في غمار هذه الحرب، التي يريد البعض أن يقدم دحضاً لنموذجها المقترح، الذي تبنته شرائح صاعدة، ترتبط أوضاعها الاجتماعية بعلاقة تجانس مع النخب الأفريقية، التي لا تتفاوت في الجوهر ولا في الشرعية"، تلك النخب التي لا تضع العقلانية كهدف لها، ولا ترتكز جميعها بالفعل على مسلمة حسن الجوار، فجل هاجسها، أن تكتسي علاقاتها بصلات دافئة، بهذه "البرجوازية المسيطرة" التي غاب عنها الحس النقدي الذي يريها أهوال هذه الحرب المستعرة في إقليم دارفور على حقيقتها، ففي الحق أن الشرائح العليا من هذه النخب في النيجر، وتشاد، وجنوب السودان، وكينيا، والصومال وغيرها، تريد أن تمس حظوظ القوة هذه، وترتبط بها ارتباطاً وثيقاً، حتى تعينها على احتكار سلطة الدولة، وتغدو عندها أشبه بالامتيازات الوراثية، هذا الشكل من حركة "الذات" الذي تجلى في ميادين أخرى، لا يستقيم النظر في هذه الآثرة المقيتة إلا بها، فالآثرة التي نعتبرها محرك "سيرورة الابتذال" التي جنت الطليعة المكرسة له في" تأسيس" و"صمود" عوائد كبيرة ويحظى بتقدير البرجوازية وافتتانها، هي التي جعلت بلا أدنى شك، كلما كتب عن سبل ايقاف هذه الحرب التي لا تآصرها آصرة حشواً لا فائدة فيه، وهي التي أخرجت رواية هذه الحرب بهذه الصورة من الرتابة والملال، رواية بلا أحداث غير متوقعة، وبلا حبكة مشوقة، فهذه النخب المستهترة، التي لا تبالي ما قالت، و لا ما قيل فيها، لم نجد أي منها يتصدى لمآرب هذه" البرجوازية" ويمتنع عنها، فالطموح الشكلي الاجتماعي، هو الذي يقرر الغاية الأخلاقية، ويُفْعِلَ خاصية التواطؤ عند هذه النخب، التي نسيت أن من ارتكب الجريمة يجب أن يتعرض للعقاب. إن الشيء الذي يجب طرحه على جميع الأصعدة، حقيقة أن هذه الهيجاء قد أضافت دول الجوار من كدرها ومآسيها حواشي أخرى، وأن" سيماء الكريهة" التي تم ضبطها تدريجياً، مفادها أن تتجرد هذه الدول عن أي أواصر مستوحاة من مشاعر مسبقة، وأن تنخرط في هذه الحرب بلا هوادة، وسيثبت التاريخ أن هذه الأنظمة الهشة التي لا تستطيع أن تصون استقلالها الذاتي تحت ضغط برجوازية "مؤيد الدين العلقمي" الذي يستقطب قادة هذه الدول في ترتيب محكم، وأسلوب جذاب، فملعب "بن العلقمي" الذي يتصارع في داخله حائزو رأس المال بأنواعه المختلفة، أزروا بأفراد واجب الدولة هو أن تصنع منهم مواطنين صالحين، لا مرتزقة تنحصر ضوابطهم الجسدية والعقلية في طي ملف السودان، ومحق جرثومته، إن تحليل نشأة هذا التماهي مع أطروحات "مؤيد الدين بن محمد العلقمي" في نسخته المعاصرة، على امتداد نطاق اختصاصها، مرده في وجهة نظرنا القاصرة، هو نمط تفكيرها البنيوي، الذي ينزع للفردية والأنانية دون النظر للمجموع، فمثل هذه النماذج السيئة من النخب السياسية، التي تظل عمياء عن مآلات وتأثيرات هذه الصيغة المرتبطة بشكل مستمر بالاستئثار وحب الذات، تكون دائماً مزودة بحياة عابثة، وروحاً ناضبة، وفكر غير متزن، وإرادة منفصلة عن حاجز الكرامة، وعتبة الكبرياء. القوات المسلحة باعتبارها فاعلاً نشطاً في كبح "برجوازية العلقمي" في المنطقة، تهدف أن تؤسس بصورة مستمرة، منظومة مبنية بشكل مناوئ لبنيات هذا العالم الذي تجري فيه هذه اللعبة، منظومة غايتها ليس الربح المادي الوفير، الذي يختزل كل القيم والضوابط التي تعارف عليها الناس، ويستخف بها، منظومة تضع نفسها في "أطر الدين"، وتتحرك في ساحة" المعتقدات" التي تتجه دوماً في الاتجاه الصائب الذي يستهجن الغايات الوضيعة، ويأنف منها، فتفاني هذه القوات الباسلة في الذود عن حياض وطنها، ما هو إلا نتاج لاندماج هذه البنيات التي تشكلت منها هذه المنظومة التي لا تعنو لقهر، أو تطمئن إلى غضاضة، ستنجلي هذه الحرب، وستتداعي مظاهرها الشديدة الاختلاف، وسيسخر الناس من هذه الفئات التي جعلت "ذاتها" قيمة نسبية للأشياء المتبادلة، وسيعلو كعب القوات المسلحة التي درجت في حواشي العز والشهامة والوفاء. د.الطيب النقر
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة