في لحظة هي الأكثر اضطراباً في تاريخ العلاقة بين الخرطوم والقاهرة منذ عقود، يبرز اسم السفير ياسر سرور باعتباره أحد أهم العقول الدبلوماسية المصرية التي صاغت، وما تزال، ملامح السياسة المصرية تجاه السودان. ليس لأن الرجل يشغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون السودان وجنوب السودان فحسب، بل لأن مسيرته المهنية المتراكمة في ملفات حساسة – من نهر النيل إلى البعثات الدولية – جعلته اليوم بمثابة مهندس العلاقات السودانية–المصرية العقل الذي يترجم القلق المصري إلى سياسات هادئة ولكن محسوبة. خبرةٌ تتشكّل عبر البعثات والملفات المعقدة يمتد مشوار السفير سرور عبر محطات داخلية وخارجية حملت كلها ملمحاً واحداً: التعامل مع المناطق الرمادية في الجغرافيا السياسية. خدم في بعثات باكستان وإيطاليا، وعمل ضمن بعثة مصر الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، ثم تدرّج إلى منصب سفير مصر لدى البوسنة والهرسك، قبل أن يتولى إدارة ملف نهر النيل لأكثر من اثني عشر عاماً داخل وزارة الخارجية. هذه الخبرة التقنية والسياسية لم تكن مجرد مهام وظيفية، بل تدريب طويل على إدارة الأزمات متعددة الأطراف، والقدرة على قراءة الفاعلين الإقليميين وتعقيدات الأمن المائي، واكتساب شبكات من العلاقات تجعل منه مصدر ثقل داخل الوزارة. عندما اشتعل السودان… كان على القاهرة أن تسمع صوتاً يفهم المعادلة مع اندلاع الحرب في السودان، واجهت القاهرة اختباراً قاسياً: حدود ملتهبة، مليشيات متعددة، انهيار مؤسسات، ونزوح غير مسبوق. كان لابد من قيادة داخل الخارجية تمتلك: خبرة في الأمن الإقليمي، فهم عميق لقضية النيل والمياه، قدرة على إدارة ملفات إنسانية وحدودية حساسة، وملف علاقات ممتد مع القوى الدولية المعنيّة بالسودان. وهنا ظهر السفير ياسر سرور باعتباره الشخص الذي تجمع عنده كل هذه الخيوط. سياسة “الخط الهادئ” بين خطابات التصعيد الإقليمية ومواقف الدول المتنافسة داخل الساحة السودانية، تبنّت القاهرة نهجاً دبلوماسياً أكثر هدوءاً، لكنه أيضاً أكثر صرامة في ثوابته: الدفاع عن وحدة الدولة السودانية رفض أي كيانات موازية الفصل بين البعد الإنساني والسياسي دعم مسارات التهدئة والوساطات الإقليمية فتح قنوات اتصال مع القوى العسكرية والسياسية المختلفة كان هذا النهج انعكاساً مباشراً للمدرسة الدبلوماسية التي يمثلها سرور: التعامل مع الفوضى دون الانجرار إليها. أدوار غير معلنة… لكنها واضحة في النتائج رغم أن الخارجية المصرية لا تفصح غالباً عن تفاصيل المنتديات والمسارات المغلقة، فإن المتابع للمشهد يدرك أن السفير سرور لعب أدواراً مركزية في: تنسيق المواقف مع الرباعية الإقليمية، إدارة ملف الحدود والعبور الإنساني، متابعة الاتصالات غير العلنية مع الأطراف السودانية، صياغة الرسائل المصرية للدول الكبرى والمنظمات الدولية حول مستقبل السودان. هذه الأدوار هي التي صنعت الانطباع المتزايد بأنه بات أشبه بـ"مهندس غرفة عمليات العلاقات المصرية–السودانية". لماذا يوصف اليوم بـ"مهندس"؟ لأن الرجل يقف في قلب أهم معادلة أمن قومي للقاهرة: استقرار السودان = استقرار نهر النيل = استقرار الأمن المصري. ولأنه يمسك بملفات المياه، الحدود، النزوح، الاتصالات السياسية، والتنسيق الإقليمي… ليس كمهام منفصلة، بل كـ بنية واحدة تشكّل سياسة مصر تجاه جارتها الجنوبية. مستقبل الدور… وإرث المهندس إذا كان السودان مقبلاً على تحولات كبرى، فإن القاهرة كذلك. وسيكون على مهندس العلاقات ـ ومن خلفه جهاز الدبلوماسية ـ إعادة صياغة علاقة مركّبة، تعكس التوازن الجديد بين: صعود القوى الإقليمية المنافسة، تغيّر طبيعة الفاعلين داخل السودان، المتغيرات في ملف سد النهضة، وخرائط النفوذ العسكري والسياسي التي تعاد كتابتها اليوم. وفي كل ذلك، يظل اسم ياسر سرور حاضراً، ليس كواجهة بروتوكولية، بل كأحد العقول التي تشكّل صياغة الموقف المصري في واحدة من أخطر لحظات القرن.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة