دارفور على مفترق الصراع السوداني: تشريح توازنات القوى وتحديات صناعة القرارمن الخرطوم إلى الفاشر، دارفور ليست مجرد مسرح للنزاع، بل مرآة تعكس تعقيدات الصراع على السلطة في السودان ومستقبل بناء الدولة. الفاشر دارفور – في قلب الإقليم الذي مزقته الحروب، تتجلى دارفور اليوم كمختبر لتحولات السودان ما بعد الحرب. لم يعد الإقليم مجرد ساحة للاشتباكات المسلحة، بل أصبح مركز ثقل لمعادلات سياسية وعسكرية تحدد ملامح المستقبل السوداني. اتفاق جوبا للسلام 2020، الذي وُعد بأن يكون حجر الزاوية لاستقرار المنطقة، يواجه اليوم اختباراً صعباً وسط تصاعد التوترات بين القوى المتنافسة، وتداخل المصالح الإقليمية، وتحديات بناء دولة موحدة.تشريح السيطرة الميدانية: صراع النماذج العسكرية على الأرض، تكشف المواجهات بين الجيش السوداني (SAF) وقوات الدعم السريع (RSF) عن تناقضات عميقة في استراتيجيات السيطرة. قوات الدعم السريع تعتمد نموذجاً أفقياً يعتمد على الانتشار الواسع، مستفيدة من سيطرتها على المحاور اللوجستية في شمال ووسط دارفور. في المقابل، يركز الجيش على نموذج مركزي، يدافع عن نقاط استراتيجية مثل الفاشر ويحافظ على خطوط الإمداد مع الخرطوم. هذا التناقض ليس مجرد اختلاف تكتيكي، بل انعكاس لرؤى متباينة: اقتصاد حرب مرن مقابل شرعية الدولة المركزية.تضيف التكنولوجيا، خاصة الطائرات المسيرة، تعقيداً جديداً. المعارك التقليدية تحولت إلى حروب حضرية طاحنة، حيث أصبحت السيطرة على المدن الكبرى مثل نيالا وزالنجي مؤقتة، تتأرجح بين الحصار والتفوق العابر. تقارير "ACLED" (أغسطس وسبتمبر 2025) تؤكد أن هذا التحول جعل المدن نقاط اختناق إنسانية وسياسية.اقتصاديات الحرب: شبكات الإمداد والضغوط الإقليميةجغرافيا دارفور تُعدّ سلاحاً ذا حدين. تعتمد قوات الدعم السريع على شبكات إمداد عابرة للحدود تمتد من تشاد وليبيا، مما يمنحها مرونة لوجستية ولكنه يجعلها رهينة للتوازنات الإقليمية. في المقابل، يعتمد الجيش على "الشريان الحيوي" الرابط بين الخرطوم والأبيض وغرب السودان، في محاولة للحفاظ على تماسك الدولة. مدن مثل الفاشر ونيالا تحولت إلى مراكز ضغط سياسي وعسكري، حيث تُستخدم السيطرة عليها كأداة لكسب الشرعية أو إضعاف الخصم، وفقاً لتقارير "ReliefWeb" (أكتوبر 2025). تشابك التحالفات: من الميدان إلى السياسة"القوات المشتركة لدارفور"، التي تضم فصائل مثل حركة تحرير السودان (مني أركو مناوي) وحركة العدل والمساواة، تجسد إشكالية التحالفات في بيئة الصراع. ازدواجية الولاءات وتضارب الأجندات تحول دون تشكيل كتلة سياسية موحدة. على الصعيد الإقليمي، تدعم دول الجوار أطرافاً متناقضة، مما يطيل أمد الصراع ويحوله إلى وكيل لمصالح إقليمية أوسع. تقرير "Wilson Center" (2025) يحذر من أن هذا التداخل يعقّد أي تسوية محتملة.سيناريوهات المستقبل: بين التصعيد والتسويةالسيناريو الأول: التصعيد الميداني المحدود قد يسعى كل طرف لتحقيق انتصارات ميدانية لتعزيز موقفه التفاوضي، لكن ذلك يحمل مخاطر إنسانية جسيمة، تهدد النسيج الاجتماعي في دارفور، حسب تحليل "الجزيرة" (سبتمبر 2025).السيناريو الثاني: تحول القيادات الضغوط العسكرية قد تؤدي إلى انقسامات داخل القيادات، مما يفتح نافذة لتسوية سياسية، شرط استعداد قوى دارفور لاستغلال هذه الفرصة، كما يشير تقرير "Le Monde".السيناريو الثالث: تسوية إقليمية مفروضة قد تدفع الضغوط الإقليمية إلى تسوية تخدم مصالح خارجية على حساب الوطنية، مما يهدد بتهميش دارفور إذا لم تتحد قواها سياسياً. أزمة التمثيل: غياب صوت دارفوررغم الدور العسكري البارز لأبناء دارفور، يظل حضورهم في صناعة القرار هامشياً. هذه المفارقة تجعل الإقليم مسرحاً للصراع بدلاً من فاعل فيه، مما يفرّغ أي مشاركة سياسية من مضمونها. نحو رؤية استراتيجيةللخروج من هذا المأزق، تحتاج دارفور إلى: توحيد استراتيجي: تحالف سياسي-عسكري يجمع بين الشرعيتين المحلية والوطنية. دبلوماسية نشطة: تحالفات إقليمية تحمي مصالح دارفور في أي تسوية. تمكين مؤسسي: هياكل إدارية وقضائية تعزز الموقف التفاوضي. رؤية وطنية: مشروع يوازن بين مطالب دارفور ووحدة السودان.
*دارفور أمام اختبار تاريخيدارفور لم تعد أمام خيار بين الاندماج أو الانفصال، بل بين أن تكون شريكاً في صياغة مستقبل السودان أو أن تبقى رهينة لصراعات الآخرين. الانتقال من موقع الضحية إلى الفاعل السياسي يتطلب إرادة موحدة وقدرة على توظيف التوازنات الإقليمية. في النهاية، دارفور تقف على مفترق طرق: إما أن تشق طريقها نحو الشراكة الوطنية، أو تبقى عالقة في دائرة الصراع التي لا منتصر فيها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة