|
السودان بعيون يحيى شقير
|
 زرت السودان جسديا مرة واحدة، العام الماضي، لتدريب صحافيين وقضاة ومدعين عامين على قوانين الإعلام. واستغرب الحضور أني كنت أطرح أمثلة لا يعرفها إلا من عاش هناك عدة سنوات، فقلت لهم إني زرت السودان بالقلب قبل هذه المرة عدة مرات وأعرف عنه الكثير. ومن أوائل السودانيين الذين تعرفت إليهم الصديق مصباح الأمين بجريدة اليوم السعودية التي قمت بالتدريب فيها 13 مرة، وسفير الأدب السوداني الساخر جعفر عباس "ابو الجعافر"، وأنا أعتبر نشاطاته الثقافية في الخليج العربي أهم من سفارة كاملة للسودان. ولمن لا يصدِّق فليكتب اسمه على الحاج "جوجل" ويقرأ مقالاته وإذا لم تعجبه فليرجمني بحجر. وابو الجعافر يعمل الآن رئيسا لقسم ضبط الجودة في فضائية الجزيرة وعمل قبلها ربع قرن في البي بي سي لندن. ويتقن الإنجليزية مثل المرحوم ذو الفقار علي بوتو الذي أعدمه الجنرال ضياء الحق نهاية سبعينيات القرن الماضي، وضياء الحق مات في انفجار طائرة هيلوكبتر عسكرية عام 1988. وأبو الجعافر اصلا ليس عربيا من الناحية العرقية ولكنه عربي الهوى والهوية دون أن "يستعرّ" من أصله الإفريقي، وفي اللغة النوبية لا فرق بين المذكر والمؤنث ووالدته لم تكن تتقن العربية. وربما أن سخريته جاءت من أصله النوبي الذين وصفهم ابن خلدون بأنهم:"قوم بهم خفة وطرب". وقد زرت السودان بدعوة من نزار عبدالقادر مدير مركز جنيف لحقوق الإنسان.ونزار بعد تخرجه في الجامعة أحب أن يجرِّب الغربة في الولايات المتحدة بعد أن عمل لمدة سنة في البحرين لكن صديقا له في سويسرا دعاه إلى قضاء عدة أيام ترانزيت عنده في جنيف قبل السفر لأمريكا واستمرت زيارة الترانزيت في جنيف 25 سنة. وهناك نكتة عظيمة عن "زول" سوداني بقي ترانزيت عدة ساعات في أحد المطارات الخليجية رويتها للصحافي السوداني "الكبير الكتبي" -اسمه الكبير وهو ضخم الجثة ولكل من اسمه نصيب- الذي التقيته في قطر برفقة الصديق زياد بركات. واصبح "الكبير الكتبي" يستخدم تلك النكتة سلاحا فتاكا ضد "الخلايجة" الذين هوايتهم التنكيت على السودانيين. وفي حفل دعتنا إليه السفارة السويسرية في الخرطوم التقيت الدكتورة مريم الصادق المهدي التي تعرفت إليها قبل عشرين سنة والتي أتنبأ أن تصبح رئيسة لوزراء السودان يوما ما، وضحكت عندما سمعت تنبؤاتي على طريقة قراءة الكف والمندل، ووعدتني بدعوة خاصة للسودان على طريقة تانسو شيلر أول امرأة رئيسة وزراء لتركيا إذا تحقق توقعي. وشعرت أن كثيرا من السودانيين ما زالوا يعتبون على العرب وخاصة على لبنان ويتذكرون أن مندوب لبنان في جامعة الدولة العربية عند تأسيسها عارض انضمام السودان للجامعة العربية، وما زال هذا الموقف يحزّ في نفوسهم وعاتبوني عليه كأني حفيد عبدالرحمن عزام، أول أمين عام للجامعة. أما أكثر ما لفت نظري في زيارتي فهو الزواج السوداني وخاصة عندما "ينقعون" العروس في العطر. وربما يكلف عطر العروس خمسة آلاف دينار أردني كحد أدنى للطفرانين وأضعاف ذلك للميسورين.
|
|

|
|
|
|