تمثل التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي حول السودان - التي وصفت البلاد بأنها "بلا حكومة" وأعلنت العزم على العمل مع السعوديين لوقف الحرب - نقلة نوعية في السياسة الأمريكية بعد فترة طويلة من التردد. هذه ليست مجرد تصريحات عابرة، بل إعلان عن استراتيجية جديدة ستشكل مسار الصراع في الأشهر الاثني عشر المقبلة. التحول الجوهري: من المتفرج إلى المهندس لأول مرة منذ اندلاع الحرب، تعترف واشنطن صراحة بغياب السلطة المركزية الفاعلة في السودان. هذا الاعتراف ليس مجرد وصف للواقع، بل هو تمهيد لتدخل أكثر فاعلية. إنه يشير إلى أن الإدارة الأمريكية تخلت عن سياسة "الانتظار والترقب" وقررت الانتقال من دور المتفرج إلى دور المهندس النشط للتسوية. المحاور الثلاثة للاستراتيجية الأمريكية الجديدة: هندسة الهدنة الإنسانية: مدخل عملي تدرك واشنطن أن السعي لوقف شامل للنار قد يكون طموحاً غير واقعي في المرحلة الحالية. لذلك تتبنى نهجاً مرحلياً يركز على: تجميد الصراع بدلاً إنهائه فوراً فتح ممرات إنسانية كأولوية قصوى استعادة الصيغة الرباعية (أمريكا، السعودية، الإمارات، مصر) كإطار عمل هذا النهج يعكس دروساً من أزمات إنسانية سابقة، حيث يصبح تخفيف المعاناة الإنسانية بوابة للتفاوض السياسي. الضغوط المستهدفة: بين الدبلوماسية والعقوبات ستعتمد الاستراتيجية الأمريكية على خليط من الوسائل: عقوبات مالية على شبكات التمويل والتسليح ضغوط دبلوماسية لعزل المتمنعين عن السلام تنسيق إقليمي لخنق مصادر الدعم الخارجي للأطراف المتحاربة المهم هنا أن واشنطن تتجنب الانزلاق نحو التدخل العسكري المباشر، مع الحفاظ على أدوات ضغط مؤثرة. العملية السياسية: رؤية طويلة المدى تشير القراءة إلى أن الأمريكيين يفكرون بما بعد الهدنة: ترتيبات أمنية انتقالية قد تتضمن إشرافاً دولياً خريطة طريق لسلطة مدنية تحل محل الترتيبات الحالية استقرار الحد الأدنى كهدف واقعي بدلاً من بناء دولة كاملة
التأثيرات المتوقعة على الأطراف السودانية على الحكومة السودانية (كامل إدريس والمجلس السيادي): فقدان الشرعية الدولية بشكل أوسع ضغوط للتفاوض مع خصومهم
احتمالية تآكل الدعم الإقليمي مع انضمام شركائهم للجهود الأمريكية على قوات الدعم السريع: عزل متزايد مع تصنيفهم كعقبة أمام السلام تضييق على مصادر التمويل والسلاح احتمالية انقسامات داخلية بين من يؤيد التفاوض ومن يرفضه على المدنيين والساحة السياسية: بارقة أمل في تخفيف المعاناة الإنسانية احتمال فتح مسارات لمشاركة سياسية أوسع خطر تحول الصراع من عسكري إلى سياسي بأشكال معقدة التحديات والمخاطر محدودية النفوذ- قد لا تملك أمريكا كل الأدوات لفرض حل تعقيد التحالفات المصالح المتضاربة للإقليميين قد تعطل التنسيق مقاومة الأطراف: كلا الطرفين العسكريين قد يرفضان التسوية لحسابات تتعلق بمكاسبهما فجوة الثقة: عمق العداء بين الأطراف قد يجعل أي اتفاق هشاً فرصة تاريخية محفوفة بالمخاطر تمثل التصريحات الأمريكية لحظة حاسبة في مسار الحرب السودانية. إذا نجحت واشنطن في تحويل كلماتها إلى أفعال ملموسة - هدنة تُحترم، ممرات إنسانية تُفتح، مسار تفاوضي يبدأ - فقد تكون قد قدمت للشعب السوداني فرصة حقيقية للخروج من نفق الحرب. غير أن النجاح ليس مضموناً. التاريخ يشهد أن العديد من المبادرات الدولية باءت بالفشل في السودان. الفارق هذه المرة هو أن واشنطن، بقوتها ونفوذها، قررت أخيراً الدخول إلى قلب العاصفة السودانية، محاولةً تحويل مسار صراع أصبح تهديداً للإقليم كله.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة