كثيرا ما يطول العمر بالبعض و لكن دونما ان يشعر بهم احد او يحس لهم ركزا, بينما تمضي سنوات البعض كلمح البصر ليلاقوا ربهم بعد ايام قلائل في هذه الفانية و لكن بعد ان يتركوا اثرا لا يزول و بصمة لا تخطئها العين حتى و ان اصابها الرمد ! فها هو الشاعر الفذ ابوالقاسم الشابي يفارق الحياة في السابعة و العشرين متاثرا بمرضه اللعين لتمشي بذكره الركبان الي هذه اللحظة: ساعيش رغم الداء و الاعداء كالنسر فوق القمة الشماء ارنوا الى الشمس المضئية هازئا بالسحب و الامطار و الانواء و ليس ببعيد عنه شاب راحل اخر هو التيجاني يوسف بشير و الذي التحق بدار البقاء في الخامسة و العشرين متاثرا ايضاء بداء الصدر و شظف العيش و الابخرة السامة و فوق كل ذلك المه النفسي من اعداء النجاح و الحاقدين و الذين اوقفوه بخطاب للمعهد العلمي بتهمة الاساءة و لعل مثل هذه التهم لا تزال تساق نحو كل مبدع الى اليوم و ان تعددت الادوار و تكاثرت الصور, ليمضي و هو يغني: قم يا طرير الشباب غني لنا غن يا حلو يا مستطاب انشودة الجن و اعصر لي الاعناب و املاء بها دني! و على الجانب الاخر نجد العديد من شيوخ الشعراء و من شعراء السلطان و الصولجان تتطاول بهم الاجال و لا احد يعرف لهم بيتا واحدا و لم يردد احد ما يقولون الا لماما و في المناسبات الرسمية و لدى صفوة من استوعبوا المرحلة و هم ليسوا بكثير ! و كم من مغني تغنى ما يقارب من الخمسين عاما غناء فقط و لا احد يدندنى باغنياته بينما فنان مبدع مثل كرومة يقضي نحبه في ريعان الصبا و لا يكاد يشعر احد انه توفى بسبب كثرة ترديدننا لما قدم’ و اخر مثل خليل فرح يرتحل على اعتاب الاربعين و تظل عزة في وجدان الشعب كله ! و ها هو مصطفى بطران يتجرع كاس الموت في اواخر العشرينيات هاتفا:
اطرد الاحلام يا جميل و اصحى! و غيرها من الروائع و الدرر. و من العجيب ان نرى الكثير من القادة فكافة المجالات و نجد ان ما قدموه من خير لا يتناسب مع ما قضوه في العمل و انهم لم يتركوا فيننا ما نذكرهم به , بل على العكس ولدوا فينا مرارات و غصة و غبن لا يزوول و اضاعونا كما اضاعوا اعمارهم و لا يزالون في ضلالهم القديم هم و حاشياتهم و ابناءهم و بناتهم و يسيرون بنا في ظلمات التيه الذي لا نار به و لا نور و لا هدى و لا دليل. و بين هذا و ذاك ياتينا الماموث في صورة الفيل و الديناصور في صورة التمساح و تحيطنا الفئران من كل جانب لنعلم انها ما تمخضت عنها جبال ابداعنا و التي ازدادت اخفاقا و افشالا و زادتنا وبالا و لا تزال!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة