يهدف هذا الجزء من التقرير الى الأشارة الي الادوار التي كان من المفترض أن يلعبها المؤتمر السوداني بعد أنفصال جنوب السودان ،والتي تم تضييعها بفعل التخبط وعدم الركون الي مسار سياسي محدد،واعتقد أن المقالات السابقة أوضحت نسيج شرنقة تلاعب المصالح التي سقط فيها،والتي تجسدت في الأبقاء على الاوضاع كما هي ،بالاضافة الي بلايا قِصر النظر، وفقدان الحس السياسي ، الجرأة ،والجسارة في قيادته السياسيه ،والتي لم تبقي منها الا مقادير ضئيلة لو ضاعت ستكون كُلفتها السياسية عالية على كامل الطبقة السياسية الناشئة ،وعلى المستقلين على وجه الخصوص ،فالتاريخ لا يرحم ،تم التفريط في مفهوم التحول الديمقراطي، والمؤتمر السوداني يصلح مثالاَ لذلك ،وصار يُلاحق ظلال شعار اسقاط النظام الذي تسرب من قاموس الربيع العربي بدون المساهمة في صياغته بجملة واحدة،وما يحدث ماهو الا مذيداَ من الدوران في فلك النظام.نوضح بعض ما صُغناه في رؤية تم تسفيهها بصورة محرجة. مفاهيم السياسة الواقعية تُبنى على الواقع نفسه ،لا على مفارقتة الى آخر مفترض والايغال فى ابراز التبايانات الغير ضرورية ،وكلما كانت اكثر اقترابا منه كان التعاطي مع الواقع واشكالاته اكثر تماسكا بدلا عن سمة التفكك الملازمة للحركة السياسية ،ومنها نلاحظ عدم تبلور خطاب معارض بصورة حقيقة غير ترديد بعض الادانات على نسق "شيل الحال وابراز المعايب" والخطب المنبرية على ركاكتها،والذي انعكس بالتالي في صورةعجزها عن طرح بديل جدي لمشكلات الواقع السياسي والاجتماعي الذي نعيشه في راهن الأزمة السودانية وخلخلة الدكتاتورية الماثلة ، فاصبحت بالتالى ذات المعارضة عارضة وعقبة أمام التغيير. واحدة من أبرز نقاط ضعف نشاط المعارضة هو ارتكانها واستكانتها على العمل ضمن تحالف فضفاض ،"كقوى الاجماع الوطني"لا يقوم على أُسس برامجية كسمة صاحبت نشأة بعض الاحزاب ،لذلك نجد أن التنافر وعدم الانسجام تقف وراء عدم قدرتها على بلورة موقف يضمن التناسق لجهودها ،وبالتالي هوتعبير عن غياب الواقعية فى فهمها للمسألة السياسية ،إذ ليس من الواقعية في شيئ أن تُهدر الفرص المتاحة والتي يمكن من خلالها التأسيس لوضع جديد ومغاير كليا في انتظار آمال أثبت الواقع خيبتها وفشلها ،فانتظار الهبة الشعبية هو إنتهازية وعبث سياسي وأظهرت تجربة سبتمبر الدموية مدي عجز القوى السياسية عن تعبئة جهود الجماهير ،أو حتى بلورة خطاب متماسك حوله،واثبتت هذه الانتهازية انتظارها حيلة العبور الي السلطة على أشلاءالجماهير ،كم كان مضحكاَ خروج مريم الصادق في قناة العربية لتقول أن الصادق المهدي هورئيس الوزراءالشرعي وهى قد زينت لها خيالاتها البائسة أن الحكومة سقطت خلاص !،والمؤتمر السوداني يلاحق الحركات المسلحةينتظر منها الثورة المسلحة وهوأبلغ تعبير عن ضعف الحس السياسي ،فلو كان في هؤلاء أمل لما كانت الحاجة الي ملاحقتهم في العواصم الأفريقية والاوروبية من لدن أديس الى باريس ،بل كان فلحت فترة وجودهم في الخرطوم في المحافظة على السلام الجزئي الذي تحقق في المنطقتين مثلا ،والتي تطالب المعارضة بمكان لها في المفاوضات الآن ،ولكن عوضا عن ذلك كانت هدنة المحاربين هي فترة تعزز فيها خازوق الدكتاتورية انغراساَ في جسد الدولة والمجتمع السوداني ،فقانون الأمن والمخابرات الحالي والذي هو أسوأ قانون في الدنيا ومفارق لروح العصر ما كان له من معني لولا صفقات حلفاء المؤتمر السوداني الذين ظل يراهن عليهم وينسج معهم النداء تلو النداء ،وكان رأينا مخالفا لهذا المسار،وهو النضال عبر جبهة العمل المدني ،وخوض النضال السياسي ضد قانون الأمن والمخابرات بالتحديد ،والذي يؤكد الواقع أن لا مهرب منه وما على القوى التي تدعي التغيير سوى البداية من الصفر،ترديد التغيير وحده لا يكفي ،بل المطلوب تحديد مساره بدلا عن ممارسة السياسة كامتياز،وممارسة طق الحنك. لا يغيب عن التحليل ضرورة الاشارة الى أن ابرز عقبات حلحلة المسألة السودانية هو أن الوضع كله في حالة تحلل ،وفي طريقه الى التحلل التام والذي لايمكن معه التفاعل العكسي ،مثل تمزقات قوى السودان القديم أصطلاحاَ كحزب الأمة وتشرزمات الحركة الاسلامية وبعض مراكز قوى الطائفية في الأتحادي وخلافه،وماذلك الا لفقدان سمة التابعية فعاليتها ،وهناك على الجانب الآخرتتناثر أحلام السودان الجديد إلا من بعض الظلال الباهتة والتى كان الرهان عليها لتبلور الكتلة التاريخية لقوى الهامش . تحلل كامل الحياةالسياسية والقيم المرتبطة بها ،وتحلل الدولة وجهازها الاداري هي فرضية التأسيس لمشروع سياسي جديد،فالدولة ذات نفسها لم تعدهى ذات الدولة التى تم وراثتها من الاستعمار ، ويمكن أعتبارهذا التحلل بمثابة فرصة لولادة ونشؤ حركة سياسية جديدة يقع على عاتقها صياغة العقد الاجتماعي لدولة مستوفية لشروط التعاقد باعتباره هيكل دستوري ،وذلك عبر النضال الطويل ،وهنا يكون جميلاً أستعارة على مزروعي لمثال بذرة المانجو في تحللها ،وهي أن الشجرة تنتج من التحلل العضوي للبذرة ،من نتاج هذا التحلل تجيئ الرغبة الي تحريض ودفع الفاعلين الى مفارقة ما الفوه ومااعتادوه من طرائق في التعبير والتحليل وادوات العمل والسعي الى الانفتاح على أفق جديد ،وهي الرغبة في دفعهم الى تبنى استرتيجيات بديلة تنسجم مع التحديات التى تمسك بتلابيب المستقبل والتى ابرز ماتكون في وضوحها في تعقيدات الحاضر،واخفاقات الماضي ،فانه من الاجدر أن تُولى كل التدابير الفكرية في التحريض الى ضرورة تنسيق الجهود بكل رصانه وادراك ووعي درس التاريخ جيدا ،وأن نلاحظ الفرق بين أن تُخاض هذه المعركة بتصميم ودقة أو أن تكون مهملة وتدار بشكل أخرق وغير متماسك كما هو مشهود. في هذا الاطار كنت أرجو أن يقود المؤتمر السوداني تحريض التقارب بين مكونات القوى اليسارية واصطفافها لتكون قوى اساسية في حلبة الصراع الذي تحتكره جبهة القوى الحربية،لا أن تشهد الصحف تلك التقازفات بينه والبعث العربي،وبعض التعالي الفارغ ،وظل الحزب يسعى لحشد الدعم السياسي لمواقف قوى هي أبعد ماتكون مقارنة بينه وبين البعث مثلا ،ولكنه التخبط، وهو مشهد السياسة الآن في السودان ،لذلك التميز بين القوى في الحلبة مسألة ضرورية بمثل ضرورة إحداث القطيعة التاريخية مع هذه الوضعية كلياَ،فتداخل هذه القوى في روابط غير موضوعية يخلق الكثير من التشويش والضبابية ،وهو مايجب أن تنفض بعض الشراكات السياسية لتأتلف اخرى على أسس أكثر موضوعية ،وذلك باعادة النظر الى طبيعة الصراع ،وموقع أطياف القوى المدنية أو اليسارية في حلبتها،والمصالح المشتركة الفعلية لقواها الاجتماعية ،ودورها في بلورة مشروع نهضة سودانية ،فالقوى المتصارعة على الدولة بالعنف هي في نهاية الأمر لن تسعي الى تغير تركيبة الدولة بما يتوافق وخدمة مصالح الجماهيردعك من أستشراف المستقبل ،فيكفي حصاد نصف قرن من العنف والحرب ،وبالتالى عدم وعي الدرس هذا والتمادي في تجريب المجرب يعني القبول بأن يستمر تعطل عجلة فرصة استقلال الدولة ،فالقوى المسيطرة تسعى دوما الى أن تظل فوق المجتمع ،فكما يقال أن حروب راهن عالم اليوم هى فوق المجتمع ،هي حروب من أجل الموت لا الانتصارومن أجل التدمير لا المعركة،وفي هذا الاطار تجيئ الدعوة الي خلق اصطفاف للقوى اليسارية"تحت لافتة جبهة العمل المدني ، برؤية تقدمية لتسعي الى الدفع بقضية وقف العنف والتدمير المتبادل وجعلها في اعلى الاجندة الوطنية من أجل التغيير ،لتكون اولى لبنات بلورة الاتفاق على مشروع الثوابت التأسيسية للعقد الاجتماعى السودانى .يُتبع
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة