|
|
Re: حين صارت البندقية مطيّة الإخوان (Re: Hassan Farah)
|
بقلم د. التوم حاج الصافي . خبير علاقات دولية.
أصواتُ السلامِ في السودان مخطوفةٌ، والبلدُ يُنهَشُ من قِبلِ من يرون في الدمِّ سلعةً وفي الخرابِ طريقًا إلى السلطة. ليست الأزمة مجرد معاركٍ على الأرض؛ إنها حربٌ تُدارُ من الظلِّ، تُوجَّهُ عبر أيدي إيديولوجيةٍ استقامت على استرداد النفوذ مهما كلف الثمنُ من دمٍ وخرابٍ.
الإخوانُ يغذّون الصراعَ بخطاباتٍ ومبرراتٍ وبشبكاتٍ تَعمل في الخفاء. هم من يحركونَ بعضَ الألسنِ ويستثمرونَ في آلةِ الكراهيةِ ليضمنوا بقائهم السياسيّ، حتى لو دفع ثمنُ ذلك الملايينَ من أبرياءِ الوطن. من يشتري الحربَ ويبيعُها لا يسعى لسلامٍ، بل لربحٍ دائمٍ ومكانةٍ مستعادةٍ — ولا رحمةَ له في وجوهِ الأطفالِ والنساءِ والمرضى.
الجيشُ السودانيّ، من جانبه، تاريخيًا لم يُحسمْ معركةً «بالبندقية» وحدها. كثيرٌ من الصراعاتِ في بلادنا تُقفلُ عبر تسوياتٍ سياسيةٍ أو مآلاتٍ ليست نتاجًا لانتصارٍ حاسمٍ على الأرض. وهذا يُظهرُ أنَّ من يتباهى بإنهاءِ الحرب سلاحًا هو اختصارٌ مخادعٌ للواقع: الحسمُ العسكريُّ لم يكن طريقَ السودانِ للخلاصِ قطّ. لذا فإنَّ تحويلَ البندقيةِ إلى مطيّةٍ لأجندةٍ خارجيةٍ أو داخليةٍ لا يصنعُ وطنًا، بل يطيلُ عمرَ المأساة.
أعظمُ الخسائرِ ليست في الخرابِ وحده، بل في من يَتاجرُ بمعاناةِ الناس: تجّارُ السلاحِ، شبكاتُ الفسادِ، أبواقٌ إعلاميةٌ تُسوِّقُ الأكاذيبَ وتغدو منصةً لمن يستلذُّ بنزفِ البلد. هؤلاء لا يقلُّون خطراً عن رصاصٍ أصابَ قلبَ حيٍّ؛ لأنّهم يربحونَ من اليتمِ واللجوءِ والدمارِ، ويعيدونَ إنتاجَ دوامةٍ لا تُنهي إلا بانهيارٍ أكبر.
اكتشاف المزيد أخبار اليوم كتب عن تاريخ السودان تاريخ الصحافة نشرة إخبارية خدمات استشارية سياسية أخلاقيات الصحافة تدريب صحفيين ملابس سودانية تقليدية صحافة رقمية منتجات طعام سودانية السودانيونَ يحتَرقونَ الآن تحت وطأةِ قرارٍ خاطئٍ اتُّخذَ بعيدًا عنهم: قرارٌ يُروّجُ له من خلفِ الستارِ وأرادتهُ ليست مصلحةُ الوطنِ بل استعادةُ امتيازاتٍ وأدوارٍ سابقة. لو كان في قلبِ هؤلاءِ ذرةٌ من رحمةٍ، لما سمحوا ببيعِ الوطنِ بهذا الثمن. أما اليوم فالأمر واضحٌ: لا سلام حقيقيَّ ما دامَ من يتحكّمونَ في البندقياتِ هم من يجترُّونَ حروباهم التاريخيةَ عبر أجسادِ الناسِ.
النداءُ الآن مُوجّهٌ لكلِّ ضميرٍ حيٍّ في الداخلِ والخارج: أوقفوا مُلكَيةَ الحربِ من قبلِ من لا يهمُّهم إلا السلطةُ والربحُ. افتحوا ممرّاتٍ إنسانيةً، احموا المدنيينَ، واحاسبوا من جعلوا من معاناةِ الناسِ تجارةً. السودانُ بحاجةٍ إلى سياسةٍ رشيدةٍ، إلى قيادةٍ تحمي الإنسانَ قبل أن تحمي أي أيديولوجيا؛ وإلى حوارٍ سودانيٍّ بدلاً من حربٍ تُدارُ بالوكالة.
إنّ تحريرَ البندقيةِ من مطيّةِ الأجنداتِ ليس شعارًا، بل فعلٌ وطنيٌّ — خطوةٌ نحو استعادةِ كرامةِ الشعبِ وحياةِ أبنائهِ، قبل فواتِ الأوان.
فيسبوك X مشاركة عبر البريد طباعة صورة محررو الراكوبة 8 محررو الراكوبة 8
| |

|
|
|
|