|
|
|
Re: في محبة هاشم صديق: شاعرُ القلب وذاكرةُ الم (Re: زهير ابو الزهراء)
|
أصدقائي الأعزّاء، دعوني اليوم أشارككم نبضًا من قلبي، وذكرى لا تكفّ عن النزف عطرًا... حديثٌ عن رجلٍ لم يكن مجرد اسمٍ يتردد، بل كان وهجًا إنسانيًا نادرًا، كان هاشم صديق. لم يكن هاشم شاعرًا يخطُّ الكلمات على الورق فحسب، كان قيثارةً للوجدان، ومسرحُه لم يكن خشبةً وأضواءً، بل كان مرآةً صادقةً لأحلامنا، جراحنا، وضحكاتنا التي لا تخلو من دمعة. كان يكتبُ بدمِ القلب، فتنبضُ كلماته بحقيقةِ ما نحسُّ به، لا بما نظهره. وتعاودني الذكرى... هناك في رحاب سوريا، حيث كنّا نبحث عن مقاعدٍ للعلم، أنا الطالب وهو الأستاذُ الجليل، بكلّ ما تحملُه الشخصية السودانية من بهاءٍ ووقار. أصرَّ أن أكون ضيفَه، أن أنزلَ في ضيافته وكأنما كان يريد أن يقول لي: "أنت أخي، وليس بيننا سوى الإنسان للإنسان". حتى المنسقُ قال لي: "ابقَ معه"، وكأن الجميعَ كانوا يعرفون أن القربَ من هاشم هو درسٌ في الإنسانية. قضيتُ معه أسبوعًا كاملًا، بين كل أنواع البشر، ورأيته ينفتحُ كالوردة، قلبه متسعٌ للجميع، وروحه لا تعرف الغرباء. وعند الرحيل... لم يودعني بكلماتٍ فقط، بل بذلك المبلغ من العملة الذي تبقى معه، كأنه يقول: "خذ، فأنت جزءٌ مني". يا لروعة تلك اليد التي تعطي بلا حساب، ويا لروعَة ذلك القلب الذي وسع كل من حوله. رحلَ هاشم جسدا، لكنّ روحه ما زالت تُغريدٌ في كل قصيدة، ووميضًا في كل عرضٍ مسرحي، وذكرى عطرةً في كل قلبٍ أحبَّ الفنَ بصدق. علّمنا أن الثقافةَ ليست حبرًا على ورق، بل هي أن نعيشَ بإحساسٍ مرهف، وأن نلمسَ الحياةَ برفق. فلنحتفِ بذكراه اليوم، لا بدموعِ الحزن، بل بابتسامةِ الامتنان... لأنّ وجوده كان هبة. ولنجعل من حبه للفنِّ شمسًا نسيرُ على دربها، ونورًا نستمدُّ منه العزاءَ والإلهام.
| |
 
|
|
|
|
|
|
|
Re: في محبة هاشم صديق: شاعرُ القلب وذاكرةُ الم (Re: زهير ابو الزهراء)
|
باكٍ على رحيل هاشم صديق
أيُّها المغتَربُ الذي لم يَغْتَرِبْ.. ها أنت تَرحَلُ عنّا جسداً، وتَبقى فينا نَبْضاً لا يخْفُتُ.
لماذا نَتذكَّرُك؟ ألأنَّ الموتَ صادفَ قلوبنا فارغةً فملأها بحُزْنِكَ؟ أم لأنَّ في أرواحنا جوعاً لصوتٍ مثلكَ كان يَصْرُخُ بِصَمْتٍ، ويَصْمُتُ بِصَرْخةٍ؟
لا.. لسنا نَتذكَّرُك صُدْفةً. فالحُبُّ صُدْفةٌ، أما الحِسُّ بِفَقْدِكَ.. فَضَرْبٌ مِنَ الحَتمِيَّة.
نَتذكَّرُك لأنَّ كُلَّ مَكانٍ في هذا البَلَدِ الباكي يُشْبِهُكَ: شوارعُهُ المُتعبةُ تُشْبِهُ نَظْرَتَكَ الحزينة، أطفالُهُ الجِياعُ يُشْبِهُونَ قَصيدَتَكَ الجريحة، صَمْتُ النَّاسِ عَنْ الحقيقةِ.. يُشْبِهُ صَمْتَكَ الأصْمَّ عَنْ كُلِّ ما هوَ زائف.
نَتذكَّرُك لأنَّكَ كُنتَ تَحْمِلُ مِفْتَاحَ اللُّغةِ التي نَسِيَها الكَتَبَةُ، وتَعْرِفُ دَرْبَ الحقيقةِ التي ضَلَّ عَنْها السَّاسَة.
رحَلْتَ.. وخَلَّفْتَ وَجْعاً لا يُسَكَّنُ، وأسئلةً لا تُجاب.
رحَلْتَ.. وأخَذْتَ معكَ بَعْضَ طُهُورِنَا، وبَقِي لنا بَعْضُ خِزْيِنا.
أتعلمُ يا هاشم؟ لَسْنَا نَبْكِي عَلَيْكَ وَحْدَك.. نَبْكي عَلَى أَنْفُسِنَا وَهِي تَرْكُضُ خَلْفَ أوْهامِ السُّلْطة، وَتَنْسَى أَنَّ الشِّعْرَ أَنْفَسُ مِنْ كُلِّ مَقالِبِها.
نَبْكي عَلَى لُغَةٍ صَارَتْ غَريبَةً فِي وَطَنِهَا، وَعَلَى وَطَنٍ صَارَ غَريباً فِي لُغَتِهِ.
رحَلْتَ.. وَصَارَ رَحِيلُكَ جُرْحاً فِي جَبِينِ الزَّمَنِ العَربِيِّ، وَصَارَتْ قَصَائدُكَ وَطناً بَدِيلاً لِكُلِّ مُشَرَّدٍ.
سَتَبْقَى.. لأنَّ الحُبَّ لا يَمُوتُ، وَالشِّعْرَ لا يَخُونُ، وَالحَقِيقَةَ لا تَغِيبُ.
سَتَبْقَى.. لأنَّنَا بِحَاجَةٍ إِلَيْكَ.. بِحَاجَةٍ إِلَى صَوْتِكَ الْخَشِنِ الْحَنُونِ، إِلَى ضَحْكَتِكَ الْمُرَّةِ، إِلَى نَبْرَتِكَ الْعَاتِيَةِ الرَّقِيقَة.
سَتَبْقَى.. لأنَّ فَقْدَكَ لَيْسَ صُدْفَةً، وَلا مُمَارَسَةً لِجَلْدِ الذَّات.
إِنَّهُ إِحْسَاسٌ بِالْيُتْم.. يُتْمِ الْكَلِمَةِ الصَّادِقَةِ، يُتْمِ الْوَطَنِ الَّذِي صَارَ غَرِيباً عَنْ أَهْلِهِ.
عَظَمَةُ الله وَرَحْمَتُهُ عَلَيْكَ يَا هَاشِم. وَعَسَى أَنْ تَلْقَى فِي الْجِنَانِ مَا لَمْ تَجِدْهُ فِي دُنْيَانَا: وَعْداً صَادِقاً، وَوَطَناً حَقِيقِياً، وَقَصِيدَةً لَا تَنْتَهِي.
| |
 
|
|
|
|
|
|
|