في خضم النزاع المسلح الذي يعصف بالسودان، يواجه المواطن السوداني اليوم شكلاً جديداً من المعاناة — الحصار المالي. فبدلاً من أن يكون النظام المصرفي ملاذاً آمناً في أوقات الأزمات أصبح أداة تستخدم لتقييد الأفراد وحرمانهم من أبسط حقوقهم الاقتصادية. تجميد الحسابات البنكية للمواطنين، سواء داخل البلاد أو خارجها، دون مسوغ قانوني واضح، يشكل انتهاكاً صريحاً لمبدأ الحياد المالي المنصوص عليه في قانون بنك السودان المركزي لسنة 2002 (المادة 7) والذي يفرض على المؤسسة المالية التعامل مع جميع العملاء دون تمييز. هذا الإجراء لا يتعارض فقط مع التشريعات الوطنية — مثل المادة 45 من القانون المدني لسنة 1984 والمادة 12 من قانون المعاملات المصرفية — بل يتجاوزها إلى خرق واضح للمواثيق الدولية، وعلى رأسها المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 14 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، اللتين تضمنان الحق في الملكية وعدم حرمان أي شخص من أمواله بشكل تعسفي. الآثار المترتبة على هذا النوع من الإجراءات لا تقتصر على الضرر المالي، بل تمتد إلى المساس بالكرامة الإنسانية، وتقويض ثقة المواطن في مؤسسات بلده. إن تجميد الأموال في سياق الحرب لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة “أمنية” أو “رقابية” — فالحرب لا تمنح الدولة الحق في مصادرة حقوق الناس.
من الناحية القانونية، يتحمل البنك المركزي والمؤسسات المالية مسؤولية مدنية وتأديبية بموجب المادة 106 من القانون المدني وقوانين العمل المصرفي، عن الأضرار المادية والمعنوية التي تلحق بالأفراد نتيجة هذه القرارات غير المشروعة.
التوصيات:
رفع الحجز فوراً عن الحسابات البنكية للأفراد المتأثرين.
تعويض المتضررين مادياً ومعنوياً عن فترة الحرمان.
مراجعة التشريعات المصرفية لضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات.
تمكين المتضررين من اللجوء إلى القضاء الوطني والدولي لاسترداد حقوقهم.
لناس لبورسودان لن نخضع ولكن إن استمرار هذه الممارسات لا يمثل فقط إخلالاً بالقانون، بل يهدد ما تبقى من الثقة في النظام المالي السوداني. الحفاظ على الحقوق الاقتصادية ليس رفاهية، بل هو صلب أي مشروع وطني لبناء دولة القانون. فلا يجوز أن يتحول البنك المركزي، وهو رمز السيادة الاقتصادية، إلى طرفٍ في معركة ضد مواطنيه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة