(من أفدح عبارات الشيوعيين التي علّقت على خروجي منهم (أو عليهم) في 1978 أنه كان لا ينبغي أن يسمح الحزب لي بالاختفاء تحت الأرض لأنني مثقف "يجرح النسيم خدوده". ثم صارت هذه العبارة عن "ليونة" المثقف المختفي ديدن الحزب. فوصموا بها الحاج وراق كما فصّلت في رسالتي للمؤتمر السادس. وأنشر هنا بعض ذكرياتي تحت الأرض من زاوية أخرى من خلال رصدي لحلم مزعج كئيب من أيام "الدسوسية" ظل يلاحقني إلى يومنا. وتركيبة الحلم هي شبه انكشاف لمخبأي القميء المتواضع في ملابسات سريالية. وعكر هذه الحلم صفو نومي. أصحو به منقبضاً كسير الخاطر. وبدا لي أن هذا الحلم المداوم هو رضوض من ذلك الاختفاء الأعوج المعطون في الشفقة على من أحسنوا إلى شخصي بالمأوى حين عز حتى على حزبي حباً وكرامة. فكنت مختفياً على "النفقة الخاصة" لم يوفر لي الحزب مكمناً طوال هذه السنوات سوى مرة واحدة. وكان العذر أنني مثقف واسع الصلات بوسعه الامتحان من منازلهم . . . وبنجاح. وقررت منذ 2006 أن أدون ذلك الحلم وتنويعاته بعد كل ليلة يطوف بي ما وسعني. وهذه الحصيلة حتى تاريخه. تلاشي هذا الحلم من راداري لزمن واستبدلته بما هو أشق وأقسى. وبدا لي أن هذا الحلم المداوم هو رضوض من ذلك الاختفاء الأعوج المعطون في الشفقة على من أحسنوا إلى شخصي بالمأوى حين عز حتى على حزبي حباً وكرامة. وقررت منذ سنة أو نحوها أن أدون ذلك الحلم وتنويعاته بعد كل ليلة يطوف بي ما وسعني. وهذه الحصيلة حتى تاريخه. -10-2007 كنت أقيم في الحلم مع صديقي نور الهدي محمد نور الهدي في ديوانه وأنا في حالة تكرر ورودها، وهي أنني في مرحلة وسطي بين الاختفاء والعلن. ويقيم في الديوان جماعة من الشباب من الميكانيكية. طوال الحلم كنت أرتدي جلباباًً وعمة وحذاء. ولم يجر تفاعل بيني وبين هؤلاء الشباب برغم وجودنا في موضع واحد. من بين هذه الجماعة رجل بوليس-ضابط يرتدي الزي الرسمي بغير القبعة لأنني رأيت جلحاته ومبادئ الشيب في شعره. لونه مما نصفه بأنه أسمر فاتح. كان بادي الاهتمام بي. وقال لي بغموض إنك واحد منهم. وخشيت أنه ربما كشف هويتي. ولكنني تماسكت لأنني أعرف أنني في سبيلي للخروج من الاختفاء على كل حال ولن يضير نور الهدي شئياً. واتضح لي من بعد أن البوليس لم يقصد هويتي السياسية بل هويتي العرقية وهي أنني من الفلاتة (كنت أيام الحلم قد نشرت مقالاً عن جريدة الناس التي قالت إن أسماعيل الأزهري الزعيم من الفلاتة وهو فصل من كتابي عن الدكتور منصور خالد). وقال إنه نظر بظاهر كفي ووجد بها حبيبات مائلة إلى غبشة اللون، فقاقيع جلدية، طفح. ثم أدركت ما رمى الرجل إليه. وقلت له لست فلاتياً ولكنني مدمن للمررو أي الفول المدمس (درجت مؤخراً على أكل حبات منه مع بلحات مع كباية شاي أحمر مرة أو مرتين في اليوم وقت انسياق الأحلام). وهو فول الحاجات النيجريات ممن بدأن بيع هذه المادة مما أذكره في مدينة عطبرة على صغري. ولم يفهم البوليس كلمة مررو. فشرحتها. وعرفت أنني نجوت. انتهى الحلم بنا في صحراء رمالها تمتد ولونها أحمر داكن. وكنا، رواد الديوان والبوليس، كل منا يمتطي عربة. وقرب ما يشبه الميس (أخدود واضح) فارقت رتل العربات واتخذت طريقاً غير طريقهم واضحة عليها مجاري العربات. قطع الآخرون الأخدود بغير عناء بلمحة بصر. ولما جئت للخدود انتابني شك إن كنت سأقطعه للضفة الأخرى سالماً. ولكني سلمت. ثم اجتمعنا كلنا في شبه غابة قليلة الأشجار فيما يشبه الرحلة. (كنت استمعت ايام اختفائي في السبعينات لأغنية تقول "دخلنا الغابة وصلنا ميسها" من تسجيل رحلة ما بدا لي انها في غابة الخرطوم. ظل نغمها وعذوبتها معي). ليل-صباح 12-12-2007 نشأ موقف حرج لي نتيجة علم البوليس بموقع إقامتي في حلة تبدو أنها حلتي (التمرجية بمدينة عطبرة) لظهور أبي بجلبابه الأبيض في الحلم بين آخرين. وكان ما كشفني ثرثرة أحدهم عن وجودي بالحلة ولا وضوح حول النية من وراء ذلك: أشر أم تطفل؟ فقد أسر بموضعي لكثير ممن حوله. وعاتبني من حولي، وفيهم أبي، لماذا عرف سري هذا الرجل الرديء. جرى الموقف كله في شارع بدا لي وكأنه من حلة التمرجية. واجتمع رجال ونساء حولي في شكل كتل مسرحية غير واضحة المعمار أو المقاصد. وبدا لي أن الأمر كان لحمايتي لأني كنت مرصوداً بواسطة الأمن طوال حركة الكتلة. ولكن الأمن لم يلق عليّ القبض مع ذلك. فما يكاد يضع يده عليَّ حتى تبدد الكتلة السائرة جهوده. ثم جاء الوقت لأتسلل من الموكب بصورة مؤمنة وأبحث عن مخبأ آخر. وتم ذلك اخيراً بعد تفاصيل عديدة لم تبق في الذاكرة من الحلم.
وبدا لي أن هذا الحلم المداوم هو رضوض من ذلك الاختفاء الأعوج المعطون في الشفقة على من أحسنوا إلى شخصي بالمأوى حين عز حتى على حزبي حباً وكرامة. وقررت منذ سنة أو نحوها أن أدون ذلك الحلم وتنويعاته بعد كل ليلة يطوف بي ما وسعني. وهذه الحصيلة حتى تاريخه. لا أعرف كم مثل هذه الأحلام أنشبت اظافرها في خيال المنام. ولا أقصد الشيوعيين الأعضاء بل الأسر التي حولهم والأصدقاء. فخطر لي خلال نشر هذا المقال للمرة الثانية ما يمكن أن يكون قد طاف بمنام والدة حاتم قطان بعد أن قرأت ردة فعلها لفصل ولدها من الحزب الشيوعي بعد خدمة طويلة كما نقلها أخوه: " فصلوهو وفرحت أمو يا عديله ليك... عندما ابلغت الوالدة بقرار فصل الاخ حاتم رأيت شعور متناقض بين الفرح والحزن. وقالت لي والله الحمد لله الفصلو وارتحته (وقلبك كل ماباب الشارع دق يدق). وتاني كلما تحصل حاجه ما اكون مقلقه عليهو. لكن والله ده ما الحزب الشيوعي الحاتم ساب لي أي حاجه، وياما مسخ لينا أعياد بسبب انو معتقل او مختفي. ولمن اعتصمته في مكاتب الامن لمن كان معتقل ما علشانو. أنا عارفاهو شنو. لكن علشان الحزب والناس يقول يقولو ديل ناس الحزب الشيوعي معتصمين. وقالت ليكم إذا ده الحزب بياكل اولاد كده أي زول في الحزب يخاف علي نفسو." إذا كتبنا أحلام مثل هذه الوالدة لشيوعي سنعرف إن الشيوعية تمكنت من البلد حتى اختلطت ب"كوابيس" الشعب. وهذا يجعل التقليد الشيوعي كائناً سودانياً مثل الشكلوتة مثلاً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة