://www.sudan-forall.org/sections/kitabat_naqdiya/pages/Elsheikh-Mohamed-Elsheikh_Mawsim-Elhijra.pdfhttp://www.sudan-forall.org/sections/kitabat_naqdiya/pages/Elsheikh-Mohamed-Elsheikh_Mawsim-Elhijra.pdf
    خاتمة:
    أدت ثنائية المادي المثالي، ورد الفعل عليها من فلسفات الشك، إلى استقطاب نظرية الأدب بين وجهة النظر التى تختزل النص الأدبي إلى معنى الحضور في العالم ( التحليل النفسي للأدب ، التحليل الاجتماعي للأدب ، التحليل الأيدلوجي للأدب …... الخ ) فتجعل من الواقع ا لمعاش مرجعاً لتفسير النص ، ووجهة النظر التى تفرغ النص من معنى الحضور في العالم ( بنيوية ، سيميائية ، تفكيك …. . . الخ ) فتكون دراسة النص في نظرها مجرد بحث في طبيعة اللغة. في الحالتين كانت النتيجة ضياع الهوية الخلاقة للنص الأدبي، أي فاعليته. كشف التحليل الفاعلي أن علاقة الوعي بالوجود لا تستقل عما ينطوي عليه الوعي من فاعلية، في ضوء ما يحتوي الوعي من فاعلية يتحدد دوره كانعكاس لمعطى أو استباق للممكن. هذا يعني أن ثنائية المادي المثالي نشأت نتيجة لمحاكمة الوعي بمعزل عن الفاعلية. نسبة لتماهي بنية العقل كبنية للفاعلية مع بنية اللغة من حيث امكانية توليد الدلالة، يمكن النظر إلى الأدب بوصفه بنية فاعلية لغوية، أي تنتمي لفضاء تخيلي.
    هذه النظرة إلى طبيعة الأدب ، كونه بنية فاعلية لغوية تسمح بتجاوز الاستقطاب آنف الذكر ذلك إننا سوف نجد أن النظام اللغوي الداخلي للنص الأدبي هو في نفس الوقت نظام لعلاقات الفاعلية.
    . يقصد بعلاقات الفاعلية – في حالة الرواية – البحث في :
    • فاعلية بنية الحدث : تعدد وتنوع تنازر بنيات الوعي .
    • فاعلية بنية الشخصية : آلية نمو الفاعلية، الانفلات من بنية العقل السائدة بمشروع والدفاع عن المشروع .
    • فاعلية بنية السرد : تعدد وتنوع أنماط التبئير والأصوات ، وفى العموم تفعيل البيئة الداخلية للنص بما تحتوى من علاقات زمان ومكان وسببية . . . الخ .
    تسمح المرتكزات آنفة الذكر بمنهجية في قراءة النصوص. نجد في حالة الرواية نهوض البناء الدرامي للنص انطلاقاً من فاعلية بنية الحدث، حيث يمهد تناقض انظمة الوعي وما تنطوي عليه من عقد ومشكلات السبيل لنمو وتشكل بنية الشخصية وبنية السرد تحقيقاً لمشروع الرواية. عندئذ تخلق الرواية عالمها الخاص الذي يتلألأ بشفرتها وما تنطوي عليه من نسيج علاقات الفاعلية.

    شكر وعرفان :
    أشكر الأستاذ عبد الرؤوف بابكر السيد – الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية ، جامعة التحدي – على مساهماته في إثراء التحليل الفاعلي ، أخص بالذكر مؤلفه " النص الأدبي – الفاعلية والاستلاب " منشورات جامعة التحدي، سرت، ليبيا، 2007، حيث استخدم المنهجية الجديدة في مقاربة القصيدة. كما أشكر الدكتورة هدى العبيدي على ما قدمته للتحليل الفاعلي من أبحاث رائدة.

    المراجع :
    1 – الشيخ محمد الشيخ ، التحليل الفاعلى – نحو نظرية حول الإنسان ، مركز الدراسات السودانية ، القاهرة ، 2000م.
    2- الشيخ محمد الشيخ التحليل الفاعلي وتحديات النهضة. دار مدارات، الخرطوم، 2011
    3 ـ عبد العزيز حمودة ، المرايا المحدبة ( من البنيوية إلى التفكيك ) ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد 232، أبريل 1998 م ، الكويت ..
    4 – عبد العزيز حمودة ، المرايا المقعرة ، نحو نظرية نقدية عربية ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد 272 ، أغسطس 2001م ، الكويت ..
    5 ـ يمنى العيد ، في معرفة النص ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، 1985 م .
    6- أنظر: السعيد الورقى ، في الأدب والنقد الأدبي ، دار المعرفة الجامعية ، الإسكندرية ، 1989 م.
    7- ـ بابكر على ديومة ، فى النقد الأدبي الفرنسي المعاصر ، جامعة سبها ، ليبيا ، 1996 م .
    8- عبد الله محمد القذامى ، الخطيئة والتكفير، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ،1998 م
    ـ9 - جابر عصفور ، نظريات معاصرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1998 م.
    10 - صلاح فضل ، مناهج النقد المعاصر ، دار الآفاق العربية ،1997 م.
    11 ـ جون ستروك ، البنيوية وما بعدها ، ترجمة د. محمد عصفور ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد 206 ، 1996 م ، الكويت.
    12- جاك دريدا، الكتابة و االاختلاف ، ترجمة: كاظم جهاد. دار توبقال للنشر، ط 2000
    3 1- سيد البحراوى ، علم اجتماع الأدب ، الشركة المصرية العالمية للنشر ـ لنجمان ، 1992 ، القاهرة .
    14 ـ ديفيد بشبندر ، نظرية الأدب المعاصر ، ترجمة عبد المقصود عبد الكريم ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1996 م .
    -15 وليم راى ، المعنى الأدبي ، دار المأمون ، 1987م ، بغداد .
    - الطيب صالح ، موسم الهجرة إلى الشمال ، دار العودة ، بيروت ، 1969م .16
    - الطيب صالح ، عرس الزين ، دار العودة ، بيروت ، لبنان ، 1970م .17
    18- هاشم ميرغني. الطيب صالح واشكاليات الخطاب النقدي، مجلة العلوم الإنسانية، مايو 2012
























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de