ثورة خارج الدولة: نحو تحول مدني جديد ومختلف في السودان!
الطريق الثالث!
رؤية مدنية ثورية مبتكرة تستند إلى الأوراق المرفقة (مشروع دولة المواطنة + ورقة المجتمع المدني) وهي ثمرة أبحاث وحوارات صبورة استمرت (بعض الوقت) على مدى خمسة عشر عامًا، وليست وليدة العشوائية.. نزعم!
ملاحظة إستباقية: أنشد صبرك لطفاً.. أعرف أن الفكرة تبدو غريبة.. لذا أتمنى أن تتجاوز المقدمات وإن كانت ضرورية إلى قلب الفكرة واللغة إلى جوهر الرؤية.
مقدمة: نحو ثورة لا تشبه أحدًا.. لأن السودان لا يشبه غيره.. وفق هذا التصور!
يعيش السودان اليوم مرحلة تاريخية فريدة لا يمكن مواجهتها بالأدوات القديمة ولا باستنساخ ثورات الأمس أي كانت. لقد تغير المجتمع، وتغيرت الدولة، وانهارت تقريباً كل منظومات السلطة الملتصقة بالدولة مع مخيالها وثقافتها، وتحولت الحياة اليومية نفسها إلى سؤال وجودي.
في هذا السياق تتبلور فكرة ثورة خارج الدولة - ثورة لا تستهدف اقتحام مؤسسات الدولة، ولا إسقاطها عبر المواجهة المباشرة، ولا إعادة إنتاج نموذج “الوصول إلى السلطة” بوصفه غاية التغيير. إنها ثورة هادئة وهادفة ومختلفة، تحدث من المجتمع لأجل المجتمع لا من الدولة ولا لأجلها.
من الناس العاديين، لا من النخب السياسية.. من الحقول والبيوت والزوايا والأسواق الشعبية وروابط المهن والطرق الصوفية والنفير.. وليس من الوزارات. ثورة تستلهم جذورنا التاريخية والروحية، وتستفيد من طاقات المجتمع التي أثبتت نفسها أثناء الحروب وإنقطاعات الدولة.
منطقنا الجديد المقترح: نحن لا نواجه الدولة.. ولا نتعارض مع من يريد مواجهتها.. نحن فقط نخرج عن منطقها القديم ونبني شيئًا آخر.. شيئاً صالحاً للزمكان.
وفق هذه المبادئ
1. ثورة خارج الدولة… لا داخلها
رؤية جديدة قد تبدو صادمة للبعض منا.. لأول وهلة!
هذا التصور ينطلق من فرضية محورية: كل الثورات التي حاولت العمل داخل منطق الدولة فشلت، لأنها استُوعبت ثم أُفرغت من معناها. التجارب عبر السبعين عامًا الماضية تقول بذلك، كما التجارب الأسبق في أزمان التركية الأولى والثانية (1821–1956).
أما “الثورة خارج الدولة” فتعني: تثوير المجتمع لا السعي إلى إسقاط مؤسسات الدولة بالقوة أو السلم. بناء سلطة اجتماعية مستقلة عن جهاز الدولة لا تقوم مقامه ولا تنافسه.
تحويل المجتمع المدني (بمعناه الواسع الوارد في الأوراق المرفقة) إلى فاعل تغييري من أجل ذاته، لا مجرد مساحة احتجاج على شيء خارجه. العمل خارج منظومة الصراع على السلطة، خارج لعبة الانقلاب–الانتخابات–الانقلاب التي حاصرت السودان منذ 1956.
إنها ليست ثورة ضد الدولة، وليست ثورة من أجل الدولة، بل ثورة من خارجها لإعادة تعريفها من الأساس.. تعريفها لا كصديق ولا كخصم.
2. المجتمع المدني - محرك الثورة الجديدة وفق التعريف الوارد في الأوراق المرفقة، المجتمع المدني هو:
كل ما هو غير رسمي.. كل ما هو خارج الدولة. هذا يشمل:
المجتمع التقليدي: التكايا، الأسر الممتدة، العشائر، الطرق الصوفية، النفير… المجتمع المدني الحديث: النقابات، لجان المقاومة، المنظمات الطوعية، المبادرات المهنية. القطاع الخاص والسوق. المثقفون والكتاب والفنانون والإعلاميون. “الثورة خارج الدولة” تقوم على تعبئة هذا الفضاء المدني الواسع وتثويره بمعنى:
تحويله من رد فعل إلى مشروع وجود. تنظيمه من حالة عفوية إلى طاقة استراتيجية. جعله هو المصدر الحقيقي للشرعية والرقابة على نفسه ومنها وإليها.
بناء مؤسسات مدنية موازية - ليست بديلة للدولة، بل مُقوِّمة لها من منطلق محايد ينسجم مع حياد هذه الرؤية.
إنها ثورة المجتمع المدني على العطب التاريخي للدولة، لا الثورة على الدولة نفسها.
3. سلبية موجبة تجاه الدولة: لا مع… ولا ضد المبدأ التنظيمي لهذا المشروع بسيط وواضح: أي شيء يتقاطع مع الدولة - نكون حياديين حيادًا فاعلًا تجاهه: لا نعارض.. لا نؤيد.. بل ننسحب.
لماذا؟
لأن الدخول في صراع مع الدولة يعيد المجتمع إلى منطقها القديم، ويستهلك طاقته في معارك ليست معاركه.. حالة تشبه الموت الإكلينيكي. التجارب السابقة أثبتت ذلك. ولأن تأييد الدولة - أي دولة - يعيد إنتاج الخضوع.
ولأن الثورة الحقيقية تحتاج إلى فضاء ثالث وفق هذه الرؤية: لا الدولة .. ولا خصومها.. بل الناس. إنها سلبية منتجة!.
تلك “السلبية الموجبة” ليست انسحابًا فكريًا أو فلسفيًا أو سياسيًا، بل استراتيجية مقاومة ناعمة: لا نمنح الدولة شرعية. ولا نمنح خصومها تفويضًا. ونشتغل في المساحات التي لا تستطيع الدولة السيطرة عليها: المجتمع، الخدمة، التواصل، الإغاثة، الإنتاج، القيم، الثقافة، التنظيم الشعبي. وهكذا تتحول الحيادية إلى قوة.
4. الاستفادة من إرث حركة الحياد بجامعة الخرطوم (1986-2003) يمثل إرث “حركة الحياد” نموذجًا مبتكرًا لوعيٍ يرفض الوقوع في ثنائية الاستقطاب ويعمل على بناء مساحات مستقلة.
هذا الإرث - مهما كان حجمه - يقدم درسًا مهمًا: الحياد يمكن أن يكون موقفًا فعّالًا ومؤثرًا، لا انسحابًا (قد يكون ذلك ليس متوقعاً أو مفهوماً للجميع، هذا ما سنشرحه أثناء الحوارات المستقبلية) هنا نحن بصدد إعتبار المبدأ من الحياد الموجب.
5. استلهام إرث التصوف السوداني (بما لا يتعارض أو يقلل من شأن التيارات الأخرى الحديثة): ثورة الروح أعظم ثورة قام بها السودانيون تاريخيًا لم تكن مسلحة ولا سياسية.. كانت ثورة روحية قادتها الطرق الصوفية. الإرث الصوفي يقدم ثلاثة مبادئ مناسبة تمامًا لثورة خارج الدولة: 1) البناء من أسفل - لا من القمة الطريقة الصوفية تبني الإنسان قبل المؤسسة. وهذا جوهر ثورة المجتمع المدني بمعناه الشامل (التقليدي والحديث). 2) اللامركزية لا مركز واحد.. بل خلاوي، تكايا، زوايا منتشرة ونفير - شبكات مستمرة الفاعلية (لا تُهزم ولا تهرم) تُضاف إلى المجتمع المدني الحديث هذه اللحظة التاريخية (زواج صارم ومتفاهم للطبيعة والأدوار). 3) الإشعاع الهادئ التغيير الصوفي (وفق هذه التجربة السودانية منذ ما قبل العهد السناري 1503-1821 وخلاله وبعده) يحدث بلا صراع مسلح، بلا صدام مباشر، لكنه قادر على تغيير الوعي القاعدي. وهذا هو النموذج المطلوب:
ثورة هادئة… حاسمة… عميقة… مستمرة.
6. كيف تعامل السودانيون تاريخيًا مع الدول الاستعمارية؟ (التركية الأولى 1821–1885) — (التركية الثانية 1898–1956)
لم تكن مقاومة أهل السودان في تلك الفترات صدامًا عسكريًا فقط، بل كانت - بالأساس- مقاومة اجتماعية–ثقافية تشبه ما ندعو إليه الآن: 1) المقاومة الصامتة رفض اجتماعي واسع، وانسحاب من مؤسسات المستعمر بالقدر الممكن، وخلق مؤسسات المجتمع الذاتية.. تقريبًا ذات الفكرة الحالية، فقط لم تسمِّ نفسها يومها بهذا الإسم (ثورة خارج الدولة). 2) بناء شبكات موازية المسيد، الخلوة، السوق الخاص، التكايا والنفير.. كانت بنية تحتية غير رسمية أقوى من الدولة وقل فوقها وتحتها ومستقلة عنها. 3) الثورة المهدية = الثورة حين تنضج - لا حين تُفرض المهدي لم يبدأ بالسلاح.. بل بدأ كـ “إصلاح اجتماعي- روحي”. ثم تحولت الحركة إلى مشروع دولة حين نضج شرطها. وهذا شرح ضرورة… لا قدوة مطلقة.. لأن تلك خاطرة مهمة في هذا المقام. 4) الشعب ينتصر حين يملك شبكات مجتمعية قوية ومستقلة عنوة لذلك انهارت التركية الأولى والثانية أخلاقيًا قبل أن تنهار عسكريًا. اليوم نحن في لحظة مشابهة بغير تطابق، والدروس التاريخية واضحة: بناء المجتمع هو الطريق الوحيد لإعادة صياغة مخيال الدولة بوعي جديد في لحظة جديدة.
7. موقفنا من الذين يريدون الثورة على الدولة هذه الثورة المدنية الجديدة لا تعادي أحدًا، ولا تنافس أحدًا، ولا تلغي خيارات الآخرين:
من أراد أن يثور على الدولة - فليثر. من أراد أن يبني حركة سياسية - فليبنِها. من أراد إسقاط النظام بالقوة أو بالمقاومة - هذا شأنه. أما نحن فنقول:
لن نمنع أحدًا… ولن نتبع أحدًا. نحن نعمل في مسار آخر: مسار بناء المجتمع.. لا كسر الدولة ولا السيطرة عليها. وبهذا تصبح الثورة المدنية خارج الدولة مظلّة شاملة تتسع للجميع دون صدام.
نقاط ختامية: نحو لحظة تأسيس جديدة للوعي المدني “ثورة خارج الدولة” ليست خطة إسقاط، وليست برنامج حكم، بل رؤية لإعادة تشكيل الحياة السودانية من جذورها:
1. ثورة لا تشبه ثورات الماضي — بلا عنف، بلا صراع على السلطة، بلا انتظار الدولة. 2. ثورة المجتمع المدني - التقليدي والحديث - بوصفه الفاعل الأكبر في السودان. 3. سلبية موجبة تجاه الدولة - حماية للثورة من الاستيعاب أو التدمير.
4. إرث التصوف الذي يمثل مخيال “الزول السوداني”- النموذج الروحي–الاجتماعي لبناء الإنسان والمجتمع. 5. الاستفادة من تاريخنا مع الدول الاستعمارية - المجتمع أقوى من الدولة حين ينظم نفسه. 6. لا تعارض مع من يريد ثورة سياسية - بل مسار مختلف. 7. الهدف النهائي: تأسيس مخيال دولة جديدة عبر المجتمع… لا عبر السلطة. إنها ثورة طويلة، هادئة، مستمرة. ثورة تُعيد للناس طاقتهم، وللمجتمع مكانته، وللدولة معناها.. بلا تعارض أو تدمير متبادل. ثورة تقول: التغيير يبدأ من حيث نحن.. لا من القصور الجمهورية.. بل من المجتمع المدني ولاجله وبه واليه.. وبهدف تجاوز خسران الماضي
رؤية مطروحة للنقاش العام والحر.. وقابلة للتطوير والتكميل والتنفيذ في نفس الوقت بلا تردد أو إنتظار.
ختيت ليكم هنا تصور ربما غريب شوية .. تحت عنوان (ثورة خارج الدولة.. ثورة المجتمع المدني) معليش ان كانت كذلك اعني حاجة غريبة.. دايرة صبر.. عارف .. الزول القادر يقراها تمام والا تجاوزوها في كل الاحوال وواصلوا مواضيعكم العملية كما انتم.. محبات كتيرات✌️🌹🔥
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة