نتابع في قوى تحالف التغيير الجذري ببالغ القلق والغضب ما جرى ويجري تحت مسمى «ورشة القوانين المستعجلة لوضع قانون مشروع الجزيرة والمناقل» ونؤكد بوضوح لا لبس فيه أن هذه الورشة لا تعبّر عن مصلحة المزارعين، ولا تمثلهم، ولا تملك أي شرعية سياسية أو اجتماعية أو أخلاقية للحديث باسمهم أو التشريع لقضيتهم التاريخية. إن مجرد طرح قانون جديد لمشروع الجزيرة والمناقل في هذا التوقيت المنهار، في ظل الحرب والتشريد وتدمير البنية الإنتاجية وغياب المؤسسات الشرعية المنتخبة، يكشف أن الهدف ليس الإصلاح، بل تمرير تشريع تصفوي يفتح الباب أمام الخصخصة وانتزاع الأرض وتحويل أكبر قاعدة إنتاجية في السودان إلى سلعة في سوق الرأسمال الطفيلي والشركات العابرة للقارات. إن تغييب الجسم الحقيقي الممثل للمزارعين، والذي جرى تعطيله عمدًا لعقود طويلة، ليس صدفة ولا سهوًا، بل فعل سياسي مقصود، لأن هذا الجسم هو نفسه الذي تهابه السلطة وحلفاؤها، وهو ذاته الذي شرع المزارعون اليوم في إعادة بنائه من القاعدة. الأمر الذي يفسر هذا الاستعجال المحموم لفرض قوانين الأمر الواقع قبل أن يستعيد المزارعون تنظيمهم وقوتهم التمثيلية، وعليه فإن أي قانون يُصاغ دون تفويض صريح من المزارعين ودون مشاركة \تنظيماتهم القاعدية هو قانون باطل سياسيًا مهما حاولت السلطة أن تكسوه شرعية شكلية. وما يجري اليوم ليس منفصلًا عن المسار الذي بدأ بقانون مشروع الجزيرة لسنة 2005، ذلك القانون الذي فكك الإدارة الموحدة وحمّل المزارعين تكلفة الري والصيانة وفتح الباب أمام التمويل الربوي والديون وأطلق يد السوق والاحتكار، ولم يكن إصلاحًا كما زُعم، بل إعلان خصخصة مؤجلة. وها نحن اليوم أمام مرحلته التالية: تشريع نزع الأرض وتحويلها من وظيفة اجتماعية إلى سلعة قابلة للاستحواذ. إن قضية ملكية الأرض في الجزيرة والمناقل ليست مسألة قانونية تقنية، بل قضية سياسية تاريخية؛ فالمُلّاك ملكًا حرًا وملك منفعة شاركوا فعليًا في تأسيس المشروع ودفعوا كلفة بنيته التحتية من عرقهم ومحاصيلهم منذ العهد الاستعماري ومع ذلك ظلت القوانين المتعاقبة تنحاز ضد المزارع الكادح وتراكم الظلم عليه، بينما تُحمى مصالح رأس المال والوسطاء. ولذلك فإن أي قانون لا يحسم الأرض كملكية اجتماعية محمية ويضمن حق المزارعين في إدارتها والانتفاع بها هو قانون انتزاع لا قانون تنظيم. كما نؤكد أن الحرب لم تدمّر مشروع الجزيرة صدفة، بل سرّعت تفكيكه عبر نهب الآليات وتدمير القنوات وتعطيل الري وتهجير المزارعين وانهيار المواسم الزراعية، وهي شروط مثالية لفتح المشروع لاحقًا أمام ما يسمى بالاستثمار بعد تفريغه من سكانه وقوته الاجتماعية، لتأتي ورشة القوانين اليوم كغطاء قانوني لشرعنة ما فُرض بالقوة. وعليه تعلن قوى تحالف التغيير الجذري رفضها القاطع لأي قانون لمشروع الجزيرة والمناقل يُصاغ في غياب المزارعين وتنظيماتهم، وتطالب بالإلغاء الكامل لقانون مشروع الجزيرة لسنة 2005 وكل التشريعات القائمة على منطق الخصخصة وتؤكد أن الأرض في مشروع الجزيرة والمناقل ملكية اجتماعية لا سلعة، ولا يجوز التصرف فيها بالبيع أو الشراكات الرأسمالية. كما تطالب بتفكيك البنى الاحتكارية وعلى رأسها شركة الأقطان واسترداد الأصول المنهوبة وتدعم بقوة تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل بوصفه التعبير الحقيقي عن إرادة المزارعين وتنظيمهم المستقل، وتحمل كل من يشارك في تمرير هذه الورش والقوانين المسؤولية التاريخية والسياسية عن تصفية مشروع الجزيرة. إن معركة مشروع الجزيرة والمناقل ليست معركة قانون، بل معركة وجود: إما مشروع منتج يخدم الشعب ويصون السيادة الغذائية، أو أرض بلا فلاحين وغذاء بلا سيادة وسودان مرهون للشركات العابرة للقارات. ونوجه نداءنا للمزارعين والعمال والقوى الثورية الحية: انتبهوا، ما يُحضَّر هو انتزاع الأرض باسم القانون.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة