مصر والسودان: تفكيك أشكال الهيمنة في لحظة ضياع السيادة
تلقيت باهتمام رد الكاتب المصري نعيم مدحت الشوربجي على مقالاتي، وهو حوار أعتبره ضرورياً في سياق تتعالى فيه الأصوات التي ترفض المساءلة. لا أرى في نقده عداءً شخصياً، بل أنسبه إلى اختلاف في الرؤى ينبع من موقعين مختلفين في معادلة القوة. وإذ أؤكد على احترامي للشعب المصري وشراكة التاريخ، أجد من الضروري تفكيك مفهوم "الوساطة" في ظل ممارسات تحوّلها إلى أداة هيمنة. الغزو الناعم: تشريح التدخل المركب لم يأتِ استخدامي لمصطلح "الغزو" من فراغ، بل هو توصيف دقيق لتدخل مركب يتجاوز الشكل التقليدي للاحتلال. ما نراه اليوم هو: هيمنة هيكلية تتحكم في دوائر صنع القرار السوداني عبر دعم عسكري انتقائي يطيل أمد الحرب. استعمار اقتصادي يقدم المساعدات المالية مشروطة بالتبعية السياسية، مما يخلق ديوناً سياسية تعطل السيادة. احتواء سياسي يستبعد القوى المدنية من أي حلول مستقبلية، ويصنّف المطالبين بالديمقراطية كتهديد لأمن مصر. هذه الممارسات ليست "وساطة" بل إعادة إنتاج لعلاقة القوة القائمة على منطق التبعية. التاريخ كإطار تفسيري وليس سلاحاً للعداء استدعائي للغزو التركي-المصري في القرن التاسع عشر ليس استعداءً لمصر، بل هو محاولة لفهم أنماط متكررة من العلاقات. حين تُستخدم حجة "الامتداد الجيوسياسي" لتبرير التدخل في الشؤون السودانية، وعندما تُقدّم مصالح مصر الأمنية على حساب استقرار السودان، فإننا أمام استمرارية لنفس العقلية الاستعمارية التي نظرت للسودان كمنطقة نفوذ وليس كدولة مستقلة. من منطق الهيمنة إلى شراكة السيادة أعترف بأن لمصر مخاوف أمنية حقيقية، خاصة فيما يتعلق بأمنها المائي. لكن تحويل هذه المخاوف إلى سياسات هيمنة يخلق حلقة مفرغة: الدعم العسكري الأحادي يطيل الحرب ويزيد عدم الاستقرار الإقليمي. استبعاد المدنيين من الحلول يضمن استمرار أنظمة لا تمثل إرادة الشعب، مما يهدد الاستقرار طويل المدى. تحويل السودان إلى ساحة لصراعات الجيران يعمق الأزمة ولا يحلها. نحو علاقة ندية لأأنهاء من خطاب التبعية إلى شراكة المصالح ما أطالب به ليس قطع العلاقات مع مصر، بل إعادة تعريفها على أساس جديد , شفافية في السياسات وعدم إنكار التدخلات الواضحة. توازن في التعامل يعترف بأن أمن مصر لا يتحقق على حساب استقرار السودان. شراكة حقيقية تعامل السودان كطرف مستقل وليس كامتداد جيوسياسي. من وهم الوساطة إلى ضرورة الشراكة السودان ليس رهينة في معادلات القوى الإقليمية، ولا يمكن أن يكون بطاقة مساومة في صراعات الجيران. الاعتراف بأن مصر طرف في الأزمة وليس وسيطاً محايداً هو بداية الحل. آن الأوان لعلاقة جديدة تقوم على الاحترام المتبادل والاعتراف بالسيادة الكاملة، علاقة تدرك أن أمن مصر واستقرار السودان وجهان لعملة واحدة، وأن استمرار منطق الهيمنة لن ينتج إلا مزيداً من التدهور للطرفين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة