بسم الله الرحمن الرحيم "يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ" د. النور محمد حمد الفكر ومعايير القيم نهاية الدين!! (8 (ب)-8) (والساعة ساعتان:ساعة التعمير، وساعة التخريب.. فأما ساعة التعمير فهي لحظة مجيء المسيح ليرد الأشياء إلى ربها، حسا ومعنى، وليملأ الأرض عدلا، كما ملئت جورا.. ويومئذ يظهر الإسلام على جميع الأديان.. ويتحقق موعود الله: (هو الذي أرسل رسوله، بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله..وكفى بالله شهيدا).. ويتأذن الله بالتطبيق، كما تأذن بالإنزال.. وذلك فيما يتعلق بقوله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا.." وهذه هي ساعة التجلي الكمالي) الأستاذ محمود محمد طه (إذن التطبيق) التسبيب: رأينا أن د. النور قد قرر أن الحزب الجمهوري حزب سياسي .. وأن عمل الجمهوريين (عمل سياسي في الأساس).. وكان هذا التقرير مبالغة في الكذب.. وهو كذب ، يشهد عليه صاحبه بنفسه.. ولقد أوردنا له العديد من الأقوال، التي تكذب زعمه هذا.. ومنها قوله: " التنظيم الجمهوري،تنظيم روحي، وليس حزباً سياسياً.. هذا ما عرفناه، طيلة عمر الحركة.. وهو بهذا المعنى تنظيم إرشادي، تسليكي، مرجعيته المرشد..)" فهو يكذب على علم بأنه يكذب.. بل هو بكذبته هذه، يريد أن يمهد لما هو أسوأ!! وهو زعمه الباطل أن زمن الدعوة للدين قد انتهى، فقال: "أنا بفتكر ما عاد يعني في فرصة للدعوة للدين.. يعني الدعوة للعقيدة أو لأي فكرة دينية هي من التاريخ"!! ولكن إذا كان الحزب الجمهوري حزب سياسي، وعمله في الأساس عمل سياسي، فما هي ضرورة دعوة د. النور لترك الدعوة الدينية، طالما هي أصلاً غير موجودة!؟ وهو يعلم أن الأمر خلاف ذلك، ولذلك يدعونا لترك ما نحن عليه من دعوة الدين!! ولكن لماذا أصبحت الدعوة للدين من التاريخ، ما هو الأساس الذي يبني عليه د. النور زعمه هذا!؟ وما هي الأسباب التي يسوقها.. هذا ما سنتناوله في هذه الحلقة..مما قاله في هذا الصدد، أن الفكرة الجمهورية، بها أشياء جدلية ، لا يعقلها الناس!؟ هل اكتشف د. النور هذا فجأة، وبعد كل هذا الزمن الطويل!؟ أي دعوة للتغيير، لا تنحصر فقط فيما يعلمه الناس، ولا بد أن تأتي بالجديد الذي لا يقبله الناس.. هكذا كان الأمر دائماً.. وكان الذين يرفضون دعوات التجديد، يبنون رفضهم على أنها مخالفة لما وجدوا عليه آباءهم .. وعندما جاء الإسلام، في القرن السابع، كان بالكعبة ثلاثمائة وستين صنماً، وهذا لم يمنع دعوتهم للإله الواحد، وتعجبوا وقالوا: " أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ".. وكذلك الحال، بالنسبة لكل قضايا العلم الجديدة، تخالف ما عليه الناس، فتجد مقاومة شديدة، ثم بعد ذلك يتم الاقتناع بها. ومن الأسباب التي ساقها، أن الحديث في الدين أصبح صعب جداً، ولا يستجاب له، فهو قال: "هسع في السودان نفسه أنا افتكر أن الحديث عن الدين بقى صعب جداً"!! وهذا بسبب تجربة حكم الأخوان المسلمين، الذين استغلوا الدين لأغراض السياسة..هذا أمر ايجابي جداً، فالمطلوب ألا يستجيب الناس لدعوة الدين، دون فكر، كما كانوا يفعلون.. المطلوب أن يقتنعوا بالدعوة، وأن يرفضوا ما هو غير مقنع بالنسبة لهم.. هذا لمصلحة الدعوة للدين.. فالدعوة التي لا تقنع من الخير أن ترفض. هذه النقطة مرتبطة عند د. النور، بتصوره الخاطئ جداً للواقع.. فبعد أن ذكر أنه ما عاد في فرصة للدعوة للدين، قال:" ده هسع الوصلو ليه ناس الغنوشي"!! وهو بقوله هذا يفترض أن الناس ، برفضهم للإخوان المسلمين ـ الإسلام السياسي ، قد رفضوا الدين، وعلى الآخرين ألا يكرروا نفس التجربة.. هذا فهم للواقع خاطئ ومعكوس!! الرفض للإسلام السياسي، بعد التجارب المريرة، ليس رفضاً للدين، وذلك لأن الدين أساساً لم يعرض حتى يرفض.. الرفض هو لاستغلال الدين لأغراض السياسة، لأغراض الدنيا.. وهذه قيمة ايجابية جداً، احتاج الناس إلى تجارب مريرة حتى يتعلموها.. وبتعلمهم لها، أصبح من الصعب جداً، إن لم يكن من المستحيل، استغلال الناس باسم الدين، وهذا لمصلحة الدين الحق، الذي لا يقوم على استغلال الناس.. لم يرفض الدين وهو أساساً لم يعرض، وإنما رفض الاستغلال عن طريق الدين.. لم يعد الدين افيون، كما كان في السابق.. إما الإقناع أو لا!! وهذا استعداد لقبول الدين المقنع.. إذا لم يقتنع الناس بأن الدين، يحل مشكلاتهم، ويستجيب لتطلعاتهم، فمن الخير أن لا يستجيبوا له.. فعندما يقوم الدين الذي يحل مشكلات الناس، بصورة لا تتوفر في أي فكر آخر، فسيستجيبون له عن قناعة.. وهذه هي حكمة فشل تجربة الإسلام السياسي.. الحكمة هي ألا يستجيب الناس إلا لما هو مقنع، ويحل مشكلاتهم. أما د. النور، فأراد أن يفهم من الواقع، فشل الدين من حيث هو، لا فشل الإسلام السياسي، وبنى على ذلك رفض الدين!! هذه رغبة، وليست فهم!! الصورة كما هي، فشل الإسلام السياسي هو إعداد للأرض لتقبل الدين الحق، الذي يقنع العقول، ويحل مشكلات الناس. يقول د. النور: "بعدين أنت ما بتترك المسائل في الفراغ يعني أن نقول مثلا نحن حندعو الناس دعوة دينية.. يكون عندنا جمهوريين ماشين على ال model (النموذج) العملو الأستاذ مع ال core (النواة) الصغير الاشتغل معاه دا مثلا من سنة 51 لغاية 85.. دا ما بيحصل.. دا فكر مثالي جدا جدا.. بيحصل انك تكسب قطاع كبير من التعاطف لمن تجي في انتخابات وعندك برنامج انتخابي محدد".. أولاً نذكر القراء بكذب د.النور، حين زعم أن الدعوة دائماً كانت سياسية، وها هو يعترف هنا ، أنها من 51 الى 85 كانت دائماً دينية.. ثانياً لابد من ملاحظة أنه يدعو إلى ترك الدعوة الفكرية، إلى التعاطف السياسي، ويزعم أن الدعوة الفكرية أمر مثالي جداً جداً!! الدعوة عن طريق الفكر ليست مثالية، وإنما هي السبيل العملي الوحيد.. أما أسلوب (خم) عن طريق (التعاطف) فهو أسلوب الإسلام السياسي الذي فشل وهو لن يقود إلى أي شيء ايجابي.. ما نؤمن به، ونعتقد أنه أمر واضح جداً، أنه لا سبيل إلا سبيل إقناع العقول، هذا هو السبيل الوحيد، الممكن، والعملي، والذي فيه كرامة الإنسان.. وأي محاولة أخرى ليست أكثر من تأخير له، ثم لابد منه في النهاية.. إما الاقتناع أو لا!! طالما اقتنع البعض، فاقتناع الباقين ممكن: " وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ ".. علينا أن نؤكد هذه النقطة.. د.النور يستبدل الدعوة عن طريق الفكر ـ طريق العقول ـ بالسياسة والتعاطف السياسي، وسنرى أهميتها عندما نتحدث عن البديل. ومن الحجج التي ساقها د. النور، ضد العمل الديني ، قوله: " أنا ما بفتكر نحن كجمهوريين رايحين نلقى قائد أفضل من الأستاذ محمود ...." .. الى أن يقول: " إنت ما بتقدر to replicate (تكرره) مع هذا حركتنا دي استمرت من 51 بعد الأستاذ أعلن الفكرة بصورتها دي لحد 85، النهاية الشفناها ياها دي.. كل الناس النحن حصلناهم بضع مئات.. والأستاذ انتهى إلى منصة الإعدام.. فيبقى أنه البيئة دي ما بيئة صالحة للدعوة.." لقد كان التنفيذ في عام 1985م، وطوال هذه الفترة د.النور لم يكتشف أن البيئة غير صالحة للدعوة إلا في عام 2016م!! فما الذي حدث فجأة، وذكر د.النور بعدم صلاح البيئة!؟ في التاريخ، تم قتل العديد من الأنبياء، وهذا ما أشار إليه النور نفسه، ولم يقل الله تعالى، البيئة لم تعد صالحة، فلنوقف الدين!! وإذا كنت فعلاً، ترى في الأستاذ محمود ما ذكرته، لماذا عملت على مخالفته، والصد عن السبيل الذي يدعو له.. لقد كان الأستاذ يعلم منذ عام 1946، ما تم في 1985، وتحدث به من ذلك التاريخ، ومع ذلك عمل للدعوة بالصورة التي رأيت!! والأستاذ محمود لم يقل لنا، أنه سيأتي يوم تكون فيه البيئة غير صالحة للدعوة إلى الله، بل قال العكس من ذلك، لأن البيئة ليس لها حكم، وإنما الحكم لله وحده، فهو تعالى من له الأمر، ويقرر متى يستجاب لدعوته وكيف يستجاب.. وقد أخبرنا الله في قرآنه، أنه سيستجاب للإسلام حتى يصبح وليس في الأرض غير مسلم، وهو وعد غير مكذوب، و نحن به مؤمنون وله منتظرون.. بل، بفضل الله علينا، وبحسن إرشاد مرشدنا لنا، نرى أن الأمر وشيك، وقد تهيأت الأرض له.. ونحن بفضل الله علينا، لا نستعجل أمر ربنا ونعلم أنه ليس لنا من الأمر شيء، وإنما نستعجل عمل شريعتنا في الانتظار وأدب الانتظار، فهذا هو واجبنا، نرجو الله أن يعيننا عليه. والأستاذ محمود لم يقل لنا إذا ذهبت أنا فلن يأتي من هو أكمل مني فينصر الدين، بل قال بوضوح تام، إن الدين لن ينتصر إلا إذا جاء الإذن الإلهي، والمأذون وهو المسيح المحمدي، وأورد لنا سند ذلك من القرآن والسنة.. فقولك هذا وكل الأقوال الأخرى، هو مجرد حيلة لصرفنا عن الدين، وبحمد الله ديننا ليس هينا عندنا حتى تصرفنا عنه بمثل هذه الحيلة المتهافتة، الضعيفة جداً.. ولكن المصيبة مصيبتك أنت، فبعد أن كنت داعياً للدين، أصبحت داعياً للانصراف عنه!! أورد د. النور، ضمن دليله على عدم صلاحية البيئة قوله: "كل الناس الحصلناهم بعض مئات".. العدد مهما كانت قلته، فيه من يستبعدون أو يستبدلون .. وكذلك كثرة العدد لا تعنينا، فالله تعالى هو صاحب الأمر فيها ولكن ما يعنينا هو أن يحفظنا الله ضمن دائرة هذه الدعوة.. ود.النور يعلم أمر هذا الاستبدال، فقد أنذرنا به، وقال: "يقيني ان الأمر محفوظ، وسوف يجد من ينهضون به، سواء قام على رأسه أناس من داخلنا ، أو من خارجنا.. ما أحس به الآن، ولا أستثني نفسي، إن كثيرون سيتخلفون عن الركب. وربما شمل ذلك التخلف، بعضاً من الكبار، وكثير من الصغار.. سيتخلف بعض الكبار فيما هو مقبل من الزمن، بسبب من فقدان القدرة على تطوير الذات والركون إلى الاقتيات على فتات ماض انطوت صفحته.. وسيتخلف عن الركب كثير من الصغار، بسبب من العجلة وسوء الأدب"!! لقد كانت الرؤية، نظرياً واضحة، ولكنه تعالى فعال لما يريد.. رد الله غربتك وأعادك إلى الركب. وضمن دعوته الى ترك الدعوة الدينية، دعا النور إلى عدم استخدام النصوص!! فقال: "لأنك إنت مجرد ما دخلت في موضوع النصوص دخلت في إشكالية وفي Dilemma كبيرة جدا جدا. لأن النصوص دايرا interpretation (تفسير أوتأويل) والتفسير هو رأيي ورأيك، لأنو النصوص مرات بتكون crude (خام) إنت بتلطفها بالتأويل. التأويل هو فكري وفكرك. فبيبقى الحل في النهاية هو العقل، هو العقل الإنساني وليس هو النص.. النص إنت لابد أنك تتجاوزه إما بالتأويل أو بأن تقول مثلا انتقلنا من نصوص فرعية لنصوص أصلية - حتى النصوص الأصلية ذاتها يدخل فيها التأويل - التأويل لا ينتهي.. ولذلك نمشي للخلاصة.. الخلاصة هو العقل.. يعني العقل الصافي والقلب السليم".. يتحدث النور وكأن العقل صورة واحدة، علينا أن نترك النصوص ونذهب إليه مباشرة!! العقل مستويات، والعلم الذي يقوم عليه مستويات، جدّ متفاوتة (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) ولذلك لا يقال: (ولذلك نمشي للخلاصة.. الخلاصة هو العقل.. يعني العقل الصافي والقلب السليم).. فلا يمكن أن نمشي للعقل الصافي والقلب السليم دون التربية الرفيعة جداً، التي من المستحيل أن تتحقق إلا بمنهاج الطريق.. والتأويل، ليس أخذ المعاني من العقل، وإنما هو أخذ المعاني من الله!! التأويل هو رد الأمر الى مصدره ـ إلى ما يؤول إليه.. أي رد القرآن إلى الله، وأخذ معانيه منه، وليس من اللغة، ولا من العقل.. إنك تطفف التأويل بصورة مبالغ فيها.. وبتصورك هذا أنت تلغي منهج المعرفة في الإسلام ـ منهج التقوى (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ).. (من عمل بما علم أورثه علم ما لم يعمل).. والتأويل ورادات عقل تأدب بأدب القرآن، أدب حقيقته، وأدب شريعته وإلا فلا!! عقل المعاش ليس له حظ من التأويل، ولا بمعرفة الدين، فمعرفة الدين حظ عقل المعاد.. زعمك "في النهاية الحل هو العقل" زعم شديد البطلان، فالحل في النهاية، يبدأ بالعقل الصافي، ثم يتجاوز العقل إلى الإدراك الوتري!! صفاء العقل، وسلامة القلب، وتحقيق القيم العليا" أمر مستحيل، إلا عن طريق التقوى، وهي لا تكون إلا بتقليد المعصوم، إلا بالدين، وهذا ما تريد أنت أن تصل إلى خلاصته من دونه.. هذا ليس أكثر من خداع للنفس.!! الخوف كل الخوف، أن تظن، أن تفكيرك هذا يقوم على العقل الصافي!! في الواقع قولك يعطي ذلك، بل يعطي أن كل عقل هو العقل الصافي، ولذلك تريد أن تذهب إليه دون النص!! القرآن هو كلام الله، وفيه علم الله المطلق، فنحن إذا استطعنا أن نكون مع الله عن طريق قرآنه، نأخذ العلم عنه تعالى.. هذا هو علم الدين.. ومن هنا تأتي أهمية النص.. هو وسيلة ٌلإقامة الصلة بالله.. ولذلك أفضل العبادة قراءة القرآن، وأفضل ما تكون قراءة القرآن في الصلاة. ثم إننا باستخدام النص من قرآن أو حديث، نرد الأمر إلى الله ورسوله، عملا بقوله تعالى: " فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ" .. استخدام النص عبادة، وككل عبادة يحتاج إلى الحضور والأدب. قولك هذا عن النص يذكرني قولك عن الأستاذ محمود بأنه بتطوير التشريع: فكك سلطة النص المقدس!! فهو قول شديد البطلان.. وبدل النص المقدس بهذا التعميم، ينبغي أن تقول القرآن بالتحديد، والعمل كله لا علاقة له (بالتفكيك).. الأمر ببساطة هو انتقال من نص في القرآن إلى نص في القرآن.. انتقال من الفرع إلى الأصل ولا علاقة له بمصطلحات ما بعد الحداثة، التي لا تفهمها ، وتستخدمها في غير مكانها.. لا توجد أي إشكالية في استخدام النصوص، وإنما فيها الحل لكل إشكالية.. الإشكالية في عقلك أنت الذي ينقل مصطلحات ما بعد الحداثة إلى الدين.. وأنت في كتاباتك تستخدم عديد النصوص، لعديد المفكرين.. فالواضح جداً أن النص الذي تريد أن تستبعده هو نص القرآن، أو النص الديني بصورة عامة.. والإشكالية ليست في استخدام النص، هي في حجاب اللغة، واستخدامها بالصورة التي تستبعد المعاني، وهذه إشكالية أساسية بالنسبة لك.. فأنت في كتاباتك لا تفعل أكثر من رص الجمل والكلمات، دون إي اعتبار للمعاني، بل بصورة تضلل عن المعاني، وحديثك عن تطوير التشريع بأنه تفكيك لسلطة النص المقدس، دليل واضح على حجاب اللغة عندك.. عجيب أمرك!! تستخدم النصوص من أقوال البشر، وتنهى عن استخدام النصوص من قوله تعالى؟! وينهى د. النور عن إعلان الخلفية للدين، عند من لهم خلفية دينية ـ أعلن عنها كقيمة عصرية "مقبولة عند الناس"، لماذا؟ هل خوفاً من أن ينفر منها الناس!؟ فلينفروا إذا نفروا!! القيمة ليست بقبول الناس (مقبولة عند الناس)، وإنما القيمة في رضا الله!! ومن يخفي خلفيته الدينية ، خوفا من عدم رضا الناس، خلفيته الدينية زائفة، وهو منافق وإلا لجهر بها، وفخر بها!! يقول د. النور: " ما افتكر نحن راح نجترح وضع جديد بيهو نرجع الدين يبقى هو central (مركزي) لحياة الناس.. الدين للأفراد".. قبل اليوم لم يكن هذا قولك؟! الدين للفرد وللجماعة، في آن معاً.. القرآن دستور للفرد، وللجماعة في آن معاً.. وهذا لم نجترحه نحن، وإنما فرضه رب الناس، وليس حظنا فيه أكثر من الفهم والطاعة. يقول د. النور: "إنت ما بتقدر تتجنَّب إقامة دولة علمانية. ما في طريقة تتجنبها. يعني ادعُ إلى أي شيء. أنا بفتكر إنو الدولة جهاز بيروقراطي، محايد، إنت ممكن to inject (تحقن) في الدولة مفاهيمك، كان [سواء] جبتها من القرآن، جبتها من الإنجيل، جبتها من الفلاسفة القدامى، جبتها من أي يوتوبيا، ممكن تحقنها في الدولة، لكن الدولة هي جهاز لتنظيم شئون الناس" .. هذا النص مثال لأقوال النور الخالية من المعنى.. إذا كنت فعلاً تعتقد أنه لا يمكن تفادي الدولة العلمانية، فلماذا كل هذا التعب في صرف الدولة الدينية؟! ثم زعمك أن الدولة جهاز بيروقراطي محايد، زعم باطل بداهة .. فالجهاز البيروقراطي يتكون من البشر، ولابد للبشر من توجه ما.. ثم ماذا معنى قولك (إنت ممكن to inject (تحقن) في الدولة مفاهيمك) كيف أحقن هذه المفاهيم في الدولة !؟ إنها ليس أكثر من كلمات مرصوصة، خالية من المعنى.. الوضع الطبيعي أن المفاهيم تكون في عقول الناس، ويقيمون وفقها دستورهم ومؤسسات دولتهم وتشريعاتها وقوانينها.. كل ما قال د. النور، من أدلة من أن عصر الدين انتهى، ولابد من الانصراف عن الدعوة الدينية، ليس أكثر من حيل واهية.. وقد تفادى النور القضية الأساسية بصورة تامة وهي الدين كله يقوم على التوحيد.. وأصل التوحيد، وحدة الفاعل، وهي تقول أن الله تعالى هو الفاعل الأساسي والوحيد في الوجود، وكل فاعل سواه، فعله محاط به من قبل الفاعل الحقيقي.. ولذلك، أمر قيام الدين أو عدم قيامه، أمر مرتبط بفاعلية الله هذه.. فلا شيء على الإطلاق يمكن أن يتم دون إذن الله، كما أنه لا شيء على الإطلاق يمكن أن يحول دون ما أذن الله به.. لم نقل على الإطلاق، إننا نحن من نهدي البشر، وننشر الدين، حتى يقال لنا ما قال النور.. ما قلناه هو أن الله تعالى، وحده الهادي، يقول تعالى: " إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى".. ويقول لنبيه الكريم: " إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ".. وقد وعد الله تعالى بنصرة دينه، وقد أوردنا النصوص في ذلك.. فإما أن الله تعالى لم يعِد، وفهمنا للنصوص خاطئ.. أو أنه غير قادر على تنفيذ وعده.. أما إذا تأكد أنه وعد، وأنه قادر على تنفيذ وعده، فيصبح انتصار الدين أمر حتمي.. هذه هي الحجة الأساسية التي تقوم على الحقيقة.. هذا ما كان ينبغي أن يناقشه د. النور كمسلم، يؤمن بالله وبقرآنه.. ولكنه لم يفعل.. واستبعد الله والتوحيد، تماماً عن كل ما كتب.. وهذا ما يجعلها كتابة لا قيمة لها. أما من حيث الشريعة، فما ينتصر هو المقنع للعقول وتطمئن له النفوس، في المجالات الأساسية: مجال طبيعة الوجود، والطبيعة الإنسانية، والأسباب والغايات الوجودية.. ثم المقدرة على حل مشكلات الإنسانية الفعلية، والاستجابة لتطلعات الإنسان، وتحقيق كمالات الإنسان.. ولا شك عندنا، أنه لا مجال للمقارنة بين الإسلام /الفكرة، وأي فكر آخر في هذه المجالات.. بصورة خاصة لا مجال لحل مشكلات الإنسانية المعاصرة، إلا عن طريق الإسلام/ الفكرة..وكل هذا مطروح ومفصل.. ولكن د. النور لم يدخل في مناقشته، بل عمل على تفادي هذه المناقشة، كما تفادى التعرض للأولى ـ موضوع الله والتوحيد.. ناقشت أم لم تناقش.. آمن هو وغيره أم كفر، الأيام بيننا.. ونصرة الإسلام قادمة، ولا شك في ذلك، فهو وعد غير مكذوب.. ونحن لا نسوّي د.النور ومن معه، ومن خلفه، برب العالمين!! عجيب أمر د.النور هذا!! الله تعالى يأمرنا بالدعوة له ولدينه، فيقول تعالى مثلاً: " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ".. ويقول: " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ".. ويأتي د.النور ويأمرنا بعكس ما أمرنا به الله تعالى.. بأن نترك الدعوة لله ولدينه.. يقول د.النور: "أنا بفتكر ما عاد في فرصة للدعوة.. يعني الدعوة للعقيدة أو لأي فكرة دينية هي من التاريخ.. ويجب أن يكون في فصل تام بين العمل السياسي والعمل الدعوي".. فإذا سوى د.النور بينه وبين رب العالمين، بل جعل نفسه هو الأعلى، فقام بإلغاء أمر الله والدعوة لدينه، فهل فعلاً أن يطمع د.النور بأن نستجيب له، ونسوي بينه وبين رب العالمين!! اللهم هذا غرور قاتل.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة