ترجمة عربية لقصتي TheTrue Friends المكتوبةبالإنقليزبة، و هي عبارة عن adaptation من كتاب:كليلة و دمن

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 10-17-2025, 08:22 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
المنبر العام
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-13-2025, 10:03 PM

wedzayneb
<awedzayneb
تاريخ التسجيل: 03-05-2003
مجموع المشاركات: 2167

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ترجمة عربية لقصتي TheTrue Friends المكتوبةبالإنقليزبة، و هي عبارة عن adaptation من كتاب:كليلة و دمن

    10:03 PM October, 13 2025

    سودانيز اون لاين
    wedzayneb-California, USA
    مكتبتى
    رابط مختصر





    التطبيق المستعمل في الترجمة هو: chatgpt.
    -سبق لي في العام 2004 نشر القصة على منبر سودانيزاونلاين للنقاش.
    سأرفق القصة في أصلها الإنقليزي لاحقا.
    و ألفت نظركم أن هنالك خطأين نخويين في النص الإنقليزي.
    أنا أخطط لنشر القصة في ترجمتها العربية بعد الاستهداء بآراء النقاد حولها،
    و من بينها الآراء النقدية التي قد أتلقاها من زملائي في منبر سودانبزاونلاين
    للنقاش- مشكورون.
    لأن القصة موجهة غالبا للقراء الصبيان, فإنني سأقوم لاحقا بحذف الحوار الداخلي
    لشخصية القصة : " بدينا " بأنهطتزمع الإنتحار بإلقاء نفسها في " whirlpool "
    للتخلص من حياتها انتحار because she was overwhelmed with guilt
    for her betrayal to her friend Mahir the Monkey.

    و تعديل ذلك بأنها في غمرة انهماكها فيى لوم نفيدسها لارتكابها جريمة الخيانة،
    بينما هي تسبح في عرض النهر، نسبت أنها اقترلت كثيرا من ال whirlpool,
    التب اعتادت على تحاشيها، فوق المحظور.......

    و سأقوم لتغيير اسم القصة ل " أصدقاء عند الفزع "

    أترككم الآن مع النص المترجم:



    لأصدقاء الحقيقيون
    قال الملك دَبشليم للفيلسوف بَيْدَبَا:
    "قد سمعتُ من قبل عن قصة أصدقاءٍ مقربين، وكيف تسلّلت إليهم شرور بعض الناس، فزرعوا بينهم بذور البغضاء، فقطعوا ما كان من حبال المودة، وشتتوا ما جمعته العشرة. فهلّا قصصتَ عليّ الآن حكايةً عن الأصدقاء الحقيقيين؟ كيف تبدأ صداقتهم؟ وكيف يطيب لهم العيش في كنف الأُنس والمودّة؟"
    أجاب الفيلسوف بَيْدَبَا قائلاً:
    "إنّ العاقل لا يُساوي بشيءٍ من الدنيا أصدقاءه الأوفياء. فهم عونه في دروب الخير، وسنده حين تشتدّ الخطوب، وسلواه إن نزلت به النوائب. وخير مثالٍ على ذلك هو قصة الحمامة زرقاء الرقبة، والفأر، والغراب، والسلح
    ا
    فاة، والغزالة."
    فقال الملك بشوق:
    "هلاّ رويتَ لي تلك القصة؟"
    فقال بيدبا:
    "ذُكر أنّه في ناحية تُدعى سَكْوَدْجِين، بالقرب من مدينة دَاهِر، كانت هناك أرضٌ اشتهرت بكثرة طُرْدِها وصيدها. وقد اتخذ غراب يُدعى سَلاَم من شجرةٍ عظيمة مقامًا له ومأوى.
    وذات يوم، بينما كان سلام يُشرف من عشه على ما حوله، أبصر رجلًا دميم الهيئة، يحمل شَبَكًا على كتفه، وفي يده عصا غليظة، يسير متوجّهًا نحو الشجرة.
    فقال الغراب في نفسه:
    "لقد ساق هذا الرجل إلى هنا أمرٌ خطير. إما هلاكٌ لي، أو لشخصٍ آخر. لا بُدّ أن أرقب الأمر عن كثب."
    وما لبث الرجل أن نصب شَبَكَه تحت الشجرة، ونثر عليه حبًّا كثيرًا، ثم ابتعد واختفى خلف شجرة بعيدة مترقّبًا.
    وبعد لحظات، حطّت على الأرض جماعة من الحمام تقودها حمامة ذات عنقٍ أزرق لامع. شرعت الحمام تلتقط الحبّ دون حذر، فإذا بالشبكة تُطبِق عليهم فجأة، فيقعون جميعًا في الفخ!
    وما إن رأى الصياد ما حدث، حتى هبّ مسرعًا نحوهم، فرِحًا بصيده. أما الحمام، فبدأ كل واحدٍ منهم يضرب بجناحيه محاولًا الفكاك، لكن دون جدوى.
    فصاحت الحمامة زرقاء الرقبة، وقد رأت أن الجهد الفردي لا يجدي:
    "لا تيأسنّ، ولا تفكر إحدانا في نجاتها وحدها! إنّا إنْ اجتمعنا على أمر، فقد ننجو جميعًا. فلنُحرّك أجنحتنا معًا في وقتٍ واحد، لعلنا ننهض بالشبكة إلى السماء."
    أطاعت الحمام قائِدتها، وبدأ الجميع يرفرف بأجنحته متحدًا. وبعد محاولاتٍ عدة، ارتفعت الشبكة بهم في الهواء!
    أما الصياد، فوقف مدهوشًا لما رأى، لا يدري أهو يحلم أم في يقظة. تمتم بكلماتٍ تفيض غيظًا وهو ينظر إلى ما أفلت من يديه.
    وارتفعت الشبكة أكثر فأكثر، تَطير بها الحمام في الفضاء، يقودها أمل الخلاص. أما الغراب سَلاَم، فقد شغفه المشهد، فانطلق يطير خلفهم مدفوعًا بالفضول...":


    بدافع الأمل في أن تسقط الشبكة في أي لحظة، قرّر الصياد أن يتبع الحمام، فذلك كان خياره الوحيد. غير أن الحمامة زرقاء الرقبة لمحت الصياد لا يزال يركض خلفهم بعناد، فقالت لرفيقاتها:
    "إن واصلنا الطيران في هذا الفضاء المكشوف وبين البراري، فلن يفقد هذا الرجل الأمل في سقوط الشبكة. لكن إن اتجهنا نحو مساكن البشر، فستعيقه المباني الكثيفة وتضيع خطواته في دهاليز المدينة، وسيضطر إلى التوقف.
    وما إن نتجاوز مباني مدينة دَاهِر، حتى نصل إلى عُشّي الذي أقمتُه على شجرة عظيمة. وتحت تلك الشجرة يعيش ولدي بالتبني، زَيْرَك الفأر. فإن انتهينا هناك، مزّق زَيْرَك بعزيمته وأسنانِه الحادة عُقَد الشبكة، وحرّرنا جميعًا من هذا الفخ."
    وما هي إلا لحظات، حتى عجز الصياد عن مواصلة الركض خلف الشبكة الطائرة، إذ اصطدمت آماله بعقبات المباني، وضاعت خطواته في أزقة المدينة، فوقف يلهث وقد استولى عليه الإحباط، ثم استدار وعاد خائبًا.
    أما الغراب سَلاَم، فما زال يتبع الحمام، تملؤه الدهشة ويقوده الفضول.
    وعندما اقتربت الشبكة الطائرة من موضع منزل زَيْرَك، خفّض الحمام من رفرفة أجنحته المشتركة، وتباطأ حتى بلغ الأرض بأمان، واستقرّ بالقرب من مدخل جحر الفأر.
    وفي هذه الأثناء، هبط الغراب سَلاَم على غصن شجرة ظليلة بجانب منزل زَيْرَك، وجلس يُصغي بترقّب، وعيناه مثبتتان على مشهد الشبكة ومن فيها من حمام.
    فنادَت الحمامة زرقاء الرقبة على ابنها بالتبني بصوتها المعهود:
    "زَيْرَك! يا بُني!"
    وما إن سمع الفأر الصوت حتى عرفها، فاندفع من جحره مسرعًا. ولما رأى المشهد أمامه، ذُهل. كانت الشبكة ممتدة على الأرض، والحمام حبيس بداخلها، فعقدت الدهشة لسانه لوهلة، ثم تمالك نفسه وسألها:
    "يا أماه، ما الذي أوقعك في هذا الفخ؟"
    فأجابته بصوت هادئ يحمل في طياته الحكمة:
    "هو قَدَرنا يا بُني... حتى الأقوياء والأكبر منّا لا يسلمون من مصيرهم."
    فدفعه حبّه الفطري لأمه بالتبني إلى البدء فورًا في تمزيق العُقَد التي تقيدها، وأخذ ينهش الحبال بأسنانه بكل ما أوتي من قوة. لكن زرقاء الرقبة أسرعت تقول له:
    "يا زَيْرَك، ابدأ أولًا بعقد إخوتي من الحمام، ثم اختم بي."
    كررَت طلبها بلهجة فيها إصرار، لكن زَيْرَك لم يشأ أن يُصغي. أراد أن يبدأ بها دون سواها.
    غير أنه ما إن لاحظ شدة إصرارها وتمسكها بطلبها، حتى رضخ لرغبتها وقال متعجبًا:
    "أماه، لقد كنتِ مصرة على ما تقولين وكأنّك لا تبالين بنفسك! فما السبب في ذلك؟"
    فأجابته بهدوء يعلوه إحساس عميق بالمسؤولية:
    "يا ولدي، أخشى إن بدأتَ بي وحررتني أولًا، أن يفتر حماسك بعدها، أو أن يصيبك التعب، فتقصر في تحرير رفاقي. أردت أن أكون آخرهم، حتى أطمئن أن لا أحد سيُترك خلفي."


    وتابعت الحمامة زرقاء الرقبة كلامها قائلة:
    "إن بدأتَ بي أولًا، فقد يتضاءل حماسك بعد ذلك، وربما لا تتمكن من إنقاذ بقية الحمام في الوقت المناسب، مما يعرّضهم لخطر داهم. أما إذا بدأتَ بتحريرهم أولًا، فلن تحتمل رؤيتي معلّقة في الأسر وحدي، وسيزداد سعيك قوةً وسرعة حتى تُنقذني في أقصر وقت ممكن."

    انبهر زَيْرَك الفأر بكلمات أمّه بالتبني، وردّ عليها قائلاً بإعجاب:
    "إن هذه التضحية، وهذا الإيثار العظيم، هو ما يجعلني أحبك فوق كل اعتبار."

    فامتثل زَيْرَك لطلبها، وراح يعمل بحماسة لا تعرف الكلل، يُمزّق العُقَد بأسنانه الحادة بعنايةٍ وصبر، حتى تحررت آخر عقدة كانت تشد جسد أمه زرقاء الرقبة. وبهذا، أُطلق سراح الحمام جميعًا.

    عانق الحمام الفأر الصغير، وقبّلوه بحرارة، وعبّروا له عن امتنانهم الصادق، ثم انطلقوا في السماء في رقصة فرح جماعية، تتلألأ أجنحتهم تحت ضوء الشمس، حتى تلاشت أجسادهم بين الغيوم.

    أما زَيْرَك، فقد انسحب بهدوء إلى جحره الصغير.

    وكان الغراب سَلاَم يراقب المشهد من البداية حتى النهاية، وقد هزّه ما رآه من تضامن ومحبة وإيثار بين الفأر والحمام، فامتلأ قلبه رغبةً في أن يحظى بصداقته.

    هبط سَلاَم من الشجرة، وتقدّم نحو مدخل جحر الفأر، وبدأ يناديه باسمه.
    سمع زَيْرَك الصوت الغريب يتردد في ممرات مسكنه تحت الأرض، فارتاب وتسلل بحذر نحو فتحة الجحر، وأطلّ منها برأسه فقط، يتحسس الخطر بعينيه الحذرتين. وما إن رأى الغراب واقفًا عند مدخله حتى ارتجف قلبه، وقال بصوت مرتعش:
    "ماذا تريد مني؟"

    أجابه الغراب بصوت هادئ ونبرة ودودة:
    "أنا سَلاَم الغراب. رأيت ما فعلته من خير مع الحمام، وأعجبت بك أيّما إعجاب. جئت ألتمس صداقتك."

    توقف زَيْرَك لحظة، وقد علت وجهه علامات الدهشة، ثم قال:
    "هَهْ! فلنكن واقعيين. لا شيء مشترك بيني وبينك. أنا فأر صغير، وأنت غراب مفترس. العقل لا يقبل مثل هذه الصفقة. سأظل دومًا فريستك، وستظل دومًا أحد أعدائي الطبيعيين."

    ابتسم سَلاَم وقال بهدوء:
    "أكلُك لن يُشبعني إلا لحظات، أما صداقتك، فهي كنزٌ يدوم. ليس من اللائق أن ترفض عرضًا صادقًا للودّ."

    فردّ زَيْرَك قائلاً:
    "إن أسوأ أنواع العداوة، تلك التي تقع بين نوعين مختلفين من الكائنات. وهي نوعان: عداوة بين متكافئين في القوة، كالصراع بين الفيل والأسد، ولا أحد يدري لمن تكون الغلبة فيها. وأخرى بين غير المتكافئين، كما هو الحال بيني وبينك، وفيها تكون النتيجة محسومة سلفًا لصالح الأقوى.

    إن نشبت بيننا عداوة جسدية، فأنت المنتصر، وأنا نهايتي بين أنيابك.
    أما الصداقة مع عدوٍّ طبيعي، فمقامرة خطيرة. إنها كصداقة بين إنسانٍ وأفعى داجنة، تبدو مطيعة في ظاهرها، لكن إن اطمأن لها الإنسان وحملها في جيبه دون حذر، فثمة احتمال كبير..."





    قال الغراب سَلَام وقد بدا عليه الإصرار:
    "أفهم تمامًا ما تقصده يا زَيْرَك. من الطبيعي أن تكون حذرًا من يدٍ ممدودة بالصداقة إذا أتت من عدوٍّ فطري. لكن رجائي ألا تُغلق الأبواب كلها في وجهي. فأنا كائن طيب القلب، حسن النية، وأنت أيضًا كذلك. ويقال إن الأرواح الطيبة تتجاذب بطبيعتها، وإن تلاقيها سريع وثباتها متين، مثل كأس من الذهب، يصعب كسره وإن انكسر يسهل إصلاحه. أما الأرواح الخبيثة، فكالطين الرقيق، يتشقق بسهولة ولا يمكن ترميمه مهما حاولت."

    ثم أردف قائلاً:
    "القلوب الطيبة تميل لبعضها البعض بعفوية، أما القلوب القاسية فلا تصادق ولا تصاحب إلا بدافع من الطمع أو الخوف أو الأنانية. وأنا يا زَيْرَك، أتوق لأن أكون صديقك، وسأبقى بجانب جحرك، ممتنعًا عن طعامي وشرابي، حتى تُبدّل رأيك وتقبل صداقتي."

    تأمل زَيْرَك في كلمات الغراب، وشعر بصدقها ودفئها، فقال له:
    "أقبل صداقتك. لم أرفض يومًا صداقة من أبدى لي حسن النية وصفاء القلب. لكنني بدأت معك بالحذر والشك، لأرى مدى صدقك، ولو كنتَ محتالًا، لما ظننت أن زَيْرَك ساذج يمكن خداعه بسهولة."

    ثم خرج الفأر من جحره، ولكنه بقي قريبًا منه، ولم يقترب كثيرًا من الغراب. فسأله الغراب مستغربًا:
    "ما الذي يجعلك ما زلت تتحفظ وتبتعد؟"

    أجابه زَيْرَك:
    "أنا أثق بك، ولكنك تنتمي لفصيلةٍ ترى في الفئران فريسة. ولو رآك أحد أبناء جنسك معي، لا يمكنني أن أضمن سلامتي منهم."

    فقال سَلَام:
    "طوالما كنتَ برفقتي، فأنت تحت جناحي. ولن يمسك أذى. وسأحملك تحت جناحي حرفيًا إن لزم الأمر. واعلم أن الصديق الحق، يرحب بأصدقاء صديقه، ويخاصم أعداءه، ما دامت تلك الصداقة مبنية على الخير. وإنّي لا أرافق من لا يرحب بك، ولا أتردد لحظة في الدفاع عنك حتى لو كان المعتدي من بني جنسي."

    تأثر زَيْرَك بهذه الكلمات، فتقدم نحو سَلَام وعانقه بحرارة.
    وفي تلك اللحظة، كانت الحمامة زرقاء الرقبة تحلق عائدة إلى عشها، فرأت المشهد الغريب: ابنها بالتبني يعانق غرابًا! فتلبّستها الحيرة ما بين غريزة الخوف الفطرية، والواقع الذي تراه أمام عينيها. ترددت في البداية، ثم عادت تدور في دوائر مترددة حول عشها، قبل أن تهبط أخيرًا عليه، وقد تغلّبت على خوفها.

    اقترب زَيْرَك من الشجرة، ونادى على أمه الحمامة لتأتي، قائلاً:
    "أمي، تعالي، أريد أن أُعرّفك على صديقي الجديد، سَلَام."

    وبعد قليل، نشأت صداقة بين الثلاثة، صداقة غريبة، لكنها متينة.

    وبعد أيام، تعززت العلاقة بين الفأر والغراب، حتى قال الغراب في أحد الأيام:
    "يا زَيْرَك، ما الذي جمعك بتلك الحمامة النبيلة؟ ما قصة صداقتكما؟"

    تنهد زَيْرَك، وبدأ يسرد:
    "أذكر أنني كنت صغيرًا جدًا، أعيش مع والديّ الحنونين. كنتُ واحدًا من خمسة أشقاء: اثنتان من الإناث وثلاثة من الذكور. كنت الأصغر والأكثر شقاوة. كنا نعيش في جحر فسيح وعميق تحت الأرض. وكان والدانا يتناوبان على رعايتنا، لا يُتركانا لحظةً دون إشراف.

    وعندما شعرا أننا أصبحنا كبارًا بما يكفي لنتعلم كيف نعتني بأنفسنا، قررا إخراجنا للعالم الخارجي لأول مرة. استعدّا لهذا الحدث مسبقًا، وأخبرانا أننا سنسير في صفٍّ يتقدمه والدي ويتبعه والدتي. وأوصونا ألا نكسر هذا الصفّ تحت أي ظرف. وقالوا إنه في حال شعروا بالخطر، سينبهونا بإشارة، ويجب علينا حينها أن نعود للجحر بأسرع ما يمكن."

    ثم تابع:
    "خرجنا لأول مرة إلى الهواء الطلق، وتنفست نسائم الحرية. كان كل شيء جديدًا ومبهرًا. الأشجار، الصخور، الأعشاب، الألوان الزاهية، والسماء الزرقاء الممتدة فوق رؤوسنا. لم أتمالك نفسي من شدة الفرح، فبدأت أركض هنا وهناك وأصيح بصوتي الرفيع، رغم التحذيرات بألا أفعل ذلك حتى لا ألفت أنظار المفترسين."

    وأضاف:
    "لم أكن أعرف شكل المفترس، لكن والدتي قالت إنهم 'أشياء سيئة قد تؤذينا أو تقتلنا'. لم أكن أفهم معنى 'القتل' حقًا، فلم أكن قد شهدت شيئًا من هذا القبيل. كانت الزهور من حولي مغرية بجمالها، فتسللت أكثر من مرة لأقترب منها، لكن أمي أمسكتني من أذني وأعادتني إلى الصف. لاحقًا، رأينا جرادًا يتنقل في الأعشاب، فقالت أمي: 'هذا طعام'. فاجتمعنا نحوه، وبدأنا أول تجربة صيد لنا."

    "كانت مغامرة سهلة وممتعة. أمسكت باثنين وأكلتهما، وفخور كنت. لكن شيئًا غريبًا حدث. شعرت بوخز الضمير. شعرت بالحزن على تلك المخلوقات الصغيرة التي لم تقاوم. وسألت نفسي لأول مرة: لمَ قتلتها؟ ولمَ أكلتها؟"




    زَيْرَك والحمامة زرقاء الرقبة – فصل من ذاكرة الفأر الصغير

    قال زَيْرَك، وقد توهج صوته بالشجن:

    "حين أمسكت بأول جرادة وتذوقتها، شعرت بشيء من الفخر، فقد اصطدت بنفسي. لكن سرعان ما انتابني شعور عميق بالذنب. تساءلت في داخلي: هل يجب علينا، مثل ما يسمونهم المفترسين، أن نعيش على حساب هذه الكائنات الضعيفة؟ لمَ لا نكتفي بالخضروات والفواكه؟ أليست كافية للبقاء؟ لقد أخبرتنا أمي أننا نستطيع أكل تلك الأشياء أيضًا."

    "بعد تلك المغامرة الصغيرة، عُدنا إلى السير في صف منتظم بحثًا عن المزيد من الطعام. وفجأة، حلّقت فوقنا أسراب من الفراشات الملونة، وهبط بعضها على الأزهار النابضة بالألوان فوق الأعشاب الكثيفة والشجيرات الصغيرة. سحرني هذا المشهد، وكذلك إخوتي. لم نكن قد رأينا فراشات من قبل. اندفعت أنا وأخي بَيْرَك نركض خلفها بدافع من فضولنا الطفولي الجامح."

    "بقي أبي مع بقية إخوتي، بينما لحقت بنا أمي وهي تصرخ: 'توقفا! لا تبتعدا!' لكننا لم نكن لنستمع. كلانا، أنا وبَيْرَك، انجرفنا وراء الفراشات في اتجاهين مختلفين. احتارت أمي بيننا. حاولت اللحاق بي، لكنها فشلت، فذهبت خلف بَيْرَك، ولكنها ضلّت أثره أيضًا. وعندما عادت تبحث عني، كنت قد اختفيت عن ناظريها."

    "رغم أنني كنت أسمع صوتها يتلاشى، لم أرغب في التوقف. كنت مستمتعًا بلعبة المطاردة مع تلك الفراشات المراوغة، التي تهبط فجأة على زهرة ثم تطير بمجرد اقترابي منها. وفي النهاية، اختفت الفراشات تمامًا... وكذلك صوت أمي."

    "أدركت حينها أنني تائه. دبّ الخوف في قلبي، وبدأت أركض هنا وهناك، أصرخ: 'أمي! أمي!' دون جدوى. كنت ضائعًا، خائفًا، وجائعًا. فكرت أن أعود إلى المنزل، لكن... أين هو المنزل؟ وقفت في مكاني حائرًا. ثم قررت أن أسلك اتجاهًا مستقيمًا واحدًا على أمل أن يعيدني إلى جحرنا."

    "لكن يبدو أن حظي يومها كان سيئًا. الطريق التي سلكتها لم تكن الطريق الصحيحة. ظللت أبكي، أصرخ بأعلى صوتي: 'أمي! أمي!' ولحسن الحظ، لم أواجه أي مفترس، رغم أنني في الحقيقة لم أكن أعرف كيف يبدو المفترس أصلاً."

    "وأنا أتهادى تائهًا، بدأت الأشجار تقل، والنباتات تضعف، حتى بدت أمامي مبانٍ بشرية ضخمة. أمام أحد المباني، كان هناك شجرة بلوط كبيرة. شعرت بسخونة الأرض تحت قدميّ الصغيرتين، فركضت نحو الشجرة أبحث عن ظلّ يحفظني من لهيب الشمس. جلست تحتها منهكًا أكرر: 'أمي... أمي...'"

    "وفجأة، سمعت خفقان جناحين فوق رأسي. هبطت بجانبي مخلوقة كبيرة وملونة، لها مظهر يبعث على الهيبة. ارتجف جسدي من الخوف، وانخفض صوتي تدريجيًا. ظننت أنني في قبضة مفترس."

    "لكن، ولدهشتي، تحدثت تلك المخلوقة بصوت لطيف:
    'لا تبكِ يا صغيري... أنت في أمان.'
    رددت بصوت مرتعش:
    'أريد أمي! أمي!'
    قالت بحنوّ:
    'أفهم، يبدو أنك تائه. لا تقلق، وإن لم نجد أمك، فسأتكفلك أنا. فأنا لا أملك أطفالًا، وسأعتبرك ابني. أنا الحمامة زرقاء الرقبة، قائدة الحمام في هذا المكان.'"

    "شعرت بالأمان فورًا، فقلت لها بصدق الطفولة:
    'أنا جائع... جائع جدًا!'
    فابتسمت وقالت:
    'ابقَ هنا، سأعود إليك بطعام.'
    وبالفعل، عادت بعد قليل حاملةً حبوبًا وخضروات وفواكه صغيرة، بدأت تُطعمني بمنقارها. لم أنسَ طعم ذلك الطعام، فقد كان ممتزجًا بالحنان."

    "حفرت أول جحري تحت تلك الشجرة. حاولنا معًا، أنا وهي، أن نجد عائلتي الأصلية، لكننا فشلنا. وبعد محاولات كثيرة، تقبلت قدري الجديد. صارت زرقاء الرقبة أمي، وكل عائلتي. حفرت جحورًا أخرى لي قرب الشجرة، واعتدت على المكان، وصارت هي كل عالمي."

    "وهذه يا صديقي العزيز سَلَام، حكاية صداقتي مع الحمامة زرقاء الرقبة. لقد أنقذتني حين كنت في أمسّ الحاجة. لم تكن أمًا بالتبني فقط، بل كانت كل حياتي."

    أصغى الغراب سَلَام باهتمام بالغ، تأثر كثيرًا بقصة زَيْرَك. لكنه أيضًا شعر بالقلق، فقال له:

    "يا زَيْرَك، بيتك قريب من مساكن البشر. أخشى أن يراك بعض الأولاد العابثين، فيطاردوك بالحجارة أو يؤذوك. لدي بيت صيفي في منطقة هادئة ومعزولة قرب منحنى البحر العظيم. هناك يعيش صديقي نبيل، السلحفاة. إن رغبت، يمكنني أن آخذك إلى هناك. ستجد الأمان، والهدوء، والحياة الكريمة."

    فرح زَيْرَك كثيرًا بهذا العرض الكريم. وقد نجا من مطاردات عدة من أولاد مشاغبين، فكانت فكرة الانتقال مغرية. لكن... هناك أمر مهم.

    قال زَيْرَك:
    "أحتاج إلى أن أستشير أمي، الحمامة زرقاء الرقبة، قبل أن أقرر."

    وفي تلك اللحظة، عادت زرقاء الرقبة إلى عشها. وبعد أن علمت بالأمر، شجعت ابنها بالتبني على الانتقال مع سَلَام، وقالت له بحنان:

    "أنا أثق بك يا زَيْرَك، وأعرف أنك في أيدٍ أمينة. سأزورك هناك قريبًا."

    فلم يتأخر سَلَام، أمسك بصديقه من ذيله بمنقاره، وحلق به إلى وجهته الجديدة، فوق البحر.

    وعلى شاطئ البحر، كانت السلحفاة نبيل تتشمس على الرمال، وفجأة رأت مشهدًا غير معتاد: غراب يطير وهو ممسك بفأر من ذيله!
    ارتجفت من الخوف...





    ...وانزلقت فورًا إلى مياه البحر، إذ لم تكن تعلم أن ما رأته في السماء لم يكن سوى صديقها "سلام"، الغراب.

    هبط "سلام" الغراب بأمان، حاملاً صديقه "زيرك" الفأر، تحت الشجرة الواقعة عند منعطف البحر. ثم اقترب "سلام" من الماء، وبدأ ينادي صديقه السلحفاة باسمه، "نبيل". وعندما سمع "نبيل" الصوت المألوف، خرج من الماء واقترب من صديقه، وتعانق الاثنان وتبادلا التحية.

    سأل "نبيل" صديقه "سلام" عن مصدر قدومه ومن يكون مرافقه، فقصّ عليه "سلام" حكايته مع صيّاد الطيور والحمام، وكيف تعرّف على "زيرك"، الفأر. أبدى "نبيل" إعجابه الشديد بالقصة، وحينها قدّم له "سلام" صديقه الجديد، "زيرك". فتبادل الفأر والسلحفاة التحية والعناق، ورحب "نبيل" بحرارة بـ"زيرك"، مبدياً إعجابه بذكائه ووفائه لأمه بالتبني، الحمامة ذات العنق الأزرق.

    وبعد محادثتهم الودية، حفر "زيرك" بيتًا صغيرًا له تحت الشجرة. وخلال الأيام التالية، تنامت العلاقة بين الأصدقاء الثلاثة وازدادت متانتها. وجد "زيرك" كل ما كان يبحث عنه: طعام وفير، وبيئة آمنة، وأجواء مليئة بالمودة.

    اتفق الأصدقاء الثلاثة على الالتقاء تحت الشجرة يوميًا في وقت محدد بعد الظهر لتبادل الحديث ومناقشة شؤون الحياة. وفي أحد تلك اللقاءات، سأل "زيرك" صديقه "نبيل" عن الظروف التي قادته إلى صداقة "سلام"، فأجاب "نبيل" قائلًا:

    — "يا صديقي العزيز، تلك قصة طويلة ومليئة بالمفاجآت. كنت أعيش في مجتمع من السلاحف قرب شاطئ البحر الكبير، حيث تكون التيارات البحرية هادئة نسبيًا. أما في منتصف البحر، فكان هناك دوامة مائية شديدة لا يجرؤ أحد منا على الاقتراب منها. لم يكن هناك أي وجود للبشر على مقربة، فكنا نستمتع بالخروج إلى اليابسة في بعض الأيام لنستلقي تحت أشعة الشمس.

    كنت أملك صديقة تُدعى "ردينة"، وكنا نحيا حياة هانئة وسعيدة. وفي أحد الأيام، وبينما كنت أسبح قرب الساحل، شعرت بالجوع والتعب، فقررت التوجه نحو الساحل لأتناول بعض الطحالب البحرية. وهناك، لاحظت وجود شجرة تين قريبة، وفجأة سمعت أصوات أشياء تتساقط في الماء، فشعرت بالخوف للحظات، لكني سرعان ما أدركت أن ما يتساقط هو ثمار التين. بدأت ألتهم الثمار بنهم، لكنها لم تتوقف عن السقوط، حتى بعد أن شبعت. رفعت رأسي إلى أعلى، فإذا بي أرى قردًا مسنًا يجلس على الشجرة!

    ظننت أنه يتعمد إسقاط الثمار لإطعامي. خرجت من الماء وناديته لأشكره. فنزل إليّ القرد وقدم نفسه قائلًا: "اسمي ماهر." أخبرني أنه كان قائدًا لمجموعة من القرود على بعد عشرة أميال من الشجرة، ولكن حين كبر وضعف، أطاح به قردٌ شاب وطرده من الجماعة، فهام على وجهه حتى وصل إلى تلك الشجرة، التي اتخذها مسكنًا له. كان يشعر بالحزن، فبدأ بإسقاط التين في الماء عبثًا، ثم وجد في الصوت الناتج عن سقوط الثمار عزاءً لنفسه، فاستمر يفعل ذلك.

    تأثرت بقصته، وتحدثنا طويلًا، ووجدته ذكيًا ومرحًا، فأصبحنا أصدقاء مقربين. في الحقيقة، صار "ماهر" أعز إلى قلبي من صديقتي "ردينة". بدأت أقضي وقتًا أطول معه، وقلّ تواصلي مع "ردينة"، ما جعلها تشعر بالقلق وتلجأ إلى صديقتها "بدينة" تشكو لها أمري.

    وذات مرة، رأت "بدينة" أنني أسبح نحو شجرة التين، فتتبعتني خفية، واكتشفت صداقتي مع القرد. وعادت لتخبر "ردينة"، التي استبد بها الغيرة. فسألت "بدينة" عن حل لمشكلتها، فأجابت: "لن يتوقف نبيل عن زيارة القرد إلا إذا وضعنا خطة للتخلص منه." فسألتها "ردينة": "ما الخطة؟" قالت: "تظاهري بالمرض الشديد، وعندما يسألك عن العلاج، أخبريه أن الأطباء قالوا إن قلب قرد هو الدواء الوحيد."

    وفي زيارتي التالية، وجدت "ردينة" طريحة الفراش، تئن من الألم، و"بدينة" إلى جوارها. فسألت عن الدواء، فقالت لي "بدينة": "الأطباء وصفوا قلب قرد علاجًا لمرضها." ارتبكت كثيرًا، ووقعت في صراع نفسي رهيب، بين محبتي لصديقتي ووفائي لصديقي.

    وبعد صراع طويل، غلبتني مشاعري تجاه "ردينة"، وقررت أن أخون صديقي القرد. وضعت خطة لأخذه معي إلى الماء، ثم أغرقه وأنتزع قلبه وأقدمه كعلاج لـ"ردينة".

    وبعد يومين، ذهبت إلى شجرة التين ووجدته بانتظاري. استقبلني بحفاوة وقال: "لقد غبت عني طويلًا، ما السبب؟" فقلت له: "أردت دعوتك لرؤية عائلتي وأقاربي." وافق بسرور، فركب على ظهري، وبدأنا السباحة سويًا.

    وفي منتصف الطريق، شعرت بالذنب، فانحنيت برأسي. فسألني: "لم تبدو حزينًا؟" قلت: "حبيبتي مريضة، وأشعر بالحزن من أجلها." فطمأنني بكلماته، لكني كنت ما زلت أنوي الغدر.

    وبعد دقائق، لاحظ تباطئي، فسألني مرة أخرى: "هل تُخفي عني شيئًا؟ لماذا تبدو شارد الذهن؟" قلت له: "أخشى ألا يكون بيتي كما أحببت أن أُريك بسبب حالة "ردينة"." فردّ: "لا تقلق كثيرًا، فقط ابحث عن الدواء الأفضل لها. يقال إن المال يُصرف في أربعة مجالات: الصدقة، ومعونة المحتاج، والإنفاق على الأطفال، وعلى الحبيبة أو الزوجة."

    فقلت له: "الأطباء قالوا إن دواء "ردينة" الوحيد هو قلب قرد."

    عندها، بدا على "ماهر" الذهول والخوف، فقد أدرك الخيانة التي أعددتها له. وبذكائه، حاول التفكير سريعًا لإنقاذ نفسه، فقال لي:

    — "يا إلهي! لماذا لم تخبرني قبل أن نغادر شجرة التين؟ نحن معشر القرود، يا صديقي العزيز، لنا عادة قديمة..."





    ثم قال القرد لماهر: "يا إلهي! لماذا لم تخبرني قبل أن نغادر شجرة التين، حتى أحمل قلبي معي؟ نحن – معشر القرود – لدينا عادة قديمة، وهي أن نترك قلوبنا في البيت عندما نخرج لزيارة أصدقائنا!"
    فقلت لصديقي ماهر: "وأين قلبك الآن؟"
    فأجاب القرد: "تركته على قمة شجرة التين. إذا عدت بي إلى هناك، فسأعطيك قلبي دون تردد."

    كنت ساذجًا وغير متعلم، ولأن القرد كان ممثلًا بارعًا، ولأن مشاعري تجاهه كانت عميقة وصادقة، صدقته. قلت في نفسي: "لقد وافق صديقي على مساعدتي قبل أن أُقدم على تنفيذ خطتي الشريرة وخيانته." شعرت بالفرح لهذا التحوّل غير المتوقع. فأخذته مجددًا إلى موطنه فوق شجرة التين.

    وعندما اقتربنا من شاطئ البحر بجانب الشجرة، وأصبح الماء ضحلًا، قفز القرد من على ظهري وتسلق الشجرة. انتظرتُ نزوله، لكنه لم ينزل بسرعة. فناديته:
    "يا صديقي العزيز، هات قلبك وانزل، لقد تركتني أنتظر!"

    عندها بدأ القرد يضحك ساخرًا، وقال:
    "في أحلامك! أتظنني غبيًا؟ اذهب وابحث عن ضحية أخرى لخداعك الساذج. أيها الأحمق! لم أعد صديقك بعد الآن!"

    كانت تلك صدمة قاسية لي. أدركت حينها كم كنت شريرًا وغبيًا. لقد خسرت صديقًا وفيًا إلى الأبد. بل كدت أرتكب جريمة شنيعة بقتل أقرب أصدقائي. وقفت مذهولًا على الشاطئ بجوار شجرة التين، غارقًا في بحر من الندم والخيبة. لم أستطع استيعاب ما حدث.

    ثم، ببطء شديد، بدأت أجرّ قدميّ في اتجاه بيتي لأرى ما حلّ بصديقتي رادينا. وما إن أدرت ظهري تجاه البحر، حتى سمعت صوتًا خافتًا بين الأعشاب البحرية. رأيت سلحفاة تحاول أن تختبئ وتنسحب بعيدًا. ومن خلال شكلها، أيقنت أنها بدينة، صديقة رادينا المقربة.

    ثم سمعت صوتًا آخر في الماء أمامي. ازدادت شكوكي. ما الذي تفعله بدينة هنا؟ ولماذا تتجسس عليّ؟ لم أستطع إيجاد تفسير لذلك.
    ومع ذلك، تابعت السباحة ببطء نحو مجتمع السلاحف. وعندما اقتربت من منزل رادينا، وجدت بدينة واقفة عند الباب. حاولت أن أبدو طبيعيًا وسألتها:
    "كيف حال رادينا الآن؟"

    فأجابت بنبرة بدت لي مصطنعة:
    "إنها تزداد سوءًا..." ثم أضافت:
    "هل أحضرت الدواء الذي وصفه الطبيب؟"

    تظاهرت بعدم سماعها، ودخلت مسرعًا إلى غرفة رادينا. وجدتها مستلقية قرب صخرة صغيرة، تبدو هزيلة وكئيبة – أو هكذا بدا لي في تلك اللحظة. اقتربت منها وقلبي يغمره الإحباط، وسألتها:
    "كيف حالك الآن؟"

    تجاهلت سؤالي وبدأت تتأوه. تأثرت بحالتها، فسألتها بصوت مرتجف:
    "قولي لي، ماذا أفعل لأُنقذ حياتك؟"

    أجابت وسط أنينها:
    "هل أحضرت لي قلب قرد؟"

    أحسست بالعار والحزن، ولم أتمالك نفسي فقلت:
    "لقد حاولت... لكني فشلت، للأسف. أخبريني، هل هناك شيء آخر يمكنني فعله لأجلك؟"

    فوجئت بنغمة مختلفة في صوتها، نغمة يغمرها الفضول والحماسة، وقالت فجأة:
    "قل لي، ماذا حدث بينك وبين صديقك القرد؟"

    توقفت، وقد صدمت لسماعها تذكر ماهر، صديقي السابق. لم أجب مباشرة، بل تغيرت ملامحي، وسألتها:
    "كيف عرفتِ عن صديقي ماهر؟"

    عندها توقفت عن التظاهر بالمرض، وبدت في صحة جيدة تمامًا، وأجابت بسخرية:
    "لا شيء يخفى عني!"

    وهنا بدأت الصورة تتضح. واتّضح لي أن كل ما حدث كان مؤامرة دبرتها رادينا وصديقتها بدينة. شعرت بالغضب والخيانة. لم أصدق ما رأيت وسمعت. كانت صدمة نفسية عظيمة. ولم أتمالك نفسي، فلم يخطر ببالي سوى فكرة واحدة: الهرب من هذا العالم.

    قررت أن ألقي بنفسي في الدوامة العنيفة في قلب البحر، تلك التي لم يجرؤ أحد من مجتمع السلاحف على الاقتراب منها. وعندما اقتربت من منتصف البحر، جذبتني الدوامة نحوها بقوة. رغم أن نيتي كانت الانتحار، إلا أنني غريزيًا خبأت رأسي داخل صدفي لأحمي نفسي.

    صرت كريشة تتقاذفها العواصف، أبكي بجنون، وجسدي يدور بسرعة لا تُحتمل. فقدت وعيي تمامًا.

    وعندما استعدت وعيي، وجدت نفسي مرميًا على الشاطئ. لم أدرِ كم مضى من الوقت. كنت أشعر بألم في جسدي كله، بالكاد أستطيع تحريك أطرافي، ولم أقدر على تقليب جسدي. ناديت بصوت خافت:
    "النجدة! النجدة!"

    فجأة رأيت غرابًا يقف أمامي. كررت ندائي، وعندها اقترب الغراب مني، واستخدم منقاره القوي ليعيدني إلى وضعي الطبيعي.
    كان ذلك الغراب هو صديقنا المشترك "سلام". طمأنني وقال لي: "أنت في أيدٍ أمينة الآن."

    ثم تذكرت من أكون، وتذكرت كل ما مررت به. جلست أفكر مطولًا في كل ما حدث، وأخذت أستمع لنصائح صديقي الصادق سلام. وبعد ساعات طويلة من التأمل والمراجعة، بدأت أتصالح مع نفسي.

    أدركت أنني نلت نصيبي الكافي من الندم والحزن. فالندم المفرط يدمر الروح. لا يمكنني إصلاح ما أفسدته علاقتي بصديقي ماهر، القرد. فكيف لي أن أستعيد ثقة من كنت على وشك أن أقتله؟

    أما عن ردة فعلي المتسرعة تجاه ما فعلته رادينا وبدينة، فقد أدركت أن لديّ خللًا كبيرًا في شخصيتي. بدلاً من مواجهة المشكلة، اخترت طريقًا مدمرًا للهروب منها.



    :



    "كان يجب أن أواجه الأمر بشجاعة بدلاً من الهروب منه. كان ينبغي أن أكون صريحًا وواضحًا مع صديقتي السابقة، رادينا، وصديقتها بدينة. في الواقع، حاولت العودة إلى مجتمع السلاحف الذي أنتمي إليه، لكن للأسف، لم أستطع العثور على طريقي إلى المنزل. فقررت أن أبقى مع صديقي الجديد، الغراب سلام. وأدركت أن أفضل ما يمكنني فعله الآن هو أن أتعلم من أخطائي الجسيمة، وأواصل حياتي."



    في أحد الأيام، وبينما كان الأصدقاء الثلاثة — نبيل السلحفاة، زيرك الفأر، وسلام الغراب — يجلسون تحت الشجرة يتبادلون الحديث، رأوا غزالًا يركض باتجاههم بجنون. وكإجراء احترازي، هرع السلحفاة نحو الماء، وانزلق الفأر إلى جحره، وطار الغراب إلى عشه. حلق سلام عاليًا في السماء لاستكشاف ما يحدث، لكنه لم يرَ ما يثير القلق؛ لم يكن أحد يطارد الغزال.

    عاد سلام إلى عشه، وأعلن لأصدقائه أن المنطقة آمنة. في تلك اللحظة، وصل الغزال إلى ظل الشجرة، وكان يلهث من شدة التعب والعطش. طمأنه نبيل، السلحفاة، قائلاً إن لا شيء يدعو للخوف بعد الآن، وأن بإمكانه الشرب بسلام. شرب الغزال حتى ارتوى، ثم هدأ.

    عندها سأله نبيل: "من أنت؟ ومن أين أتيت؟"

    أجاب الغزال:
    "اسمي رامي. كنت أتجول مع قطيع من الغزلان نبحث عن الطعام، وفجأة داهمنا صيادون بأسهمهم. تمكنت من الهرب، لكنني انفصلت عن رفاقي. صرت أتنقل وحدي أبحث عنهم، حتى رأيت شيئًا يشبه الإنسان يركض خلفي، فتابعت الهرب، وها أنا هنا الآن. أنا سعيد أنني انتهيت في موطنكم."

    رد عليه زيرك، الفأر، قائلاً:
    "هذه منطقة آمنة، لم نرَ فيها صيادين من قبل. نرحب بك صديقًا جديدًا إن قررت البقاء معنا، فهنا ماء وفير وطعام كثير."

    وافق رامي فورًا، وقرر البقاء مع الأصدقاء الثلاثة. وجد بينهم الدفء، والأمان، وكل ما يحتاجه ليعيش بسعادة.



    ازدهرت حياة الأصدقاء في تلك المنطقة الخصبة. أصبح من عادتهم أن يلتقوا يوميًا بعد الظهيرة تحت شجرة الغراب ليتبادلوا الحديث ويتشاوروا في شؤونهم.

    وفي أحد الأيام، اجتمع زيرك، نبيل، وسلام، كعادتهم، لكن رامي تأخر عن الحضور. انتابهم القلق، فقال زيرك لسلام:
    "هل يمكنك التحليق لترى إن كنت تستطيع العثور على صديقنا رامي؟"

    انطلق سلام في السماء، ورأى رامي عالقًا في فخ. عاد مسرعًا وأخبر صديقيه بالخبر السيئ. فقال نبيل لزيرك:
    "هذه لحظتك! أسرع لإنقاذ صديقنا رامي!"

    انطلق زيرك بسرعة نحو مكان الفخ، يقوده الغراب من السماء. وبدأ يعمل بأنيابه لتمزيق شباك الفخ حول رامي. وفي أثناء ذلك، وصل نبيل أيضًا. فقال له رامي، وقد استغرب:
    "لقد ارتكبت خطأً بقدومك إلى هنا. ماذا لو جاء الصياد فورًا بعد أن أُطلق سراحي؟ أنا سريع ويمكنني الهرب، وزيرك لديه الكثير من الجحور هنا. لكنك بطيء، ولا يمكنك النجاة."

    أجاب نبيل بهدوء:
    "قلقي عليك هو ما قادني إلى هنا."



    وفي تلك اللحظة، ظهر الصياد يركض نحو الفخ. كان رامي قد تحرر، ففرّ هاربًا، ودخل الفأر أحد جحوره، لكن الصياد لم يجد سوى السلحفاة يحاول الزحف بعيدًا. أمسكه ولفّه بما تبقى من شباكه الممزقة.

    راقب الفأر المشهد من فتحة جحره، ثم ركض نحو رامي وسلام، وقال متألمًا:
    "يا لسوء الحظ! خرجنا من مأزق لنقع في آخر!"

    ثم أضاف:
    "لدي خطة لإنقاذ نبيل من يد الصياد الشرير. سيقوم رامي بالتظاهر بالإصابة، ويقع على جانبه في مرمى نظر الصياد. يحط الغراب فوقه وكأنه ينهش جثته. وأنا سأقترب من الصياد لأجذبه نحو هذا المشهد. عندما يقترب الصياد من الغزال، ينهض رامي فجأة ويهرب متعثرًا، ويلاحقه الغراب. ثم يقع رامي مجددًا على الأرض، وتتكرر الخدعة، حتى نُبعد الصياد بما فيه الكفاية. خلال ذلك، أكون أنا قد وصلت إلى نبيل وأعمل على قطع الشباك. نأمل أن نحرره قبل أن يفقد الصياد أعصابه ويعود."



    نفّذ الأصدقاء خطتهم بدقة ونجاح. وما إن تعب الصياد من المطاردة، حتى عاد غاضبًا نحو السلحفاة. لكنه وجد المكان خاليًا، ولم يتبقَ سوى بقايا شباكه ممزقة. وقف مذهولًا، يتأمل المشاهد التي مر بها — فخ الغزال، تمزيق الشبكة، هروب الفأر، الغزال الميت ثم الحي، ثم اختفاء السلحفاة — وقال بصوت عالٍ:
    "لا بد أن الأرواح الشريرة تسكن هذا المكان! يجب أن أرحل من هنا فورًا!"



    عاد الأصدقاء الثلاثة إلى مكانهم المعتاد سالمين. واستمرت حياتهم بسلاسة في تلك الجنة الخضراء. زارت الحمامة زُرْقة العنق ابنها بالتبني، زيرك الفأر، وأعجبت بالمكان. في زيارتها التالية، جاءت مع أصدقائها من الحمام، فأحبوا جميعًا المنطقة، واتخذوها موطنًا جديدًا لهم.

    زيرك أيضًا اكتشف مجتمعًا من الفئران في المكان نفسه، فقبله الفئران بينهم. ورامي، رغم سعادته مع أصدقائه، اشتاق لأبناء جنسه، فاستطاع جذب بعض الغزلان إلى المنطقة.

    أما نبيل، فقد وجد مجتمعًا من السلاحف على بُعد نصف ميل من مسكن الغراب الصيفي، وانضم إليهم مع احتفاظه بصداقته مع زيرك وسلام.

    أما سلام، فقد واصل تنقله بين عشه ومجتمعه، حتى قرر في النهاية دعوة بعض الغربان إلى المنطقة، فاتخذوها موطنًا دائمًا لهم.

    وظل الأصدقاء الأوفياء يلتقون يوميًا تحت عش سلام، وعاشوا جميعًا حياة سعيدة، مليئة بالحب والتعاون.



    ثم تابع الفيلسوف بيدبا كلامه للملك دَبشليم:
    "يا مولاي الملك، إن كانت هذه الكائنات الضعيفة قد استطاعت النجاة من المهالك بعقولها وتفانيها في الوفاء لبعضها، أفلا يليق بالبشر — ممن أنعم الله عليهم بعقول أرجح وقدرة على التمييز بين الخير والشر — أن يكونوا قدوة في التعايش السلمي؟"






                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de