|
Re: وفاة د. علي سليمان العميد الأسبق لكلية الق (Re: Moutassim Elharith)
|
ثلمة في القلب لا في الجدار.. رحيل استاذ القلب والقانون
بأي عبارات تودع القامات وبأي كلمات يرثى العلماء وما هي التعابير التي تكتب في وداع التبجيل ؟ لا نقول الا ما يرضي الله لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وإنا لله وإنا إليه راجعون .
بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره ننعي قامة علمية شامخة، وعمادا من أعمدة كلية القانون بجامعة الخرطوم؛ الأستاذ الدكتور علي سليمان فضل الله الذي فاضت روحه إلى بارئها مخلفا وراءهإارثا عظيما من العلم والفضل والسيرة الطيبة .
كان للراحل مكانة خاصة في القلب فقد كان استاذي في كلية القانون بجامعة الخرطوم. متجاوزا ان يكون معلما او محاضرا يلقي درسا و يمضي ليكون ابا رؤوفا واخا اكبرا وسندا بعد الله وصديقا أثيرا قريبا من الروح .
كان يرى في كل طالب ابنا أو بنتا يهتدي بنوره وتستنير بكلماته سرائرهم . كان نبع حنان وسعة صدر وملاذا آمنا يتجاوز حدود القاعة الدراسية ليمتد الى رحابة الأبوة الخالصة التي لا تعرف التكلف . كانت كلماته ترياقا وابتسامته مطرا يسقي ظمأ السائل وعونا لا ينسى. كانت اللحظات في حضرته دروسا في القانون ومحاضرات في الحياة والإنسانية والسمو بالروح. كان فارسا في ميدان الفقه والقانون، ومنارة هدى أضاءت دروب الأجيال ومربيا ومعلما نهل طلابه من علمه الغزير وسعة اطلاعه وعمق تحليله سواء في مدرجات الجامعة أو محافل العلم او في المؤسسات الأكاديمية العليا التي تشرفت باستقبال علمه ونوره.
اكتسب منه طلابه فهم القانون بروحه لا بنصوصه فقط، وتشربوا منه الأمانة العلمية والدقة المنهجية وحب البحث والتدقيق. لقد ترك في النفوس أثرا لا يمحى وبصمة خالدة وعلامة راسخة في قاعات العلم؛ أستاذا للقانون الدستوري وغيره من فروع المعرفة التي أثرى بها المكتبة القانونية والأكاديمية بعلم ينتفع به كصدقة جارية تجعله باذن الله بيننا وفي سجل الخالدين.
أشهد له بالفضل بعد الله فيما بلغته وزملائي اليوم فقد غرس فينا جذور الثقة وسقاها بماء علمه ورعايته. كان مثالا للعالم العامل الذي لا يبخل بجهده ولا وقته حتى اخر لحظات حياته ويسعى لإيصال العلم بأسلوبه الوقور المتفرد ولم يسعَ لفرض علمه وانما لإيصاله بأسلوبه الهادئ الرصين والمتزن العميق ، فكلماته تنساب إلى الفؤاد قبل العقل كنهر هادئ سلسال يروي ظمأ طلاب علمه وبحكمة خالصة تنير دروبهم لنيل المعرفة ليثري العقول ويرسخ الحقيقة دونما ضجيج، وهو مدرك ومتيقن بأن الأثر الأبقى والراسخ لا يكون بصخب الجدل ولا بزخم الصوت وانما بسكينة الإدراك وطمأنينة الحجة وثبات وثقة البصير الواثق.
إن رحيل عالم مثله هو ثلمة في جدار المعرفة ومصداقا لقول سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ).
ما أعظم الفقد حينما يغادرنا حاملو لواء العلم ونبراس المعرفة. يشهد للراحل بأنه كان ممن سعوا حثيثا بين الناس لنشر الخير قبل العلم والمعرفة، ونتضرع إلى المولى عز وجل أن يكون ممن يشمله قوله تعالى ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) فقد أورث نورا وترك علما ينتفع به، وهذا هو الرصيد الحقيقي الذي يبقى بعد انقضاء الأجل.
رحم الله الدكتور علي سليمان فضل الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، ونسأل الله أن يلهم أهله وذويه وطلابه ومحبيه الصبر والسلوي وحسن العزاء.
د. منى الطيب محمد الطيب
| |
 
|
|
|
|