يُعد البروفيسور علي مزروعي (1933 – 2014) أحد أبرز المفكرين الأفارقة في القرن العشرين، وعلماً فريداً في حقل الدراسات السياسية والثقافية الإفريقية. فقد جمع بين خلفية عربية–إسلامية وانتماء إفريقي وتجربة أكاديمية غربية، ما جعله قادراً على تقديم قراءات مركّبة للهوية والسياسة في إفريقيا، وطرح أسئلة تتجاوز القارة لتلامس الفكر الإنساني عامة. النشأة والتعليم: بدايات الوعي المركّب وُلد مزروعي في ممباسا بكينيا، في أسرة عربية من أصول سودانية–عُمانية، وهو ما شكّل خلفية ثقافية مزدوجة أمدته بوعي مبكر بتداخل الهويات. انتقل إلى بريطانيا حيث نال شهادة البكالوريوس من جامعة مانشستر ثم الدكتوراه من أكسفورد قبل أن يستقر في الولايات المتحدة ليصبح أستاذاً للعلوم السياسية في جامعة ميشيغان، ثم مديراً لمركز الدراسات العالمية في جامعة بِنغهامتون. هذا المسار التعليمي والمكاني عكس مساراً فكرياً متشابكاً بين الشرق والغرب، بين المحلي والعالمي. ثلاثية الهوية إرث متنازع أم تكامل ممكن؟ أشهر ما ارتبط باسم مزروعي هو سلسلته الوثائقية "الأفارقة: إرث ثلاثي" (The Africans: A Triple Heritage)، التي عُرضت على قنوات عالمية مثل BBC وPBS. وقد لخّص فيها مشروعه الفكري حول الهوية الإفريقية بوصفها نتاج تفاعل ثلاث منظومات كبرى- الإرث الإفريقي التقليدي، وهو عمق ثقافي وروحي ممتد منذ العصور القديمة. الإرث العربي–الإسلامي الذي تَمثّل في اللغة والدين والتجارة والنظم الاجتماعية. الإرث الغربي–الاستعماري بما تركه من مؤسسات سياسية وتعليمية واقتصادية. رأى مزروعي أن أزمة إفريقيا الحديثة تكمن في صراع هذه الإرثات الثلاثة، لكنّه في الوقت ذاته أشار إلى إمكانية تحويل هذا التعدد إلى مصدر قوة إذا ما أُحسن إدماجه في مشروع تنموي وثقافي متوازن. إسهاماته الفكرية والسياسية لم يقتصر فكر مزروعي على الهوية فحسب، بل امتد إلى مجالات أوسع، حيث كتب في العلوم السياسية والعلاقات الدولية والإسلام السياسي والدراسات الإفريقية. وقد تناول قضايا محورية مثل: موقع إفريقيا في النظام الدولي وتداعيات العولمة. علاقة الدين بالسياسة في المجتمعات الإفريقية. تحديات الدولة الوطنية بعد الاستعمار. التوتر بين العالمية والخصوصية الثقافية. وفي كل هذه القضايا، كان مزروعي يقدّم مقاربة نقدية تسعى إلى تفكيك الموروث الاستعماري من جهة، ومساءلة البنى التقليدية من جهة أخرى، وصولاً إلى صياغة نموذج إفريقي أكثر استقلالية. التكريم والتأثير العالمي نال مزروعي تكريمات واسعة من جامعات ومؤسسات أكاديمية حول العالم، ووُصف بأنه أحد أكثر المفكرين الأفارقة تأثيراً في القرن العشرين. لم يكن حضوره مقصوراً على قاعات الدرس، بل امتد إلى الفضاء العام من خلال مقالاته وحواراته وسلسلاته الوثائقية، ما جعله صوتاً مؤثراً في النقاش العالمي حول إفريقيا. إرث باقٍ بعد الرحيل توفي علي مزروعي عام 2014 في الولايات المتحدة، لكن إرثه الفكري ظل حاضراً في الجامعات ومراكز البحث ودوائر الفكر السياسي. فقد قدّم نموذجاً للمفكر الكوني الذي ينطلق من هوية مركّبة – إفريقية وعربية وإسلامية – ليخاطب قضايا العالم بأسره. تكمن قيمة علي مزروعي في كونه لم ينظر إلى إفريقيا كجغرافيا معزولة، بل كفضاء حضاري متعدد الروافد يواجه تحديات العصر بوعي مركّب. وقد ساعدت ثلاثيته الشهيرة في صياغة إطار نظري لفهم هذا التعدد، وهو إطار لا يزال صالحاً اليوم في مقاربة إشكاليات الهوية والتنمية في القارة. من هنا، يبقى مزروعي مفكراً مفصلياً يُذكّرنا بأن إفريقيا ليست مجرد موضوع للدراسة، بل شريك فاعل في صياغة الفكر العالمي.
بعض الكتب والمقالات لبروفيسور علي مزروعي متاحة على الشبكة بصيغة رقمية (PDF أو أرشيف إلكتروني)، أمثلة لما هو متاح
The Africans: A Triple Heritage متوفّر في أرشيف الإنترنت للقراءة أو التحميل. Internet Archive
مجلد Africa Since 1935 من سلسلة General History of Africa التي شارك مزروعي في تحريره متاح بصيغة PDF على مواقع أرشيف أكاديمي. repository.out.ac.tz
مقالة أكاديمية بعنوان “African Identity and Islam in Ali Mazrui’s Scholarship” متاحة بصيغة PDF في دورية علمية مفتوحة. ajis.org
ملفات أخرى مثل The African Experience in Politics and Culture أيضاً موجودة بصيغة PDF على مواقع ثقافية عامة. CCCB *
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة